علم وخبر

أمّهات في عيدهنّ ينتظرن تقليد إيران والعراق برفع سنّ الحضانة/نجوى العرب

نجوى العرب:
“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”(سورة الروم، الآية21).
إذا كان الزواج هو الحدث الأهمّ في حياة الإنسان لصدوره عن علاقة فريدة بين ذاتين تغذّيها العاطفة القلبية، إلاّ أنّ بعض الزيجات قد تواجه نهايات حزينة ومؤلمة لأسباب متعدّدة منها اختلاف طبائع الزوجين، وزوال عنصر الإنسجام، فيذهبان إلى الطلاق وهو أبغض الحلال.
على أنّ هذه النهاية قد تكون بداية لمأساة أخرى إذا كان ثمّة طفل أو مجموعة أطفال نتيجة هذا الزواج، إذ تظهر إشكالية امتلاك حقّ الحضانة، فمتى تكون هذه الحضانة من “نصيب” الأمّ ومتى تفقدها؟ ولماذا هناك فارق كبير في تحديد سنّ الحضانة بين لبنان وإيران والعراق؟ ولماذا يراد للطفل أن يدفع فاتورة الإنفصال من قيمته الإنسانية كتأثيرها المباشر على كيانه روحيًا ونفسيًا ونموًا وتفكيرًا؟
لا شكّ أنّ دعاوى الحضانة في لبنان تشكّل قنابل موقوتة تنفجر بين الحين والآخر، فيظلّ بعضها طيّ الكتمان لرفض أصحاب العلاقة الإضرار بالطفل في حال وجوده، ويتسرّب بعضها الآخر إلى العلن ليشهد المجتمع “معركة” بين الأمّهات والمحكمة الشرعية الجعفرية نتيجة اختلاف”الرؤية” حول سنّ الحضانة، فالأمّ تريدها بطبيعة الحال، أبدية وحتّى فناء العمر وعدم جواز التفرقة بينها وبين روحها المتمثّلة بطفلها، بينما المحكمة الجعفرية حدّدتها حتّى عمر السنتين للذكر والسبع سنوات للأنثى، وذلك انطلاقًا من الآية رقم 233 في سورة البقرة في القرآن الكريم والتي تقول:“وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ”.
صاري
يختلف الأمر لدى المحكمة الشرعية السنّية التي عدّلت سنّ الحضانة بعد عمل شاق للقاضي العدلي نبيل صاري خلال تولّيه مسؤولية مفتّش عام في هذه المحاكم، فبذل جهودًا مضنية توّجت برفع سنّ الحضانة من سبع سنوات للذكر وتسع سنوات للأنثى إلى 12 سنة لهما معًا مع إمكانية رفعها إلى سنّ الخامسة عشرة إذا ما اقتضت مصلحة الطفل أو الطفلة هذا الإجراء.
ويرى القاضي صاري في حديث مع “محكمة” أنّ مصلحة الطفل تكون بالدرجة الأولى وتؤخذ بالإعتبار قبل أيّ شيء آخر، وذلك لما له من احتياجات بيولوجية ونفسية وتربوية وعاطفية، وقد كان لتعديل سنّ الحضانة الأثر الإيجابي في حياة الكثير من الأطفال والأمهات.
ويكشف صاري عمّا كان يلاحظه خلال عمله على تعديل قانون رفع سنّ الحضانة من “حجم المعاناة في موضوع افتراق الأولاد عن أمهاتهم حتّى أنّ هناك نساء فضّلن ألاّ يتزوّجن ولا ينجبن لئلاّ يبتعدن عن أولادهنّ خاصة في حال وفاة الأم كون الحضانة تنتقل للجدّة، ويقول لـ“محكمة”: كنّا في رأي موحّد في المجلس الشرعي مع المفتي عبد اللطيف دريان ورئيس المحاكم الشرعية الشيخ محمّد عسّاف وتوصّلنا لهذه النتيجة”، معتبرًا أنّه كان “للمجلس النسائي دور فعّال بالتنسيق الشخصي معهم رغم تعرّض المجلس للضغوط من قبل بعض الشيوخ بسبب المجتمع الذكوري والطائفي بكلّ معنى الكلمة.”
