مقالات

إضراب المحامين المفتوح الى أين؟ وإلى متى؟/خالد مكّة

المحامي خالد محمد مكّة:
بداية نستذكر القول: “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق” أو “قطع الأرزاق من قطع الأعناق”.
على أثر الإسراف في تطبيق القوّة وعدم مراعاة القوانين والأحكام القانونيّة المرعيّة الإجراء بالإعتداء على أحد المحامين المنتسبين لنقابة المحامين في بيروت الذي نشجبه بالطريقة التي حصل بها ؛ والتحقيق معه من قبل عناصر الضابطة العدليّة بإشارة القضاء نفسه؛ وما تبعه من عدم مبالاة من السلطة القضائيّة صاحبة الإختصاص؛ بل أكثر من ذلك تمّ منع المحامي من مزاولة مهنة المحاماة ومنعه من دخول قصر العدل بالرغم من أنّ هذا الحقّ مناط فقط بمجلس نقابة المحامين إستنادًا إلى قانون تنظيم مهنة المحاماة،
قّرر مجلس نقابة المحامين في بيروت منفردًا دون مجلس نقابة المحامين في الشمال إعلان انتفاضة المحامين الكبرى؛ وتمّ بتاريخ 2021/05/28، إعلان الإضراب المفتوح وما زال لتاريخه وقد شارف على أبواب الشهر الخامس من الإنقطاع عن العمل وتعطيل المرفق القضائي دون أيّ مبالاة من القضاء أيضًا؛ وكأنّ شيئًا لم يحدث.
نعم؛ لقد أعلن مجلس نقابة المحامين في بيروت الإضراب العام في 2021/5/28 من منطلق الحفاظ على حقوق المحامين وكرامتهم وحسن تطبيق القوانين والأنظمة المرعيّة الإجراء ومخالفة قانون تنظيم مهنة المحاماة.
نعم؛ إنّ الإضراب الذي دعا إليه مجلس نقابة المحامين لم يأت لتاريخه بالنتيجة المرجوّة، بل أصبح عبئًا على المحامين بكافة الصعد، إنْ لجهة حياتهم اليوميّة والتزاماتهم؛ أو حتّى علاقتهم مع موكّليهم؛ و … ألخ؛ مع الأخذ بعين الإعتبار بأنّ مجلس نقابة المحامين في الشمال لم يتضامن مع نقابة محامي بيروت سوى بتضامن خجول بالتوقّف عن العمل لمدّة 24 ساعة؛ بل أكثر من ذلك فإنّ محامي الشمال قد مارسوا أعمالهم بشكل طبيعي في محاكم بيروت وجبل لبنان وسواها؛ وتخطّوا هذا الأمر وحلّوا محلّ محامي بيروت في بعض الملفّات! وأصبح الضرر اللاحق بمحامي نقابة بيروت منفعة لمحامي نقابة الشمال.
وبالتالي؛ فإنّه يقتضي على مجلس نقابة المحامين في بيروت؛ إعادة تصويب الأمر والرجوع فورًا عن قرار الإضراب المفتوح دون التخلّي عن المطالب المحقّة، ولكن العمل على تطبيقها وفق مسار آخر بما يحمي حقوق المحامين ونصل معه إلى النتيجة المرجوة.
ماذا كان يتعيّن على مجلس نقابة المحامين في بيروت أن يقوم به بالتزامن مع الإضراب العام؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ قامت به القوى الأمنيّة بتوقيف وطريقة توقيف المحامي رامي عليّق هو أمر مخالف للقانون والأنظمة المرعيّة الإجراء؛ بل أكثر من ذلك فيه إسراف في استعمال القوّة لدرجة العنف والتعدّي على الحقوق الشخصيّة لمواطن قبل أن يكون محاميًا؛ فكيف إذا كان المواطن المذكور محاميًا(بغضّ النظر عمّا إذا كان ما قام به المحامي رامي عليّق ينطوي على مخالفة أو جرم أو شبه جرم)؛ وما تبعه من إجراءات أخرى.
