مقالات

في الحصانة النيابية/فرانسوا ضاهر

القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهـر:
المادة 40 دستور:”لا يجوز أثناء دور الإنعقاد إتخاذ إجراءات جزائية نحو أيّ عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرمًا جزائيًا إلاّ بإذن المجلس ما خلا حالة التلبّس بالجريمة (الجرم المشهود)”.
إنّ التفسير الحرفي للنص الدستوري (par exégèse) يحمل على استخلاص التالي:
إنّ منح الإذن من عدمه، لا يعني أنّه يعود للمجلس النيابي تقييم الجرم المدعى به على النائب، ومدى توافر عناصره، ومدى اقتراف النائب المذكور له، وإلّا لأضحى حجب الإذن سبيلًا لتملّص النائب من الملاحقة الجزائية، وسبيلًا لتبرّوئه من تلك الملاحقة، وسبيلًا لتبرئته من المسؤولية الجنائية. ما يشكّل تدخّلًا من السلطة المشترعة بعمل السلطة القضائية، وعرقلةً لعملها، ومحدوديّةً لسلطانها في إدانة أو تبرئة المشتبه باقترافهم جرائم جزائية.
لذا، يُفهم ” الإذن”، بمعنى أنّه لا يعيق الملاحقة الجزائية بحقّ النائب التي هي من سلطان السلطة القضائية المطلق. وإنّ حجبه ينحصر بالحالة التي تكون فيها الإجراءات الجزائية التي قد يتّخذها القضاء بحقّ النائب، بما في ذلك إمكانية إلقاء القبض عليه، تحول دون حضوره جلسات انعقاد المجلس النيابي لممارسة حقوقه وواجباته “كممثِّل عن الأمّة جمعاء”(27 دستور)، بحيث إنّه خارج دور انعقاد تلك الجلسات تتمّ ملاحقة النائب جزائيًا، كما تعود وتسري ملاحقته، كأيّ فرد من أفراد الحقّ العام.
“فالحصانة النيابية” حيال الملاحقة الجزائية هي مؤمّنة، في المحصّلة، وتسري ويُعمل بها من قبل القضاء الجزائي وتقيّد إجراءاته المانعة لحرّية النائب، أثناء ولمدّة دور انعقاد جلسات المجلس النيابي. وهي بالتالي لا تحول دون ملاحقته جزائيًا أو تمنع عنه هذه الملاحقة أو تعفيه منها أو تحجبها عنه.
أمّا إذا كان طلب رفع الحصانة الذي تقدّم به المحقّق العدلي إلى المجلس النيابي يحمل في طيّاته ترخيصًا بملاحقة النوّاب المشتبه بضلوعهم في جريمة تفجير مرفأ بيروت، فهذا يعني أنّ القاضي المذكور قد توسّل “مؤسّسة الحصانة النيابية” التي يضطلع بها النائب ليرفع مسؤوليته عن ملاحقة هؤلاء النوّاب، في حال لم يعطِ المجلس المذكور الترخيص بملاحقتهم. ويكون، من ناحيةٍ أخرى، قد غطّى نفسه تجاه المنظومة الحاكمة، في حال أعطى المجلس النيابي ذلك الترخيص.
وهذا يعني أيضًا أنّ ملاحقة هؤلاء النوّاب جنائيًا تتوقّف على الترخيص الذي يعطيه المجلس النيابي لإتمام تلك الملاحقة. وإنّ المحقّق العدلي لن يلاحقهم في حال لم يعطَ الإذن بملاحقتهم.
في حين، أنّ القواعد القانونية الجزائية العامة وحسن تفسير المادة 40 من الدستور، يوجبان عليه تلك الملاحقة، حتّى ولو لم يُعطَ له الإذن من المجلس النيابي بملاحقة النوّاب المشتبه بهم.
هذا ما يفسّر قول المحقِّق العدلي السابق فادي صوّان “بأنّ جريمة تفجير مرفأ بيروت هي بحجم لا تتوقّف عندها أيّة حصانة”، أيّ أنّه “لا يمكن أن يتوقّف التحقيق فيها عند أيّة حصانة.”
“محكمة” – السبت في 2021/7/10

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!