ويتذكّر صاري أنّه “أثناء اجتماع المجلس الشرعي الأعلى حضرت سيّدات من المجلس النسائي إلى دار الفتوى وقلن في نهاية الإجتماع “لن نخرج إن لم يصدر القرار الآن” وفعلًا هذا ما حصل”، مؤكّدًا أنّ “هذا ما أشعر الأولاد بالأمان، إذ إنّه لا يوجد أحد يحنّ على الأولاد كأمّهم، “وما بحنّ ع الولد إلاّ أمو” لأنّ الأب يكون صارمًا بعض الأحيان.”
إيران والعراق
وقد أعطت هذه الخطوة دفعًا للمرأة الشيعية لكي تعمل على تغيير محنتها المؤلمة ورفع سنّ الحضانة قدر المستطاع، لكنْ من دون أن تفلح لغاية الآن في تحقيق مبتغاها وذلك بسبب إصرار المحكمة الشرعية الجعفرية على موقفها الحاسم برفض أيّ تعديل، علمًا أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تطبّق المذهب الجعفري حدّدت في قانون حماية الأسرة المعمول به على أراضيها سنّ الحضانة بسبع سنوات للذكر والأنثى، مع إعطاء القاضي حقّ رفع السنّ إذا اقتضت مصلحة الطفل اتخاذ هذا التدبير.
كما أنّ العراق حيث أغلبية السكّان من الطائفة الشيعية وحيث توجد مرجعية دينية كبيرة أيضًا تمامًا مثل إيران، يعتمد سنّ الحضانة المكرّسة بعشر سنوات للذكر والأنثى معًا أيضًا، مع إمكانية تمديدها إلى سنّ الخامسة عشرة التي تبقى بلا شكّ، منطقية وأفضل بكثير من حالة انتزاع الطفل من حضن أمّه في سنّ مبكرة يكون فيها بأمسّ الحاجة إلى عاطفتها ورعايتها ولن يقدر أحد على الحلول مكان الأمّ مهما أسبغ من عاطفة على الطفل.
فالحاجة الجسدية والنفسية وتلوين الحياة بالحبّ هدية من ربّ العالمين لا يعطاها إلاّ من يعيشها، وليس هناك أفضل من الأمّ الصالحة للقيام بهذا الواجب الرسالي، لذلك فإنّ مطالبة الأمّ الشيعية بوجوب رفع سنّ الحضانة ليس ترفًا، وإنّما حاجة إنسانية قبل أيّ شيء آخر.
كما أنّ الدراسات والأبحاث والآراء الصادرة عن الأطباء والأخصائيين النفسيين والإجتماعيين في لبنان والعالم تؤكّد بما لا يدع مجالًا للشكّ، أنّ للبُعْد عن الأمّ آثارًا سلبية كثيرة على السلامة النفسية للطفل ونمو قدراته ومهاراته في حياته المستقبلية.
ياغي
ويُعتبر الأستاذ الجامعي الدكتور أكرم ياغي من أشدّ الداعمين لمطلب رفع سنّ الحضانة، ويقول لـ“محكمة”:”هذا حقّ للطفل أوّلًا، وليس للأب ولا للأم، لأنّ المصلحة الفضلى للطفل تقتضي وجوده مع أمّه وليس مع والده، فهو بحاجة إلى حنان الأمّ وعطفها، ولذلك فإنّ رفع سنّ الحضانة أكثر من ضروري ولا وجود لأيّ نصّ أو حديث ديني يحدّد السنّ، والمعمول به هو اجتهاد، وفي إيران يحدّد سنّ الحضانة بسبع سنوات للذكر والأنثى وقد حدّد اجتهاديًا لدى الطائفة الشيعيه إلاّ في لبنان حيث جرى اعتماد سنّ السنتين لحضانة الطفل.”
ويذكّر الدكتور ياغي بمقاله الشهير بهذا الخصوص، ويقول: “ما دامت غالبية أحكام الحضانة إجتهادية ظنّية إذ لا يوجد نصّ شرعي في القرآن أو السنّة المحمّدية يحدّد المدّة الزمنية لسنّ الحضانة، فإنّ هذه المدّة تقع في منطقة الفراغ التشريعي الذي يُسدّ عن طريق الاجتهاد. وقد ورد حديث عن الرسول محمّد(ص) خوّل فيه المرأة المطلّقة حقّ حضانة ولدها، وذلك بقوله:”أنت أحقّ به ما لم تُنْكحي”. ولو فارقها الزوج الثاني بطلاق أو فسخ أو موت فقد رجّح أكثر الفقهاء عودة الحضانة إلى الأمّ. فالمانع من الحضانة حال زواجها هو انشغالها بحقّ الزوج الثاني، فإذا زال المانع رجع حقّها إليها، باعتبار أنّ لفظة “ما” في الحديث مصدرية ظرفية، والمعنى أنّها أحقّ بولدها في زمن عدم زواجها، وهو مخصّص زمني والمرجع بعده إلى العموم الزمني المستفاد من قوله “ما لم تنكحي” (أي تتزوّجي) الشامل لحقّها بالحضانة إلاّ في تلك الفترة.

