أبرز الأخبارعلم وخبر

إدانة أفراد من “القاعدة” قاموا بتبييض الأموال في لبنان

كتبت ياسمينة العلي:

نادراً جدّاً ما تصدر أحكام بحقّ عاملين في المجال الإرهابي وخصوصاً من تنظيم “القاعدة” ومتفرّعاته، يقومون عن سابق إصرار وتصميم، بتبييض الأموال بغية تمويل مشاريعهم التخريبية، لأنّ اكتشاف عمليات غسيل الأموال لديهم ليس بالأمر السهل على الإطلاق، فهم متمرّسون أساساً، في إغفال حقيقة أفعالهم وعدم التصريح عن تصرّفاتهم ومخطّطاتهم، وفي تضليل التحقيق، وهذا ما تنبئ به القرارات الاتهامية، والمحاكمات العلنية سواء لدى المجلس العدلي، أو المحكمة العسكرية.

ولذلك فإنّ الحكم الصادر عن القاضي المنفرد الجزائي في بيروت غسّان الخوري يحمل أهمّية خاصة، فهو يسرد كيفية حصول عمليات تبييض الأموال لدى أفراد من “القاعدة” بعد تحويلها واستقدامها من المملكة العربية السعودية إلى لبنان ووضعها بتصرّف “المجاهدين” من أجل إرباك الدولة اللبنانية تمهيداً لإقامة “دولتهم الإسلامية”.

وسبق للقضاء العسكري أن حاكم السعودي محمّد صالح سويد الملقب بـ “أبو خالد”، و”أبو رعد”، و”أبو سليمان”، و”أبو عامر”، و”عبد الله البشير” بعد توقيفه على الأراضي اللبنانية في العام 2007، وأنزل به عقوبة الأشغال الشاقة مدّة سبع سنوات بصورة وجاهية، ثمّ تمّ ترحيله إلى بلاده، مع سعوديين آخرين أمضوا محكومياتهم في سجن “رومية” المركزي.

 “محكمة” تتفرّد بنشر تفاصيل الحكم لأهمّيته وندرته، وذلك على الشكل التالي:

باسم الشعب اللبناني

نحن غسّان طانيوس الخوري القاضي المنفرد الجزائي في بيروت،

لدى التدقيق في القرار الظنّي الصادر عن قاضي التحقيق في بيروت بتاريخ 30/9/2009، والذي قضى بالظنّ بالمدعى عليهم:

1- عامر مهنّد الحشّاش( والدته سمر، تولّد 1976) لبناني.

2- مصباح مهنّد الحشّاش( والدته سمر، تولّد 1971) لبناني.

3- أيمن أحمد شريدة( والدته مريم، تولّد 1971) فلسطيني.

4- محمّد صالح سويد( والدته منيرة، تولّد 1968) سعودي.

وبإحالتهم للمحاكمة بمقتضى المادة 3 من القانون 318/2001 معطوفة على المادتين الأولى والثانية منه.

وبنتيجة المحاكمة العلنية تبيّن:

أوّلاً: في الوقائع: بتاريخ 23/2/2009، صدر عن حضرة قاضي التحقيق الأوّل لدى المحكمة العسكرية( القاضي رشيد مزهر ) القرار الاتهامي رقم 15/2009 الذي قضى باتهام المدعى عليهم الأربعة المذكورين آنفاً بجنايات المواد 335 عقوبات و5 و6 من قانون 11/1/1958، وبجنح عدّة على اعتبار أنّهم يؤلّفون شبكة للقيام بأعمال إرهابية، وحيازة أسلحة، ومعدّات حربية.

خلق أرضية أمنية لـ”القاعدة” في لبنان

وقد ورد في القرار المذكور أنّ المدعى عليه محمّد صالح سويد ينتمي إلى تنظيم “القاعدة”، وكان صلة الوصل بين مجموعات إرهابية توجد في المملكة العربية السعودية، والعراق، وسوريا، ولبنان، كما أنّه صلة الوصل بين تنظيم “القاعدة” ومجموعات أصولية موجودة على الساحة اللبنانية، وذلك بهدف خلق أرضية أمنية لصالح التنظيم داخل لبنان، وعن طريق القيام بأعمال إرهابية لإضعاف الدولة اللبنانية ولتسهيل تنقّل عناصر التنظيم بين لبنان وسوريا، وتمهيداً لإعلان إمارة إسلامية في شمال لبنان.

