مقالاتميديا

خاص “محكمة”:التمييز بين المحاماة والـ “Business” في معرض ممارسة المهنة/سلام عبد الصمد

إعداد المحامي الدكتور سلام عبد الصّمد (مدير عام شركة SALAMAS Law Firm):
في العام 2011، ذكرت مجلّة”The Economist” أنّ “المحاماة أصبحت تجارة أكثر من كونها مهنة”. وهذا أمر لا يمكن إنكاره في ضوء العوامل الكثيرة والمتنوّعة التي أثّرتْ ولا تزال على عمل المحامين، وإنْ كنّا لا نُوافق عليه. ولعلّ أهم هذه العوامل:
1) تأثير التكنولوجيا كـ”الفيس بوك” و”تويتر” و”انستغرام” وغيرها.
2) بعض الممارسات التجارية التي كانت تُعتبر محظورة قديماً، لكنّها أصبحت مقبولة اليوم كالدعاية والإعلان.
3) العديد من التحدّيات الجديدة التي أصبحت تُواجه المهنة، وتُؤثّر على علاقة المحامي/الموكّل التقليدية.
أوّلاً تعريف المهنة
إذا استثنيْنا التعريف المعتمد من قبل قانون تنظيم مهنة المحاماة اللبناني، فإنَّ الكثيرين، ومراعاةً للتطوّر الذي نعيشه، حاولوا إعطاء تفسيراتٍ أُخرى؛ ومنها أنَّ القانون هو مهنة مساعدة العدالة وحفظ الحقوق، أو أنّها (المحاماة) المتابعة المستمرّة في التعلّم، وهذا هو المفهوم المرن، على حدّ وصف عميد كلّية الحقوق في هارفرد. إنّما وفي كلا الحالتيْن، يجب أنْ نعترف أنّ المفهوم الكلاسيكي للمحاماة لم يعد مقبولاً في هذه الأيّام، لا سيّما لو أخذنا بعين الإعتبار العوامل التي سبقَتْ الإشارة إليها.
في حين قسّم آخرون هذا المفهوم (للمحاماة) إلى ثلاثة التزامات:
أوّلاً- موجب الإحترام المتبادل بين المحامين.
ثانياً- الإلتزام تجاه المؤسّسات القضائية والقانونية.
ثالثاً – الموجب المترتّب على المحامين تجاه موكلّيهم.
ثانياً – الـ”Business”
تُواجه المحاماة، في الوقت الحالي، ضغوطاتٍ إقتصادية غير مسبوقة. وقد يكون هذا الأمر ناتجاً جزئياً عن الركود الاقتصادي الكبير الذي حصل في العام 2008.
فالعملاء اليوم لديهم معلومات أكثر، في ما يتعلّق بالسوق وتغيُّراته، كما أصبحوا على بيّنةٍ من كيفية اختيار الخدمات القانونية، وإنْ عن طريق غير المحامين، وضمن الحدّ الأدنى من التكاليف. وهذا كلّه، يُؤثّر بشكلٍ كبير على مهنة المحاماة. فضلاً عن أنَّ المحامي يُواجه اشتداداً أكبر في المنافسة، سواء من ضمن المهنة أو خارجها. فنجد اليوم مكاتب المحاماة، تتنافس بشكلٍ متزايدٍ مع مكاتب أُخرى، ومكاتب أجنبية تُنافس المكاتب المحلّية، وإنْ من دون وجه حقّ، وذلك عبر الإنترنت؛ دون إغفال الشركات غير شركات المحاماة التي أخذتْ تُقدّم خدماتٍ قانونيةً من دون أيّ ترخيصٍ قانوني، إلى جانب شركات المحاسبة، وانتشار طرق حلّ النّزاعات البديلة والتي لم تعدْ تُشكّل فقط بديلاً عن المحاكم، بل وأحياناً بديلاً عن مهنة المحاماة، ممّا أصبح للعملاء الآن خيار الإستعانة بمساعدةٍ قانونيةٍ خارجيةٍ بتكلفةٍ أقلّ أو مساعدةٍ داخليةٍ وبواسطة غير المحامين. وهذا الأمر، يُشكّل خطراً على المهنة من دون أدنى شكّ.
التكنولوجيا: تأثير العصر الرقمي على المهنة القانونية
للتكنولوجيا تأثيرٌ واضح على المحاماة، فهي تُسهّل الممارسة اليومية للمهنة، بحيث تسمح باستخدام العديد من التقنيات التي تُوفّر الكثير من الوقت، لعلَّ أبرزها الخدمات القانونية الإلكترونية (website, email)، ووسائل التّواصل الاجتماعي (facebook, tweeter, Instagram). ولكن بالمقابل، لا يُمكن أنْ نُنكر التّأثير السّلبي للتكنولوجيا، لا سيّما إذا نظرنا إلى هذه المسألة من الناحيتيْن الأخلاقية والإجتماعية، حيث كثرت المشاكل على هذين الصعيدين، وبدأتْ تُلقي بظلالها على حياة المحامي.
بعض الممارسات التجارية التي يُزعم أنّها تُهدّد المهنة، ولكنّها الآن تُستخدم على نطاق واسع، نذكر منها في هذا المقال الدّعاية، على أنْ نتناول الممارسات الأُخرى في مقالاتنا القادمة.
– الدعاية Advertisement
كان المحامون ينظرون إلى المهنة على أنّها خدمة عامّة، تهدف إلى تحقيق العدالة، وقد أصبح هذا الأمر يُعتبرُ سمةً من أخلاقيات المهنة. ولفترةٍ طويلةٍ، كانتْ نظرة المحامي إلى الدّعايات أو الإعلانات نظرةً غير لائقةٍ، وعملاً محظوراً بشكلٍ كبير.
فالرأي الكلاسيكي، كان يعتبر أنّ الدعاية قد “تُؤثر سلباً على أخلاقيات المهنة ودورها في تحقيق العدالة”. كما قد يُشكّلُ إعلان الأسعار Price list الذي يُحدّده المحامي لدعاويه، في عصر العولمة، ميلاً نحو التجارة، أكثر منه نحو رسالة المحاماة. الأمر الذي يُمكن أنْ تهزّ من صورة المحامي الذي يُدافع عن الحقّ والعدالة، ويتقاضى ما يُعرف بـــ “الشّرفية” أكثر منها أتعاباً. كما قد يتسبّب أيضاً بخسارة الموكّلين التقليديين الذين لا يزالوا يتمسّكون بفكرة المحامي/ المحامي وليس المحامي / رجل الأعمال، على ما بات معروفاً في الغرب، إنّما وبين هذين التيارين – الكلاسيكي والحديث – لا بدّ من إيجاد مساحة مشتركة، لا تنزع عن المحامي صفاته التقليدية التي عرفناها والتزمنا بها، ولا تجعله في الوقت عينه عاجزاً عن ركب التطوّر الحاصل في العالم، لذلك، يجب على المحامي الحذر عند استعمال الدعاية، وتوظيفها في خدمة المصلحة العامة والعدالة، من دون المسّ بـ “صورته المهنية”، كما وبالنظام القضائي.
(نشر هذا المقال في النسخة الورقية من مجلّة “محكمة” – العدد 37 – كانون الثاني 2019 – السنة الرابعة)
“محكمة” – الاثنين في 2019/1/21

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!