أبرز الأخبارمقالات

… حتى الدولة الشرطي؟

كتب النقيب عصام كرم:
حتّى الدولة الشرطي état gendarme … وهي أُولى مظاهر الدولة … مفقودة في لبنان. في زمان الأحداث نهض تسميات … منها “الأمن بالتراضي”. والتشريع كان بالتراضي. والقرارات الحكومية الجَوَّالة… ما زلنا نذكر. اليوم ، تُستعاد الحالة إياها.الأمن بالتراضي. والتشريع صار يحمل إسم ” تشريع الضرورة”.لأنّ المشترع تغافل عن ضرورة التشريع.
الأمن بالتراضي. حادث التعرّض لتلفزيون “الجديد” روجعت قوى الواقع في شأنه … لا وزارة الداخلية. وخطف التاجر الزحلاوي روجعت قوى الواقع في شأنه …لا وزير الداخلية. والسبب الطلب إلى قوى الواقع … ولا أُريد أن استعمل العبارة التي كانت تُستعمل في إبّان الأحداث … قوى الأمر الواقع … أن ترفع الغطاء عن المطلوبين. “رفع الغطاء” يعني أنّ المساواة بين المواطنين مفقودة في لبنان. وأنّ القانون يطاول مَن كان مكشوف الرأس … بلا غطاء!
في أمن المخيّمات تُراجع “الفصائل” … لا وزير الداخلية. وهكذا دائماً. أصلاً، قوى الواقع، واستطراداً الدولة اللبنانية.
ألدولة غائبة… إلاّ في مجال فرْض الضرائب. لبنان دولة متخلّفة في كلّ المجالات. وهو دولة عصرية في العمل الضريبي. وهذا دليل آخر على ضعف الدولة. ألعجز عن لجْم الفساد ومنْع الهدر … والهدر يعني السرقة … يحدوها على الإقتدار في المجال السهل… مجال فرْض الضرائب على الناس… وهي تعلم أنّ الناس عاجزون عن احتمال الضرائب القائمة … فكيف بزيادتها!.
بعض من يتولّون يهوون الفعل الضرائبي. في بالي إسم وزير فرنسي … جوزيف كايّو … في الربع الأوّل من القرن الماضي… بالغ في فرض الضرائب. فحملت عليه جريدة ” لو فيغارو ” اليومية … فقتلت إمرأته مدير الجريدة … وكان إسمه غاستون كالميت.
“موظّفون “يقبضون معاشاً من مال المكلّف… ولا يعملون. وظائف وهميّة … والمعذرة من فرانسوا فيّون … ورواتب حرام تكفي لتمويل سلسلة الرتب والرواتب.
والقصة قديمة. أحمد الأسعد … طيّب اللّه ثراه … عيّن شخصاً أُميّاً من أنصاره أُستاذاً في مدرسة رسمية ليقبض معاشاً في آخر كلّ شهر. ويتولّى إميل لحود وزارة التربية. وتأتيه أخبار المعلّمين الأُمّيين. فيقرّر إجراء امتحان لمعلّمي المدارس الرسمية. فيذهب الأستاذ إلى أحمد بيك. فيحتار سيّد الطيّبة… إلى أن أطلعتْه من حيرته خاطرة ظريفة فقال لـ “المعلّم”: “طمِّنْ بالك. عينّاك في اللجنة الفاحصة”.
ظرفاء كانوا رجال ذاك الزمان. رجال اليوم … في معظمهم … صاروا وقحين وثقيلي الدم. والعقلية هي هي. هذا الطين من هذا العجين!.
* * *
لم يتغيّر شيء في السيرة اللبنانية. ألباب العالي والإنتداب مثليان في مجال التسلّط. والإستقلال ما تحرّر من طغيان السلطنات ولا من غطرسة الإنتدابات. كأنْ كُتب على لبنان أن يظلّ لبنان المتصرّفية يتولّى شأنه “القناصل” مع تعديل التسمية … فالقناصل صاروا سفراء يتدخّلون في شأن دولة مستقلّة متجاهلين القوانين الدولية. رئيس الجمهورية، ميشال عون، قال كلاماً عن الجيش والمقاومة. فتعترض سيغريد كاغ، ممثّلة الأمين العام للأُمم المتّحدة، على كلام الرئيس كأنّها من أهل البيت. أو كأنّها وصيّة على أهل البيت. مع أنّ ميشال عون ما قال كلاماً يستلزم الإعتراض. قال، وفي باله العَداء الإسرائيلي لـ لبنان، إن المقاومة واجبة الوجود لأنّ الجيش غير قادر على جَبْه عدوان إسرائيل. وميشال عون يعرف… وهو خير العارفين … أنّ قدرتين يجب أن تتوافرا للجيش… قدرة قتاليّة، وقدرة ناريّة. ألقدرة القتالية موفورة في الجيش اللبناني. أما القدرة الناريّة، فلا. لأنّ الذين يعطونه سلاحاً يتصرّفون تحت عنوان “السلاح الكاسر للتوازن”، لذلك … وَجَب وجود المقاومة. لأنّ العدوان الإسرائيلي … والإحتلال صورة من صوره … لا يفتقر إلى القدرة … ولا إلى الذريعة … ليضرب في لبنان.