حسب رأيي الشخصي؛ إنّ الإحتكام للقانون والنصوص القانونيّة المرعيّة الإجراء هو خير احتكام وخير سبيل؛ وعليه إذ كان يتعيّن على مجلس نقابة المحامين في بيروت التقدّم بادعاء فوري ضمن مهلة 24 ساعة أمام النيابة العامة العسكريّة بوجه العناصر الأمنيّة التي قامت بالإعتداء على المحامي رامي عليّق أثناء توقيفه بالقوّة وممارسة العنف بالطريقة التي حصل فيها، ومعرفة من أعطى الأمر مع كلّ من يظهره التحقيق فاعلًا أو شريكًا أو متدخّلًا أو محرّضًا؛ وكما اتخاذ أيّ إجراء قانوني ضدّهم أمام أيّ مرجع آخر وفق الأصول المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائيّة؛ وبالتالي السير بالدعوى حتّى آخر الدرجات ؛ وبالتالي ليس فقط الإكتفاء بإعلان الإضراب العام.
وبالتالي؛ فإنّنا نطالب مجلس نقابة المحامين في بيروت بوجوب سلوك الطرق القانونيّة والتقدّم بشكوى جزائيّة بوجه العناصر الأمنيّة ومن أعطى الأمر مع كلّ من يظهره التحقيق على النحو المنوّه عنه أعلاه.
إنّ العلاقة بين القضاة والمحامين هي علاقة جيّدة بشكل عام.
بدايةً، يجب عدم التعميم بأنّ العلاقة بين القضاة والمحامين سيّئة؛ وتعتريها إشكاليات.
ولا يمكن التعميم بأنّ القضاء بشكل عام يتعامل بشكل سيئ مع المحامين؛ وبالتالي لا يمكن التكلّم بشكل شمولي عن القضاة أو عن المحامين.
نعم، هناك أفراد من القضاة وأفراد من المحامين تحصل معهم إشكاليات مردّها طبيعة ونفسيّة وسلوكيات الشخص بحدّ ذاته.
فالمحامي والقاضي هما من البشر الذي يخطئ؛ وبالتالي فهما ليسا مرفعين عن الخطأ؛ ومن يخطىء يتعيّن محاسبته مهما علا شأنه من منطلق مبدأ الثواب والعقاب الذي ترعاه وتكرسّه كافة الأديان السماويّة والقوانين المرعية الإجراء.
وعليه؛ وانطلاقًا من تجربتي الشخصيّة بممارسة مهنة المحاماة؛ كانت العلاقة جيّدة مع القضاء بشكل عام ضمن نطاق الإحترام المتبادل وإنْ اختلفنا في وجهات النظر الإجرائيّة أو القانونيّة لأيّ قضيّة معروضة أمام أيّ قاض أو محكمة.
إنّني ممارس لمهنة المحاماة في القضاء المدني والجزائي على اختلاف الدرجات منذ 26 عامًا. أعرف حقوقي ولا أتهاون بها وليست محلّ مساومة؛ وأعرف واجباتي ولا أتخطّاها تحكمها النصوص القانونيّة؛ مع العلم أنّ علاقتي مع القضاة في بعض الملفّات وأثناء جلسات المحاكمة كانت من الندّ للندّ ضمن الإحترام المتبادل وتحت سقف القانون؛ وفي حال حصل أيّ تباين في الرأي أو اختلاف في وجهات النظر الإجرائيّة والقانونيّة يكون محضر جلسات المحاكمة والتحقيق هو الحكم في ما بيننا، وأطلب تدوين ما يجري؛ وهذا ما يمنع المناكفة والجدل غير المبرّر؛ وبالتالي ألتزم بالقرار الخطّي الذي أطلب تدوينه على المحضر ويأخذه القاضي ولو كان خلافًا لقناعتي وأمارس حقّي بالطعن به أو أيّ إجراء يكرّسه ويحميه القانون.
