أبرز الأخبارعلم وخبر

التحكيم في عقود النفط والغاز: التحديات والقانون/سامي منصور

بقلم القاضي الدكتور سامي منصور (رئيس محكمة التمييز شرفاً)*:
عقود النفط والغاز العربي: بين التحديات والقانون، عنوان متميّز لمؤتمر مميّز برعاية مرجعية وطنية وقانونية دولة رئيس السلطة التشريعية في لبنان المحامي الأستاذ نبيه بري. فشكراً لمنظّمي هذا المنظمة العربية للمحامين الشباب – فرع لبنان، التي كرّمتني بهذه الدعوة للمشاركة في هذا المؤتمر العلمي الذي نشتاق إليه ولمثله دون توقّف.
أيّها الحضور الكريم
موضوع هذا المؤتمر يطرح عملياً مسائل هي في غاية الخطورة: فريقان متعاقدان مختلفان ولكن لا يفترقان ، تجمعهما حاجة كل منهما للآخر، حياتية، وهي شر لا بد منه، إذ بدون هذا الإلتقاء الحتمي بين الدول المنتجة للنفط والغاز والدول المصنعة لهما، تفقد البشرية، أقله على المدى المنظور، القوة المحركة لوجودها. ففي القرآن الكريم الآية الكريمة “وجعلنا من الماء كل شيء حي” . وفي لغة العصر قاعدة دنيوية راسخة هي أن النفط والغاز جُعِلا مصدراً لا بد منه لاستمرار هذه الحياة. وكل ذلك بإذنه تعالى “وما تشاؤون إلا أن يشاء الله”.
اما بعد…
تحتل الطاقة اهمية بالغة في حياة الأمم والشعوب، وتخصص الدول عناية فائقة في مصادر الطاقة، وأهمها النفط والغاز. فالنفط والغاز يلعبان دوراً فاعلاً في اقتصاديات الدول المنتجة والدول المستهلكة على حد سواء، لارتباطهما بشكل أساسي في قضايا التنمية. فبالنسبة للدول المنتجة تمثل العوائد النفطية غالبية دخلها الرئيسي، التي تعتمد عليه في تمويل أنشطتها الإستثمارية. وبالنسبة للدول المستهلكة وخاصة المصنعة الكبرى، يعد النفط مادة أولية تعتمد عليها الصناعات الحديثة، ولا يمكن الاستغناء عنها.
وعقد البترول والغاز يمكن تعريفه بأنه عقد يتم بموجبه الاتفاق بين دولة أو أحد الأشخاص المعنويين العامة او الخاصة مع إحدى المشروعات العالمية، تتولى الأنشطة المتعلقة بعمليات استغلال الثروة البترولية في منطقة جغرافية معينة وخلال فترة زمنية طويلة نسبياً(1).
إن الدول المنتجة للنفط والغاز الخام هي بحاجة دائمة للاستعانة بخبرات وتقنيات الدول والشركات الأجنبية العالمية، والأمر بالنسبة لها هو أكثر من ملح، وأكثر من ضروري عملياً من أجل تطوير هذا القطاع. من هنا تطرح إشكالية اساسية تنشأ عن واقع تعدد المصالح بين طرفي هذا العقد هي : التجاذب بين القانون والتقنية (2): بين الدول المنتجة للنفط والغاز،وبين الدول والشركات المصنعة للنفط والغاز. فالمواد الطبيعية دون التقنية تبقى عقارات بطبيعتها (3) ، والمواد البترولية والغاز تبقى مجرد أملاك عامة للدولة (4)، لا تغني عن جوع . ثابتة لا تتحرك ، مما يشكل تنكراً وجحوداً بنعمة إلهية كرم الخالق، عزَّ وجلَّ، بها الإنسان. فبهذه الآلة والتقنية تدب الحياة في تلك المواد وتنشط حركتها .
عنوان مداخلتي “التحكيم في عقود النفط والغاز: التحديات والقانون”، ينحصر موضوعها في التجاذب الذي أشرت اليه بين الأطراف التي يجمعهما عقد النفط والغاز من زاوية التحكيم في هذه العقود كقضاء خاص، يكون من خلال اتفاقيات تحكيمية بديلاً عن قضاء الدولة في النزاعات التي تضمتنها تلك الاتفاقيات. وتحديداً يكون بديلاً في عقود النفط والغاز عن مجلس شورى الدولة كقضاء عام متخصص ينحصر به النظر في النزاعات الإدارية أو في النزاعات بين الإدارة واشخاص القانون العام في عقودها الادارية.
