طرائف وأشعار

مرافعات كبار المحامين أمام القضاء تدخل فيهم ويدخلون فيها/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
عن المرافعة وكيفية إعدادها يستشهد الدكتور دياب يونس بعدّة آراء لكبار المحامين فيقول: ادمون كسبار نفى أن تكون المرافعة “فلتة لسان” ورآها ثمرة إعداد طويل ومضن. وأضاف: ليس ما يمنع الخطيب من أن يحفظ خطبته. أنا أكتب مرافعتي وأقرأها مرارًا. تدخل فيّ وأدخل فيها. وفي أثناء الترافع أضعها أمامي. لكن لست أقرأها.
وقال فؤاد رزق: الإرتجال ليس موهبة ربّانية هو استعداد وإعداد وتمرين يفضي إلى النتيجة الباهرة. وإنّه لصعب وهيّن في الوقت عينه أن تقف على الدروب السرّية التي يعبرها أساتذة الخطابة.
وأوضح فؤاد الخوري أنّه نادرًا ما نجد محاميًا كبيرًا يرتجل حقًّا. ورأى أنّ الخطابة ترتكز على اختمار الأفكار وتهيئة الخطوط العريضة، وقد حدثنا أنّ ما توافر لديه من خطابة كانت ثمرة العناء والتعب.
ويقول فؤاد الخوري في مكان آخر:”وللمرافعة عدّة طرق. فمنهم من يكتبها بلائحة ثمّ يقرأها في المحكمة. ومنهم من يحفظها غيبًا بعد كتابتها ثمّ يتلوها. ومنهم من يرتجلها ارتجالًا”.
وهو يوضح ما يعني بالإرتجال فإذا هو ارتجال الصيغة والألفاظ يعبّر به المترافع عن الحجج والآراء التي أعدّها ودقّقها في عزلتها بعد طول التفكير في موضوعه.
وميشال عقل يستظهر مرافعته، ويلقيها أمام المرآة، مرارًا قبل أن يتلوها في ساحة القضاء، ولذا قيل إنّ المحامي جار رديء.
وقلنا لبهيج تقي الدين حدّثنا عن سرّ ارتجالك فقال: سرّ ارتجالي أنّني لا أرتجل أبدًا. ما خزّنت في الصيف من مؤن، استعمله في الشتاء. ومن وفّر رصيدًا كبيرًا في المصرف يسحبه شيكات عندما تدعو الحاجة.
ورأى نصري المعلوف أن لا ارتجال بل خزّان ثقافي وعلمي وذاكرة ولغة، وبيان، وصيغ وافرة، وطلاقة لسان.
***
كرمال شوية غرام
يروي أحد المحامين أنّ بلدة في المتن الشمالي عرف أهلها بالبخل، وأنّ أحد سكّانها ألقى القبض على زوجته بالجرم المشهود مع شخص آخر يمارسان الغرام، فبدأ بضربها، وفي تلك اللحظة مرّ أحدهم وقال له: ولو بتضرب مرتك كرمال شوية غرام؟ شو هيي كسرت خوابي الفخار؟!
***
في كتابه “قبل أن ننسى”، يروي القاضي المرحوم إميل أبو سمرا الطرفة الآتية: أثناء ولايتي القضاء في عاليه ذهبت إلى أوروبا بإجازة. فانتدبت وزارة العدل مكاني زميلي السابق الأستاذ جورج ساروفيم محافظ البقاع حاليًا وهو معروف بعلمه وبلباقته وبحديثه العذب. واتفق أن مثل أمامه صاحب الدعوى وكان ساذجًا لا عهد له بالرئيس ساروفيم.
فأخذ الرئيس يكثر الشرح ويطيل ويتكلّم بالقانون كلامًا لم يفهمه صاحب الدعوى. فقال للرئيس وقد كاد يصاب بالدوار: بترجاك يا سيدي خليلي هالدعوى تايجي ريسنا.
فانتهره الرئيس ساروفيم قائلًا: ولاه! شوأانا بزيت؟ فضحك الجميع لهذه النكتة الطريفة.
وساق الدرك أمامي في عاليه لصًّا قبض عليه يسرق بالجرم المشهود فبعد سؤال عن اسمه وهويّته الخ… واعترافه بما نسب إليه، قلت: هل كنت وحدك أم كان معك شريك؟
فهزّ رأسه قائلًا: طوّل عمرك يا سيدي وين بتلاقي بهالأيام شخص أمين وآدمي بتقدر تحطّ إيدك بإيدو؟
***
“التخطيط” للدفاع المشروع عن النفس
في سنة 1989، أقدمت صبية فرنسية عمرها 17 سنة على قتل والدها لأنّه كان “نازي” الطبع والتصرّف، وكان يضربها ويسيء معاملتها بشكل غير معقول أو مقبول. وعملية القتل حصلت عند الساعة الثامنة صباحًا وكان الوالد يغطّ في نوم عميق عندما دخلت الإبنة إلى غرفة والدها وبيدها مسدّسه وأطلقت عليه النار وأردته على الفور.