كما ورد أنّ المدعى عليه محمّد سويد كان على اتصال بـ “عصبة الأنصار” الموجودة عناصرها في مخيّم عين الحلوة، وذلك بهدف ربط هذه المجموعة بتنظيم “القاعدة”، وأنّ المدعى عليه أيمن شريدة، وهو من أعضاء “عصبة الأنصار”، كان قد سافر إلى السعودية لتأمين الدعم المالي من مشايخ سعوديين ينتمون إلى تنظيم “القاعدة”، وأنّ المدعى عليهما عامر ومصباح الحشّاش هما من عداد عناصر “عصبة الأنصار”، وكانا مكلّفين باستقبال “المجاهدين” القادمين إلى مطار بيروت الدولي لنقلهم إلى مخيّم عين الحلوة.

أسلحة وتدريب

وقد ضبطت لدى عامر ومصباح الحشّاش أسلحة حربية، وقنابل يدوية، وقطع سلاح أبيض، وأجهزة لاسلكية، وأعتدة عسكرية. وضبطت مع محمّد سويد مبالغ مالية عائدة لتنظيم “القاعدة”، كما أنّ أيمن شريدة أقرّ خلال التحقيق بأنّه خضع لدورة تدريبية أمنية ليتفرّغ بعدها لتدريب الوافدين من “المجاهدين” الملتحقين بـ”عصبة الأنصار”.

كما تبيّن أنّ المدعو محمّد الصغير الذي ينتمي إلى “عصبة الأنصار”، كان قد أبدى للمدعى عليه أيمن شريدة إستعداده لمدّ العصبة بالمال عن طريق الدعم المالي من أشخاص سعوديين، وأنّه سافر إلى السعودية وراح يرسل المال إلى صديقه مصباح الحشّاش الذي كان يسلّم المال بدوره، إلى المدعى عليه أيمن شريدة. وقد بلغ مجموع المبالغ المرسلة من الصغير إلى مصباح الحشّاش حوالي أربعماية ألف ريال سعودي.

حوالات وحسابات بالجملة

وتبيّن أنّ المدعى عليه أيمن شريدة كان قد فتح ثلاثة حسابات جارية في بنك “عودة”، وحساب توفير، وقد أودع في الحساب الأوّل مبلغ سبعة عشر ألف دولار أميركي على ثلاث دفعات، وحوّل فيه مبلغ ثمانية آلاف دولار إلى الحساب الرابع لتحويله إلى الحساب الثاني لإيفاء قرض دين شخصي. كما أنّه أودع في الحساب الثاني مبلغ عشرين ألف دولار نقداً على دفعتين.

وتبيّن أنّ المدعى عليه محمّد سويد كان قد فتح حساباً لدى بنك “عودة”، وأودع فيه نقداً من تاريخ 27/5/ 2005، لغاية 3/4/2009، حوالي ثمانية عشر ألف دولار أميركي. كما ورد إلى الحساب بتاريخ 15/5/2007، تحويل من حساب لدى الراجحي في السعودية مبلغ 9837 دولاراً، وبتاريخ 3/11/2007، تحويل آخر بقيمة 3495 دولاراً أميركياً.

إنكار

وتبيّن من خلال التحقيق الاستنطاقي أنّ المدعى عليهم أنكروا ما أسند إليهم، وقد أفاد المدعى عليه عامر الحشّاش أنّه فتح خلال العام 2001 حساباً جارياً لإيداع راتبه الشهري، لأنّه كان يعمل لدى شركة “يونايتد غروب”، وأنّه وشقيقه مصباح إشتريا شقّتين، وعندما تبيّن لهما وجود مشاكل على الشقّتين، تنازلا عنهما للمالك، ولم يسدّدا في حينه سوى الدفعة الأولى بقيمة خمسة آلاف دولار أميركي لكلّ شقّة، وقد استردّاها.