https://www.mahkama.net/%d8%b3%d9%86%d9%91-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d9%86%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%8a%d8%ba%d9%84%d9%82-%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%87%d8%a7%d8%af-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84/
ويكمل ياغي أنّ الشيعة هم أهل الدليل والاجتهاد، وباب الاجتهاد مفتوح إنطلاقًا من مبدأ مراعاة المصالح العامة والخاصة. ومدّة الحضانة من المصالح المتغيّرة زمانًا ومكانًا، إنطلاقًا من مبدأ تغيّر الأحكام بتغيّر الأزمان، كما أنّ مفهوم الحضانة مفهوم نسبي يتطوّر بحسب الزمان والمكان ما يصحّ أن يطلق عليه مفهوم المصلحة الزمنية.
خشّاب
من الأمّهات اللواتي يناضلن في سبيل رفع سنّ الحضانة لدى الطائفة الشيعية السيّدة عبير خشّاب التي تروي لـ“محكمة” ما حصل معها “فبتاريخ 4 آب 2020 كان تاريخ انفجار على المستوى الشخصي، إذ تمّ استدراجي أنا وطفلي علي وطفلتي ياسمين بطريقة ميليشياوية من منزلنا بغياب الطليق الساكن في افريقيا (السفير حسن نجم)، وتمّ ختم منزلنا بالشمع الأحمر بعد طردنا منه ورمينا في الشارع بسبب أب ارتأى استخدام هذا الأسلوب مع طفليه وحرمانهما من أغراضهما الشخصية بطريقة مخيفة.”
وتعتبر خشّاب أنّ إبلاغها عبر محام بالطلاق الغيابي “يشكّل إهانة للإنسان”، لكنّ ذلك لم يخفها، بل على العكس “صمّمتُ على المواجهة مع أصحاب النفوذ الطائفيين في المحاكم الجعفرية التي تعتبر ذات طابع ديني ولكنّها فعليًا ذات طابع سياسي بامتياز، وفي غضون عشرة أيّام صدر حكم يعطي الأب حقّ الحضانة.”
تعترض خشّاب على هذا الحكم الصادر عن القاضي بشير مرتضى والذي استند إلى “المنصب المرموق للأب بحجّة أنّه ذو شأن وذلك في ظلّ ظروف استثنائية في البلد بدءًا بعطلة قضائية، ومرورًا بتفشّي جائحة كورونا وانتهاء بانهيار اقتصادي”، وتصفه بـ”الحكم الجائر والظالم والمنحاز” كون القاضي والأب “ينتميان إلى ذات الجهة الحزبية”، فضلًا عن أنّه “جرى التلاعب بعمر ابنتي واعتمد التقويم الهجري الذي نادرًا ما يعتمد في المحاكم الجعفرية فابنتي لم تكمل السبع سنوات وكلّ هذا كان بهدف تأمين سفر الطفلين إلى والدهما بواسطة أحد الأشخاص، ضاربين بعرض الحائط حقّي بالرؤية مع إنذاري بتسليمهما في مهلة خمسة أيّام تحت طائلة حبسي، ووضعت أمام خيارين إمّا تسليم الطفلين وإمّا الهرب بهما.”
وأمام هذا المأزق، لاح بصيص أمل أمام خشّاب، إذ “تدخّل وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبي وكلّف أحد الموظّفين في الوزارة لسؤالي عمّا إذا كنت موافقة على تسفيرهم وإصدار جوازات سفر، وطبعًا رفضتُ فتوقّف الملفّ.”
هذه القضيّة الشخصيّة شجّعت خشّاب على المضي قدمًا للنضال في سبيل رفع سنّ الحضانة و”بدي قول لولادي دايما انتو أمانة الله بروحي وروحي ما بتخون الأمانة لآخر نفس.”
