أبحاث ودراسات

لهذه الأسباب يطلب هادي حبيش رفع الرقابة القضائية عنه/مروان ضاهر

المحامي مروان ضاهر:
يتشرّف المدعى عليه هادي حبيش بعرض ما يلي*:
لمّا كان المدعى عليه محامياً في الإستئناف منذ أكثر من عشرين عامًا، ونائباً عن محافظة عكّار منذ أكثر من خمس عشرة سنة،
ولمّا كان قد وقع خلاف بينه وبين المدعية القاضية غادة عون أثناء ممارسته لمهنته بوكالته عن المدير العام لهيئة إدارة السير والآليات والمركبات المهندسة هدى سلوم بتاريخ 2019/12/11 وذلك في مكتب المدعية حيث توجّهت له بعبارات نابية ممّا استتبع ردّاً منه ممارساً حقّ الدفاع المشروع حيث اعتبر بمثابة القدح والذمّ والتهديد بحسب مندرجات الدعوى القائمة بين الفريقين والموجودة أمام رئاستكم،
ولما كان المدعى عليه قد حضر أمامكم بتاريخ 2020/11/6 واستجوب لمدّة ثلاث ساعات في هذه الدعوى وسرد كامل وقائع الإشكال الذي حصل بينه وبين المدعية الخ…،
ولمّا كانت رئاستكم قد أصدرت قرارًا بتاريخ 2020/11/13 وسندًاً للمادة 111 أ.م.ج. بوضع المدعى عليه النائب المحامي هادي حبيش تحت المراقبة القضائية وتبعًا منعه من دخول كافة قصور العدل لمدّة ثلاثة أشهر تبدأ من تاريخ 2020/11/13 سندًا للفقرة “ه” من المادة عينها، وبالنظر لارتباط الأفعال المدعى بها بممارسة المدعى عليه لمهنة المحاماة منع المدعى عليه من مزاولة مهنة المحامة لمدّة ثلاثة أشهر تبدأ من تاريخه وإبلاغ هذا الأمر إلى جانب مجلس القضاء الأعلى للتعميم ومن جانب نقابة المحامين في طرابلس والشمال لأخذ العلم والإستعاضة عن توقيف المدعى عليه بكفالة مالية ضامنة للحقوق الشخصية قيمتها 50 مليون ليرة لبنانية وأخرى ضامنة للحضور والرسوم تقسم بالتوازي بقيمة مليون ليرة لبنانية وإبلاغ من يلزم،
لذلك، سنناقش مدى قانونية قرار رئاستكم لعدّة جهات أبرزها:
1- في عدم قانونية قرار منع المدعى عليه من ممارسة مهنة المحاماة ودخوله قصور العدل لمدّة ثلاثة أشهر.
2- في عدم ملاءمة قرار منع المدعى عليه من ممارسة مهنة المحاماة ودخوله قصور العدل كافة مع الأفعال الجرمية المنسوبة إليه.
أوّلًا: في عدم قانونية قرار رئاستكم وفقاً للمادة 111 أ.م.ج. لجهة منع المدعى عليه من ممارسة مهنة المحاماة ودخوله قصور العدل كافة لمدّة ثلاثة أشهر.
إنْ كان صحيحًا أنّ نصّ المادة 111 أ.م.ج .في فقرتها “ه” قد أعطى قاضي التحقيق صلاحية منع المدعى عليه من ممارسة بعض المهن طيلة فترة الرقابة إلاّ أنّه من الصحيح أيضاً أنّه عند تضارب نصّ عام مع نصّ خاص يطبّق حصرًا النصّ الخاص.
وأنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ قانون تنظيم مهنة المحاماة يعتبر حكمًا بمثابة النصّ الخاص، وأنّ المادة 99 منه تشكّل النصّ الخاص مقابل المادة 111 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تشكّل النصّ العام الذي يطبّق على جميع الحالات ما لم يتعارض مع نصّ خاص وارد في قانون خاصّ.
وبالتالي، فإنّ نصّ المادة 99 المشار إليه يحصر فقط بالمجلس التأديبي لنقابة المحامين حقّ منع محام من مزاولة مهنته لمدّة محدّدة كأحد العقوبات التأديبية لمخالفات مسلكية، وبالتالي هذا النصّ الخاص يحجب صلاحية قاضي التحقيق في تقرير هذه النتيجة لانعدام الإختصاص وبالإستناد إلى التعليل الوارد أعلاه.
وقد نصّت المادة 99 منه تحت عنوان العقوبات التأديبية على أنّ كلّ محام يخلّ بواجبات مهنته أو يقوم أثناء مزاولة تلك المهنة أو خارجاً عنها، على عمل يحطّ من قدرها أو يسلك مسلكاً لا يأتلف وكرامتها يتعرّض للعقوبات التأديبية الآتية:
1- التنبيه.
2- اللوم.
3- المنع من مزاولة مهنة المحاماة مدّة لا تتجاوز الثلاث سنوات.
4- الشطب من جدول النقابة.
وما يعزّز صحّة وصوابية هذا الرأي هو نصّ المادة 111 أ.م.ج. نفسه الذي أعطى لقاضي التحقيق حقّ إلزام المدعى عليه بموجبات يعتبرها ضرورية لإنفاذ المراقبة القضائية إذ جاء في البند “ه” منه ما حرفيته “عدم ممارسة بعض المهن”. وذلك في دلالة واضحة من المشرّع على عدم صلاحية قاضي التحقيق في استعمال هذا الحقّ في جميع المهن، وإنّما في بعضها فقط لكون بعض المهن لاسيّما المحاماة تخضع لأنظمة خاصة لتقرير هذه النتيجة، وإلاّ لكان المشترع قد استعمل عبارة كلّ المهن أو أيّ مهنة.
أضف إلى ذلك، فإنّ كلمة بعض المهن تعني وجود استثناء، وأهمّ الإستثناءات هي الإستثناءات القانونية التي أشرنا إليها بتقديم القانون الخاص على القانون العام.
من ناحية أخرى، كان يجب على رئاستكم الكريمة أن تستأنس بالقانون الفرنسي(المادة 138 منه) كما فعلتم يوم قرّرتم ردّ الدفوع الشكلية المقدّمة من قبل المدعى عليه حيث استأنستم بالقانون الإجرائي الفرنسي، باعتبار أنّ المادة 111 أ.م.ج. في لبنان إستهدفت بعض المهن، وهذا يعني أنّها تحمل في طيّاتها إستثناء بالنسبة للبعض الآخر لاسيّما أنّ فلسفة الإستثناء الذي كرّسته المادة 138 من القانون الإجرائي الفرنسي الصادر قبل القانون اللبناني بالنسبة لفرضية تورّط محام بارتكاب جرم معيّن، يكمن في حفظ كرامة هذا الأخير عن طريق إشراك مجلس نقابته في هذه الحالة. وهذا يعكس بالطبع تمسك المشرّع الفرنسي بالتوازن والتعاون والتكامل بين جناحي العدالة، خاصة أنّ العدالة القضائية هي نتاج فكري ينشأ من لدن مقارعة الحجج القانونية التي يتشارك فيها المحامي مع القاضي على قدم المساواة في صناعتها (justice discursive).
