أبرز الأخبارمقالات

إستثناء تعليق مهل الترك والإنذارات في الإيجارات/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
بتاريخ 2020/5/14 نشر القانون رقم 2020/160 في الجريدة الرسمية، وهو القانون المتعلّق بتعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية. وقد نصّت المادة الأولى منه على التعليق الحكمي بين تاريخ 18 تشرين الأوّل 2019 و30 تموز 2020 لجميع المهل القانونية والقضائية والعقدية الممنوحة لأشخاص الحقّين العام والخاص.
وقد استثنى القانون المذكور في المادة الثانية منه الفقرة /6/ المهل الواردة في قانون الإيجارات الصادر بتاريخ 2014/5/9 والمعدّل بموجب القانون رقم 2017/2.
فالقانونان الصادران في العامين 2014 و2017 يتضمّنان عدّة أحكام تتعلّق بالمهل. أمّا موضوع مقالتنا فيتعلّق بثلاثة أنواع منها وهي الآتية:
أوّلاً: المهلة المتعلّقة بالسنوات التي يستفيد فيها المستأجر بالبقاء في المأجور السكني.
لا بدّ بادئ ذي بدء من القول إنّ هذه المهلة تتعلّق فقط بالأماكن السكنية دون الأماكن غير السكنية.
فقد نصّت المادة 15 من القانون رقم 2017/2 والمتعلّقة بالأماكن السكنية:”تمدّد لغاية تسع سنوات والمستفيدين من تقديمات الصندوق لغاية 12 سنة من تاريخ نفاذ هذا القانون، عقود إيجار الأماكن السكنية”…الخ.
وبالتالي، فإنّ القانون رقم 2020/160 الذي استثنى هذه المهل من التعليق قد يكون على حقّ لأنّها لا تتعلّق بالأماكن غير السكنية التي قد تكون أقفلت خلال تلك الفترة، والتي لم يستفيد أصحابها من إشغالها خلالها. أمّا في الأماكن السكنية فبالعكس وفي ظلّ الانتفاضة و”كورونا”، فإنّ المستأجرين يكونون قد شغلوا تلك الأماكن بحكم الأمر الواقع ولم يحرموا منها في ظلذ اضطرارهم لملازمة منازلهم.
ثانياً: مهلة ترك المأجور المنصوص عليها في المادة /34/ من القانون المذكور – الفقرات ه-و-ز – (الأماكن السكنية) معطوفة على المادة /40/ من الأماكن غير السكنية.
برأينا لم يكن من الواجب إستثناء هذه المهل من التعليق. ففي حالة الانتفاضة و”كورونا” وما اتخذ من تدابير وإجراءات، فإنّ معظم الأماكن غير السكنية قد أقفل، خصوصاً وأنّ الفقرتين /و/ و /ز/ تنصّان على مهلة قصيرة وهي ستّة أشهر من الترك. فكان برأينا من الواجب تعليق المهل المتعلّقة بها.
ثالثاً: وهنا الأساس والأهمّ. المهل المتعلّقة بالإنذارات بدفع بدلات الإيجار في الأماكن السكنية (الفقرة أ من المادة 34 من قانون 2017/2) وغير السكنية (المادة 40 من القانون المذكور).
فخلال الانتفاضة التي بدأت في 2019/10/17 و”كورونا”، كانت مراكز البريد ومكاتب الكتّاب العدل شبه مقفلة، بالإضافة إلى الطرقات المقفلة وخطورة التنقل. يضاف إلى كلّ ذلك إقفال المصارف، وعدم إمكانية سحب الأموال بسهولة وبالقيم التي يريدها المودع.
في عزّ الحرب في لبنان وفي فترات متعدّدة حيث كنا نتجوّل بشكل شبه طبيعي نهاراً بانتظار القصف العشوائي بعد الظهر أو ليلاً، كانت الدوائر تعمل بشكل شبه طبيعي والمحاكم كذلك…الخ، كانت تصدر قوانين تعليق المهل وأهمّ بنودها تعليق مفاعيل الإنذارات بدفع بدلات الإيجار. لا بل أكثر من ذلك، صدر مرّة قانون تعليق مهل الإنذارات خصيصاً لهذه المهل، مع العلم أنّنا كنا نذهب يومياً إلى مكاتبنا ونحضر الجلسات، ونتنقل بسهولة، أمّا اليوم وفي ظلّ الظروف التي عدّدناها أعلاه، كان يقتضي بالتأكيد شمول تعليق المهل للإنذارات المتعلّقة بدفع بدلات الإيجار ونفقات الخدمات المشتركة والصيانة.
وكما قلنا أعلاه، فإنّ المهل المتعلّقة بتسع سنوات واثنتي عشرة سنة يمكن استثناؤها لأنّه ليس على المستأجر القيام بأيّ إجراء أو إيداع أو ما شابه، بل هو ينتظر كما المالك مرور تلك السنوات. وبالتالي غير مطلوب منه أيّ أمر. أمّا في حالة الترك، فمطلوب منه إشغال المأجور في الوقت الذي تقفل فيه الطرقات أو يتعرّض لخطر “كورونا” خصوصاً في الأماكن غير السكنية.
وفي مسألة الإنذارات، فهناك أمور مطلوبة منه، منها تسديد البدلات أو إيداعها وهي أمور تستدعي تعليق المهل بشأنها بسبب الأوضاع.
وأكثر من ذلك، ما الفرق بين عدم تسديد البدلات بالنسبة للمستأجر في الإيجار الحرّ (قانون 92/159) وبين المستأجر الممدّدة إجارته؟ ولماذا لا يستثنى الأوّل ويستثنى الثاني؟
كذلك الأمر بالنسبة لجميع العقود التي يقع على المدين تسديد مبالغ مالية. فلماذا يشملها القانون ولا يشمل الإنذارات؟
قد يكون هذا الأمر قد سقط سهواً عند المشترع الذي لم ينتبه إليه، خصوصاً وأنّه لا يتبع أسلوب التشريع بحرمان المستأجرين من الإستفادة من تعليق جميع المهل، تمهيداً لإرضائهم بإعادة إصدار قانون جديد يشمل تعليق المهل المنصوص عليها في مسائل الترك والإنذارات بدفع بدلات الإيجار، أيّ كمن يضرب الضربة الكبيرة ثمّ يرضي المضروب “بالفراطة”. طبعاً هو لم يكن يقصد ذلك. ولكن برأينا عليه أن يصدر تعديلاً لهذا القانون، ولا يستثني المهل المتعلّقة بالترك والإنذارات. ويكون بذلك قد عاد عن خطئه وهو أمر جيّد، متذكّرين كتاب عمر بن الخطاب وهو أوّل قاض في الإسلام إلى أبي موسى الأشعري، هذا الكتاب الذي يعدّ آية من آيات الله في قواعد الفقه وسنن الإنصاف.
“ولا يمنعك قضاء قضيته أمس فراجعت اليوم فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحقّ فإنّ الحقّ قويم ومراجعة الحقّ خير من التمادي في الباطل”.
“محكمة” – الأربعاء في 2020/5/20

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!