مقالات

عن نترات الأمونيوم والمخدّرات في المرفأ/يوسف لحود

المحامي يوسف لحود:
لفتني خبـر اكتشاف مخدّرات مهرّبـة إلـى المملكة العربية السعودية في شحنة رمّـان مشحونة من لبنان الذي وصلت إليه عن طريق الترانزيت.
وأمّـا الســبب الذي أثار انتباهي الشديد، فهو التبريـر المعطى لهذه الشحنة على أنّ مصدرها ليس لبنانيًا، وإنّما هي مرّت في لبنان على سبيل الترانزيت لشحنها إلى خارج لبنان، وهذا ما تمّ اعتباره مبرّرًا للتراخي في إجراءات التدقيق والتفتيش.
فتذكّرت بأسى وحسرة، الغباء في مقاربة الأمور الحسّاسـة في البلاد، وكيف أنّ الإهمال واللامبالاة صنوان للجريمة المقصودة والمساهمة في إنجاح تنفيذ الجرائم.
وعدت بالذاكرة إلى سنة 2013 حين دخلت الباخرة Rhosus إلى لبنان تحت ستار أنّ البضاعة التي تشحنها هي على سبيل الترانزيت، وكـانت شحنتها من نوع نترات الأمونيوم عيـار الآزوت فيها بنسبة 34،7% أيّ أنّها تستعمل للمتفجّرات وليس كسماد زراعي،
فبدلًا من التدقيق في هذه الحمولة (ولو كـانت على سبيل الترانزيت)، ومنع إدخالها إلى لبنان، تمّ التغاضي الجرمي عن هذه الواقعة الخطيرة، ممـّا مكّن من تمريرها إلى مرفأ مدني، وإبقائها فيه لسنوات دون أيّ مبادرة لإتلافها أو إعادة تصديرها،
وهذا ما أدّى لاحقًا إلى التفجير الكارثي يوم 2020/8/4 الذي أودى بحياة أكثر من 215 ضحية و 6500 مصاب ومئات آلاف المشرّدين وتدمير جانب كبير من مقوّمات الاقتصاد اللبنانـي وإلحاق خسائر فادحة بالدولة والمواطنين والمؤسّسات تقدّر بما لا يقلّ عن /20/ مليار دولار أميركي في ظروف مأساوية يعيشها لبنان.
ما أشـبه اليـوم بالبارحة،
وبالتالي، إعتبار أنّ التحجّج بكون الشحنة هي على سبيل الترانزيت، لا يبرّر إطلاقـًا التغطيـة أو المشـاركة الجرميـة (على القصـد المباشر أو الإحتمالي)، كما لا يبـرّر الإهمال واللامبالاة.
فهل يعي المسؤولون أنّ الحجج الواهية لتبرير الجرائم وأقلّه الإهمال، تلحق أفدح الأضرار بلبنان واقتصاده وعلاقاته؟
واليوم كما البارحة،
نلقي باللوم على مَـنْ شـحن ومَـنْ كـان مالكـًا لوسيلة النقل أو للشحنة، وننسى أنّ مَنْ سهّل دخول الشحنة بأيّ وسيلة كـانت، هو مسؤول بقصد مباشر (وأقلّه قصـد إحتمالي حسب المادة 189 عقوبات) عن النتيجة الجرمية التي حدثت لاحقـًا، إنْ كـان بالإدخال والتخزين وعدم الإتلاف والتفجير في جريمة نترات الأمونيوم ، أو كان بالحيازة والنقل بهدف الإتجار والتروـج في جريمة المخدّرات،
وفي كلي الحالين ضرر فادح بأمن الدولة الداخلي وبسمعة الدولة في الخارج ممّا ينعكس انهيارًا في المقوّمات الاقتصادية وإلحاق أفدح الخسائر بالشعب اللبناني عامة.
وإذا كان بعد كلّ سبات عميق يقظة، وبعد كلّ كبوة إندفاع وانطلاق،
فنأمل ألّا تطول غفوة المسؤولين المتفرّقين غير المتفقين على الحدّ الأدنى من المصلحة الوطنية العليا،
وأمّا الأمل الأكبر فهو ألّا تكون اليقظة عند هؤلاء كمثل غفوتهم سواء بسواء.
“محكمة” – الأربعاء في 2021/4/28

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!