ومن هنا أوجب المشرّع الفرنسي على قاضي التحقيق إحالة طلب منع المزاولة للمحامي إلى نقابة المحامين أيّ لم يمنحه القانون الصلاحية منفرداً باتخاذ تدبير يمنع المحامي المدعى عليه من مزاولة مهنته كونه شريكاً في صناعة العدالة القضائية وله في قصر العدل المنزلة ذاتها التي يتمتّع بها القاضي فقصر العدل لكلاهما وهو بمثابة منزلهما المهني.
وأكثر من ذلك، نضيف أنّ قرار رئاستكم الكريمة لا يستقيم قانوناً ويخرج عن نطاق اختصاصكم ويدخل ضمن اختصاص مجلس نقابة المحامين.
وإنّ أيّ تفسير آخر يؤدّي حتماً إلى تعطيل الباب الرابع من قانون تنظيم مهنة المحاماة، أيّ المواد من الرقم 96 إلى 109 من القانون عينه. فهل يصحّ بقرار صادر عن حضرة قاضي التحقيق أن يتمّ تعطيل ثلاث عشرة مادة قانونية وأن يلغى دور المجلس التأديبي لدى نقابة المحامين؟
لقد نصّت المادة 96 منه على إنشاء مجلس تأديبي من النقيب أو من ينتدبه رئيساً ومن عضويين يختارهما النقيب لمدّة سنة.
أيضاً نصّت المادتان 98 و 99 على العقوبات بدءاً من التنبيه الأخوي (المادة 98) وانتهاء بالشطب من جدول النقابة، مروراً “بالمنع من مزاولة المحاماة مدّة لا تتجاوز الثلاث سنوات”.
كما نصّت المواد 102 وما يليها على أصول المحاكمة والتبليغ، ونصّت المادة 108 وما يليها على طرق الطعن بالأحكام التاديبية إلخ … أيّ أنّ هناك نظاماً قانونياً كاملاً ومتكاملاً يتناول “تأديب المحامين”، فلا يصحّ تعطيل هذا النظام بكامله.
لكلّ هذه الأسباب يطلب المدعى عليه إصدار قرار برفع الرقابة القضائية عنه لجهة منعه من ممارسة مهنة المحاماة ودخول قصور العدل لعدم قانونية القرار الصادر عن رئاستكم ولصدوره عن مرجع غير ذي اختصاص.
ثانياً: في عدم ملاءمة الأفعال الجرمية المنسوبة إلى المدعى عليه مع قرار وضعه تحت المراقبة القضائية ومنعه من مزاولة مهنة المحاماة ودخوله قصور العدل:
إنّ طبيعة المنع من مزاولة بعض المهن كموجب لإنفاذ المراقبة القضائية توجب لإمكانية فرضه على المدعى عليه توافر شروط وضعه تحت هذه المراقبة. إضافة إلى هذه الشروط التي تعتبر عامة لانطباقها على موجبات المراقبة القضائية كافة، يقتضي توافر شروط خاصة في هذا الموجب.
فمن ناحية الشروط العامة، يتبينّ من الرجوع إلى المادة 111 أ.م.ج. أنّ نظام المراقبة القضائية هو بديل عن التوقيف. هذا الرابط بينهما يوجب القول أنّه يشترط لإمكانية اللجوء إلى هذه المراقبة أن تكون شروط التوقيف متوافرة فيتمّ إحلال المراقبة مكانه، أمّا في حال عدم توافر هذه الشروط فيجب ترك المدعى عليه.
وبالنظر إلى كون المراقبة القضائية بديلة عن التوقيف، فإنّه لا يمكن فرضها إلاّ متى كان التوقيف جائزاً. هذا التفسير يؤمّن الإنسجام بين نصّي المادتين 111 و 107 أ.م.ج. وكذلك الغاية من المراقبة القضائية.
يراجع بهذا المعنى:
– الياس أبو عيد ،المرجع السابق،الصفحتان 398 و 399، رقم 9.
– أنطوان الحاج، العلاقة بين قاضي التحقيق والهيئة الإتهامية علاقة تصادم أم تعاون دراسة مقارنة، المنشورات الحقوقية صادر، بيروت 2008، ص50.
– علي عبد القادر القهوجي، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية دراسة مقارنة، الكتاب الثاني، منشورات الحلبي الحقوقية، 2009، ص 347.
– نعمة سلوان، قرينة البراءة بين القانون والواقع، الطبعة الأولى، المنشورات الحقوقية صادر، بيروت،2011، ص 78، الرقمان 59 و60.
فالمادة 75 مثلاً من قانون تنظيم مهنة المحاماة الناصة على أنّه:”لا يجوز التوقيف الإحتياطي في دعوى الذمّ أو القدح أو التحقير التي تقام على محام بسبب أقوال أو كتابات صدرت عنه أثناء ممارسته مهنته”.
ففي هذه الحالة، وكون التوقيف الإحتياطي غير جائز أصلاً، فلا إمكانية للقول بجواز وضع المدعى عليه تحت المراقبة القضائية.
يراجع بهذا المعنى:

B. Bouloc, procédure pénale, 26e éd. Dalloz, 2017, p. 762, n.
882 : « la mise sous contrôle judiciaire ne peut pas être ordonnée…. Dans les matières où à la  détention provisoire
“n’est pas autorisée

وفي هذا الصدد، جاء القانون الفرنسي أوضح، إذ اشترط بموجب المادة 1/138 من قانون الإجراءات الجزائية لإمكانية وضع المدعى عليه تحت المراقبة القضائية أن يكون الجرم المنسوب إليه معاقباً عليه بالحبس أو بعقوبة أشدّ.
وبذلك يكون قد اعتمد مقدار عقوبة أقلّ من ذلك الواجب لإمكانية التوقيف المؤقّت بحسب المادة 143-1 من القانون عينه، الذي هو غير جائز إلاّ في الجنايات وفي الجنح التي عقوبتها الحبس لمدّة ثلاث سنوات على الأقلّ.
إضافة إلى ذلك، يشترط لإمكانية فرض المراقبة القضائية أن تتوافر أسباب جدّية تتعلّق بمصلحة التحقيق أو بالوقاية من تجدّد النشاط الجرمي فيؤخذ في هذا الصدد بالشروط المحدّدة في المادة 107 أ.م.ج. لإمكانية التوقيف.