وبتكليف من المحكمة، تولّت إحدى المحاميات الناشئات الدفاع عن الإبنة. وبعد دراسة الملفّ وظروف القضيّة، لم تجد أمامها سوى طلب البراءة لموكّلتها مدلية بأنّ القتل حصل دفاعًا عن النفس، الأمر الذي رفضه النائب العام قائلًا:
إنّ الجريمة حصلت أثناء نوم المغدور فلم يكن من خطر محدق على القاتلة دفعها إلى القتل.
هنا، وبجرأة نادرة، طلبت المحامية الناشئة تفسير المادة 328 من قانون العقوبات الفرنسي على قاعدة أنّ عبارة “الضرورة الحالية” Necessité actuelle لا تعني لحظة معيّنة، بل قد تمتد في الزمن، بمعنى أنّه “يمكن التحضير لقتل شخص دفاعًا عن النفس”.
On peut planifier de tuer quelqu’un par ligitime défense…
وطرحت المحامية الوكيلة على المحلّفين سؤالًا طلبت منهم الإجابة عليه:”وبمعنى آخر، ألم يكن يحقّ لها التخطيط لقتل والدها…؟
وجاء جواب هيئة المحلّفين قاطعًا: لا يمكن لهذه الحالة أن تستمرّ.
وصدر قرار بإعلان براءة الابنة…هذه المحامية الناشئة اسمها:
Blandine Lejeune دعونا نحفظ هذا الإسم.
***
بين الأرملي والارمني
يروي أحد المحامين أنّ محاميًا وخاله ذهبا لتعزية شخص من آل أرملي لا يعرفان مكان منزله، فالتقيا في أحد الشوارع بشخص وسألاه عن بيت الأرملي ففهم بيت الأرمني. فدلّهما. وما ان دخلا، حتّى قال خال المحامي للحضور: بعرفكم على ابن أختي المحامي فلان الفلاني.
فوقف أحدهم وقال له: وانت مين بيكون بابا؟
***
الخشب والسوس
سنة 1970 أثناء درس مادة “المنظّمات الدولية” تطرّق الأستاذ إلى موضوع عام حول السياسة العالمية والدور الذي تلعبه أميركا في الشرق الأوسط. فعارضه أحد الطلّاب قائلًا:”إنّ للإنكليز دورًا أهمّ من دور الأميركان، بحسب القول المأثور:”الإنكليز للعرب مثل السوس للخشب”. فلم يوافقه الأستاذ إنّما قال:”كان هذا الأمر صحيحًا في الماضي، أمّا اليوم فلا”. وعلّق المحامي طانيوس رزق قائلًا:”الآن وقد اهترأ وانكسر الخشب العربي، فقد انتهى دور السوس والانكليزي”.
***
كان عنصراً في المؤسسة التجارية
العام 1970، إثر صدور قانون جديد لمهنة المحاماة وتضمينه نصًّا يلزم كلّ شركة تجارية يبلغ رأسمالها مئة ألف ليرة، بتوكيل محام دائم لها، ودار حديث في كلّية الحقوق حول هذه المسألة. فقال طانيوس رزق:”هذا القانون جعل المحامي عنصرًا من عناصر المؤسّسة التجارية للشركة”.
***
سبب المجاعة
يقول المحامي الكبير المرحوم روجيه نجّار إنّ المحاميين الألمعيين الفرنسيين مورو – جيافيري وموريس غارسون كانا يترافعان دائمًا ضدّ بعضهما في المحاكم، إلّا أنّهما كانا صديقين حميمين.
ويضيف أنّ مورو – جيافيري كان سمينًا ووزنه حوالي 120 كلغ ويأكل كثيرًا، في حين أنّ موريس غارسون كان نحيلًا ويبلغ وزنه 57 كلغ ويأكل قليلًا. وأنّ الإثنين كانا يتناولان طعام العشاء عندما نظر مورو جيافيري نحو غارسون قائلًا له:إنّ من يراك يعتقد أنّ هناك مجاعة في فرنسا.
فأجابه غارسون قائلًا: ومن يراك تأكل يعرف حينئذٍ سبب المجاعة.
***
الإسراع في المحاكمات
النائب والوزير السابق المحامي الكبير نصري المعلوف، والذي كان يعدّ من أقوى محامي الجزاء في لبنان، إلى جانب المحامي سليم عثمان وغيره، يقول إنّ الحكم رجال لا نصوص، وإنّ الإسراع في المحاكمات الجزائية يساعد على كشف الحقائق.
ويضيف: قديمًا قيل:”أعدل قاضٍ هو الذي يصل فورًا والجريمة لا تزال في وهجها لأنّه في ذلك تأتي الحقيقة قبل النصائح”.
“محكمة” – الأحد في 2021/5/30

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!