مقالات

إيللا … إلّا الحكمة/ندى خليفة

المحامية ندى خليفة:
أخيرًا ليس آخرًا،
للطفلة إيللا، تسعة مليارات ليـرة لبنانية ودخل شهري بمعدّل أربعة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور بتاريخ الدفع الفعلي.
لكلّ من الوالدين، خمسماية مليون ليرة لبنانية.
لست هنا بمعرض البحث بمدى قانونية هذا الحكم أو مدى مسؤولية أيّ مستشفى أو طبيب، فقـد فُصلت القضيّة بموجب حكم قضائي صادر باسم الشـعب اللبناني بتاريخ 2021/5/5.
إنّمـا أقارب النتيجة بين تأثير الحكم على الإصابة التي أصابت إيللا حيث اعتبرت مأساة حلّت بها وبعائلتها، وعلى الجسـم الطبـّي حيـث اعتبـرت بعـض وسـائل الإعلام الحكم المذكور “رسالة قوية في وجه مرتكبي الأخطاء الطبّية”.
ما يرفع معنويات إيللا وثقتهـا بنفسها ليس راتبًا شهريًا قد يشكّل ردّة فعل سلبية على نفسـيتها وإنتاجيتها وثقتها بقدرتها وهي أثبتت بعمر الستّ سنوات تفوّقها على أطفال جيلها،
إنّما ما تحتاجه إيللا هو مدّها بالقوّة والإيمان بقدرتها الذاتية وهي أمور ثبت إحاطتها بها من حنان ورعاية ومتابعة أهلها الحسيّة والمعنوية.
والأهمّ تغيير نظرة المجتمع السلبية بكلّ من أصيب إصابات جسدية دائمة واعتبار هذه الحالات جزءًا من نسيج المجتمع الفاعل والمنتج بعيدًا عن الشفقة والتعاطف المرحلي والذي يخفّ مع الوقت فيبقى وضع إيللا على حاله.
بالمقابل، مستشفيات وأطباء ملزمين بتسديد تعويضات مالية هي حقّ للطفلة وأهلها، إنّما هي تعويضات غير متوازنة مقارنة مع التعويضات المقرّرة لأيّ إصابة جسدية أو حتّى لو أدّت إلى الوفاة، إذ أكثر ما توصّلت إليه المحاكم اللبنانية ولو لجريمة قتل فإنّها لم تتجاوز المائة ألف دولار.
الواقع أنّ هذه الرسالة الموجّهة للجسم الطبي حوّلت موجب الطبيب ببذل عناية وتأمين أفضل معالجة للمريض إلى موجب نتيجة بمثابة سيف مسلّط ينزل أشدّ العقوبات على فعل ليس بقرار منه ولا بإرادته،
ومن طبيب يمارس مهنته بثقة بالنفس ومطابقة المعطيات العلمية إلى طبيب يخالجه الخوف والرعب من عمله.
من طبيب يسعى لإبقاء الإنسان على قيد الحياة مهما كـانت حالته إلى طبيب صار يجد الموت أفضل حلّ من أيّ إصابة محتملة.
من طبيب موضوعي إلى طبيب يحاول التغطية على زميله خوفـًا على ذاته.
من مسـتشفيات كـانت تقف في وجه أيّ طبيب مخالف أو مرتكب فعلًا لأيّ خطأ طبّي إلى مسـتشـفيات قد يصل بها الأمر إلى إخفاء حقائق ومعطيات في ملفّ أيّ مريض خوفـًا من نتائج وخيمة وغير عادلة.
إنّ صدور أيّ حكم ومهما كان آخذًا بعين الإعتبار وضع وحقّ الضحية، فإنـّه يجب أن يكون متوازيـًا أيضـًا مع إمكانات وإيرادات المحكوم عليه ومع مفاعيله المـستقبلية،
ممّا كان يوجب تعليل الحكم بالحكمة.
مفاعيل حكم إيللا طنوس ليس آخرًا ولن يكون نهاية المطاف.
“محكمة” – الثلاثاء في 2021/5/11

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!