يقصد بضرورات التحقيق، درء إمكانية فرار المدعى عليه أو تلاعبه بالأدلّة أو تبديدها وبالتدبير الإحترازي تعطيل ما يمكن أن ينتج عن خطورة المدعى عليه. (يراجع بهذا المعنى: J. Larguier et P. Conte, procédure pénale, 24e éd. Dalloz, 2016, p.256 ).
واعتبر الإجتهاد الفرنسي أنّه إذا كان قضاء التحقيق يملك سلطة التقدير في وضع المدعى عليه تحت المراقبة القضائية إلاّ أنّه يتوجّب عليه تحديد مبرّرات قراره بما هو منصوص عليه في المادة 137 من القانون الإجرائي الفرنسي.
وفي حال توافر الشروط العامة المذكورة لإمكانية وضع المدعى عليه تحت المراقبة القضائية، يمكن منعه من ممارسة أنشطة مهنية معيّنة كموجب لإنفاذ هذه المراقبة بشرط توافر الشروط الخاصة بهذا المنع.
فمن ناحية الشروط الخاصة، وفي ظلّ غياب أيّ تحديد لشروط من هذا القبيل في القانون اللبناني إلاّ أنّه لا يمكن القول إنّ فرض هذا الموجب غير مقيدّ بشروط خاصة.
فللجواب على هذا السؤال يقتضي العودة إلى ما يبرّر فرض هذا الموجب قانوناً في معرض المراقبة القضائية. فهذا المبرّر هو وقائي، ويتمثّل بالحؤول دون تجدّد الأفعال الجرمية التي توفّر الأنشطة المهنية أو استمرار مزاولة المهنة إمكانية ارتكابها.
واستناداً إلى ذلك، لا يمكن تصوّر إلزام المدعى عليه الذي تقرّر وضعه تحت المراقبة القضائية بهذا الموجب بدون إثبات توافر ما يبرّر هذا القرار.
فالإجتهاد الفرنسي شدّد على ضرورة توافر الشرطين المذكورين في المادة 138 من قانون الإجراءات الجزائية. ويعتبر الإجتهاد أنّ القرار الذي يكتفي بفرض موجب المنع من ممارسة بعض الأنشطة المهنية في معرض المراقبة القضائية لكون الجرم ناشئاً عن ممارسة المهنة بدون أن يبيّن مخاطر ارتكاب جرم جديد، مخالف لأحكام المادة المذكورة. (يراجع بهذا المعنى: Crim. 22 fev. 1995, cite par, C. Ambroise-Castérot, J. – F.
(Rénucci, J.-P. Céré et M. Léna, op. cit, p. 422, n. 9
إستناداً إلى ذلك، تبريراً لمنع طبيب مدعى عليه تقرّر وضعه تحت المراقبة القضائية، من ممارسة مهنة الطبّ ،إعتبرت محكمة التمييز الفرنسية أنّ الإعتداءات الجنسية المنسوبة إليه ناتجة عن تعرّضه لمرضاه، وأنّها متكرّرة خلال فترة طويلة من الزمن، ويخشى في حال استمراره بممارسة مهنته من تكرارها.
إذاً، إنّ الغاية الوقائية المتوخّاة من موجب المنع من ممارسة المهنة تكون درءاً لخطر تجدّد الأفعال الجرمية التي يخشى حصولها في معرض ممارسة المهنة.
تجدر الإشارة إلى أنّه طرحت في هذا المجال على المحاكم الفرنسية عدّة حالات أثير فيها النقاش حول ما إذا كان موجب معيّن يعتبر من قبيل المنع من ممارسة مهنة المحاماة، وذلك بالنظر إلى تأثير هذا الوصف على تحديد المرجع المختص في فرض هذا الموجب.
كما طرحت حالة منع قاضي التحقيق المحامي من الدخول إلى قصور العدل (كما هي الحالة الحاضرة)، فقد اعتبرتها إحدى غرف التحقيق من قبيل المنع من مزاولة مهنة المحاماة، الأمر الذي يخرج عن نطاق اختصاص القاضي المذكور ويدخل ضمن اختصاص مجلس نقابة المحامين ويجعل القرار باطلاً لمخالفته للقانون وتجاوزه حدّ السلطة.
يراجع بهذا المعنى:
– إنّ تسمية غرفة التحقيق (la chambre de l’instruction) أطلقها القانون رقم 516 – 2000 تاريخ 2000/6/15 على مرجع الدرجة الثانية في التحقيق الإبتدائي بعد أن كانت تسميته الهيئة الإتهامية ( la chamber d’accusation) ذلك بعد أن نزع منه سلطة احتكار الإتهام في الجنايات، وعدّل المادة 181 من قانون الإجراءات الجزائية بحيث أصبح قاضي التحقيق يصدر، في حال اعتبر الأفعال من نوع الجناية، قراراً إتهامياً يحيل بموجبه المتهم للمحاكمة أمام محكمة الجنايات.
-Bourges, ch. Instr., 6 nov. 2001, cité par, C. Guéry et P.Chambon, op. cit., p. 447, n. .32.124
تقتضي الملاحظة أيضاً في هذا المجال، أنّه إذا كان من السهل على قاضي التحقيق تحديد ما إذا كان الفعل ناشئاً عن المهنة عند البحث في توافر شروط المنع من ممارسة المهنة، إلاّ أنّ إثبات توافر خطر تجدّد النشاط الجرمي من معطيات الملفّ ليس دائماً سهلاً.
من هنا أهمّية استطلاع رأي مجلس النقابة في حال انتساب المدعى عليه إلى إحدى النقابات كنقابة المحامين أو نقابة الأطباء قبل فرض الموجب المذكور.
فهذا المرجع لديه المعطيات الكاملة عن السيرة المهنية للمنتسب إلى النقابة، وعمّا إذا كانت توجد بحقّه أيّ شكاوى مسلكية أو عقوبات تأديبية، وهذه المعطيات من شأنها حتماً أن تنير قاضي التحقيق عند اتخاذ قراره.
في المحصّلة، يقتضي التشديد على أنّ هذا النظام أقرّه المشرّع اللبناني والفرنسي من أجل تلافي التوقيف الإحتياطي، وتقليل حالاته متى توافرت شروطه. ومراعاة لهذه الغاية يقتضي عدم اللجوء إليه إلاّ عند توافر شروط التوقيف، ويجب أن يكون التدبير المتخذّ متناسباً مع ظروف الملاحقة ومعطياتها وضرورياً لمصلحة التحقيق، ومن شأنه أن يؤدّي إلى درء أيّ خطر محتمل في الأفعال الجرمية، لأنّ هذا التدبير من شأنه أيضاً تقييد حرّية المدعى عليه، وتبعاً لذلك يجب أن يكون مبرّراً. (يراجع بهذا المعنى:
-P. Collet, L’acte coércitif en procédure pénale, thèse, Paris II-
2014, p. 68, n. 86.
