الأخبارمقالات

المحامي جان كيرللس…الكبير في زمن الكبار/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
أهكذا، وفي أسرع من وجع النفس، يسكت الصوت العالي، ويسكن العصب الثائر، ويهدأ الذهن المتوقد، ويقف القلب الكبير، ويصبح جان كيرللس نعياً، ووجعاً يتمدد في وجع ويزيد عليه؟.
أهكذا، وفي لحظة يصمت الروض الغرد، وتسكن الدنيا اللاعبة، ويقبح الوجود الجميل؟.
ما بالهم كبارنا وحكماؤنا يترجّلون الواحد تلو الآخر، ويغادروننا في هذا الزمن الرديء الذي غطاه الفساد، واستبيحت فيه الكرامات، وباتت القيم وجهة نظر، وبات الجميع يردّدون أنّهم مع المبدأ “كيف ما بيبرم بيبرموا معه”؟ الله يرحم فيلمون وهبه.
المحامي البروفسور جان كيرللس، كبير في زمن الكبار. الكبار الذين بنوا اسمهم وصيتهم بفضل المثابرة والعلم والاخلاق وليس بفضل تعيينهم من هذه الجهة او تلك من ضمن الكوتا الخارجة من نصيبها.
محامٍ لامع تشهد له أقواس المحاكم. لوائحه مدروسة، تحتوي على أهمّ ما توصّل إليه الفقه والاجتهاد في لبنان وفرنسا. تخرّج على يديه عشرات المحامين الذين يكملون رسالته في المحاماة ومنهم ابنه الاستاذ ندي وزوجته الاستاذة جوانا.
استاذ جامعي وبروفسور في كلية الحقوق في جامعة الحكمة حيث درس مادة قانون العمل. ويشهد طلابه، ومنهم النقيب الحبيب الشيخ انطونيو الهاشم، أنّه كان يتعامل مع كلّ واحد منهم وكأنّه ولد من اولاده، ويحرص على استيعابهم للمادة بشكل جيد.
كما كان شاعراً، يكتب الشعر باللغة الفرنسية، ولا ننس الندوة الشعرية التي عقدت في “بيت المحامي” وشارك فيها عدد من المحامين الشعراء وهو من بينهم.
ولم يقتصر نشاطه على العمل المهني، بل تعداه الى العمل النقابي، حيث انتخب عضواً في مجلس نقابة المحامين في العام 1963 في عهد النقيب جان تيان، ومفوّضاً لقصر العدل في العام 1964 في عهد النقيب نمر هبي، وكانت نقابة المحامين في بيروت في عصرها الذهبي.
كان المحامي البروفسور جان كيرللس يحب الحياة، وعلى الرغم من كبر سنه وهو في السابعة والتسعين، إلاّ أنّه لم يكن يترك مناسبة إلاّ ويشارك فيها. يقود سيارته بنفسه ويذهب الى الاكوامارينا. يسبح، يلعب “طاولة الزهر”، يشارك في المناسبات الاجتماعية. في العشاء الاخير الذي اقامه في البريستول، وقف وامسك بالميكروفون واخبر اكثر من ثلاثين نكتة. كان يعلم أنّ الحياة لا تساوي شيئاً ولكن شيئاً لا يساوي الحياة كما يقول فولتير:
La vie ne vaut rien , mais rien ne vaut la vie.
حزننا عليه كبير. فقد كان مالئ الدنيا وشاغل الناس. يتصل يوميا بأصدقائه، يرسل “الواتساب” على مدار الساعة لأنّه كان يتابع كلّ جديد في لبنان والعالم. فعلى مثل هؤلاء الاصدقاء نحزن.
كان المحامي المرحوم جوزيف الخوري يروي انه قال مرة لوالده الشاعر والأديب الأخطل الصغير أنّ فلاناً قد توفى. فأجابه:”لعمرو ما يرجع. ما بحياتو عمل نكتة ولا فهم نكتة ولا ضحك لنكتة”.
***
بهذه الشجاعة، وهذا التسليم لمشيئة الله، وهذا الارتفاع عن الآن، والاستعداد للأبد، ترك الدنيا، وكأنه يذكر كلاماً لجان درومسون: Qui veut la Vie accepte la Mort
“محكمة” – الأحد في 2019/3/17

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!