إنه إدخال قضاء لا جنسية له ولا سيادة يمثلها، يستقل بأحكامه وقواعده، يحكمه قانون الإرادة الى أبعد الحدود في الأصول التي تُتَبَع في الخصومة التحكيمية وفق ما تنص عليه اتفاقية التحكيم، والأصول التي يراها مناسبة بحسب مقتضى الحال إن مباشرة أو بالإلتجاء الى قانون معين أو نظام للتحكيم عندما لا يرد نص في الاتفاقية (المادة 811 أ.م.م.). كما يفصل المحكم في النزاع وفقاً للقواعد القانونية التي اختارها الخصوم، وإلا فوفقاً للقواعد، مطلق قواعد يراها مناسبة، معتداً بجميع الأحوال بالأعراف التجارية (المادة 813 أ.م.م.) . وقد يعفى المحكم من تطبيق قواعد القانون وأصول المحاكمة العادية ويحكم وفق قواعد الإنصاف عندما يكون التحكيم مطلقاً أو تفويضاً بالصلح، إلا فيما يتعلق بالقواعد المتصلة بالنظام العام والمبادئ الأساسية لأصول المحاكمة (المادة 777 أ.م.م.). فلا يكون لقضاء الدولة أثناء العمل التحكيمي اي سلطة على هذا العمل، وإنما الدور المساعد في الحالات التي لا يتمتع بها ذلك القضاء الخاص في سلطة الأمر والتنفيذ.
أنه عالم قانوني جديد له شعبه، التجار والمقصودين بالأعمال من معنيين أو مهتمين. وله إقليمه، التجارة والمهن بتنوعها وعلى مدى مساحتها. وله سلطته، المحكم والقواعد التي يطبقها. وقد تكون منفصلة عن أي قانون أو مصدر قانوني، مما يسمح لهذا القضاء بخصوصيته أن لا يتعقد بأفكار تُعَقِدُ العمل القضائي، فقد يطبق المحكم مطلق قواعد أو عادات، فتتحقق الحالة التي نبه منها برتولد غولدمن عندما بحث في معركة حول قانون التجار Lex Mercatoria فتجنب هذه المعركة يكون بالتحكيم في العلاقات التجارية الدولية.
من هنا تطرح أمام القانون في عقود النفط والغاز، التحديات – المخاطر التي يطرحها التحكيم في تلك العقود ويمكن إجمال هذه التحديات – المخاطر وإدراجها تحت عنوانين . تحديات عامة (عنوان أول) وتحديات خاصة (عنوان ثانٍ). ولكن اسمحوا أن أحصر هذه المداخلة بمسألتين أساسيتين هما من ضمن التحديات والمخاطر التي تنشأ عن التحكيم في عقود النفط والغاز. هما حصانة الدولة النفطية أمام الهيئة التحكيمية – الحصانة القضائية والتحكيمية- (قسم أول). وتحديات تنفيذ الاحكام التحكيمية التي تبطل في دولة المنشأ (الدولة النفطية) في دولة الاستقبال (دولة التنفيذ) (قسم ثان) . وذلك بعد أن أعرض باختصار التزاماً بالوقت المعطى لهذه المداخلة، للعنوانين الكبيرين المذكورين أعلاه كما يلي :
عنوان أول: التحديات – المخاطر العامة للتحكيم في عقود النفط والغاز وهي تنشأ :
أ‌- إما عن مبدأ قبول التحكيم في عقود النفط والغاز وهو يتعلق بطبيعة هذه العقود إدارية أو خاصة، داخلية أو دولية. وهي عقود إمتياز بامتياز (القرار 113 تاريخ 1933/8/9)
ب‌- وإما عن قواعد التحكيم وتطبيقها في العقود النفطية من ذلك:
• قاعدة استقلال التحكيم عن الأنظمة القانونية الوطنية (المادة 785 أ.م.م.)، فالتحكيم هو عالم قانوني جديد .
• قاعدة استقلال الاتفاق التحكيمي بالنسبة للقانون الذي يحكم العقد الأصلي وتبعاته: الصلاحية الواسعة للمحكمة في تحديد القاعدة الواجبة التطبيق في عقود التجارة الدولية – عقود النفط والغاز بالنسبة للاتفاق التحكيمي عينه وبالنسبة للعقد الأصلي الذي تضمنه.
