مقالات

الشعب المصري نموذج لمقاومة التطبيع/فؤاد مطر

المحامي فؤاد مطر*:
إنطلق الشعب المصري بعفويته يتصدّى لآرثر بلفور عام ١٩٢٥ عند مروره بالقاهرة في طريقه لافتتاح الجامعة العبرية، وتظاهر استنكارًا لحادثة البراق عام ١٩٢٥، وواكب بنضج ثورة الشعب الفلسطيني الكبرى عام ١٩٣٦ وبدأت تتشكّل طلائع طلاّبية وحركات شعبية ولجان تجمع التبرّعات لضحايا الثورة تحت الضغوط البريطانية لمساندة الشعب الفلسطيني ودعت لإيقاف الهجرة اليهودية.
إهتزّ وجدان الرأي العام المصري عند صدور قرار التقسيم قي تشرين الثاني عام ١٩٤٨ فاجتاح الشارع بالمظاهرات والإضرابات احتجاجًا، ونظّمت حملات التبرّع، وبدأت الدعوة إلى الكفاح المسلّح دفاعًا عن فلسطين، وتدفّقت أعداد كبيرة من المتطوّعين المصريين على فلسطين في حرب ١٩٤٨.
إضطرّت الحكومة المصرية بعد نكبة ١٩٤٨ إلى دخول مفاوضات مع العدوّ، إنتهت بالتوقيع على اتفاقية الهدنة في رودس عام ١٩٤٩، وقد فشلت هذه المفاوضات في التوصّل إلى اتفاق يضمن عودة النقب وعودة اللاجئين الفلسطنيين.
ثمّ جاءت المبادئ التي غرستها ثورة ٢٣ يوليو في نفس المواطن العربي، أفكار قائدها الرافضة للصلح والتفاوض والإعتراف بالكيان الصهيوني يصعب محوها من عقل الشعب العربي ووجدانه، فلا ننسى ما قدّمته مصر في حروبها ضدّ العدوّ الصهيوني (مائة ألف شهيد).
وإذا كان التطبيع على اثر إتفاقية كامب ديفيد قد سار في اتجاه رسمي إلاّ أنّ مواجهته الشعبية لم تستكين.
لقد شهدت الساحة المصرية إحداث عدّة مهمّة عكست المقاومة المسلّحة أسلوبًا لمقاومة التطبيع، ومن العمليات ما أعلنه تنظيم “ثورة مصر” بزعامة خالد جمال عبد الناصر مسؤوليته عنها، منها اغتيال الملحق الإداري الإسرائيلي لسفارة إسرائيل في القاهرة عام ١٩٨٥ وإطلاق الجندي سليمان خاطر النيران على سبعة إسرائليين فأرداهم قتلى في العام نفسه، ومقتل إسرائيلية وإصابة ثلاثة في إطلاق النيران عليهم أثناء جولتهم في معرض القاهرة الصناعي والزراعي الدولي في مدينة نصر في العام ١٩٨٦ وغيرهما من العمليات النوعية.
لقد سادت اتجاهات معارضة التطبيع كافة أوساط الرأي العام المصري، وقامت نقابة المحامين في مصر بدور بارز في مقاومة التطبيع، وأصدرت نقابة الفنانين قرارًا بمقاطعة كلّ أشكال التعامل مع العدوّ الصهيوني، وأحالت نقابة الصحافة بعض الصحافيين إلى مجلس تأديب، وإنّ الصحف المصرية تعتبر التطبيع تهمة تلصق بمن يسير في ركابه ويدافع عنه، وشكّلت الصحافة المصرية حجر عثرة أمام تطبيع العلاقات مع العدوّ، وقد وصفت وسائل الإعلام المصرية الأعمال العدوانية للكيان الصهيوني بالإرهاب وطالبت مرارًا وتكرارًا بإلغاء اتفاقيتي كامب دايفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وتتضح طبيعة الإنتماء القومي العربي للإعلام المصري بدفاعه عن قضيّة العرب المركزية وواجهت التشكيك في هويّة مصر وانتمائها القومي العربي.
ورفض الاتحاد العام للفنّانين العرب كلّ محاولات التطبيع ورفض اشتراك إسرائيل في مهرجان القاهرة السينمائي عام ١٩٩٤، وأعلن نقيب السينمائيين المصريين بأنّ الزيارة والمشاركة في مهرجانات العدوّ هو خرق لقرارات النقابة، وأعلن نقيب المهن السينمائية بأنّ المشاركين في أيّ مهرجان يقيمه العدوّ لا يمثّلون فنّاني مصر.
وتصدّى المصريون لمحاولات الإختراق التعليمية وأعلنت الأحزاب والقوى الوطنية صراحة مناهضتها للتطبيع مع العدوّ.
وفي عام ٢٠١١ إقتحم الشباب المصري السفارة الصهيونية في القاهرة ولم يشذّ سوى الإخوان المسلمين الذين وقفوا ضدّ المتظاهرين وقدّموا تطمينات للولايات المتحدة الأمريكية حول عدم إلغاء معاهدة كامب دايفيد.
لقد تعدّدت صور مناهضة التطبيع من جانب النقابات والاتحادات المهنية والهيئات الثقافية من أطباء وصيادلة ومهندسين والاتحاد العام للعمّال واتحاد الطلبة واتحاد نقابات المهن الفنّية، وبصفة عامة فإنّ المهنيين في مصر بكافة التخصّصات يعبّرون عن رفضهم للتطبيع بأشكال وأساليب متنوّعة، والقاعدة العريضة من المثقّفين والكتّاب والمفكّرين في مصر ترى ضرورة الإستمرار في مناهضة التطبيع.
إنّ ممارسات العدوّ الصهيوني الغاشمة اكسبت الشعب المصري بقواه الحيّة قوّة ومكانة في مقاومة التطبيع، وأكدّت بأنّ السلام لا يمكن فرضه من قبل الحكومات، ولكن قوّة الحقّ والميراث التاريخي والذاكرة الجماعية للأمّة ذات الصلة بتاريخ الصراع العربي الاسرائيلي الذي امتدّ طوال قرن كامل إضافة إلى معطيات الصراع على أرض الواقع في جميع الأراضي العربية المحتلة.
*رئيس الجمعية اللبنانية لمواجهة التطبيع
“محكمة” – الثلاثاء في 2020/11/24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!