شارل مالك كان ، يوم هو ممثّل لبنان لدى هيأة الأُمم المتّحدة، يكتب إلى بشارة الخوري ورياض الصلح أنّ إسرائيل لا تلتزم القانون بل تتدرّع القوة. ومع الزمن ثَبَت أنّ المنطق الإسرائيلي يرى أنّ القضية التي لا تُحلّ بقوّة معينّة تُحلّ بقوّة أكبر. فهل يُقبل تسييب لبنان … حدوداً وأجواء وبحاراً … للمزاج الإسرائيلي الحريص على فوقيّته؟.
أنا مع رئيس الجمهورية في كلامه على وجوب وجود المقاومة. أقول هذا مع علمي بأنّ الصراع الإقليمي ينعكس على الحالة اللبنانية. أنا لا أعرف السفارة السعودية. ولا السفير السعودي. ولا أعرف السفارة الإيرانية. ولا السفير الإيراني. لكنّي أعرف أنّ من حقّ لبنان أن يرعى مقاومة يشرّعها قيام الإحتلال. هي المعادلة المعولمة. كلّ احتلال يَلِد مقاومة. والذين يريدون إزالة المقاومة، عليهم أن يبدأوا بإزالة الإحتلال. زوال السبب يزيل النتيجة. الجنرال ديغول ما تخلّى يوماً عن المقاومة. وإذا هو لم يُنزلها ساحة إنزال 6 حزيران 1944 فلأنّه خاف عليها من الفيهرماخت. فترك الأمر للجيوش الحليفة. وحرص على التحدُّث إلى الفرنسيين من الـ بي بي سي على رغم غضب تشرشل وممانعته.
ألجيش اللبناني قتالي ينقصه السلاح … الكاسر للتوازن. وإلاّ ، كان عليه، من أجل سلامة لبنان، أن يقاتل العدوان… هو والمقاومة. ألذّين يفكّرون تفكيراً آخر يتصرّفون كأنّ إسرائيل ليست عدوّ لبنان. لبنان لا يعادي. لكنّه … وهذا واجبه وهذا قَدَره … يواجه من يعاديه. والقول إنّ تسليح الجيش لا يحصل خوفاً من أن يؤول السلاح إلى المقاومة كلامٌ يُردّ عليه بسؤال: وهل المقاومة في حاجة إلى سلاح؟.
كلام ميشال عون عن المقاومة كلامٌ مسؤول. وهو لا يتعارض مع زيارته الرياض. ولا يتمانع مع منطوق القرار 1701. لأنّ رئيس الجمهورية يعرف القرارت الدولية. ولأنّ لبنان أوّل المتقيّدين بالأعراف الدولية… وهو من ضحايا العاملين على الإزراء بهذه الأعراف والقرارات.
والحاكون عن “الدولة” بغيرة أُم الصبيّ يبدأون قراءة التاريخ من الصفحة التي يختارون. ألصحفات السابقة مطويّة. عفاها التاريخ. وتغمدّها النسيان. مثْلهم مثْل الذين تقسّموا الدولة إقطاعات كما “المقاطعجية” في زمن الإمارة. كأنّ التناسي يمحو غدرات الزمان! وكأنّ الشبق إلى تعزيز الـ أنا وتسمين المقتنى ليس قرشاً دائراً عند المتولّين… وعند الناهدين إلى التولّي. عندما يكون المال مال الدولة يصير نهبه حلالاً لأهل الدولة. في كلّ العالم هكذا. لا في لبنان وحده. قصّة “بْالينغ بْلينغ” مع رؤساء فرنسا هي القصّة نفسها مع قادة العالم الثالث. نَهَم. جوع. شهوة. عيون فارغة تتطلّع إلى الأشياء الفارهة. في “الأغاني” كلام على شاعر إسمه “موسى شَهَوات”. قلّ عارفوه. هو موسى بن يَسَار مولى قريش. ويُكنىّ أبا محمّد. وشَهَوات لقب غلب عليه لأنّه كان سَؤولاً ملحفاً. وكان كلّما رأى مع أحد شيئاً يعجبه من مال أو متاع أو ثياب أو فَرَس، يتباكى. فإذا قيل له: ما لَك؟ قال: أشتهي هذا. فسُميّ موسى شهوات.