• قاعدة استقلال البند التحكيمي (الشرط) عن العقد الأساسي وتبعاتها.
• قاعدة الإختصاص بالإختصاص وتبعاتها.
• قاعدة صحة البنود التحكيمية في عقود الدولة وتبعاتها (في كل ذلك يمكن الرجوع الى دراستي بموضوع: تنازع القوانين والقانون المطبق من المحكم في عقود التجارة الدولية، المنشورة في المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي، العدد الخمسون لسنة 2009، ص 4 الى 38 مع المراجع الفقهية والقضائية الواردة فيها).

عنوان ثانٍ: التحديات – المخاطر الخاصة المترتبة على التحكيم في عقود النفط والغاز وهي تنشأ:
أ‌- إما عن قوانين التحكيم عينها، من ذلك: إشكاليات الإختصاص في النزاعات النفطية في القانون الكويتي: هل هي هيئة التحكيم القضائي المنظمة والمنشأة في القانون رقم 11 لسنة 1995 أم أن الإختصاص الدائرة القضائية المنشأة بالقانون رقم 20 لسنة 1981 والمعدل بالقانون رقم 61 لسنة 1982 المتعلق بإنشاء الدائرة القضائية والصعوبات التي تنشأ عن المواد 2 و 5 من القانون رقم 11 لسنة 1995 المشار اليه.
ب‌- إما عن حصانة الدولة النفطية أمام الهيئات التحكيمية.
• تحديات الإختصاص القضائي وتنفيذ الأحكام التحكيمية على أموال الدولة المنتجة للنفط (تجربة القضاء اللبناني).
• تحديات تنفيذ الأحكام التحكيمية التي تبطل في دولة المنشأ – الدولة النفطية – في دولة الإستقبال – دولة التنفيذ-
هوامش:
*جزء صغير من كلمة القاضي سامي منصور في مؤتمر المنظمة العربية للمحامين الشباب الذي عقد في بيروت بين 11 و13 تموز 2019 تحت عنوان:” عقود النفط والغاز العربي: بين التحديات والقانون”.
– عبد العزيز أبو خشبي الفضلي، تطور العقود النفطية بين التقليد والتجديد وحل النزاعات فيها – دراسة الحالة الكويتية – بحث مقدم لمؤتمر “النفط والغاز وتداعياته في القانون اللبناني المقارن” الذي نظمته كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية – الفرع الثالث، في الأول من ديسمبر – كانون الأول، سنة 2018؛ سيد أحمد محمود ، خصوصيات التحكيم في المنازعات الناشئة عن العقود البترولية ، ورشة عمل في أصول صياغة اتفاق وحكم التحكيم ومهارات إدارة الجلسات التحكيمية. التي نظمتها المنظمة العربية للتنمية الإدارية – جامعة الدول العربية – والمركز العراقي للتحكيم الدولي – دولة العراق في 19 و 23 اكتوبر- تشرين الأول – سنة 2014 في الاسكندرية ، جمهورية مصر العربية، ص 67 و 68؛ أحمد حلمي خليل هندي، عقود الامتياز البترولية واسلوب حل منازعاتها سنة 2013، ص 173 الى 176؛ دارا رمزي توفيف، الآثار القانونية المترتبة على عقود الاستثمار النفطي، دراسة مقارنة ، دار الفكر الجامعي- سنة 2017، ص 72.
2- فنظراً لتمتع شركات الامتياز مقابل ما تحصل عليه من حقوق من الدول المضيفة، تبرز الشكوى من الدول المانحة والتصريح بان الاتفاقات النفطية المبرمة تتضمن إحتكار شركات النفط الأجنبية لجميع مراحل الصناعة النفطية من استكشاف وانتاج وتكرير ونقل وصناعة تحويلية واتساع مناطق الامتياز مما يولد ذلك التجاذب الذي أشرنا اليه بين القانون والتقنية .
3- نقولا أسود، القانون المدني – المدخل والاموال، الجامعة اللبنانية- كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية – مجلس فرع الطلاب ، الفرع الأول، بيروت سنة 1985 – 1986، ص 424 وما يليها.، مروان كركبي وسامي منصور، الأموال والحقوق العينية العقارية الأصلية، بيروت 2009، ص 47 و 48، وص 186 وما يليها.
4- نقولا أسود، المرجع المذكور، ص 348 .؛ كركبي ومنصور، نفس المرجع، ص 48 هامش 1. و ص 187.
“محكمة” – الثلاثاء في 2019/7/16

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!