مقالات

غاية القانون الجديد للإثراء غير المشروع التغطية على الإثراء السابق/عدنان بدر

المحامي الدكتور عدنان أحمد بدر:
بعد طول انتظار، والكثير من النقاش والجدل في اجتماعات اللجان النيابية، ومطالبات المؤسّسات الأهلية، وازدياد منسوب تفشّي الفساد على أوسع مدى محلّي، أصدر المجلس النيابي “قانون التصريح عن الذمّة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع”، المنشور في العدد /41/ من الجريدة الرسمية تحت الرقم /189/ تاريخ 2020/10/22.
تألّف القانون من /17/ مادة، توزّعت على أربعة أبواب. الأوّل نطاق تطبيقه، والثاني التصريح عن الذمّة المالية والمصالح، والثالث عناصر جرم الإثراء غير المشروع وأصول المحاكمات والمعاقبة، والرابع أحكام ختامية، إلى جانب أسبابه الموجبة، التي كان لا بدّ من ذكرها تطبيقًا لنصّ المادة السادسة من قانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات[1].

في الحقيقة، وبحسب المشرّع، إنّ القانون ليس قانونًا حديثًا، وإنّما وفاقًا لما جاء في أسبابه الموجبة، هو تعديل لقانون الإثراء غير المشروع القديم، ذي الرقم 1999/154، وهو ما نصّ عليه البند /3/ من الصفحة الأولى من أسبابه: “بالرغم من الأحكام الجديدة التي حملها القانون الرقم 154، بقيت الحاجة ماسّة إلى تحديث بعض مواده في سبيل تسهيل تطبيقه، وحسم الإشكال حول الطبيعة القانونية لفعل الإثراء غير المشروع، وإزالة الإزدواجية التي يمكن أن تقع بينه وبين قانون العقوبات، وسدّ بعض الثغرات التي تكون متأتية من المفاهيم المعتمدة أو من الصياغات”.
لكن على الرغم ممّا ورد في الأسباب الموجبة، لناحية أنّ القانون الجديد هو تعديل للقانون القديم، إلّا أنّ نصّ القانون لم يكن منسجمًا مع أسبابه الموجبة، لا بل جاء متناقضًا بشكل صارخ مستغرَب معها، إذ ألغى نصّ المادة /16/ من القانون صراحة:”القانون الرقم 154 تاريخ 1999/12/27 (قانون الإثراء غير المشروع) وتعديلاته، كما يظلّ ملغيًا المرسوم الإشتراعي الرقم 38 تاريخ 1953/2/18 (قانون الإثراء غير المشروع)، والقانون الصادر بتاريخ 1954/4/14 (التصاريح المطلوب تقديمها من الموظّفين والقائمين بخدمة عامة عن ثرواتهم)، وكلّ نصّ آخر يناقض أو لا يأتلف مع أحكام هذا القانون”.
ما سلف يعني أنّ المشرّع وفي الأسباب الموجبة اعتبر القانون الرقم 2020/189 تعديلًا للقانون الرقم 99/154، ثمّ جاء بموجب نصّ المادة /16/ يلغي القانون الأخير بشكل واضح وصريح.
والسؤال الذي يُطرح في هذا المجال: لماذا هذا التناقض الواضح والصارخ، ومن يستفيد منه؟ وهل هو مجرّد خطأ مادي وقع فيه المشرّع، أم هو فعل مقصود لتحقيق غاية محدّدة؟
لا شك أنّ لبنان غارق في الفساد، وهذا أمر معروف من الجميع على المستوى المحلّي والإقليمي والدولي، وقد كان القانون الرقم 99/154، وهو أحد أدوات مكافحة الفساد الأساسية، يلزم بموجب مادته الرابعة المشمولين بأحكامه، لا سيّما موظّفي القطاع العام، أن يقدّموا تصريحًا موقّعًا يبيّنون فيه الأموال المنقولة وغير المنقولة التي يملكونها هم وأزواجهم وأولادهم القاصرون في لبنان والخارج، وقد بلغ عدد التصاريح المقدّمة تنفيذًا لهذا القانون في العام 2016 /76/ ألف تصريح[2]، وهذه التصاريح بقيت مغلقة لغاية تاريخ إصدار القانون الرقم 2020/189. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة: ما الذي حلّ بهذه التصاريح بعد إقرار القانون الأخير؟ هل تمّ إتلافها من دون إعلان؟ أم استعاد كلّ صاحب تصريح تصريحه مباشرة من المصرف؟ أم وفاقًا لقاعدة التسلسل الإداري التي أودع بواسطتها؟ هل تؤخذ هذه التصاريح في الإعتبار عند تطبيق القانون الجديد؟
لقد سلفت الإشارة إلى أنّ المشرّع ألغى صراحة وبوضوح بموجب المادة /16/ من القانون 2020/189، القانون الرقم 99/154، وبالتالي يمكن الإستنتاج أنّه ألغى أيضًا مفاعيل التصاريح المقدّمة وفاقًا له، تبعًا لإلغائه القانون، إلّا أنّ المشرّع لم يشأ أن يترك أمر إلغاء مفاعيل التصاريح للإستنتاج، بل جاء بنصّ واضح يمنع أيّ تأويل معاكس.
