أبرز الأخبارعلم وخبر

“أمراء” مرآئب السيّارات المحجوزة فوق القانون.. وعناصر أمنية”تحميهم”!/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
ماذا يجري في بعض المرآئب المخصّصة لحجز السيّارات من قبل قوى الأمن الداخلي؟ وهل صحيح أنّ هناك ضبّاطاً وعناصر في قوى الأمن الداخلي يتواطأون مع بعض أصحاب هذه المرآئب وبشكل علني؟ وكيف يقبل وزير الداخلية والبلديات والمدير العام لقوى الأمن الداخلي بما تقوم به بعض المخافر والفصائل الأمنية بحماية مخالفات هذه المرآئب و”عنتريات” أصحابها؟ ومن أباح لهم التفرّد بالمواطن و”تشليحه” كرامته وأمواله وبطريقة”المافيات” من دون أن يرفّ لهم جفن، ومن دون أن تجري محاسبتهم وملاحقتهم قضائياً؟ وهل هؤلاء أقوى من الدولة، أم أنّهم دولة داخل الدولة ولا يستطيع أحد توجيه سؤال إليهم أو تخفيف تطاولهم على القانون إنْ لم نقل منعهم نهائياً حتّى ولو كانوا مدعومين سياسياً وحزبياً؟.
“نكبة” حقيقية
وكيف تترك الدولة مواطنها لقمة سائغة في أفواه بعض أصحاب المرآئب؟ وإذا كانت قوى الأمن الداخلي لا تنظر في الشكاوى التي تردها من المواطنين عن أفعال هؤلاء وممارساتهم الخارجة عن الأطر القانونية المعمول بها بغية وضع حدّ لهم ولجمهم، فلمن يتوجّه المواطن ليستردّ حقّه أو ليحفظ كرامته؟ وكيف يرضى المحافظون في لبنان، وهم في الأصل ضابطة عدلية يعتدّ بمواقفها وانطباعاتها ومشورتها، بمضاعفة تسعيرة الموقف اليومية بحيث يصاب صاحب السيّارة أو الدرّاجة النارية بـ”نكبة” حقيقية إذا ما استمرّ توقيف السيّارة عشرة أيّام أو شهراً واحداً أو سنة واحدة، فيدفع من جيبه الكثير من عرق جبينه ومرغماً، وإنْ لم يفعل، خسر سيّارته، أو درّاجته النارية، أو آليته؟.
ومن أجاز لهؤلاء شراء السيّارات والدرّاجات المحجوزة أو بيعها من أنفسهم؟ ولماذا يمنعون أيّ مواطن من شراء أيّة آلية، سيّارة كانت أو درّاجة نارية، محجوزة في مرآئبهم على الرغم من الإعلان عن وضعها في المزاد العلني لكي يتمّ البيع بشكل صريح وشفّاف وواضح وأمام الجميع ولكي يشارك الجميع في عملية المزايدة؟ ومن أجاز لهؤلاء احتكار المزاد العلني ضاربين بالقانون عرض الحائط؟ وكيف تسمح قوى الأمن الداخلي بهذا التصرّف المخالف لعلانية المزاد وطريقة البيع؟ وإنْ كان يحقّ لهؤلاء المشاركة في المزاد إلاّ أنّه ليس حكراً عليهم وحدهم، ولا يجوز لهم احتكاره دون سائر الناس.
“شبّيحة”
ينقل فوّاز( إسم مستعار) في حديث مع “محكمة” تجربته مع أحد المرآئب حيث احتجزت سيّارته وخسرها نهائياً، لأنّ صاحب المرآب إشتراها لنفسه وبثمن بخس وبابتسامة سمجة و”بدم بارد”، ويصف ما حصل بأنّه وجد نفسه ضمن “شبيحة وبوطة” لا ترحم وعلناً قالوا له “اللي مش عاجبو يروح يتشكّى”، ولكن لمن يشتكي المرء ما دام أنّهم مدعومون ويعتبرون أنفسهم فوق القانون ولا يردّون على أحد “حتّى أنّ عناصر قوى الأمن الداخلي تعمل لمصلحتهم ولا تستطيع أن تجابههم” فهل يعقل أن يفقد العنصر الأمني هيبته أمام هؤلاء كرمى الحصول على إكرامية مالية زهيدة، بدلاً من فرض سطوته كممثّل للشرعية على الأرض؟.
“أمراء دولة ” المرآئب
يحصل أصحاب هذه المرآئب على ترخيص من المحافظ في منطقة وجودهم، بممارسة هذه المهنة التي تدرّ عليهم ذهباً، ومن ينعم بالترخيص يصبح في عام واحد مليونيراً ومن ذوي رؤوس المال، إذ إنّه لا يحتاج لبناء “دولته” إلاّ إلى قطعة أرض كبيرة نسبياً يحيطها بسوار من حجر الخفّان والسياج الشائك ليمارس سلطته ويصبح “أميراً” أو “رئيساً” ليس على عدد العاملين لديه، بل على كلّ صاحب سيّارة إرتكب مخالفة بسيطة فقامت قوى الأمن بحجزها ووضعها في هذا المرآب ليبدأ احتساب “اليومية” لقاء توقيف السيّارة على سبيل المثال.