– G. stéfani et G. Levasseur, Procédure pénale, 10e éd., Dalloz- 
(1977, p. 486, n. 495-.2
فنتائج هذا القرار ليست أقلّ خطورة على المدعى عليه من التوقيف، فهي تؤثّر على سمعته أمام زبائنه وزملائه في العمل وكذلك أمام عائلته ومحيطه، ويصعب جدّاً تخطّي آثارها السلبية حتّى بعد انقضاء فترة على انتهاء مفعول المنع، لذلك يقتضي عدم اللجوء إلى هذا التدبير إلاّ بحذر شديد.
من هنا إعادة التأكيد على أنّ هذا المنع يجب أن يكون مقيّداً بشرطي نشوء الجرم بمعرض ممارسة المهنة والخشية من تجدّد الأفعال الجرمية وهذا ما لا ينطبق في حالة موكّلنا الذي يتمتّع بسيرة حسنة في كلّ حياته المهنية ولم تسجّل أيّ شكوى بحقّه لا في نقابة المحامين، ولا في أيّ من قصور العدل. ونتساءل ويتساءل الكثير من الناس معنا عن الغاية التي توخّاها قاضي التحقيق من خلال اتخاذه قرار وضع المدعى عليه النائب المحامي هادي حبيش تحت الرقابة القضائية، وكذلك عن سبب منعه من مزاولة مهنته، وعن مدّة هذا المنع، وعن تعميم منع دخوله كافة قصور العدل وليس فقط مثلاً النيابة العامة التي وقع فيها الأشكال. وأخيراً نسأله، وقد مرّ على تاريخ وقوع الأشكال حواليّ السنة، هل ارتكب المدعى عليه خلال هذه السنة أيّة مخالفة أو جنحة أو جناية مع المدعية أو أيّ شخص كان، أو فرضت عليه أيّ عقوبة جزائية من القضاء أو إدارية من قبل نقابة المحامين التي ينتسب إليها.أضف إلى ذلك، إنّ المدعى عليه هو نائب أيضاً منذ خمس عشرة سنة، فهل أخذ حضرة قاضي التحقيق بعين الإعتبار مدى تأثير هذا القرار على شعبية المدعى عليه؟ وهل اطلع مثلاً على السجّل العدلي العائد له؟
فهل إنّ ذهاب المدعى عليه إلى قصور العدل رغم سيرته الطويلة في مهنة المحاماة وحسن أدائه في المحاكم وعلاقاته الممتازة مع القضاة أصبح يشكّل خطراً عليه من القضاة أنفسهم أو يشكّل خطراً منه على القضاة؟
وهل نستطيع أن نستنتج من ذلك أنّ الخلاف قد أخذ طابع الخلاف القبائلي أو العشائري وهذا ما نستبعده عن القضاة والمدعى عليه في آن معاً؟
وهنا لا بدّ لنا في هذا السياق من إعادة التأكيد على أنّ التدبير بمنع شخص ما من مزاولة بعض المهن يعني في ما يعني، وإضافة إلى ما تقدّم، درءاً لخطر ما أو مفاقمة للنتائج الجرمية.
ومثال ذلك أن تكرّر الأخطاء الطبّية الفادحة من طبيب ما، فيعتبر المنع من باب الحفاظ على حيوات الناس، أو أن يستغلّ مثلاً صرّاف ما، ظروفاً مالية أو اقتصادية فيمارس المضاربة بصورة غير مشروعة بما يقتضي معه وقف ممارسته لمهنة الصرافة.
أما أن يُمنع محام من ممارسة مهنته لفترة من الزمن بسبب إشكال حصل بينه وبين قاضٍ فهو يخرج تماماً من نطاق المادة 111 أ.م.ج. لأنّه ليس من المفروض لذلك الإشكال أن ينعكس على زبائن المحامي أو مصالحهم أو حسن أدائه لعمله في كتابة اللوائح والمرافعات والمراجعات، ناهيكم ما يؤدّي هذا التدبير إلى طعن فاضح لحرّية التعاقد وبانسحاب ضرر هذا التدبير على زبائن مكتب المدعى عليه الذين من المفترض أن يكونوا بإجراء عقد الوكالة بينه وبينهم قد وضعوا أنفسهم في منطقة قانونية آمنة. فكيف تصان مصالحهم والحال كما ذكر إذا منع وكيلهم من مزاولة مهنته؟ وهو المؤتمن على أسرارهم والمطلع على سير دعاويهم والعارف بوسائل الدفاع والدفوع عنهم وعن تلك المصالح!
أفلا يعتبر ذلك اعتداء على الحقوق القانونية للغير من دون أيّ مبرّر ومن دون أيّ صفة؟
وإذا كان كذلك، أفما كان يقتضي من باب الحصافة القانونية أن يعطى المدعى عليه كما أعطي – كما حصل في مسألة دفع الكفالة – مهلة كافية لترتيب شؤون مكتبه وإبلاغ زبائنه بضرورة تدبير أمورهم وتوكيل سواه حفاظاً على حقوقهم التي يمكن أن تتعرّض لخطر شديد بفوات مهل معيّنة أو عدم حضور جلسات أو اتخاذ تدابير معيّنة؟
وهل يمكن أن يعتبر هذا القرار من قبيل التدبير الوقائي فحسب، أو أنّه عقوبة قاضية تحرم المدعى عليه من جميع زبائنه؟
وهل أنّ الإشكال مع القاضية يتناسب مع هذا القرار ذي النتائج المبرمة؟
هذا كلّه إذا وضعناه بكفّة ووضعنا ما حصل بين المدعى عليه والقاضية عون وما سبق ذلك وما لحق ذلك ممّا تشاهده العيون على التلفزة. (ربطاً فيديو شارل أيوب وفيديو غادة عون -مستند رقم 1)
وما يعاني معه المواطنون والقضاة من إجراءات يعرفها القاصي والداني لاسيّما حضرة مدعي عام التمييز الذي لم ينج من تعرّضها له علناً ولا حتّى مجلس القضاء الأعلى. فأيّ كفّة هي الراجحة؟
وهل قرار رئاستكم ينطوي على استقامة الميزان المختلّ أو أنّه يزيد في اختلاله؟
بناء على ما تقدّم، فإنّ ما اتخذته الرئاسة من تدبير انطوى بصورة صادمة على قرار قطعي بحرمان المدعى عليه من زبائنه، علماً أنّ المنع من دخول قصور العدل هو أمر جلل يستوجب معه – إذا كان المدعى عليه على هذه الدرجة من الخطورة – حرمانه من ارتياد جميع دوائر الدولة وزيارة القصر الجمهوري ومجلس النوّاب والسرايا الحكومي حفاظاً على حيوات ساكنيها، وبالتالي إقفال مكتب المحاماة العائد له، لأنّ التدبير بمنع المزاولة لفترة من الزمن يفضي إلى منع المدعى عليه من مزاولة المهنة مدى الحياة لخسارته زبائنه الموجودين وإحجام الزبائن المفترضين عن الإستعانة بمكتب مشبوه وسيئ السمعة.
