أبرز الأخبارعلم وخبر

إجتهاد لمحكمة التمييز المدنية في قضيّة ادعاء التزوير المُوْقِف للتنفيذ/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
سطّرت الغرفة الخامسة من محكمة التمييز المدنية والمؤلّفة من القضاة ميشال طرزي رئيساً، وجون القزّي ودورا الخازن مستشارين، إجتهاداً جديداً من نوعه في ما يتعلّق بالحؤول دون إطالة أمد المحاكمات في قضايا تنفيذ سند بموازاة وجود دعوى جزائية في الموضوع عينه تتصل بادعاء التزوير فيه.
فمن المعروف أنّ نصّ المادة 850 من قانون أصول المحاكمات المدنية لم يوضع من أجل التهرّب من التنفيذ أو وقف التنفيذ في معاملة تنفيذية بانتظار صدور حكم مبرم في دعوى جزائية في الموضوع نفسه، غير أنّ هناك من رأى في هذا النصّ طريقاً للمماطلة بحيث يؤدّي وقف تنفيذ السند المدعى بتزويره ، سنوات وسنوات قد تمتدّ عشر سنوات إلى حين صدور الحكم المبرم، وهو أمر لا يخدم سير العدالة، فادعاء تزوير السند يعني تعليق نتيجة الدعوى إلى حين صدور حكم نهائي فيه عن محكمة التمييز، لذلك وجد المقرّر القاضي القزّي ضرورة وضع قرار إجتهادي يحصّن النصّ توخّياً للغاية الأصلية التي وضع من أجلها، ووافقه زميلاه في المحكمة على نظرته القانونية السليمة والإيجابية ليصدر القرار رقم 82/2015 بالاتفاق.
وفي الأصل، أنّه بمرور عشرة أيّام على عدم إيفاء السند أو الاعتراض عليه عند وضعه قيد التنفيذ لا يعود قابلاً للطعن إلاّ لسبب انتفاء الحقّ كلّياً أو جزئياً، غير أنّ ادعاء تزويره أمام المحاكم الجزائية يوقف تنفيذه إلى أن تُصدر محكمة التمييز حكمَها المبرم فيه، وقد لا يكون هذا الادعاء صحيحاً، وإنّما وسيلة وذريعة لمنع وصول الحقّ إلى صاحبه وهو أمر يعطّل الغاية المنتظرة من إحقاق الحقّ.
وفي هذه القضيّة لم ينف المُنفَّذ عليه توقيعَه لسندي الدين المتوجّبين عليه، بل تذرّع بصورتيهما، وهو أمر وجد فيه رئيس دائرة التنفيذ خروجاً عن مفهوم ادعاء التزوير الموقف للتنفيذ.
ويمثّل هذا الاجتهاد الصادر في 8 تموز/يوليو 2015، رسالة إلى مجلس النوّاب بضرورة تعديل بعض النصوص القانونية في قانون أصول المحاكمات المدنية مثل المادة 850 منه وتطويرها للحؤول دون استعمالها حاجباً للوصول إلى الحقّ.
باسم الشعب اللبناني
إنّ محكمة التمييز المدنية- الغرفة الخامسة برئاسة القاضي ميشال طرزي وعضوية المستشارين القاضيين جون القزي مقرّراً، ودورا الخازن.
بعد الاطلاع على الأوراق،
ولدى التدقيق في مآلها والمذاكرة،
حيث وعطفاً على قرار النقض بتاريخ 12-6- 2014، قدّمت الشركة المميّز عليها المستأنف عليها، شركة جورج خ. وشركاه (شركة توصية) بواسطة وكيلها الأستاذ وديع قرطباوي لائحة جوابية بتاريخ 30- 10- 2014 طلبت بمقتضاها ردّ الاستئناف وتصديق قرار رئيس دائرة التنفيذ في جديدة المتن المستأنف في ما قضى به لجهة إعطائه الشكوى الجزائية وصفها الصحيح واعتباره أنّ حقيقة الادعاء الجزائي هو الصورية وليس التزوير، بهدف ردّ المطالبة بوقف التنفيذ، وتضمين المميّز، المستأنف الرسوم والمصارفات والعطل والضرر، مع الإشارة إلى ردّ المحكمة الابتدائية المدنية الاعتراض على التنفيذ لعلّة تزوير السندين،
وتبيّن أنّ المميّز، المنفّذ بوجهه، المستأنف (ألك ك.)، قدّم بتاريخ 7-11- 2014، بواسطة وكيله الأستاذ جورج فيكان باتانيان، لائحة جوابية إستعاد فيها مآل أقواله طالباً فسخ القرار الصادر عن رئيس دائرة التنفيذ في المتن بتاريخ 19-9- 2013 عملاً بأحكام الفقرة الأولى من المادة 850 أ.م.م. وقاعدة “الجزاء يعقل الحقوق” والحكم بالتالي، بوقف التنفيذ في المعاملة التنفيذية رقم 130/2012 إلى حين صدور حكم مبرم في الدعوى الجزائية رقم 2511/2012 المقدّمة ضدّ الشركة المستأنف عليها، أمام القاضي المنفرد الجزائي في المتن بجرم التزوير وساتعمال المزوّر، مع تضمينها الرسوم والمصارفات واستعادة التأمين.
