علم وخبر

المفعول الإعلاني للحكم وتوجّب بدل المثل منذ تقديم الدعوى/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
إعتبر القاضي المنفرد المدني في بيروت الناظر في قضايا الإيجارات الرئيس داني شرابيه، أنّ الحكم القاضي بالإسقاط من حقّ التمديد القانوني هو حكم إعلاني وليس إنشائياً، وأنّه عند اكتمال شروط الإسقاط تنقضي العلاقة التأجيرية، ويتوجّب على المستأجر عندها أن يدفع بدلًا عن الإشغال وليس البدل المحدّد في العقد. وهو يتوجّب منذ تقديم استحضار الدعوى.
كما اعتبر الرئيس شرابيه أنّه لدى بحث مسألة بدل المثل، يقتضي معرفة ما إذا كان المستأجر معذورًا في وضع يده على المأجور بالرغم من تحقّق شروط الإسقاط أم لا بحيث يستشفّ السلوك الحسن من معطيات النزاع العالق. وأنّ المستأجر في القضيّة الراهنة لم يكن متعسّفًا في استعمال حقّ الدفاع.
وقضى بتخفيض قيمة التعويض المحدّد في تقرير الخبير. وممّا جاء في الحكم الصادر بتاريخ 2002/11/26:
بناء عليه،
حيث إنّ المدعي يطلب إلزام المدعى عليه بدل المثل المتوجّب عن إشغاله غير الشرعي للقسم رقم 11 من العقار رقم 192 الرميل وذلك عن الفترة الممتدة منذ 92/7/23.
وحيث إنّ المدعى عليه يدلي من جهته بعدم قانونية الدعوى الحاضرة باعتبار أنّ إشغاله السابق للشقّة المشار إليها قد استند إلى عقد إيجار قانوني ولا مجال بالتالي للتحدّث عن إشغال غير شرعي ممّا يستتبع القول بأنّ المطالبة ببدل المثل إنّما تتحقّق منذ تاريخ انبرام الحكم القاضي بالإخلاء وفي حال استمرار الإشغال بالرغم من صدور الحكم المذكور، الأمر غير المتوفّر في الحالة الراهنة، فضلًا على وجود اتفاقية شبه رسمية قامت بينه وبين المالك تنازل بموجبها هذا الأخير عن أيّ حقّ أو مطلب مقابل تنازل المدعى عليه عن بعض التجهيزات والمفروشات العائدة له.
وحيث لا بدّ من الإشارة بادئ ذي بدء إلى أنّ أقوال المدعى عليه لجهة الإتفاقية الجارية بينه وبين المدعي والمنتهية إلى تنازل هذا الأخير عن جميع حقوقه بما فيها بدل المثل، إنّما بقيت مجرّدة من أيّ دليل مقبول يعكس صحّتها، مع الإشارة إلى أنّ استرشاد المدعى عليه بالبيّنة الشخصية بغية إثبات الإتفاقية المذكورة إنّما يتناقض مع قواعد الإثبات الواجب اعتمادها بالنسبة إلى التصرّفات القانونية (المادة 245 أصول مدنية).
وحيث بالنسبة إلى أساس النزاع والمتعلّق ببدل المثل وفي ظلّ وجود علاقة تأجيرية سابقة قامت على وجه صحيح واستمرّت لسنوات عديدة، فإنّ المحكمة ترى ضرورة استعراض بعض المبادئ القانونية التي ترعى النقطة المحورية موضوع النقاش توصّلًا بالنتيجة إلى الفصل بالنزاع الراهن.
أوّلًا: إنّ الحكم القاضي بالإسقاط من حقّ التمديد القانوني إنّما هو حكم إعلاني وليس إنشائيًا بحيث إنّه يعلن الحقّ الساقط لسبب من الأسباب المحدّدة بمقتضى قوانين الإيجارات الإستثنائية وذلك عملًا بأحكام المادة 559 أصول مدنية.
