أبرز الأخبارمقالاتميديا

لعبة الدولار واصطناع التطبيقات والمنصّة: أسئلة وهواجس/ نور الدرويش

المحامية المتدرّجة نور حسن الدرويش*:
يقاوم المواطن اللّبناني في سبيل دوام عيشه الكريم وتأمين حاجيّاته الأساسيّة، حيث تفاقمت الأزمات السياسية والإقتصادية والمالية والإجتماعيّة، وبات التجّار ورجال الأعمال فاقدي الضّمير يلهثون لتشكيل ثروات هائلة على حساب المواطن واحتياجاته اليوميّة.
هذا وقد جاء موضوع التلاعب بسعر صرف الدولار عبر التطبيقات الإلكترونية داعمًا لهؤلاء ووسيلة جديدة تساعدهم في تحقيق مآربهم الدنيئة في استغلال المواطن الذي لا يمتلك الدولار الأميركي .
فما هو دولار التطبيقات الافتراضي هذا؟ وما هي الدّوافع الكامنة وراء استحداثه؟
بدايةً، إنّ قوّة الليرة اللبنانية في السنوات الأخيرة كانت مستمدّة من تثبيت سعر الصرف، إلّا أنّه وللأسف، إنتهى عصر التّثبيت هذا وباتت اللّيرة اللّبنانيّة تتهاوى يومًا بعد يوم.
وبعد ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة شهدنا إنشاء لتطبيق إلكتروني يظهر لنا سعر صرف الدّولار وتقلّباته في السوق السوداء.
فبين سعر الصّرف الرسمي وسعر صرف المنصّة التّابعة للمصرف المركزي وبين القيمة الحقيقية للدولار الناتجة عن العرض والطلب في السوق، أيّ سعر التوازن الذي يحدّده العرض والطلب، أنشأ التطبيق الإلكتروني سعر صرف وهميًا، ممكن تسميته بسعر الصرف التّطبيقي أو الافتراضي الوهمي.
وكون سعر السّلع في السوق يحدّد على أساس الدّولار الأمريكي، فإنّ غلاء السلع بالعملة الوطنية ناتج عن سعر صرف الدولار في السوق السوداء الذي تظهره هذه التّطبيقات.
وقد لاحظنا في الأيّام القليلة الماضية أنّ ما يظهر على هذه التّطبيقات مخالف للواقع ، وأنّ ما من بيعٍ و لا شراءٍ للدّولار يحصل على أساس سعر صرف الدّولار الّذي يتمّ عرضه .
ولا بدّ لنا هنا، أن نستذكر ظهور ما يعرف بالعملة الرّقمية مؤخّرًا لتقارب مبدئها مع فكرة الدولار التّطبيقي الافتراضي، إضافةً إلى تشابه خطورتهما .
فالعملة الرقميّة هي عملة لا مركزية ، أيّ أنّه لا يمكن لحكومة أو مؤسّسة ما أن تتحكّم في إنتاج المزيد منها، فيتمّ التحكّم في العملات الرقمية عن طريق تكنولوجيا تدعى “البلوك تشين”.
وحيث إنّ العملة الورقية هي عملة ملموسة منقولة، غير أنّ العملة الرقمية هي عملة غير ملموسة، بل عملة مشفّرة لا تتبع لدولة معيّنة فهي عملة لا مركزية إفتراضية تساوي قيمة معيّنة من العملة الورقية، لكنّها غير موجودة في حوزة مالكها إنّما في نظام إلكتروني معقّد، و تحديدًا في بطاقة إئتمانية إفتراضية يستعملها المالك لشراء ما يريد عبر الانترنت، حيث تكون هذه العملة مخبّأة في محفظة إلكترونية لها كلمة مرور خاصة بالمستخدم ، ما يعزّز أمانها.
من الجهة الأخرى، تتشابه العملة الإلكترونية بالعملة الورقية في هبوط وارتفاع قيمتها نسبة للعملات الأخرى، والعملات الرقمية ليست عملات فقط ، بل هي مشاريع واستثمارات لشركات تعمل في مجالات مختلفة.
وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد منع استعمال بيتكوين والعملات الإفتراضية الأخرى كوسيلة دفع، معتبرّا أنّها مجرّد سلعة وليست عملات ترتكز على المعطيات أو القواعد المعروفة، حيث ترتفع أسعارها لسبب مجهول. وصحيح أنّ استخدامها ينتشر ولكنّ مستخدميها مجهولون .
من هنا، إعتبرت العملات الرقمية العدوّ الأوّل للمصارف التي تسعى بالتعاون مع الحكومات إلى حظرها والتحذير منها بشكل مستمرّ، نتيجة عدم قدرتها على السيطرة عليها ولا معرفة مصدرها، الأمر الذي يعتبر خطيرًا جدًّا، لكونه من الممكن أن يخفي وراءه عمليات تبييض للأموال، أو تمويلٍ للإرهاب.