محنة النفقة
تواجه المرأة المطلّقة محنة أخرى تتمثّل بمسألة النفقة، فعلى الرغم من أنّ علماء الدين اتفقوا على أنّ نفقة الأولاد واجبة على الأب سواء أمسك زوجته أو طلّقها وحتّى في حال كانت حضانة الأطفال لها إلاّ أنّ هناك بعض الآباء الذين يتهرّبون من دفع هذه النفقة التي تشمل عادة، المسكن، والمأكل، والملبس، والطبابة، والتعليم، وكلّ ما يحتاجون إليه، مع مراعاة حالة الأب المادية.
جزيني
وترى السيّدة جيهان جزيني وهي مطلّقة وأمّ لأربعة أولاد يعيشون في كنفها، في حديث مع“محكمة” أنّ هناك ثغرات عديدة في دعاوى النفقة لدى المحكمة الجعفرية مثل عدم التحقّق من ملاءة الأب ووضعه المادي لتحديد قيمة النفقة، إذ يجري الإكتفاء بما يدليه أمام المحكمة فلا يقول الحقيقة كاملة ويحرم أولاده من النفقة وهذا ما يضع المطلّقة أمام تحدّ مادي صعب، وقد تكون حياة الطفل في مأزق في ظلّ الوضع الإقتصادي الحالي الصعب والكثير.
وتؤكّد جزيني أنّ “موضوع النفقة مهمّ وضروري جدًّا ومستعجل، لكن ما واجهته في المحكمة تمثّل بانعدام الضمير، وتأجيل الجلسات”، وتكشف أنّ “المماطلة تحدث بغية إعطاء الأب الوقت الكافي لكي يتمكّن من إخراج أمواله غير المنقولة من عقارات من ذمّته المالية” وهذا ما يتيح له التنصّل من مسؤولياته تجاه أولاده الأحداث والقاصرين، إذ يكفي أن يتذرّع بأنّه غير قادر ماديًا على دفع النفقة المتوجّبة عليه حتّى يؤخذ بكلامه من دون السعي إلى التحقّق ممّا إذا كان يقول الحقيقة أم يكذب.”
وتضيف جزيني أنّه قد يطلب في بعض الحالات من الزوجة المطلّقة أن تثبت ملاءة طليقها المادية، وتسأل:”هل هي وسيلة ضغط على الأمّ لكي تتخلّى عن أطفالها؟ لماذا يحكم القضاة بنفقة قليلة؟ هل يريدون بذلك أن تتخلّى الأمّ عن أطفالها؟!
وسبق للسيّدة جزيني أن اتفقت بالتراضي مع طليقها على مبلغ مالي معيّن جرى توثيق بعضه خطّيًا، فيما قيل بعضه الآخر شفهيًا أمام القاضي الشرعي، غير أنّ طليقها تملّص من كلامه رافضًا أن يدفع مصروف عياله، ومع أنّها عملت على تقديم طلب تعديل “اتفاقية نفقة”، ثمّ “طلب زودة” إلاّ أنّها لم تصل إلى النتيجة المرجوة بعد مرور أربع سنوات من المماطلة والتسويف.
تتحسّر جزيني على مضي هذه السنوات بدون طائل، وتسأل بمرارة:”مين بيعوّضلي وقتي وتعبي ومالي اللي دفعتو بهالوضع الاقتصادي الصعب؟عم تضحكو عليّ وانتو العالمين بالدين؟!”
تعتبر جزيني أنّه لولا الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي لما حصلت أمّ على حقّها “فالقاضي عم يخاف على سمعتو، وأنا مش ضدّ الدين، أنا ضدّ الأشخاص اللي شوّهوا الدين. لو احتكمت إلى الإمام علي بن أبي طالب (ع) فهل كان يرضى بهذا الظلم؟ أبدًا.”
تحتفل البشرية بعيد الأمّ في الحادي والعشرين من شهر آذار من كلّ عام إيذانًا ببدء فصل الربيع والحياة، ومع ذلك تُنتهك يوميًا حقوق المرأة سواء عبر تعنيفها أسريًا أو حرمانها أمومتها، فمتى ترتقي هذه الاحتفالية إلى مستوى المرأة الأمّ والأخت والزوجة والحبيبة؟
“محكمة” – الأحد في 2021/3/21

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!