كما أنّني في هذا السياق، أعلن كمحام أنّني لا أتلطّى خلف غطاء الحصانة النقابيّة؛ وبالتالي فإنّني لا أخشى رفع الحصانة أو حتّى طلب رفعها لأيّ سبب كان لأنّني أعرف حقوقي وواجباتي؛ وأعرف أنّ صاحب الحقّ سلطان.
وإنّني على يقين بأنّ الأكثريّة من زملائي المحامين هم على علاقة جيّدة مع القضاة في معرض ممارسة المهنة.
كفى إضرابًا مفتوحًا من منطلق الحفاظ على المحامين؛ نعم للعودة إلى العمل دون التخلّي أو التهاون بحقوق المحامين والمساس بكرامتهم وفق الأحكام القانونيّة والأنظمة المرعيّة الإجراء.
بما أنّ الهدف الأساس من إضراب المحامين هو حمايتهم والمحافظة على كرامتهم،
وبما أنّ إعلان الإضراب المفتوح والتوقّف عن العمل لم يعط النتيجة المرجوّة؛ بل أدّى إلى نتيجة سلبيّة تجاه المحامين وأصبح يلحق بهم أضرارًا جمّة؛ دون أيّ تجاوب ممن يجب أن يتجاوب في القضاء.
وبما أنّ المحامين يمكن لهم تحقيق مطالبهم والمحافظة على كرامتهم بطريقة أخرى وأجدى؛ لا تضرّ بالمحامين كافة ولا حتّى بالقضاة الذين هم خارج الإشكال ولا حتّى المواطنين أصحاب الحقوق الذين تعطّلت مصالحهم.
فإنّني كمحام منتسب لنقابة المحامين في بيروت؛ ومن منطلق رأيي الشخصي أرى وجوب الرجوع عن الإضراب المفتوح والعودة إلى العمل دون التخلّي أو التهاون بحقوق المحامين والمساس بكرامتهم وفق الأحكام القانونيّة والأنظمة المرعيّة الإجراء؛ واعتماد كلّ حالة على حدة على النحو التالي:
في حال حصل أيّ إشكال أو أيّ تعدّي مهما كان نوعه أو سببه بين أيّ قاض أو أيّ محام، أو بين قضاة أو محامين يتمّ فيه تجاوز أو مخالفة الأحكام والأنظمة المرعيّة الإجراء؛ يصار إلى الوقوف على ملابسات الأمر وإجراء تحقيق داخلي نقابي بشأنه؛ وفي حال تبيّن أنّ الخطأ ناتج عن القاضي أو القضاة المعنيين يصدر قرار من مجلس النقابة بمقاطعة فعلية لهذا القاضي أو هؤلاء القضاة بذاتهم دون باقي القضاة والقضاء بشكل عام مع وجوب اللجوء الى اتخاذ الإجراءات القانونيّة بحقّ المخالفين وفق الأحكام القانونيّة المرعية الإجراء؛ وفي حال تبيّن أنّ الخطأ بنتيجة فعل المحامي أو المحامين المعنيين يصار إلى اتخاذ الإجراءات بحقّهم وفق أحكام قانون تنظيم مهنة المحاماة.
وفي هذه الحالة بكلّ تأكيد سوف تصوّب العلاقة نحو الأفضل بين المحامين والقضاة تحت سقف القانون والأنظمة المرعيّة الإجراء.
كما يصار إلى العمل بالتعاضد بين مجلسي نقابة محامي بيروت والشمال لاستصدار تعديل تشريعي للمادة 111 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة بما لا يتعارض مع أحكام قانون تنظيم مهنة المحاماة؛ مع الإشارة إلى أنّ مجلس النوّاب يضم عددًا لا يستهان به من المحامين.
لهذا فإنّني أطالب مجلس نقابة المحامين في بيروت بالرجوع عن قرار الإضراب العام المفتوح.
“محكمة” – الأحد في 2021/9/19

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!