أكثر من ذلك، لا بد من التأكيد على أنّ الدفـاع المشـروع في جرائـم التعبيـر ينفـي كـلّ مسؤوليـة جزائيـة ومدنيـة ويتنـاول الفاعـل والمساهميـن. فالدفـاع المشـروع في جرائـم التعبيـر صـورة من صـور الدفـاع المشـروع العـام، وقـد عبّر قانـون العقوبـات اللبنانـي عن هـذا الأخيـر،بقولـه:”يعـدّ ممارسـة حـقّ كـلّ فعـل قضـت بـه ضـرورة حاليـة لدفـع تعـرّض غيـر محـقّ ولا مثـار على النفـس أو الملـك أو نفـس الغيـر أو ملكـه، ويستـوي في الحمايـة الشخـص الطبيعـي والشخـص المعنـوي. وإذا وقـع تجـاوز في الدفـاع أمكـن إعفـاء فاعـل الجريمـة من العقوبـة في الشـروط المذكـورة في المـادة 228 و184 عقوبات).
وبهـذا النـصّ العـام كـرّس المشـرّع اللبنانـي الدفـاع المشـروع في مختلـف صـوره كسبـب من أسبـاب التبريـر التـي تنفـي الجريمـة، بحيـث يبـاح للشخـص أو غيـره بالدفـاع عن الـذات أو عن الغيـر لـردّ الإعتـداء حيـن لا تكـون السلطـة والأجهـزة الأمنيـة حاضـرة.
وعلـى هـذا، فالدفـاع المشـروع يعطـي الحـقّ للمعتـدى عليـه أو المدافـع أن يـردّ أيّ تعـرّض يهـدّده أو يهـدّد الغيـر بجريمـة من جرائـم النفـس.
والنفـس ليسـت إلاّ شخـص المهـّدّد هـو أو غيـره، فكـلّ مـا يعتبـر من عناصـر الشخصيـة يتصـل بالشخـص كـذات ينـدرج في عـداد النفـس. وبنـاء على ذلـك لا يقتصـر مفهـوم النفـس على جرائـم الإعتـداء على حيـاة الإنسـان وسلامتـه، والمسـاس بعرضـه أو بحرّيتـه، وإنّمـا يمتـدّ ليشمـل كـلّ مسـاس بالشـرف كالـذمّ والقـدح والتحقيـر وإفشـاء السـرّ. (لطفـاً مراجعـة مؤلّف الدكتـور سميـر عاليـه: القسـم العـام رقـم 112 ص 431 و 441).
وخطّـة المشـرّع واضحـة بالنسبـة إلى هـذه الجرائـم السابقـة، ودون تفرقـة بينهـا حسـب نوعهـا أو جسامتهـا، فالمـسّ بالشـرف، بالـذمّ والقـدح والتحقيـر وإفشـاء الأسـرار والتنصّـت، وكـلّ جرائـم التعبيـر، إنّمـا تعتبـر من صـورة الدفـاع المشـروع ولـو في أبسـط صـوره.
وعليـه أمـام صراحـة وعموميـة نـصّ المـادة 184 من قانـون العقوبـات اللبنانـي التـي تعطـي بصريـح العبـارة الحـقّ في الدفـاع المشـروع “كـلّ فعـل يعتبـر جريمـة على النفـس” منصـوص عليهـا في قانـون العقوبـات.
إذن، ليـس هنـاك مجـال للتـردّد في القـول بـأنّ جرائـم الإعتبـار تبيـح وتبـرّر الدفـاع المشـروع إذا توافـرت شروطـه والتزمـت حـدوده سيّمـا والثابـت أنّ المدعـية هي التي افتـرت وارتكـبت الجرائـم بحقّ المدعى عليه وقد مارس هذا الأخير حـقّ الدفـاع المشـروع ممـّا ينفـي كـلّ عقوبـة أو مسؤوليـة مدنيـة بحقّه.
في الدفـاع المشـروع علـى ضـوء المـادة 183 من قانـون العقوبـات:
تحـّدّث المشتـرع في النبـذة الثالثة من الفصـل الأوّل من البـاب الثالـث من قانـون العقوبـات عن أسبـاب التبرير”Les causes de justification”
يلاحـظ من النبـذة الثالثة أنّهـا مدرجـة في الفصـل الـذي تحـدّث عن”عنصـر الجريمـة القانونـي،”بحيـث أشـار في المبـتـدأ، تحـت النبـذة الأولـى من الفصـل الأوّل، إلى”الوصـف القانونـي للجريمـة”، ثـمّ، تحـت النبـذة الثانيـة، تحـدّث عن”اجتمـاع الجرائـم المعنـوي” وأخيـراً، في النبـذة الثالثـة، عن “أسبـاب التبريـر”.
وسبـب التبريـر لـه دور قانونـي موضوعـي. فهـو يخـرج الفعـل الجرمـي من نطـاق التجريـم، ويزيـل عنـه الصفـة غيـر المشروعـة، أيّ الصفـة الجرميـة، بحيـث يصبـح فعـلاً مشروعـاً، أو “مباحـاً”، فـلا نعـود أمـام”جريمـة”.
لطفـاً يراجـع في ذلـك: Georges Vermelle: Le nouveau droit pénal. Editions Dalloz 1994. Page 36:
En présence d’un fait justificatif, l’agissement ne présente pas le caractère d’infraction. En d’autres termes, on est en présence d’un obstacle à la
qualification pénale du fait.
وعلى الصعيـد العملـي، قضـي: “أنّ أسبـاب التبريـر …تنـزع عن الأفعـال المدّعـى بموجبهـا … أيّ طابـع جرمـي”. (محكمـة التمييـز الجزائيـة، الغرفـة السادسـة، قـرار رقـم 143 تاريـخ 27 أيـّار 2004. المرجـع كسانـدر، 2004/5، صفحـة 810 رقـم 1، سيّما صفحـة 812.
