الأخبارمقالات

هل ينظر المجلس العدلي في حادثة “الجبل”؟/جهاد اسماعيل

كتب جهاد اسماعيل :
على خلفية حادثة الجبل، وما نتج عنها من وقائع وأضرار، أثيرت إشكالية اختصاص المجلس العدلي في الحادثة على قاعدة أنّ هناك شيئاً خطيراً حصل وكاد أن يضرب السلم الأهلي وهيبة الدولة ويهدّد وحدة الجبل، وهذا ما كان حاضراً في نقاشات جلسة مجلس الأعلى للدفاع قبل انعقاد مجلس الوزراء، بالتوازي مع نهوض هذه المسألة على المستوى القانوني لناحية أهمية وخصوصية المجلس العدلي في الهرمية القضائية، حيث تتجلّى في النقاط التالية:
• لجهة الوصف القانوني: إذ إنّ إحالة الملفّ على المجلس العدلي من شأنه أن يعطي الجريمة المشكو منها وصفاً قانونياً خاصاً يميّزه عن أوصاف الجرائم الأخرى، إستناداً إلى القواعد القانونية التي تحكمها، وذلك من خلال المادة 270 وما يليها حتّى المادة 336 من قانون العقوبات، وهي المواد التي تحدّد الجرائم الواقعة على أمن الدولة، سواء أكان داخلياً أو خارجياً، وتشمل الخيانة، أيّ حمل السلاح في صفوف العدوّ ودسّ الدسائس لمباشرة العدوان على لبنان أو شلّ الدفاع الوطني، أو اقتطاع جزء من الأرض اللبنانية لضمه إلى دولة أجنبية أو مساعدة الجواسيس أو جنود العدوّ. وتشمل أيضاً التجسّس والصلات غير المشروعة بالعدوّ، وخرق التدابير المتخذة للحفاظ على الحياد في الحرب والنيل من هيبة الدولة، وتغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة، واغتصاب السلطة وإثارة الفتنة أو الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي، وإنشاء عصابات مسلّحة أو ارتكاب جرائم الإرهاب. وبعض هذه الجرائم لا تحال على المجلس العدلي كما حصل مع ميليشيا “جيش لبنان الجنوبي” أو”عملاء أنطوان لحد وسعد حدّاد” بعد التحرير في العام 2000.
• لجهة طابع الجريمة وأصول التحقيق: إنّ شروط النظر في الجريمة من قبل المجلس العدلي يمدّ الجريمة طابعاً سياسياً وسيادياً، وذلك لأنّ الدعوى العامة تُحال على المجلس العدلي بناءً على مرسوم يُتخذّ في مجلس الوزراء (م355 أ.م.ج.)، ولا يمكن للمجلس أن يضع يده من تلقاء نفسه على القضية الناشئة عن جريمة واقعة على أمن الدولة؛ إذ إنّ إحالتها عليه يعود تقديرها الى مجلس الوزراء(4)، فإذا لم يصدر مثل هذا المرسوم يبقى القضاء الجزائي العادي صالحاً للتحقيق والمحاكمة(5)، وبالتالي يتولّى النائب العام التمييزي أو من ينيبه عنه من المحامين العامين لدى النيابة العامة التمييزية مهام تحريك الدعوى العامة واستعمالها.
وكذلد يتولّى التحقيق قاضٍ يعيّنه وزير العدل بناءً على موافقة مجلس القضاء الأعلى (م360)، وهذا ما يفسّر حجم الاعتراضات من قبل بعض القوى السياسية، خشية من الخلط بين السياسة والقانون، رغم أنّ، برأينا، لا قيمة لتفصيل افتراضي أمام البنية السياسية والقضائية اللبنانية.
• لجهة المحاكمة: كانت أحكام المجلس العدلي لا تقبل أيّ طريق من طرق المراجعة العادية وغير العادية، وصدرت عدّة قرارات ترفض طلب إعادة المحاكمة، إلاّ أنّها أصبحت تقبل الإعتراض وإعادة المحاكمة بعد تعديل المادة 366 أ.م.ج. بموجب القانون رقم 711 تاريخ 2005/12/9
لذلك، ولأنّ النيل من هيبة الدولة وتهديد السلم الأهلي من القضايا التي تستوجب صلاحية المجلس العدلي، فإنّ حادثة الجبل ، على ماهيتها ونتائجها، تتطلّب من مجلس الوزراء، في الجلسة المزمع عقدها في القريب المنظور، إعلان اختصاص المجلس العدلي في الجريمة، تبعاً لتوافر العناصر الواقعية والقانونية للصلاحية، منعاً لأيّ عمل مماثل قد يهدّد الأمن الجماعي برمّته، وإن كان ثمّة صعوبة في تأمين الأكثرية المطلوبة في مجلس الوزراء!
علاوة على أنّ المجلس العدلي ككلّ محكمة إستثنائية ذو اختصاص حصري وضيّق حيث لا يجوز التوسّع في تفسير الجرائم التي تعرض عليه، ويعود له أن يعلن عدم اختصاصه للنظر في الجريمة موضوع الدعوى المحالة عليه في ما لو تبيّن له أنّ هذه الجريمة بتكييفها ليست من الجرائم التي وليَّ استثناءاً أمر النظر فيها بعد تعدادها تعريفاً وحصراً، ولا محلّ للقول إنّ قرار الإتهام الصادر عن المحقّق العدلي يوليه الإختصاص بصورة نهائية، كذلك فإنّ مرسوم الإحالة الذي تصدره الحكومة ليس من طبيعته تقييد حرّية المجلس في التحقق من اختصاصه، وهذا ما يبرّر الاحالة نفسها، باعتبار أنّ الجهة النهائية في إعلان الصلاحية هو المجلس العدلي نفسه، ومن شأن الاحالة، بحكم خصوصية واستثنائية المحكمة ولو شكلياً، أن يساهم في تهدئة عوائل وحزب الضحايا.
“محكمة” – الأربعاء في 2019/7/3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!