أبرز الأخبارمقالات

إشكاليات شطب القيد الطائفي/عطاف قمر الدين

عطاف قمر الدين:
تعدّ الطائفية من سمات الحياة السياسية اللبنانية لأسباب معروفة، ولطالما دفع اللبنانيون أثماناً باهظة بسبب الطائفية وتداعياتها السلبية على كافة الأصعدة، فمن اعتبارات المحاصصة إلى اعتبارات التوازن الطائفي، أُهدِرت حقوق وضاعت المواطنية بحيث تفوّق الشعور بالإنتماء الطائفي لدى اللبناني، على شعور الإنتماء إلى الوطن!
وأمام هذا الواقع، كان لا بدّ من بروز اتجاه شعبي نحو نبذ الطائفية، التي اتُخذت لعقود كذريعة لتحكّم الطبقة السياسية الحالية بالسلطة.
وبالفعل، انتفض اللبنانيون أخيراً ثائرين على الفساد والمحاصصة وأسلوب شدّ العصب المذهبي، باسم الحفاظ على حقوق الطائفة وذلك بانطلاق الإنتفاضة الشعبية في ١٧ تشرين الأوّل ٢٠١٩.
وعلى أثر الأحداث المستجدة في هذا السياق، طرحت موضوعات قانونية ذات صلة بمطالب الإنتفاضة على بساط البحث، ومنها مسألة شطب المذهب من سجلّ النفوس أو شطب القيد الطائفي، كخطوة شعبية عبارة عن وسيلة ضغط إضافية نحو إقرار قانون انتخاب خارج القيد الطائفي المنوّه عنها في المادة ٢٤ من الدستور اللبناني، وصولاً إلى الغاية الأهمّ المكرّسة في الفقرة (ح) من مقدّمة الدستور ألا وهي إلغاء الطائفية السياسية، حيث جاء في الفقرة المذكورة أنّ:«إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطّة مرحلية”.
ويُمكن تعريف إجراء شطب المذهب على أنّه إجراء قانوني يتمّ إدارياً عبر تقديم طلب “إزالة الإشارة إلى الطائفة من سجلات النفوس” إلى مأمور النفوس في مركز القضاء (حسب هويّة مقدّم الطلب) مُوقَّعاً ومُؤرَّخاً بعد إرفاق صورة الهوية به. وهو يقضي بإلغاء ذكْر المذهب من الخانة المخصّصة له في إخراج القيد بشكله القائم حالياً، والإستحصال بنتيجة ذلك على نسخة معدّلة من إخراج القيد تُترك فيها خانة المذهب فارغة ويُعبّر عنه بعلامة (X) باللون الأحمر.
وإذا كان شطب المذهب قد تبلور مؤخرّاً كشكل من أشكال نبذ الطائفية، إلاّ أنّه ليس بإجراء جديد أو حديث، فقد سبق وتمّ تناوله رسمياً بالتعميم المنشور في ٦ شباط ٢٠٠٩ والصادر عن وزير الداخلية والبلديات آنذاك زياد بارود إلى مديرية الأحوال الشخصية ورؤساء أقلام النفوس، والمستند إلى “حقّ كلّ مواطن في عدم التصريح عن القيد الطائفي في سجّلات الأحوال الشخصية، أو شطب هذا القيد، المستمدّ من أحكام الدستور اللبناني، الذي كرّس، في المادة التاسعة منه، حرّية الاعتقاد”، والمتعلّق بقبول عدم تصريح صاحب العلاقة عن القيد الطائفي، وقبول طلبات شطبه من سجّلات النفوس، كما ترد دونما حاجةٌ إلى أيّ إجراء إضافي.
ولمّا كنا قد بدأنا نشهد حملات إلكترونية على مواقع التواصل الإجتماعي، تصبّ في خانة التشجيع على إجراء شطب المذهب، رأينا ضرورة توضيح العقبات أو الصعوبات القانونية المتصوّر أن يصطدم بها الإجراء المذكور على الصعيد العملي (بعيداً عن أثره المعنوي الإيجابي – برأينا- والذي تمّت الإشارة إليه آنفاً)، وتلك العقبات قد تطرأ على أكثر من صعيد:
– على صعيد الترشّح والإقتراع في الإنتخابات: لا ينعكس عدم التصريح عن القيد الطائفي أو شطبه من السجّلات على الإقتراع، إلاّ أنّه يجب للترشّح تقديم إفادة توضّح بأنّ الشخص المعني لا يزال منتمياً إلى طائفته رغم شطب قيده الطائفي من سجلات الأحوال الشخصية (بحسب جواب “هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل” على الكتاب الذي كان قد أرسله وزير الداخلية والبلديات السابق زياد بارود بهذا الشأن).
– على صعيد التقدّم إلى الوظائف العامة: قد يعيق شطب المذهب قبول طلب التقدّم لوظيفة ما لاعتبار الأوراق الثبوتية المطلوبة لقبوله غير مكتملة.
– على صعيد الزواج: في ظلّ عدم وجود قانون ينظّم الزواج المدني في لبنان، يشكّل شطب المذهب عائقاً أمام إتمام إجراءات الزواج، فلو أراد مثلاً شاب مسيحي “شاطب” أن يتزوّج يُتوقّع أن تطلب منه الكنيسة العودة إلى التعمّد وإعادة المذهب إلى القيد، وإلاّ تقديم إخراج قيد عائلي يثبت مسيحية الأب.
– على صعيد الإرث: يشكّل شطب المذهب عقبة أمام تحصيل حقوق الميراث الذي تتمّ إجراءاته وفق قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في هذا الإطار.
– على صعيد تسجيل الأبناء: قد يقف شطب المذهب كعائق أمام الإستحصال على وثيقة ولادة لأبناء “الشاطب” تبعاً لكون الفروع يتبعون الأب في سجّلات أحوالهم الشخصية.
– بالمحصّلة، قد يجد “الشاطب” نفسه مخيّراً بين العودة عن شطب المذهب، علماً أنّه يتمّ ذلك بقرار قضائي وليس بإجراء إداري كما في حالة التقدّم بطلب شطب القيد الطائفي، أو إبراز ما يبيّنه في مستندات أخرى (كإخراج القيد العائلي)، فلا تعدو تلك الخطوة – في الوقت الراهن – كونها تسجيل موقف يرتدّ سلباً في المعاملات القانونية على صاحبه. على أمل أن تلغى الطائفية من النفوس قبل النصوص، عسانا نشهد قريباً علاقة بين المواطن اللبناني ودولته تقوم على أسس المواطنية السليمة.
“محكمة” – الإثنين في 2019/12/2

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!