وعلى هـذا، كـلّ فعـل جرمـي معاقـب عليـه قانونـاً، يصبـح مباحـاً وغيـر خاضـع للتجريـم ولا للعقـاب، إذا اقتـرن بسبـب من أسبـاب التبريـر الموضوعيـة، لأنّ كـلّ سبـب من هـذه الأسبـاب، إذا تحقّـق، أدّى إلى انتفـاء الصفـة الجرميـة عن الفعـل وإلى عـدم المعاقبـة، إذ تصبـح الجريمـة عمـلاً مشروعـاً وفعـلاً مباحـاً.
وبذلـك، يعتبـر سبـب الإباحـة أو التبريـر”عقبـة أمـام الوصـف الجرمـي للفعـل، من جهـة و”عائقـاً أمـام الذنبيـة” من جهـة ثانيـة . (لطفـاً يراجـع في ذلـك:
(Stéfani, Levasseur et Bouloc: Droit pénal général. Editions Dalloz – Delta 1997. N °371. Page 293.
مـا يعنـي أنّ الفعـل الـذي يرتكـب في بعـض الظـروف، حمايـة لحـقّ مـا، يصبـح مبـرّراً لأنّ هـذا الحـقّ هـو أولـى وأجـدر بالحمايـة من حـقّ المعتـدى عليـه، شـرط أن يتصـرّف المدافـع عن هـذا الحـقّ ضمـن مـا يسمـح بـه القانـون، سيّمـا ضمـن”نطـاق الضـرورة” التـي يفرضهـا الظـرف. (لطفـاً يراجـع في ذلـك:
Jurisclasseur de droit pénal. Verbo Faits justificatifs. Article 122-4. Fasc.
20. Par Corinne Mascala. No. 44:
… Le prévenu ne sera justifié que s’il a agi dans le respect des limites des prescriptions légales.
La jurisprudence sanctionne en effet les excès de zèle, les abus, voire !es maladresses susceptibles de faire douter de la juste nécessité du comportement de l’agent-juste nécessité-qui, rappelons-le, demeure, en la matière, un des critères fondamentaux de la justification de la
personne poursuivie
ومن آثـار أسبـاب التبريـر خـروج الفعـل من دائـرة التجريـم واضمحـلال المسؤوليـة الجزائيـة، (كمـا المدنيـة)، بـل استحالـة قيامهـا لفقـدان الركـن القانونـي للجريمـة. وهـذه الآثـار تطـال”الفعـل الجرمـي” لا شخـص الفاعـل.
يراجـع في هـذا النهـج فيـدال ومانيـول:
– دروس في القانـون الجزائـي.الجـزء الأوّل.رقـم 185 – 3، صفحـة 347؛ رنيـه غـارو:
الوسيـط النظـري والعملـي في قانـون العقوبـات. الجـزء الثانـي. صفحـة 4 رقـم 434؛
كذلـــك:
Jurisclasseur de droit pénal. Verbo Faits justificatifs. Article 122-4. Fasc. 20. Par Corinne Mascala. No. 88:
Si la justification de l’agent sur le terrain de l’article 122-4 du Code pénal est retenue par les juges, c’est à la fois la responsabilité pénale et la responsabilité civile de celui-ci qui disparaissent. Cette irresponsabilité est la conséquence obligée de tous les faits justificatifs dont chacun s’analyse en une cause objective d’impunité qui opère in rem, affectant l’évènement même qui cesse, à l’égard de tous, d’être délictueux et fautif.
ممّـا يـدلّ دلالـة واضحـة على”الطبيعـة الموضوعيـة” لأسبـاب التبريـر بدليـل الصيغـة التـي ورد فيهـا نـصّ المـادة 183 من قانـون العقوبـات الـذي قـال”لا يعـدّ جريمـة الفعـل المرتكـب…”. مـا يعنـي أنّ طابـع هـذه الأسبـاب، أسبـاب التبريـر، ينصـب”على الفعـل”L’objectivité opère in rem وليـس على شخـص الفاعـل، كـون هـذه الأسبـاب هـي عنصـرٌ في الركـن القانونـي للجريمـة.
يراجـع في هـذه الطبيعـة الموضوعيـة:
René Garraud: Traité théorique et pratique du droit pénal. Tome II. No. 435. Page 5:
Ainsi, pour caractériser les causes de justification, il faut, indépendamment de toute considération personnelle et subjective, se placer au point de vue objectif, analyser l’acte en lui-même et déterminer s’il est licite ou illicite.
وعبـارة“لا يعـدّ جريمـة” الـواردة في متـن المـادة 183 من قانـون العقوبـات، جـاءت “عامـة” بحيـث يمكـن القـول إنّهـا تشمـل كـلّ”جريمـة”،مهمـا كـان نوعهـا،سـواء كانـت جنايـة،أو جنحـة أو مخالفـة. والمطلـق يجـب أن يؤخـذ على إطلاقـه بحيـث عندمـا يتحقّـق سبـب من أسبـاب التبريـر المنصـوص عليهـا في قانـون العقوبـات، لا يعـود من مجـال للحديــث عن”جريمـة”، سـواء كانـت هـذه الأخيـرة جنايـة أو جنحـة أو مخالفـة.
ولأنّ الفعـل “المبـرّر” ينفـض عنـه الصفـة غيـر المشروعـة ويستعيـد صفتـه المشروعـة، بحيـث لا يعـود من مجـال للحديـث عن “جريمـة” معاقـب عليهـا قانونـاً، فـإنّ نطـاق سبـب التبريـر، بعـد صيـرورة الفعـل مشروعـاً، يشمـل في حمايتـه كـلّ من ساهـم في ارتكـاب الفعـل المذكـور، فـلا يعـود من فـرق بيـن فاعـل وشريـك ومحـرّض ومتدخّـل، بمعنـى أنـّه لا يعـود من مجـال للحديـث عن “الإشتـراك الجرمـي”.
يراجـع بهـذا المعنـى فيـدال ومانيـول: دروس في القانـون الجنائـي.الجـزء الأوّل.رقـم 138، صفحـة 205.
أوردنـا القـول بـأنّ أسبـاب التبريـر هـي عنصـر من الركـن القانونـي للجريمـة. وهـي تشاهـد في العديـد من الحـالات، منهـا، بحسـب المـادة 183 من قانـون العقوبـات، في “حالـة ممارسـة الحـقّ” من جهـة”، بغيـر تجـاوز “من جهـة ثانيـة Exercice non
.abusive d’un droit
مـا يوجّـه إلى القـول بـأنّ ممارسـة الحـقّ هـي أوّل سبـب من أسبـاب التبريـر المنصـوص عليهـا في قانـون العقوبـات، وتحديـداً في المـادة 183، بـل هـي سبـب لتبريـر مـا يعتبـره قانـون العقوبـات جريمـة.
