مقالات

كيف نفهم العلاقة بين المحامين والقضاة؟/عمر زين

المحامي عمر زين(الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب):
حزنت حزناً كبيراً للأجواء المؤلمة التي سادت في الفترة الأخيرة بين بعض المحامين وبعض القضاة، الأمر غير المسبوق، والذي نرفضه شكلاً وأساساً لما تعكس هذه الأجواء من أضرار تصيب طبيعة العلاقة بين المحاماة والقضاء، تكون من نتائجها التأثير المباشر بتعطيل مبدأين إثنين: الاحترام المتبادل بين جناحي العدالة، والودّ المتبادل بينهما التي كرّستهما النصوص والأعراف وتقاليد مهنة المحاماة، وكذلك النظم القضائية وتراث وقواعد العمل القضائي.
لقد أكّدت قوانين تنظيم مهنة المحاماة في لبنان وباقي الدول العربية على أن تكون علاقة المحامي بالقضاء وبالعكس قائمة على التعاون باعتباره جزءاً من أسرة القضاء، ولنقيب المحامين دور رئيسي وبارز في أيّ شكاوى إدارية وقضائية تتعلّق بين المحامين والقضاة. ففي لبنان تعلّمنا من كبارنا أنّ في مراجعتهم هي الطريق الصحيح للوصول إلى النتائج المرجوة تحت سقف العدالة والاحترام والودّ في مثل هذه الأمور.
وفي المغرب مثلاً على المحامي واجب استشارة النقيب، وفي الاردن عليه أخذ إذن خطّي من النقيب بشأن أيّ مخاصمة أو شكوى، وفي مصر على المحامي الذي يرى أنّ الهيئة التي يباشر عمله أمامها مسّت كرامته أو كرامة المحاماة أن يرفع الأمر للنقيب الذي لا بدّ أن يبادر لحلّ أيّ إشكال يمكن أن يكون قد حصل، هكذا تراكمت ورست القواعد ومعها تراث العلاقة بين القضاء والمحاماة.
وفي تاريخ العلاقة هذه كان نقباء المحامين في العالم يقومون بدورهم في المعالجة الحكيمة التي تؤمّن وتحفظ الكرامات، وتؤكّد على القواعد والثوابت، ويتمّ ذلك بعيداً عن الضجيج والصراخ والانفعال والتدابير والاجراءات غير المقبولة بالتعاون مع الهيئات القضائية التي لم تكن لتتأخّر في حسم الموقف كما نقابات المحامين.
ومن المفيد جدّاً أن نؤكّد أيضاً هنا بأنّ اللوائح والمذكّرات والمرافعات التي يقوم بها المحامي أمام القضاء، والمرتكزة على الاستعانة بالنصوص القانونية والاجتهادات القضائية والفقه مع الاشارة إلى تطبيقها أو عدمه في قضيّة ما، فإنّها ولا شكّ تبني ثقافة قانونية متبادلة بين القاضي والمحامي تساعد وتؤثّر تأثيراً مباشراً وإيجابياً في دقّة الأحكام والقرارات وحسن سير العدالة في مضامينها.
ونؤكّد أيضاً وأيضاً أنّ التدابير والاجراءات العملانية المتعلّقة بالتبليغات ومواعيد الجلسات والدقّة في انعقادها والالتزام في وضع جدول الدعاوى والتقيّد بأصول المحاكمات، والحضور الدائم للقضاة إلى قصور العدل وعدم اقتصارها على يوم واحد في الأسبوع وذلك إلى حين تطبيق التبادل والمرافعة عن بُعد، وفي حال مخالفة يعرقل سير العدالة.
ونؤكّد بكلّ الوضوح بأنّ القضاء والمحاماة هما جناحا طائر واحد، وأنّ القضاة والمحامين يؤلّفون عائلة واحدة وهذا صحيح، جدّ صحيح، ولكن إذا كان أحد الجناحين مهيضاً كيف يتهيأ للطائر أن يطير؟ وإذا نشأ سوء التفاهم في العائلة الواحدة كيف يستقيم العيش العائلي الهانئ؟
ويقال بأنّه “قلّما يشارك المحامون القضاة التحسّس بالمصاعب والأزمات الضميرية والأخطار التي يلقونها في العمل.”
