مقالات

الإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والمرأة ما بين التزامات الدول وموقف المجتمعات العربية/غادة ابراهيم

المحامية غادة ابراهيم*:
يأخذنا هذا العنوان إلى طرح السؤال الأزلي:
هل الطبيعة البشرية أقرب إلى الشرّ أم إلى الخير؟
الجواب اختلف عليه الفلاسفة والفقهاء وعلماء السوسيولوجيا.
وبرأيي، لو كان الخير من طبيعة البشر، لما كانت كلمة “إنسان” تحمل هذا المدلول السامي من الصفات والقيم.
هذا التوصيف يقودنا إلى أنّ الحاجة إلى القوانين والقواعد الإلزامية والمواثيق إنّما تهدف إلى الرقي بالبشرية من مستواها البدائي إلى المستوى الأقرب إلى الإنسانية.
إنّها تشكّل “حوار حضارات “على المستوى الأخلاقي وعلى المستوى القانوني.
وكما الأديان، كلّ الأديان أتت بقواعد أخلاقية، فرضت بإرادة إلهية أو تبشيرية، خدمة للبشرية كي تعيش بسلام.
ونظرة عامة على المواثيق الدولية من عهود وبروتوكولات واتفاقيات وملحقات ضاقت بها المجلّدات، فكلّها تهدف إلى تحقيق غاية واحدة، ألا وهي العيش بسلام، لكن هذه هي الحروب تعمّ أنحاء العالم مخلّفة دماراً هائلاً وضحايا ولاجئين وفقراء وبؤساء على مدار الساعة، رغم أنّ الهيئات الدولية وفي مقدّمها الأمم المتحدة تغرق خزائنها بمجلّدات من العهود والمواثيق والاتفاقيات وكأنّها حبر على ورق.
وفي السياق، نرى أنّ ما من ميثاق أو معاهدة أو اتفاقية إلّا ونشأت على حطام.
فالحروب لا تنتهي إلّا بمعاهدة،
والصراعات لا تحلّ إلّا باتفاقية،
والظلم والاضطهاد لا ينتهيان إلّا بثورة وبعدها قوانين جديدة، وهكذا!
واقع مأزوم يقود إلى حلول تشريعية، وهكذا تتوالى الأزمات وبعدها تتوالى التشريعات ليكون للقانون دور محوري في تطوّر المجتمعات.
والمقارنة بين الأمس واليوم تدلّنا على شواهد كثيرة على مدى فعالية التشريعات في تغيير المفاهيم عبر الزمن نأخذ مثلاً قوانين العمل.
ومن الرّق والاستعباد إنتقلنا إلى حقوق العامل والضمانات التي يتمتّع بها سواء على الصعيد الصحي والمادي والاجتماعي والسياسي وهذا كلّه بفضل المواثيق الدولية التي أثرت المجتمعات بقيم لم تكن موجودة.
أيضًا القانون الدولي الإنساني وهو قانون الحروب، فقد وضع حدوداً تخفّف من قساوة الحروب وعشوائيتها وتفصل بين المجموعات المدنية والمجموعات العسكرية فأسبغت على الأولى حماية دولية تقيها قدر الإمكان الضربات المباشرة أثناء الحروب.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكننا وضع الاتفاقيات الدولية في أربعة عناوين:
– القانون الدولي الإنساني.
– العهد الدولي لحقوق الإنسان.
– إتفاقيات مكافحة الفساد.
– إتفاقيات مناهضة التعذيب.
– إتفاقيات حقوق الطفل.
– إتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف ضدّ المرأة سيداو.
وغير ذلك من الاتفاقيات ذات المواضيع التخصّصية، عدم التسلّح ، حظر الأسلحة النووية، البيئة، تبييض الأموال الإتجار بالبشر، وغيرها.
ما هي مفاعيل مثل هذه الاتفاقيات وماذا تحقّق منها؟
الآثار الإيجابية:
نسجّل لهذه المنظومة إيجابيات عدّة منها:
1- إطلاق مفاهيم جديدة والتي أصبحت في الأدبيات المجتمعية متداولة وتتناولها النخب الثقافية في المناهج التربوية مثل:
– الحرّية
– المساواة
– عدم التمييز
– تقرير المصير
– المشاركة الجندر
– الاستقلال الاقتصادي
– حقّ المعرفة
– المشاركة في صنع القرار
– البيئة
إلى غيرها من المفاهيم التي استجدت.
2- إطلاق برامج توعية حول هذه الاتفاقيات ومضمونها ونشر المفاهيم التي تحملها وتدريب المجموعات المهتمة والناشطة في هذا المجال على حمل هذه الثقافة.
3- تعديل القوانين المحلّية حيث التزمت بعض الدول الموقّعة عليها بذلك.
4- الإستناد إليها وإن نادرًا، في كمصدر من مصادر القانون حيث لها الأولوية في الإلزام قبل القوانين المحلّية.
5- عقد المؤتمرات بين الدول لاستكمال تحقيق الأهداف المرجوة.
6- حقّ المفكّرين والباحثين لوضع الدراسات والأبحاث.
7- وضع التقارير عن واقع الدول الموقعة عليها ومدى التزامها.
8- ممارسة الضغوطات على الدول إمّا للإنضمام أو للإلتزام بها.