وتفسيـر هـذه القاعـدة ينطلـق من فكـرة أنّ مـا يقـرّره القانـون سلوكـاً صحيحـاً لا يمكـن اعتبـاره جريمـة طالمـا يمـارس بـدون تجـاوز.
من هنـا،إنّ الإستعمـال المشـروع للحـقّ، بصـورة طبيعيـة وبـدون تجـاوز،لا يمكـن أن يشكّـل جريمـة معاقبـاً في قانـون العقوبـات، إذ لا يعقـل أن يمنـح القانـون حقّاً ويعاقـب عليـه إذا مـورس ضمـن الأطـر المسمـوح بهـا شرعـاً.
وعلـى هـذا، لا مجـال للحديـث عن”خطـأ” Faute إذا نجـم الفعـل الضـارّ عن ممارسـة حـقّ.
ومن “الحقـوق” المقـرّرة في القانـون: حـقّ الدفـاع أمـام القضـاء، حـقّ الدفـاع المشـروع، حـقّ النقـد المبـاح، الحقـوق المنصـوص عليهـا والمكرّسـة في القوانيـن الوضعيـة، العامـة والخاصـة، حـقّ التعبيـر ونشـر الأخبـار، حـقّ الشاهـد في الإمتنـاع عن الشهـادة ضـدّ قريـب لـه بدرجـة معيّنـة، حـقّ تأديـب الوالـد لأولاده،على مـا تنـصّ عليـه المـادة 186 من قانـون العقوبـات الـخ…
كمـا نصّـت المـادة 417 عقـوبـات على مـا حرفيتـه: “لا تترتّـب أيّـة دعـوى ذمّ أو قـدح على الخطـب والكتابـات التـي تلفـظ أو تبـرز أمـام المحاكـم عن نيـّة حسنـة وفي حـدود حـقّ الدفـاع المشـروع”.
وهـذا مـا استقـرّ عليـه اجتهـاد محكمـة التمييـز اللبنانيـة المحترمـة:
– العبـارات الـواردة في دعـوى نقـل الدعـوى للإرتيـاب المشـروع بحـقّ قـاضٍ بأنّ هنـاك تحيّزاً لجانـب الخصـم لا يعـدّ ذمّـاً أو قدحـاً مـا دام القصـد استعمـال هـذا الحـقّ القانونـي المكـرّس دون نيـّة التشهيـر حيـث إنّ التحقيقـات والمستنـدات المبـرزة تقيّد بأنّـه كانـت توجـد دعـوى مقدّمـة إلى المحكمـة الشرعيـة السنيـّة في طرابلـس متكوّنـة بيـن المدعـى “عليـه المستأنـف (م) وورثـة (ش)، وأنـّه أثنـاء السيـر في هـذه الدعـوى الناظـر فيهـا المدعـي الشخصـي المستأنـف ضـدّه القاضـي الشرعـي (ع) تقـدّم (م) من محكمـة الإستئنـاف الشرعيـة العليـا باستدعـاء خطـّي يطلـب “تنحـي القاضـي(ع)عن النظـر بالدعـوى ونقلهـا معلِّـلاً طلبـه هـذا بـأنّ “القاضـي المذكـور اتخـذّ موقفـاً يـدلّ على تحيـّزه لجانـب الخصـم مجـرّداً “نفسـه من صفـة الحكـم … ومن النزاهـة والعدالـة القضائيـة، وإنّ هـذا السلـوك “يوحـي بجنـوح القاضـي المذكـور باتجـاه مصلحـة الخصـم في الدعـوى، ممّـا “يثيـر الشـكّ في عدالـة المحكمـة وتجرّدهـا من صفـة الحكـم فيهـا، فيخلـص “المدعـى عليـه المستأنـف إلى طلـب نقـل الدعـوى. وحيـث إنّـه تبيّـن أنّ القاضـي المستأنـف ضـدّه الشيـخ (ع) واستنـاداً إلى مـا “ورد في الإستدعـاء المدعـى عليـه المستأنـف (م) المقـدّم إلى المحكمـة الشرعيـة العليـا تقـدّم من النيابـة العامـة في لبنـان الشمالـي بشكـوى جزائيـة اتخذّ فيهـا صفـة الإدعـاء الشخصـي بحـقّ (م) فادعـت عليـه النيابـة العامـة في جـرم التحقيـر المنصـوص عليـه في المـادة 383 عقوبـات… وحيـث على فـرض أنّ الأفعـال المنسوبـة للمدعـى عليـه (م) تؤلّف جـرم “القـدح أو الـذمّ المنصـوص عليـه في المادتيـن 385 و 386 عقوبـات، فـإنّـه “من الثابـت أنّ العبـارات الصـادرة من المدعـى عليـه قـد وردت في استدعـاء مقـدّم إلى المحكمـة الإستئنافيـة الشرعيـة العليـا لغـرض ممارسـة المدعـى عليـه لحقّـه بطلـب ردّ القاضـي المعنـي ونقـل الدعـوى للإرتيـاب المشـروع. وحيـث إنّـه بمقتضـى المـادة 417 من قانـون العقوبـات: لا تترتّـب أيّ دعـوى بجـرم القـدح والـذمّ على الخطـب والكتابـات التـي تلفـظ وتبـرز أمـام المحاكـم عن نيـّة حسنـة وفي حـدود حـقّ الدفـاع المشـروع.
وحيـث إنّ دعـوى الإرتيـاب المشـروع إنّمـا تقـوم على نـدّ يتوافـر لمقدّمهـا،”من شـكّ في حيـاد المحكمـة ومواقـف القاضـي الناظـر فيهـا ممّـا تعتبـره “مدعـي الإرتيـاب تحيّـزاً لجانـب الخصـم ممّـا يثيـر الشـكّ في نزاهـة القاضـي وعدالتـه … الأمـر الـذي يفـرض عليـه تضميـن (الإستدعـاءات) واللوائـح المقدّمـة منـه لعبـارات دالـة على (تصلـح) لدعـوى الارتيـاب المشـروع إذ لا يمكـن تصوّرهـا بدونهـا.
وبالتالـي، إنّ العبـارات المستعملـة في دعـوى الإرتيـاب المشـروع والصـادرة عن المدعـى عليـه، ممـّا سبـق بيانـه آنفـاً، إنّمـا تكـون داخلـة في مفهـوم حـدود حـقّ الدفـاع المشـروع المقـرّر للكتابـات المبـرزة أمـام المحاكـم، والمقصـودة في المـادة 417 من قانـون العقوبـات،لا سيّمـا وأنّـه ليـس في “الأوراق مـا يفيـد عن توافـر سـوء النيّـة لديـه عنـد استعمالـه لهـذه العبـارات بالشكـل والظـرف الـذي وردت فيـه … ممّـا ينفـي عنهـا الطابـع الجرمـي ويزيـل أيّ مسؤوليـة جزائيـة أو مدنيـة بشأنهـا. (تمييـز جزائـي لبنانـي- قـرار الغرفـة 6 رقـم 212 تاريـخ 19-12-2000 مجموعـة الرياشـي للغرفـة 6، منشـورات صـادر، ص 175 – 178).