بناء عليه
وحيث عطفاً على قرار النقض الصادر بالأكثرية بتاريخ 12-6-2014 بما استغرقه لجهة قبول الاستئناف شكلاً وفي ما خصّ الموضوع، فإنّه وبموجب المادة 850 من قانون الأصول المدنية، تبلّغ دائرة التنفيذ نسخة عن طلب التنفيذ وعن السند المطلوب تنفيذه إلى المُنفّذ عليه وتنذره بوجوب الإيفاء ضمن مهلة عشرة أيّام، أو بتقديم اعتراضه على التنفيذ خلال هذه المهلة أمام المحكمة المختصة، وبانقضاء هذه المهلة من دون تقديم الاعتراض، يصبح السند غير قابل للطعن إلاّ لسبب انتفاء الحقّ كلّياً أو جزئياً،
ولا يوقف هذا الطعن الأخير التنفيذ، ما لم يكن مسنداً إلى التزوير، فإذا ما أدلى بتزوير السند أمام المحاكم الجزائية يقرّر رئيس دائرة التنفيذ وقف التنفيذ حكماً حتّى الفصل بهذا الادعاء بقرار مبرم،
وحيث ممّا تقدّم يتبدّى بأنّ وقف التنفيذ إنّما هو مطلوب من قاضي التنفيذ بحسب صراحة النصّ الحاكم، فيكون بالتالي على قاضي التنفيذ في معرض مقاربته المطلب الرامي إلى وقف التنفيذ، أن يتبيّن مدى، تأثير الدعوى الجزائية على وجود سند التنفيذ وصحّته، وبالتالي إنتاجية مفاعيله، ولا يستقيم النيل من صميم دوره لهذه الجهة ونزع سلطته في تقدير مدى جدّية الادعاء الجزائي وإلاّ افتقد النصّ غايته المبرّرة وبات وقف التنفيذ الوجوبي هو المقابل لكلّ شكوى جزائية قد لا تحمل من ادعاء التزوير إلاّ العنوان فقط، وعليه فإنّ رئيس دائرة التنفيذ في قراره المطعون فيه، إذ هو في تقصّيه حول مدى توفر شروط وقف التنفيذ الحكمي، وَقَفَ عند ماهية التزوير المدعى به ومكانته ومواضعه، عارضاً لعدم إنكار المستأنف (المنفّذ عليه) توقيعه لسندي الدين الجاري تنفيذهما مشيراً إلى تذرّعه بصورتيهما، خالصاً إلى خروج الطعن بذلك، عن مفهوم ادعاء التزوير المُوْقِف للتنفيذ بحكم القانون سنداً للمادة 3/850 أ.م.م. فإنّه لا يكون خالف القانون لاسيّما النصّ المذكور، على ما جرى بيانه، ما يوجب ردّ الاستئناف أساساً وتصديق القرار الاتبدائي، بعد ردّ ما زاد أو خالف في الطلبات.
لهذه الأسباب،
تقرّر بالاتفاق وعطفاً على قرار النقض المنتهي إلى قبول الاستئناف في الشكل:
أولّاً: ردّ الاستئناف موضوعاً، وتصديق قرار رئيس دائرة التنفيذ الصادر في 19-9- 2013 ، وردّ ما زاد أو خالف في الطلبات.
ثانياً: مصادرة التأمين الاستئنافي إيراداً للخزينة.
ثالثاً: تضمين المستأنف النفقات”.
وسبق للغرفة الخامسة لمحكمة التمييز المدنية برئاسة القاضي جان عيد وعضوية المستشارين ليليان سعد وسانيا نصر أن أصدرت القرار رقم 120/2013 في 28/5/ 2013 في دعوى المميّز مروان م. وكيلته المحامية نيقول موسى غانم، والمميّز عليه شربل م. وكيله المحامي إيلي سليمان إعتبرت فيه وجوب وقف تنفيذ المعاملة التنفيذية إلى حين صدور الحكم المبرم في ادعاء التزوير ، وبالتالي فسخ قرار رئيس دائرة التنفيذ في المتن والحكم مجدّداً بوقف التنفيذ.
وتعيد “محكمة” نشر تعليل محكمة التمييز المدنية لموقفها المذكور وذلك تعميماً للفائدة، وفيه: بما أنّ سلطة رئيس دائرة التنفيذ، عند ادعاء تزوير السند، ليست استنسابية، بل مقيّدة على النحو المنصوص عليه في المادة 850 ( أ.م.م. ) حيث ورد أنّ وقف التنفيذ هو حكمي حتّى صدور حكم مبرم في القضيّة دون تمييز بين تزوير مادي أم معنوي، فتنحصر سلطة رئيس دائرة التنفيذ بالتثبّت ممّا إذا كان ادعاء التزوير ينصبّ فعلياً على السند أم لا، ومن أثره على التنفيذ،
وإنّ محكمة الاستئناف، إذ هي اعتبرت أنّ ادعاء التزوير لا يطال مندرجات السندين ولا التوقيع عليهما، فإنّها تكون قد شوّهت مضمون ادعاء التزوير الذي انصبّ على الوقائع المدعى عدم صحّتها وحقيقتها وعدم صحّة ما ورد في السند من أنّ قيمته وصلت نقداً، كما أنّها تكون قد خالفت المادة 850 بتمييزها بين تزوير مادي وتزوير معنوي إعتبرته غير مُوْقف حكماً للتنفيذ، في حين أنّ المشرّع لم يميّز بين كلا الادعاءين بالتزوير ، كما تكون قد أفقدت قرارها الأساس القانوني باعتبارها أنّ عدم تزوير التوقيع وبيانات السند لا يفضي إلى وقف تنفيذه ، وبهذا ينقض قرارها برمّته.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 2 – كانون الأوّل 2015).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!