ولكن في المقابل من ذا الذي يستطيع أن يقول إنّ القضاة – جميعاً – يشاركون المحامين متاعبهم في ظروفهم العادية ولا نقول في ضرائهم!!! إنّه يؤسفني أن أقول إنّ بعض القضاة قلّما يشاركون المحامين مصاعبهم والأزمات الضميرية التي يجتازونها، بل إنّ بعضهم – وأشدّد على كلمة بعضهم إبرازاً للاستثناء – لا يفعل.
إنّه لا يصحّ في فهمي – مثلاً – أن يكون المحامي وحده هو الذي يدفع ضريبة التأخّر في حضور الجلسات في حين يبقى القاضي بمنجاة من المؤاخذة إذا تأخّر في عقدها بلا سبب.
وإنّي أتصوّر – وتتصوّرون معي – أيّ ألم يحزّ في نفس المحامي إذا أغفل القاضي الردّ على جميع الأسباب المطروحة أو لم يجب على كلّ مطلب أو لم يبيّن الأسباب الملائمة في حكمه إعمالاً لما ينصّ عليه قانوني أصول المحاكمات المدنية والجزائية.
وأتصوّر – وتتصوّرون معي – أيّ عنت يلقاه المحامي إذا ضاق القاضي ذرعاً بمرافعته الشفهية ضيقاً غير مبرّر فقاطعه بالسؤال التقليدي: والآن ما هي مطالبك يا أستاذ؟!
من أجل كلّ ذلك ومنعاً من استعمال هذه الحالات الشاذة التي شهدناها في الأيّام الأخيرة ندعو إلى:
أوّلاً: العمل على تدريس وتثقيف المحامين إلزامياً خاصة الذين انتسبوا حديثاً للنقابة وصولاً إلى من مضى على انتسابهم للمهنة عشرون سنة. العمل على تدريس قانون تنظيم مهنة المحاماة والنظام الداخلي بما فيه نظام آداب المهنة ومناقب المحامين الذي وضعته لجنة برئاسة نقيب المحامين السابق ريمون عيد بناء لطلب المرحوم النقيب ميشال ليان وموافقة مجلس نقابة المحامين في بيروت برئاسة النقيب ريمون شديد، وهذا التدريس والتثقيف لا بدّ أن يرافقه تطبيقات عملية لمشاكل وحوادث ومخالفات يطرحها المحامون أثناء ذلك حاصلة معهم من خلال ممارستهم للمهنة.
ثانياً: تدريس وتثقيف القضاة مع تمارين عملية مكثّفة وفقاً لما يحصل في معهد الدروس القضائية، وخضوع المتخرّجين أيضاً لدورات سنوية وفق رزنامة توضع لهذه الغاية للتأكيد الدائم على القواعد الأساسية لأخلاقيات القضاء، وكذلك على الدليل إلى واجبات القضاء وأخلاقياته التي أوعز معالي الدكتور بهيج طبارة إلى لجنة شكّلها لوضع هذه القواعد، والدليل كذلك من الرؤساء فيليب خير الله وطانيوس الخوري وغالب غانم وطارق زيادة والتي وضعت بشكل حاسم وجازم المبادئ لكلّ ذلك وهي الاستقلال، والتجرّد، والنزاهة، وموجب التحفّظ، والشجاعة الأدبية، والتواضع، والصدق والشرف، والأهلية والنشاط، وقد تبنّت هيئات التفتيش القضائي العربية بدون أيّ تعديل هذه القواعد والدليل.
ثالثاً: وقف إصدار البيانات من نقابتي المحامين في لبنان ومن مجلس القضاء الأعلى لأنّ ذلك لا يفي بالغرض المنشود ولا يحلّ إشكالاً، كما وقف سيل المقالات التي تصدر بالخصوص من أيّ جهة كانت للسبب ذاته.
رابعاً: وضع أجندة للنقاش الدائم بين مجلس القضاء الأعلى ونقابتي المحامين ينظر بها شهرياً لمحاسبة كلّ ما يسيء إلى العلاقة بين المحامين والقضاة وحلّ القضايا العالقة.
خامساً: تطبيق مبدأ الثواب والعقاب على المحامين والقضاة بدون تضخيم أو تشهير.
بذلك كلّه، نستطيع أن نبني محامياً وقاضياً نموذجياً نؤمّن من خلالهما إستقلالية القضاء وحسن سير العدالة وسيادة حكم القانون.
“محكمة” – الاثنين في 2019/7/1

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!