وفيما تبلغ تسعيرة الحجز اليومي أربعة آلاف ليرة، لا يرضى بعض أصحاب المرآئب بأقلّ من سبعة آلاف ليرة عن اليوم الواحد، أيّ نحو ضعفي التسعيرة الرسمية المحدّدة لهم، وإذا ما استمرّ حجز السيّارة سنة واحدة مثلاً، فإنّ مجموع المبلغ المالي المتراكم عليها يصل إلى مليونين وخمسماية وخمسة وخمسين ألف ليرة وهو سعر المركبة نفسها وأحياناً قد يزيد عن سعرها الحقيقي أو يكون نصف هذا السعر، ومن ليست لديه القدرة على استعادة سيّارته صار أمام أمر واقع بفقدانها عبر بيعها في مزاد علني لا يشارك فيه في أحيان كثيرة أحد باستثناء صاحب المرآب نفسه والعاملين لديه لكي يشتريها بأقلّ من سعرها الحقيقي في “سرقة علنية” على حدّ تعبير فوّاز الذي يعمل سائق سيّارة بالأجرة يتنقّل عبرها في شوارع بيروت وطرقاتها وأحيائها لاصطياد الركّاب وإعالة أسرته وتأمين لقمة عيش كريم لها، وتسديد إيجار النمرة العمومية الحمراء التي تخوّله ممارسة هذه المهنة ضمن الأطر الشرعية والقانونية، بينما هناك كثر يقودون سيّارات خصوصية ويقلّون فيها الركّاب في مخالفة واضحة تستحقّ العقاب، لأنّ من يرتكب مخالفة بسيطة لن يتوانى عن اقتراف ما هو أكبر وأفظع!.
قوى الأمن تخشى مواجهتهم!
تحثّ فوّاز على التوجّه إلى مخفر قوى الأمن الداخلي أو الفصيلة التابع لها المرآب إدارياً لتقديم شكوى، فيأتيك جوابه سريعاً:” ذهبت مراراً وقدّمت أكثر من شكوى وراجعت من دون فائدة تذكر، فلا قوى الأمن تلاحق، ولا أحد يبالي بالشكوى وإنْ فعل، إصطدم بمقولة “هؤلاء مدعومون ولا قدرة لنا على مواجهتهم”! وهذا الجواب ينمّ عن غياب الدولة، في وقت يتغنّى فيه السياسيون على شاشات التلفزة بأنّهم سياديون ومستقلّون، وبأنّ الدولة موجودة وممثّلة بقواها الشرعية من قوى أمن وغيرها من الأجهزة الأمنية والوزارات والإدارات، بينما قوى الأمن لا تقوم بواجبها تجاه شكوى وليس ناحية توقيف هؤلاء عند حدّهم وملاحقتهم لمخالفتهم القانون.
ويروي أحد المواطنين أنّ تسعيرة “البلاطة” تصل إلى مائة دولار أميركي، علماً أنّ السيّارة تكون بعيدة عن المرآب مسافة زمنية قد تصل إلى خمس دقائق فقط، وإذا صودف أنّها كانت خارج بيروت فإنّ أجرة “البلاطة” تصل إلى 350 ألف ليرة وهو رقم خيالي، والغريب أنّ كلّ هذه المخالفات تدوّن في فواتير يفترض أنّها رسمية وتخضع لرقابة وزارة المالية، وإلاّ فإنّ النيابة العامة المالية موجودة لاسترداد أموال الدولة والمواطنين من أصحاب المرآئب.
مآثر وإنجازات
ومن المآثر الكثيرة والمنقولة عن هؤلاء أنّ مالك السيّارة المخالفة يُحْضِرُها في بعض الأحيان بنفسه إلى المرآب بعدما يقودها بشكل طبيعي، لكنّ صاحب المرآب يسجّل في الفاتورة أنّها أحضرت على متن”بلاطة” لكي يزيد أرباحه، وتكون التسعيرة مائة وخمسين ألف ليرة، وربّما أكثر في بعض الأحيان.
وما لا يتحمّله العقل هو أن تصل فاتورة حجز سيّارة في مرآب لمدّة أربعة أيّام فقط ، إلى مائتين وخمسين ألف ليرة، وليس على الإنسان أن يسأل وأن يستفسر، ومن غير المسموح له أن يسأل، بل يتوجّب عليه أن يدفع وأن يلتزم وبرضا تام وقناعة راسخة وإلاّ تعرّض لمكروه وهو محاط بشلّة من ذوي العضلات المفتولة، و”شبّيحة الكلام”.
