مقالات

مفاعيل تعطيل المجلس الدستوري/عصام سليمان

الدكتور عصام سليمان*:
جاء المجلس الدستوري في التعديلات الدستورية المعتمدة في العام 1990 بموجب وثيقة الوفاق الوطني كخطوة أساسية على طريق تحديث النظام الديمقراطي البرلماني اللبناني، وضبط عملية التشريع في إطار المبادئ والقواعد التي نَصّ عليها الدستور القانون الأسمى في الدولة.
فالشرعية الدستورية رهن إلى حدّ كبير بالمجلس الدستوري، إنْ لجهة البَتّ في دستورية القوانين أو لجهة الفصل في صحّة الانتخابات الرئاسية والنيابية. وأيّ خلل في أداء المجلس الدستوري ينعكس سلبًا على الشرعية الدستورية ويؤدّي إلى وضع علامات استفهام حولها.
تعطيل المجلس الدستوري لسبب أو لآخر يؤدّي إلى غياب مرجعية دستورية أساسية، من المعروف أنّ المجلس الدستوري في وضعه الراهن غير قادر على الإجتماع بسبب فقدان النصاب فيه إثر وفاة ثلاثة من أعضائه**، واستمرار هذه الحالة يؤدّي إلى الأمور التالية:
– تعطيل مفعول المادة 19 من الدستور التي أنشأت المجلس الدستوري وحدّدت صلاحياته والجهات التي لها الحقّ بمراجعته.
– حرمان من منحهم الدستور حقّ مراجعة المجلس الدستوري من ممارسة هذا الحقّ الدستوري عمليًّا.
– التشريع في مجلس النوّاب من دون الرقابة على دستورية القوانين وبخاصة في ظلّ انهيار مالي ونقدي واقتصادي يَتطلّب وضع تشريعات على جانب كبير من الأهمّية، ولا يجوز أن تمرّ من دون الرقابة على دستوريتها.
– إجراء الإنتخابات النيابية ومن ثمّ الرئاسية من دون مرجعية دستورية للبتّ في الطعون التي قد تنجم عنها.
يستطيع مجلس النوّاب أن يشرّع في غياب المجلس الدستوري كونه السلطة المُناط بها التشريع، ولكن في غياب الرقابة على دستورية القوانين توضع علامات استفهام كبيرة حول صحّة التشريع لجهة تطابقه والدستور، خاصة أنّ جزءًا من مسؤولية ملء الشغور في المجلس الدستوري يتحمّلها مجلس النوّاب نفسه.
إنّ تعطيل المجلس الدستوري أخطر من تعطيل مجلس القضاء الأعلى، ففي غياب هذا الأخير يستمرّ عمل المحاكم وإصدار الاحكام، أمّا تعطيل المجلس الدستوري فيؤدّي إلى التوقّف عن صدور القرارات من قبل القضاء الدستوري.
إذا كان متعذّرًا تعيين عضوين في المجلس الدستوري من قبل الحكومة كونها مستقيلة، فليس ثمّة مبرّر يحول دون انتخاب عضو من قبل مجلس النوّاب ليكتمل النصاب ويستمرّ المجلس الدستوري في أدائه، خاصة أنّ قانون المجلس الدستوري حدّد المهل بخصوص الترشّح لعضويته في حال الشغور، ومهلة ثلاثين يومًا لملء الشغور. وانتخاب عضو في المجلس الدستوري يتطلّب الأكثرية المطلقة في الدورة الأولى، والأكثرية العادية في الدورة الثانية، وهذا ليس بالأمر الصعب، ومن واجب مجلس النوّاب القيام بهذه المهمّة التي أناطها به الدستور، خاصة أنّه يتوقّف عليها استعادة مؤسّسة دستورية دورها.
* رئيس سابق للمجلس الدستوري. نشر هذا المقال في صحيفة “الجمهورية”.
** توفّي في فترات زمنية مختلفة الأعضاء الثلاثة القاضي أنطوان بريدي، النقيب عبدالله الشامي، والمحامي الياس بو عيد.(هذه إضافة من موقعنا “محكمة” في هذا الهامش لتبيان أسماء الراحلين).
“محكمة” – الأربعاء في 2021/6/9

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!