بهذا المعنى:
– محكمة التمييز، الغرفة الثالثة، تاريخ 2000/10/25، المصنّف في قضايا الإيجارات للرئيس شمس الدين، الجزء الرابع، صفحة 7، رقم 1،
– الحكم الصادر عن هذه المحكمة بتاريخ 2000/3/30 والمنشور في المصنّف في قضايا الايجارات، الجزء الرابع، صفحة 18، رقم 6،
ثانيًا: واستنادًا إلى ما تقدّم، فإنّ المستأجر يعتبر شاغلًا دون مسوّغ شرعي عند اكتمال شروط الإسقاط بحيث يسقط الغطاء القانوني عن إشغاله بمجرّد تحقّق الإسقاط وتنقضي العلاقة التأجيرية ولا يعود من الجائز العمل بأحكام وبنود عقد الإيجار الأساسي بحيث يتوجّب على المستأجر عندها أن يدفع بدلًا عن الإشغال وليس البدل المحدّد في العقد.
ثالثًا: وعملًا بأحكام المادة 559 أصول مدنية، فإنّ بدل الإشغال المومأ إليه في البند السابق إنّما يتوجّب منذ تاريخ إقامة دعوى الإسقاط من حقّ التمديد، أيّ منذ تقديم الإستحضار الإبتدائي وذلك على نحو ما يستفاد من صراحة النصّ المذكور الذي ربط آثار الحكم المعلن بتاريخ المطالبة بالحقّ أمام القضاء.
رابعًا: إنّ تكريس حقّ المالك في المطالبة ببدل المثل لا يجب أن يشذّ عن القواعد العامة التي ترعى سلوك الأفراد، بحيث يقتضي التعاطي مع المسألة من منظور حسن نيّة المستأجر وما إذا كان هذا الأخير معذورًا في وضع يده على المأجور بالرغم من تحقّق شروط الإسقاط أم لا، بحيث يستشفّ السلوك الحسن في مثل هذه الحالات من معطيات النزاع العالق أمام القضاء بشأن الإجارة وما إذا كان موقف المستأجر طوال فترة المحاكمة قد اندرج ضمن إطار حقّه المشروع في الدفاع عن نفسه أم أنّه يعكس تعسّفًا في استعمال هذا الحقّ.
بهذا الإتجاه:
إستئناف بيروت، الغرفة الخامسة، تاريخ 98/10/29 المصنّف في قضايا الإيجارات للرئيس شمس الدين، الجزء الرابع، صفحة 43 رقم 11.
وحيث على هدى ما جرى عرضه، وبالعودة إلى معطيات النزاع الراهن وبعد قراءة الحكم الابتدائي الصادر بتاريخ 98/5/5 والقاضي بإسقاط حقّ المدعى عليه من التمديد القانوني لعلّة الترك وبعد الإطلاع أيضًا على القرار الإستئنافي تاريخ 99/6/30 والقاضي بتصديق الحكم الإبتدائي المشار إليه، فإنّ المحكمة لا تجد في أقوال وإدلاءات المدعى عليه ما يعكس تعسّفًا في استعمال حقّ الدفاع بحيث يتضح أنّ البحث قد اقتصر على تكييف التردّد الحاصل على المأجور وما إذا كان كافيًا لقطع مهلة الترك أم لا.
وحيث إنّ ما تقدّم يرجّح الرأي القائل بوجوب تخفيض قيمة التعويض المحدّد في تقرير الخبير أيوب بمبلغ 99000 دولار أميركي ويقتضي تبعًا لذلك تحديد بدل الإشغال المستمرّ منذ تاريخ تقديم الإستحضار الإبتدائي وحتّى الإخلاء الفعلي بمبلغ خمسة وخمسين ألف دولار أميركي وذلك استنادًا إلى مواصفات المأجور ومساحته وجميع المعطيات المتوافرة في الملفّ.
وحيث إنّه لم يعد من حاجة لبحث كلّ ما زاد وخالف بما في ذلك طلب العطل والضرر عن المحاكمة غير المتوفّرة شروطه.
لهذه الأسباب
وعطفًا على القرار التمهيدي الصادر بتاريخ 2002/1/24
يحكم:
1- بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعي بدل الإشغال الممتد منذ العام 94 وحتّى بداية العام 2000 والمحدّد بمبلغ خمسة وخمسين ألف دولار أميركي أو ما يعادلها بالليرة اللبنانية بتاريخ الدفع الفعلي.
2- بتضمين المدعى عليه النفقات القانونية كافة.
3- بردّ الأسباب والمطالب الزائدة والمخالفة.
“محكمة” – الخميس في 2021/9/16

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!