مقالات

القانون لم يحظر التعاقد بالعملة الأجنبية والإيفاء بعملة الدين!/حنا البيطار

المحامي حنا البيطار:
صدرت أحكام عن بعض قضاة التنفيذ ومحاكم البداية، قضت بإيفاء الدين الدولاري بالعملة الوطنية على أساس سعر الصرف/1507/ ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد، ولا تزال هذه الأحكام منظورة أمام محاكم الإستئناف والتمييز.
أمام هذه المسألة المهمّة التي تقضّ مضاجع اللبنانيين دائنين ومدينين، نرى من اللازم والواجب الإضاءة القانونية على إمكانية الإيفاء بالليرة اللبنانية أو عدمها بالإستناد إلى القوانين المرعية الإجراء وإلى المنطق الإجتهادي، وإلى مبدأ العدل والإنصاف الذي يعلو فوق كلّ قانون وعرف واجتهاد.
وإذا كانت المواد / 7 و 8 و 192/ من قانون النقد والتسليف قد أعطت العملة الوطنية قوّة إبرائية وحظرت على الدائن الإمتناع عن قبول إيفاء دينه بالعملة الوطنية، فإنّ تحديد سعر الصرف بما يعادل أقلّ من 15% من السعر الحقيقي والفعلي هو جرم بحدّ ذاته يرتكبه البنك المركزي بحقّ العملة الوطنية كما بحقّ المواطنين الذين ركنوا إلى تطمينات الحاكم لجهة قوّة الليرة اللبنانية، ولسياساته المالية المتّسمة بالنصب والإحتيال على المواطنين الذين أودعوا جنى تعبهم وأعمارهم بالعملة اللبنانية، كما على المودعين بالدولار الأميركي.
وإذا كان المصرف المركزي يحدّد السياسة المالية إنطلاقًا من معايير وحسابات مصلحية تراعي منظومة الفساد السياسية المصرفية، فمن غير المعقول والمقبول أن تماشي المحاكم هذه السياسات الظالمة وتتماهى معها خصوصًا وأنّ قوانين ومواد واضحة غير تلك المذكورة أعلاه تسمح وتفسح المجال رَحبًا أمام أحكام قانونية عادلة في ما خصّ هذه النزاعات.
إنّ الفقرة /2/ مـن المــادة /301/ موجبات وعقود نصّـــت على حرّيـــة المتعاقدين “في اشتراط الإيفاء نقودًا معدنية أو عملة أجنبية”، وبالتالي فهذه المادة أكّدت ضرورة الإستناد إلى “شرعة المتعاقدين” في الإيفاء، وإنّ الدين بالعملة الأجنبية يجب إيفاؤه بهذه العملة تحديدًا إذا أصرّ الدائن على ذلك.
وعليه، فــلا يحقّ للمحاكــــم تعديــــل إرادة المتعاقديــن، وبالأخصّ إرادة الدائن الذي “تَجنَّب مخاطر العملة الوطنية بالتعاقد بالعملة الأجنبية” بإخضاعه لتلك المخاطر نصرة للمدين على الدائن!
وإذا كان مصرف لبنان قد حدّد سعر الصرف بـ 1500 ل.ل. لحالات ذكرها حصرًا (دعم استيراد المواد الغذائية الأساسية والأدوية والمحروقات … تسديد ودائع المودعين بأقلّ كلفة على المصارف …)، إلّا أنّه لم يشمل إيفاء الديون المحرّرة بالعملات الأجنبية، وإنْ فَعَل فليس لقراره أو لتعميمه أيّ مفعول أو أيّ أثر قانوني إذ إنّ تحديد سعر صرف الدولار لإيفاء الديون يخرج كلّيًا عن صلاحية البنك المركزي وحاكمه.
وبالتالي، فليس للمحاكم أن تعتمد هذا السعر في النزاعات المعروضة أمامها والخارجة عن مفهوم وعن نطاق الأعمال التي حدّدها مصرف لبنان حصرًا لتطبيق سعر الصرف بـ 1500 ليرة.
وما يعزّز رأينا بعدم قانونية تطبيق تعميم قرار البنك المركزي لجهة تحديده سعر صرف الدولار بـ 1507 ليرة لبنانية هو أنّ التعاميم (القرارات) الصادرة عن البنك المركــزي بشأن سعــــر صــــرف الدولار متعدّدة، لكــلّ منها غاياتــــه وارتكازاتـه: 1507 ل.ل. (المواد المدعومـــــة)، 3900 ل.ل.(داخــــل المصارف)، 12000 ل.ل(منصّة صيرفة) واليوم 19000 ل.ل.(في السوق السوداء)، فبأيّ سعر يجب أن يتمّ الإيفاء وعلى أيّ أساس؟
برأينا، وتجنّبًا لاعتماد الأسعار المعروضة أعلاه خصوصًا وأنّ الدائن سيتمسك بالسعر الأعلى والمدين بالسعر الأدنى، وتحقيقًا للعدالة التي تبقى الهدف الأساس لأيّ حكم ولاية محكمة، يجب الإيفاء بنفس العملة التي نصّ عليها العقد أو تمّ بها الإيداع أو الإستدانة، ولا بأس في هذا المجال من تمديد مهلة الإيفاء إلى حين الإستقرار المالي والنقدي في البلاد.
“محكمة” – الأربعاء في 2021/7/28

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!