– حـقّ الدفـاع أمـام القضـاء يبـرّر مـا ينسبـه الخصـوم لبعضهـم البعـض عن قـدح وذمّ كوسيلـة لازمـة للدفـاع عن الدعـوى.
وحيـث إنّ القصـد من وضـع العبـارات في شكـوى طالبـة النقـض ليـس القـدح والـذمّ، والإستدعـاء موجـّه للنائـب الإستئنافـي، بـل للتنويـه عن أعمالهـم المغايـرة للقانـون واكتسـاب عطفـه.
وحيـث إنّ المـادة 417 من قانـون العقوبـات تنـصّ على أنّـه لا تترتّـب أيّـة دعـوى ذمّ أو قـدح على الكتابـات التـي تلفـظ أمـام المحاكـم عن نيـّة حسنـة وفي حـدود الدفـاع المشـروع. (تمييـز جزائـي لبنانـي- قـرار رقـم 156 تاريـخ 16-6-1962).
حكـم المـادة (تقابلهـا لبنانيـاً م 417) عقوبـات ليـس إلاّ تطبيقـاً لمبـدأ عـام هـو حرّيـة الدفـاع بالقـدر الـذي يستلزمـه، فيستـوي أن تصـدر العبـارات أمـام المحاكـم أو أمـام سلطـات التحقيـق أو في محاضـر البوليـس، ذلـك بـأنّ هـذا الحـقّ أشـدّ مـا يكـون ارتباطـاً بالضـرورة الداعيـة إليـه. (نقـض جنائـي مصـري 2-10-1956 مجلّة الأحكـام السنـة 7 ص 986 مجموعـة أبـو شـادي ج 3 ص 1437).
يدخـل الوكيـل المحامـي في مفهـوم الخصـم الـذي تبـرّر شكاويـه ولوائحـه ومذكّراتـه الجارحـة المقدّمـة دون سـوء نيّـة. يدخـل في معنـى الخصـم الـذي يعفـى من عقـاب القـدح الـذي يصـدر منـه أمـام المحكمـة طبقـاً لنـصّ المـادة (يقابلهـا لبنانيـاً م 417) من قانـون العقوبـات المحامـون عن المتقاضيـن مـا دامـت عبـارات القـذف الموجّهـة إليهـم تتصـل بموضـوع الخصومـة وتقتضيهـا ضـرورات الدفـاع. (نقـض جنائـي مصـري 27-11-1956 مجلة الأحكـام السنـة 7 ص 1196 ذات المجموعـة والصفحـة).
يضـاف إلى ذلـك لـزوم الفعـل لممارسـة الحـقّ وإلاّ كـان غيـر مشـروع. فيتعيـّن أن يثبـت أنّ إتيـان الفعـل كـان ضروريـاً ولازمـاً لممارسـة الحـقّ واستعمالـه، فإن لـم تكـن ثمـّة ضـرورة خـرج الفاعـل عن ضـرورة الحـقّ.
والدفـاع المشـروع إنّمـا هـو حـقّ موضوعـي قـرّره القانـون لجميـع الأفـراد بمباشـرة الجريمـة استثنـاء من الأصـل العـام الـذي يمنعهـا إذا كـان لازمـاً لـدرء الخطـر الـذي يهدّدهـم، وذلـك حمايـة لمصلحتهـم الجديـرة بالترجيـح علـى مصلحـة المعتـدي.
هـذا والفيلسـوف روسـو يعتبـر أنّ الدفـاع المشـروع يعيـد الإنسـان إلى حالتـه الطبيعـة الأولـى حيـث كـان لـه حـقّ حمايـة نفسـه بنفسـه، وأنّ الإنسـان قـد احتفـظ بهـذا الحـقّ عندمـا نـزل عن حقوقـه للمجتمـع.
ولعـلّ الصحيـح هـو أنّ الدفـاع المشـروع حـقّ موضوعـي مقـرّر لجميـع الأفـراد يبيـح لهـم اقتـراف الجريمـة استثنـاء عن الأصـل العـام الـذي يمنعهـا وذلـك لـدرء الأخطـار التـي تهدّدهـم في وقـت تكـون الدولـة غائبـة، تغليبـاً لمصلحـة المعتـدى عليـه علـى مصلحـة المعتـدي الـذي أهـدر حمايـة القانـون لـه بخروجـه علـى القواعـد.
ويلاحـظ أنّ الدفـاع المشـروع هـو سبـب عـام للتبريـر ينطبـق علـى أيّ جريمـة، كمـا أنّـه مطلـق الأثـر يستفيـد منـه أيّ شخـص في الجريمـة.
لكلّ هذه الأسباب، يطلب المدعى عليه من رئاستكم الكريمة العودة عن قرار وضعه تحت المراقبة القضائية، وبالتالي منعه من مزاولة مهنة المحاماة، ودخوله قصور العدل كافة لثلاثة أشهر، لعدم ملاءمة قرار المنع مع الأفعال الجرمية المنسوبة إليه.
لذلك، واستناداً إلى كلّ ما ذكر أعلاه، يطلب المدعى عليه من رئاستكم الكريمة التفضّل باتخاذ القرار بـ:
أوّلاً: قبول الطلب شكلاً لاستيفائه كافة الشروط الشكلية المنصوص عليها قانوناً.
ثانياً: قبوله أساساً وإقرار رفع الرقابة القضائية عن المدعى عليه، وبالتالي الرجوع عن قرار منعه من مزاولة مهنة المحاماة لمدّة ثلاثة أشهر ولجهة منعه من دخول قصور العدل، سنداً لأحكام المادة 112 التي تعطي الحقّ للمدعى عليه الموضوع تحت المراقبة القضائية أن يطلب رفع الرقابة القضائية عنه وإبلاغ من يلزم. محتفظين بكافة الحقوق لأيّة جهة كانت.
*قدّم هذا الطلب من المحامي مروان ضاهر إلى قاضي التحقيق في بيروت أسعد بيرم الناظر في الدعوى المقامة من القاضي غادة عون والدولة اللبنانية ممثّلة بهيئة القضايا في وزارة العدل ضدّ النائب المحامي هادي حبيش، بعدما أصدر بيرم قراراً في 13 تشرين الثاني 2020 بمنع حبيش من مزاولة المحاماة ودخول قصور العدل ثلاثة شهور.
“محكمة” – الإثنين في 2020/11/23
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!