إذ ألزمت الفقرة /ب/ من المادة الثالثة من القانون “الموظّف العمومي الخاضع للتصريح، أن يقدّم تصريحًا أوّل جديدًا عن الذمّة المالية بالإستناد إلى أحكام هذا القانون خلال مهلة ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذه وإنْ كان قد تقدّم سابقًا بالتصريح المنصوص عليه في القانون الرقم 1999/154″، ما يعني أن لا قيمة للتصريح الحاصل بموجب القانون 99/154، وعلى الموظّف أن يقدّم تصريحًا جديدًا وفاقًا للقانون 2020/189.
بتعابير أخرى، إنّ المشرّع ومن خلال إلغائه للقانون 99/154، ومن خلال نصّه صراحة على توجّب تقديم تصاريح جديدة للموظّفين، من دون أيّ اعتبار للتصاريح التي سبق وتقدّموا بها تطبيقًا لنصّ القانون 99/154، يكون قد جرّد التصاريح المقدّمة من الموظّفين خلال الفترة الممتدة من العام 1999 حتّى العام 2020، أيّ قرابة 21 سنة، والتي بلغ عددها في العام 2016 /76/ ألف تصريح، من أيّة قيمة قانونية لها، وأضحت التصاريح المعول عليها بموجب القانون الجديد، هي فقط التي ستلي تاريخ إقراره.
إنّ ما أقدم عليه المجلس النيابي بموجب قانون الإثراء غير المشروع الجديد، هو ببساطة، إلغاء لمفاعيل تصاريح الذمّة المالية لموظّفي الفئة الثالثة وما فوق في القطاع العام، أو ما يعادلها في بقيّة الأسلاك العامة، والرؤساء والنوّاب والوزراء السابقين، وبالتالي “إخفاء” لدليل أساسي وجوهري يشكّل أساس أيّ توجّه لمكافحة الفساد. وهو بالنتيجة لا بدّ من أن يشكّل تشجيعًا بغطاء من السلطة التشريعية على التمادي في ارتكاب جرائم الفساد.
تأسيسًا على ما تقدّم، وحتّى لا تسجّل السلطة التشريعية سابقة في تاريخ الإصلاحات الموعودة، بحمايتها للفساد والمفسدين، نقترح ونطلب من أعضاء المجلس النيابي، وبخاصة رؤساء الكتل الذين يرفعون لواء مناهضة الفساد والفاسدين والمفسدين، والحكومة، المبادرة إلى التقدّم بمشروع أو اقتراح قانون معجّل لإدخال التعديل التالي على القانون الرقم 2020/189، الإثراء غير المشروع، وإضافة النصّ التالي في مطلع المادة الثانية من القانون:
“المادة الثانية: موجب تقديم التصريح: اعتبار التصاريح المودعة لدى مصرف لبنان، سندًا لقانون الإثراء غير المشروع القديم رقم 1999/154، وما أضيف إليها حتّى تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية، خاضعة لهذا القانون بكلّ مندرجاته”.تبقى الفقرتان من دون تعديل، فتصبح المادة مؤلّفة من الفقرة (أ) الجديدة، والفقرتان (ب) و(ج).
إنّنا نرى في هذا الإقتراح تصحيحًا لسمعة السلطة التشريعية والتنفيذية التي نشرت القانون، ودليلًا على أنّ الطبقة الحاكمة لديها جدّية وصدقية في مكافحة الفساد على طريق استرداد ما يمكن استرداده من الأموال المنهوبة، سيّما أنّ أيّة جهة لم تطعن في القانون أمام المجلس الدستوري. ونختم بالقول، إنّ عدم تعديل القانون بالإتجاه الذي يؤدّي إلى شمول التصاريح السابقة عليه، يكشف صراحة نيّة المجلس النيابي بالتغطية على الإثراء غير المشروع السابق.
هوامش:
[1] – ألزمت المادة السادسة المجلس النيابي بنشر الأسباب الموجبة للقوانين التي يسنّها وكذلك رئيس الجمهورية والحكومة والوزراء لناحية المراسيم والقرارات الإدارية، وجاء نصّ المادة السادسة على النحو الآتي:”الأسباب الموجبة للقوانين والقرارات الإدارية: تنشر الأسباب الموجبة مع القوانين والمراسيم على مختلف أنواعها في الجريدة الرسمية، وذلك بواسطة الجهة المنوط بها صلاحية النشر أو صلاحية الاصدار”. وألزمت المادة /10/ الإدارة أن تنشر حكمًا على مواقعها الإلكترونية ما يأتي: القرارات والتعليمات والتعاميم والمذكّرات التي تتضمّن تفسيرًا للقوانين والأنظمة أو تكون ذات صفة تنظيمية، وذلك خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ صدورها. ويكون النشر في الجريدة الرسمية إضافةً إلى الموقع الإلكتروني التابع للإدارة.
[2] – هذا الرقم أعلنه النائب غسان مخيبر لجريدة “الأخبار”، مقالة راجانا حمية، بعنوان “قانون الإثراء غير المشروع: كذبة تجرجر أكاذيب”، منشورة نهار السبت 9 تشرين الثاني ٢٠٢٠.
المصدر: جريدة النهار.
“محكمة” – الإثنين في 2021/4/19

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!