أبرز الأخبارمقالات

يا قضاة لبنان اعتكفوا!/رمزي هيكل

بقلم المحامي رمزي هيكل:
لو كنتُ قاضياً لاعتكفتُ مع القضاةِ المعتكفين،
ولو سئلتُ لماذا تعتكِف لأجبتُ بوضوحٍ أنّ الاعتكافَ يهدفُ إلى بناءِ دولة القانون لا أكثر ولا أقلّ.
ولو سُئلتُ كيفَ يمكن بناء دولةَ القانون بمخالفة القانون أيّ بالاعتكاف لأجبتُ أنّ الاعتكافَ يجعل السلطةَ السياسية ترفعُ يدَها غير المشروعة عن القضاةِ الذين أولاهم الدستور السلطة الثالثة لكي يمارسوها بصورة مستقلّة.
ولو سئلتُ أنّ ما تطالب به منصوص عليه في الدستور لأجبت أنّ ممارسة هذه السلطة يجب أن تتبعها قوانين تعزّز سلطة القضاة واستقلاليتهم والسلطة السياسية تتهرّب من إصدار هذه القوانين خوفاً من استقلالية القضاة.
إنّ القاضي المستقل المحمي قانوناً، من أنياب السلطة السياسية، يستطيع أن يعمل من أحكام القانون أمراً ملزماً للجميع، فلا تهرّب ضرائبي، ولا سرقة أموال عامة، ولا تعدي على الأملاك العامة بحريةً كانت أم مشاعات، ولا تلزيمات تجري لمنافع السياسيين، ولا توظيفات لموظّفين لايعملون ولا مثلها قبل الانتخابات، ولا سمسرات في الكهرباء وفي الفيول اويل، ولا احتكار في توزيع المغانم بين المتسلطين على السلطة، ولا إرهاق لخزينة الدولة بأيّة وسيلة، ولا تلزيمات عشوائية مرهقة، ولا كسّارات أو مرامل من دون ترخيص، فالقاضي المستقلّ هو ضمير المجتمع وحاميه وهو الدولة بكلّ ما لهذه الكلمة من معنى.
والقضاة المعتكفون يطالبون ، كما قرأت في بيان اعتكاف ناديهم “باطلاق يدهم للشروع في استرداد الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد “، فالسلطة السياسية تتطلع إلى ترويض القضاة وجعلهم تابعين لها خوفاً من إطلاق يدهم في مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة.
إنّ معركة القضاة ليست كما يحاول البعض تصويرها بأنّ غايتها المحافظة على بعض التقديمات المادية، وإنّما إلى إعادة سلطة دولة القانون. فمن حقّ القاضي العيش بكرامة، وهذا أمر لا يرهق الدولة، ولا حتّى المواطنين، بل على العكس، فهو يعمل لإحقاق العدل، وعليه أن يستمرّ طوال حياته المهنية في تطوير قدراته العلمية ومواكبة التطوّر التكنولوجي والاجتماعي والثقافي وهو جهد ذاتي لا يلقى أيّ مقابل عنه.
كما لا خوف على القضاة المستقلّين من أن ينظّفوا صفوفهم من ضعفاء النفوس إذ إنّهم سيكونون أكثر تشدّداً مع زملائهم ممن أساء منهم إلى قسمه.
لو رفعت السلطة السياسية يدها عن القضاء، لما كان رزح وطننا تحت وطأة الدين، ولما خضع أيضاً، لإملاءات خارجية مقابل تسليفه، ولم يكن بحاجة أيضاً، إلى تخفيض رواتب قضاة وعسكريين وموظفين الذين بالكاد يكفي راتبهم من أجل العيش بكرامة.
أيّها القضاة الشرفاء، اعتكفوا واستمرّوا في اعتكافكم، فوحدكم تصنعون للبنانيين أملاً في بناء دولة تخضع لأحكام القانون وتكافح الفساد وتعيد الأموال المسلوبة منها على مرّ السنوات.
“محكمة”- الاثنين في 2019/5/13

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!