“بلينغ بْلينغ” ليس نفسيةً جديدة. ولا هواية الجهد الأقلّ نفسيّة جديدة. فرْض الضرائب أسهل على الدولة من فرْض القانون. مع أنّ الناس، تعلم الدولة لا يثقون بها، وفي قناعتهم أنّ الضرائب تذهب في غير الأغراض التي جُبيت من أجلها.
هكذا… من أميركا إلى لبنان… مروراً بـ ماليزيا والـ بيرو وأُوغاندا. الأميركيون يواجهون التحدّيات الكبرى مع رئيس أُوتوقراطي. ألحرّيات مهدّدة ومعرّضة للإمتهان إذ تواجه مسيرة الفساد والغشّ الذي صار إسمه، بعد عملية تجميلية، “مهارة”. وفي الكلام الأميركي أنّ رونالد ترومب ليس لغزاً. هو واضح. في المشي إلى الحكم. وفي تولّي الحكم. عارفوه يقولون إنّه ما أراد يوماً أن يكون رئيساً. معركته تشبه حملة بروباغندا لأحد النتاجات الصناعية. ستيف بانون، راسبوتين البيت الأبيض، ولـ الكرملين راسيوتينه، كاتب الخطب السياسية والمشير السموع الكلمة، فاشي فوضوي. هذا كلام أميركي تردّده أُوروبا. ترومب ليس بعيداً عن هذا الوصف. في خلال أُسبوعين إستطاع … ولست أدري إذا كان ذلك في مواصفات رئيس دولة … أن يُغضب حكّام المكسيك والصين وألمانيا وإيران واُستراليا. محيِّر. في خلال أُسبوع تجاوز معارضوه الخمسين في المئة. يهوى ذاته. ويرنو بإعجاب إلى الأقوياء. بوتين. إردوغان. فيكتور أُوربان. ممنوعٌ أن يعارض صحفي. وممنوعٌ أن يخالف موظّف. إمّا أن يُطيع. وإمّا أن يستقيل. والـ كونغرس مدعوٌّ إلى بيت الطاعة … والخطاب الهادىء الأخير أمام الـ كونغرس إنّما كان لتشغيل الواجهة. ألفساد رسمي. فعل الدولة. “وسخاء” ترومب لا يعرف حدوداً. ولا أُصولاً. ألرشوة شرعيّة.”اْعتزّوا يا لبنانييّ”!.
هذه هي أميركا اليوم بعدما كانت أرادت نفسها مجتمع حرّيّة الفكر وحرّية الإنسان!
يوم بدأ شهر العسل مع فلاديمير بوتين قام من يذكّر الرئيس الأميركي بأنّ الرئيس الروسي سبق أسلافه… من القيصر نقولا الثاني إلى بوريس يلتسين … في حديث عن “الذئب الأميركي” المستعدّ لإطاحة المبادىء… من الديموقراطية إلى حقوق الإنسان… إذا قضت مصلحته، مستذكراً الذئب الذي وقع في بئر … هو إنسان ونعجة. وعندما جاع افترس الإنسان ووفّر النعجة.
* * *
تختلف مع المقاومة على أشياء كثيرة. وعلى تدخُّل ناس، باسمها، حتّى في القضاء. ولكن… لا نختلف معها على السلاح. مع معرفتنا بأنّ أهل المقاومة “لبنانيون” … خيطان في حياكة الخامة اللبنانية. ولست أدري إذا كانوا مقتنعين بأنّ مجلس الشيوخ طموح إصلاحي. يوم 23 أيّار، يوم أحد، أعلن المفوّض السامي، هنري دو جوفنيل، الدستور اللبناني. في 27 تشرين أوّل 1927 كان أوّل تعديل دستوري. وكان أوّل ما تناوله هذا التعديل إلغاء مجلس الشيوخ وجمْع النواب والشيوخ في مجلس واحد … والسبب ثقل الجهد التشريعي!!!
* * *
نريد إصلاحاً؟ فلنبدأ بـ الدولة الشرطي. لأنّ أُولى حقوق المواطن على الدولة أن يشعر بالأمان!.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 16- نيسان 2017).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!