9- تربية الأجيال الجديدة على مضامين هذه الاتفاقيات.
10- التسويق الإعلامي لما تحمله هذه الاتفاقيات وما يساهم في تشكيل ثقافة مستمرّة تحلّ محلّ الثقافات السائدة.
أمّا المعوّقات التي حدت من فعالية هذه الاتفاقيات وعطلت مفاعيلها حتّى القانونية، فيمكن ذكر ما يلي:
1- دور الأنظمة السياسية في بلداننا كافة والتي لا تتضمّن برامجها أيّ تطوّر أو تقدّم في مجال حقوق الإنسان. إذ إنّ هذه الأنظمة تكتفي بالتوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات دون الإلتزام بها وإدخالها في صلب التشريعات لكي تأخذ الصفة الإلزامية المباشرة وتصبح قابلة للتطبيق.
2- التحفّظات التي تضعها الدول الموقّعة عند توقيعها على اتفاقية ما ونعطي مثلًا تحفّظات غالبية الدول العربية على اتفاقية سيداو والتي أفرغتها من مضمونها.
فإخراج قوانين الأحوال الشخصية من مفاعيل السيداو أبقى على الكثير من قوانين تكرّس دونية المرأة.
3- دور القضاء الضعيف في وضع اجتهاد قضائي مستقرّ ومسند إلى الإتفاقيات، بل أكثر من ذلك فشل القضاء في المساهمة في تطبيق هذه الاتفاقيات ونأخذ مثلًا الأحكام التي صدرت في قضايا العنف ضدّ النساء وتحويل هذه الجرائم إلى تسبّب بوفاة عوضًا عن تشديد العقوبة لأنّ خلفية الفاعل هي استباحة حياة المرأة.
4- دور الموروث من العادات والتقاليد وهذا جزء من المنظومة السياسية التي يناسبها تثبيت الأوضاع الراهنة في ما يشبه التواطؤ بين السلطة والشعب، الأولى بفسادها وانحرافها عن المصلحة العامة والثاني بالجهل “العنيد” الصامد أمام كلّ محاولات التوعية والانفتاح.
5- دور الأديان وما تزرعه في النفوس من تعطيل لحرّية التفكير وانقياد لرجال الدين وللفكر الجامد لدى الغالبية العظمى منهم ولجهل هؤلاء لعلوم الدين نفسه.
6- تمسك المجتمع بالشائع من الأفكار المغلوطة والمضلّلة حول الكثير من المصطلحات والمفاهيم المتجذّرة في مجتمعاتنا.
ومن المفاهيم التي بقيت عصية على الزوال:
– مفهوم العنصرية
– مفهوم الثأر
– مفهوم الشرف
– مفهوم السيطرة الذكورية
– مفهوم العار
– مفهوم التعصّب الأعمى
– مفهوم العنف
– مفهوم التعذيب
خلاصة هذه المداخلة إنّنا من المؤمنين أن القوانين تشكّل أداة لتطوير المجتمع مثلها مثل التربية، ولا بدّ من العمل دومًا على تعزيز المردود الإيجابي للمنظومة القانونية التي تشكّلها الاتفاقيات الدولية، فهي حصيلة جهود مضنية ودؤوبة قام بها باحثون وباحثات عظام يستحقّون كلّ تقدير وتحيّة.
لكن الاتفاقيات الدولية هل هي ردّ كاف على الواقع المعاش.
حتمًا لا،
لأنّ معظمها إن لم يكن كلّها لا تنصّ على إجراءات عقابية عند مخالفتها، فإجراءات الشكوى من عدم احترام أيّ اتفاقية ليست رادعة غالبًا.
والسياسة الدولية المولج بها تقييم أداء الدول كما نرى، هي ليست موحّدة المعايير، هي خاضعة لرغبات الدول النافذة والتي تتحكّم بالتوصيف.
وأبرز مثال على ذلك ما يشهده العالم من إزدواجية في المعايير تجاه انتهاكات حقوق الانسان.
إذ نرى بلداً يحاسب ويدمّر بهذه الذريعة، في حين أنّ بلداً آخر تفوق ممارساته تلك ويدعم؟
فمآسي الشعوب في الدول الفقيرة لا تحرّك لدى السياسة الدولية ساكناً، ولنا في ما نشاهد من تعاطف العالم الغربي مع شعب أوكرانيا مقارنة مع عدم اكتراثه مع شعوبنا خير مثال، وانتقائية الزمان والمكان لتوجيه الاتهامات والمحاسبة لأفقدت الثقة لدى الشعوب بالسياسة التي ينتهجها المجتمع الدولي. وهذا يفقد الاتفاقيات قيمتها الأخلاقية.
ختاماً، ولأنّ الله لا يغير ما بقوم حتّى يغيروا ما بأنفسهم، علينا الإستمرار في النضال والعمل لتحقيق المزيد من التطوّر في مجتمعاتنا، وهذا مسار طويل.
* ألقيت هذه الكلمة في مؤتمر “المرأة العربية والمساواة أمام القانون نحو ميثاق عربي لحقوق المرأة العربية” الذي نظّمته لجنتا المرأة في اتحاد المحامين العرب ونقابة المحامين في بيروت يومي الجمعة والسبت في 25 و26 آذار 2022 في “بيت المحامي”.
“محكمة” – الأحد في 2022/3/27

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!