مزاد علني أم سرّي
ومن المتعارف عليه أنّه يحقّ لصاحب المرآب أن يبيع أيّ سيّارة مضى على حجزها لديه سنة واحدة على الأقلّ، في مزاد يكون علنياً وليس سرّياً، وذلك بناء لطلب وإحالة موجّهة من المخفر المعني أو الفصيلة المعنية برقم وتاريخ محدّدين وتحت عنوان” إعلان مزايدة صادر عن دائرة تنفيذ”المنطقة الفلانية”، ولا يجوز له المسّ بأيّة سيّارة منفّذ عليها لدى محكمة تنفيذ عقود السيّارات في بيروت، وهي محكمة إستثنائية ووحيدة في كلّ لبنان تقوم بهذه المهمّة ببيع السيّارات المنفّذ عليها من المصارف في مزاد علني يشارك فيه مواطنون كثر بينهم التاجر، وصاحب معرض السيّارات، والمحامي، والشخص العادي.
ويُنْشَر إعلان المزاد العلني في الجريدة الرسمية وفي الصحف اليومية متضمّناً نوع السيّارة أو الدرّاجة ورقم لوحتها ورقم هيكلها، ووصفاً لحالتها وما إذا كانت صالحة للسير أو لا، وسعرَها وإسم المرآب ومكانه، وإسم المنفّذ، أيّ المخفر أو الفصيلة الفلانية، والمنفّذ عليهم السيّارات والدرّاجات، وحصول المزايدة تحت إشراف مأمور التنفيذ الفلاني، وشروط المزايدة ومنها أن يكون الثمن نقداً أو بموجب شيك مصرفي ودفع رسم الدلالة خلال مهلة ثلاثة أيّام من تاريخ قرار الإحالة.
ويتوجّه مواطنون عاديون للمشاركة فيه بشكل طبيعي، غير أنّ أصحاب المرآئب لا يسمحون لهم برؤية السيّارة المعروضة للبيع أو فحصها، وإذا “رقّت قلوبهم”، فإنّهم يدلّون الزبون على سيّارة أو درّاجة مغايرة وغير تلك المخصّصة للبيع، والدافع للإتيان بهذا التصرّف هو أنّهم يريدون شراء السيّارة لأنفسهم، فقد استحقّ لهم عليها مبلغ مالي مرقوم ويستطيعون أن يقتطعوا حصّتهم بهذه الطريقة وكثيراً ما تكون هذه الحصّة بمقدار سعر السيّارة المطروح في المزايدة.
تفكيك الآلية غير الصالحة
وهناك إعلانات مزايدات تشير بشكل حاسم وجازم إلى أنّ السيّارات والدرّاجات المعروضة للبيع لا يمكن إعادتها للسير، وأنّ على المشتري أن يقوم بتفكيكها إلى قطع قبل استلامها وتعطيل أرقام هياكلها بكبسها على نفقته، والشاري الوحيد والمناسب لهذه الحالة هو صاحب المرآب الذي يملك الأدوات اللازمة لتعطيل أرقام الهياكل وكبسها وتفكيك الآلية قطعة قطعة، وهو يقول في سرّه يا ليت كلّ المزايدات تكون على هذه الشاكلة لأنّها محسومة سلفاً له ومن دون أيّة منافسة تذكر.
حقائق
على أنّ المفاجأة تتمثّل عندما يكون سعر الدرّاجة نحو ألفي دولار أميركي ويقوم صاحب المرآب ببيعها من نفسه بمئة ألف ليرة لبنانية فقط لا غير، أو عندما يكون سعر السيّارة ثلاثة آلاف دولار أميركي، ويشتريها صاحب المرآب أو بالأحرى ترسو المزايدة عليه بسعر مليون وخمسماية ألف ليرة كما هي معروضة، وذلك لعدم وجود منافس في المزاد العلني إلاّ هو نفسه، أو أحد “القبضايات” العاملين لديه، وفي جميع الأحوال، فإنّ مأمور التنفيذ لا يعترض ولا يفتح فمه، لأنّ إكراميته محفوظة وهي تسرّ القلب والخاطر!.
هل هذه الحقائق تكفي لكي يتحرّك المعنيون في الدولة لوضع حدّ للفلتان الدائر في المرآئب المخصّصة للسيّارات المحجوزة، وهل يتحرّك وزير الداخلية والمحافظون ومدير عام قوى الأمن الداخلي للتحرّي عمّا يجري وإبطال مفعول “دولة المرآئب” الخارجة على القانون، أم أنّ سلطة الدولة والقضاء لا تشمل هذه المرآئب كما يحصل مع مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين المنتشرة في غير بقعة من الأراضي اللبنانية؟!.
باعة السيّارات منتشرون على الطرقات
هناك أشخاص ينتشرون على الطرقات وعند المستديرات والمتفرّعات المهمّة في بيروت ومناطقها وينادون بصوت جهوري”للبيع… للبيع” في محاولة منهم لشراء السيّارات المارة خصوصاً الصغيرة منها والقديمة. وقد يتسبّبون بوجودهم وتصرّفاتهم، بحوادث سير، ولا أحد يتعاطى معهم حتّى أنّ قوى الأمن الداخلي تراهم منتشرين على الطرقات ولا تتحرّك لمنعهم علماً أنّ بعض أماكنهم توجد قرب حواجزها وقرب نقاط متمركزة تابعة للجيش اللبناني.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 14- شباط 2017).

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!