أمّا المدعى عليه مصباح الحشّاش، فقد أفاد أنّه كانت لديه ثلاثة حسابات، الأوّل والثاني لدى بنك “عودة”، الأوّل مخصّص لتوطين راتبه كونه كان يعمل لدى مؤسّسة “نحلوس”، والثاني بالدولار مخصّص لأعماله الخاصة، أمّا الحساب الثالث، فقد فتحه لدى بنك “البركة” كونه راح يعمل في مجال العقارات بالإشتراك مع المدعو محمّد الصغير، وأنّه كان قد تكلّف حوالي تسعين ألف دولار لتشييد بناء في محلّة الشويفات، وقد باع شقّته السكنية بقيمة ثلاثة وأربعين ألف دولار أميركي لتنفيذ مشروع تشييد البناء. وقد أرسل له محمّد الصغير المبلغ الباقي لإتمام مبلغ التسعين ألف دولار أميركي، كما أضاف بأنّه قد اشترى وشقيقه عامر شقّتين سكنيتين من المدعو ر. ص.، وعندما تبيّن له وجود مشاكل على الشقّتين أعادها وشقيقه للمالك، وأنّه لدى إلقاء القبض عليه كان بحوزته إيصال مالي بقيمة سبعين ألف دولار أميركي، وقد وضع في الأمانات.

كما أضاف أنّ ما ورد في القرار الاتهامي لجهة استلامه مبلغ أربعماية ألف ريال سعودي من محمّد الصغير لتسليمه إلى شريدة هو غير صحيح كونه استلم هذه الأموال لحاجة الشركة العقارية التي أسّسها بالإشتراك مع الصغير، وأنّ المبلغ هو بحدود المائة ألف دولار، وقد اشترى بواسطته الأرض في الشويفات لإقامة بناء عليها.

أموال للإستثمار

وبدوره، أفاد المدعى عليه محمّد سويد أنّه عندما ألقي القبض عليه كان قد مضى على عودته إلى لبنان يومان فقط، وقد ضبط بحوزته مبلغ أربعين ألف يورو كان قد أحضرها معه للمشاركة في الاستثمار العقاري كونه رجل أعمال، ويدرس في الجامعة الأميركية، ويحضّر للماجستير في إدارة الأعمال، وأنّه بالنسبة للحسابات العائدة له لدى بنك “عودة”، فهي مخصّصة لمصاريفه الشخصية كونه يقيم مع عائلته في لبنان.

وبدوره أفاد المدعى عليه أيمن شريدة أنّه كان قد وفّر من عمله حوالي خمسة عشر ألف دولار، كما باع منزله في مخيّم عين الحلوة بمبلغ مماثل، وحصلت حرب تموز( في العام 2006 )، فأودع المال في المصرف، وقد فتح عدّة حسابات واحدها مخصّص للإستحصال على بطاقة “فيزا كارت”، وأنّه شارك المدعى عليه مصباح بمبلغ ستّة عشر ألف دولار للمساهمة في مشروع تشييد البناء.

وفي جلسة المحاكمة العلنية المنعقدة في 14/10/2014، حضر عامر الحشّاش، ومصباح الحشّاش، وطلبا أوسع الأسباب التخفيفية والبراءة. لم يحضر المدعى عليهما أيمن شريدة ومحمّد سويد وهما مبلّغان أصولاً وحوكما غيابياً.

ثانياً: في الأدلّة: تأيّدت الوقائع بالأدلّة التالية: الادعاء العام، التحقيقات الأوّلية والاستنطاقية، مجريات المحاكمة العلنية.

ثالثاً: في القانون: حيث أنّ فعل المدعى عليهم يشكّل الجرم المنصوص عليه في المادة 3 من القانون رقم 318/2001 معطوفة على المادتين الأولى والثانية منه، وتطبيق المادة 254 عقوبات.

لذلك نحكم: أولّاً: إدانة المدعى عليهم: عامر ومصباح الحشّاش، وأيمن شريدة، ومحمّد صالح سويد، سنداً للمادة 3 من القانون رقم 318/2001 معطوفة على المادتين الأولى والثانية منه، وتطبيق المادة 254 عقوبات، وبالتالي تغريم عامر الحشّاش ومصباح الحشّاش مبلغ خمسة ملايين ليرة لبنانية، وحبس المدعى عليهما أيمن شريدة، ومحمّد سويد مدّة ثلاث سنوات، وتغريم كلّ واحد منهما عشرة ملايين ليرة، ومصادرة الأموال المضبوطة لصالح الخزينة.

ثانياً: تدريكهم النفقات والرسوم، على أن يحبسوا يوماً واحداً عن كلّ عشرة آلاف ليرة لبنانية في حال عدم دفع الغرامة سنداً للمادة 54 عقوبات.

حكماً بمثابة الوجاهي بالنسبة إلى عامر ومصباح الحشّاش، وغيابياً بالنسبة إلى محمّد سويد وأيمن شريدة.

(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 2- كانون الأوّل 2015)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!