إنطلاقًا من هنا، سنقارب فكرة الدولار التطبيقي، تشبيهًا له بمبدأ العملة الرقميّة الإفتراضية، والمخاطر الناجمة عنها نتيجة الخروقات القانونيّة الحاصلة لهذه النّاحية .
المبدأ أنّ النقد في الأساس ما هو إلّا مجرّد أداة محاسبية وطريقة لتقدير القيمة الفعلية ، فما الهدف إذًا وراء خلق سعر صرف وهمي للدولار؟
لا شكّ أنّ جني الأرباح هو الهدف الحقيقي لأيّ عمل يضع الإنسان هذا النّوع من الجهد فيه.
حيث إنّ عملية تقليب رأس المال بين الدولار والليرة وعملية المضاربة بالدولار مقابل الليرة أصبحت التجارة الأربح في لبنان، والتغيّر الوهمي لسعر الصرف على هذا التطبيق الإلكتروني شكّل عاملًا أسرع من انتظار الظروف السياسية أو الإقتصادية لتقليب الأموال واكتساب الأرباح، فعبر هذه الطريقة يمكن كسب مليون ليرة لبنانية بكلّ زيادةٍ ولو لألف ليرة لبنانية على سعر صرف الدولار الواحد في حال المضاربة بألف دولار فقط، فما بالك بملايين الدولارات؟؟
إذًا، باتت هذه العملية أساس الحركة الاقتصادية لكبار التجّار ورجال الأعمال الذين باتوا يعوّلون عليها لزيادة أموالهم وثرواتهم.
من هنا، وانطلاقًا ممّا ذكرناه آنفًا، ألا يعتبر هذا التلاعب بسعر الصرف جرمًا جزائيًّا؟ أليس المال الناجم عن هذه المضاربة هو مال غير مشروع المصدر؟ أليس دمج هذا المال في العجلة الاقتصاديّة من جديد يندرج تحت مفهوم تبييض الأموال؟ أوليس على الجهات المختصّة التحرّك لإيقاف هذه التطبيقات بشكل جذريّ كونها أشدّ خطورة من العملات الرقميّة ولما في بقائها من تعدٍّ وتهديد لأمن المجتمع ككلّ؟ أوليست المخاطر الناجمة عنها ثابتة وأشدّ خطورة من العملات الرقميّة؟
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مدعي عام التمييز القاضي غسّان عويدات كان قد طلب مساعدة قضائية من أميركا تقضي بالعمل على حجب المواقع الإلكترونية التي تتعاطى بتحديد سعر صرف الدولار، وقد تبيّن أنّ هناك الكثير من هذه التطبيقات مصدرها خارجيّ بحسب ما زوّده به مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة.
إلّا أنّه مع الأسف لا تزال معظم هذه التطبيقات موجودة، وتمعن بالتلاعب بسعر الصّرف.
نهاية، يبقى التساؤل هنا عن هويّة الشخص أو العصابة التجارية التي ابتكرت فكرة التطبيق الإلكتروني. فهل كان يعلم مبتكروه أنّ هذه اللعبة سوف تصل إلى هذا الحدّ من الشيطنة التجارية، أم أنّه من الممكن أن يكون الهدف الأساسي من صنع التطبيق هو الربح البسيط المعتاد جرّاء التصفّح؟ وهل من الممكن أنّه وبعد أن اكتسب التطبيق ثقة الناس أن يكون أحدهم قد اشتراه، وغيّر الهدف إلى هدف سياسي نقدي بخلق سعر صرف تطبيقي يتحكّم بالسوق السوداء للدولار ويمتاز بالبساطة والسهولة ويكون الوسيلة الأقوى للمضاربة وتحويل الدولار لعملة تقع بين الحقيقة والوهم؟
موجز القول، لم ينج من عمليّة المضاربة هذه وارتفاع سعر الصرف إلاّ من اعتاد على التعامل بالدولار، وهم في معظمهم طبقة الأغنياء والتجّار والنبلاء!
وقد تحوّل هذا الحدث من لعبة استغلّها كبار رجال الأعمال إلى منظومة إجتماعية إقتصادية جديدة يعتاش منها البعض في ظلّ هذا الغلاء الفاحش .
وأمام هذا الواقع، هل سيسمح هؤلاء – في حال أمكن ذلك-بتثبيت سعر الدولار مجدّدًا؟ أم أنّنا سنشهد احتجاجات في حال تثبيت سعر الصرف على الأربعة آلاف ليرة لبنانيّة مثلًا، ومجازر جماعية في حال عودة سعر الصرف إلى الألف وخمسمائة ليرة؟!
وما هو مصير طرح حاكم مصرف لبنان الأخير بإنشاء منصّة خاصة بالمصرف المركزي لعرض سعر صرف الدولار الحقيقي، فهل سيبقى حبرًا على ورق، أم أنّ المنصّة ستنشأ بالفعل وتكون وسيلة جديدة لامتصاص ما تبقى من دولارات بيد المواطن اللبناني؟
*ماجستير في قانون الأعمال.
“محكمة” – الجمعة في 2021/3/26

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!