مقالات

تأمّلات في التحدّيات التي تواجه الحكومة العتيدة/محمّد وسام المرتضى

وزير الثقافة القاضي محمّد وسام عدنان المرتضى:
كلّ مُخلِصٍ وواعٍ من أبناء هذا الوطن قد رصد بحزنٍ ووجع ما آلت إليه الأمور واستشرف بقلقٍ وهلع احتمالات الإنحدار إلى قعرٍ لا رجعة منه، وجميعنا قد استوطن قلبه هَمٌّ أوْحد هو هذا الكمّ من الانهيارِ الذي أصاب البلد من “رأسه إلى أخمص قدميه”؛ فنحن في “نكبة”، أفقدتنا “المناعة”، وشرّعتنا “للإنفجار”، وعرّضت الشعب للذلِّ والمجاعة، والعلم للإندثار، كما عرّضت المرافق للشلل والمشافي ومؤسّسات أخرى للإقفال.
أمّا عدوّنا فما برح يُمعن حقدًا، ويتربّص شرًّا، وينسج مكائد، ويمنّي نفسه بأنّ هذا البلد- وما يختزنه من قُدُراتٍ وقيم- ماضٍ إلى سقوط وإلى إذعان الصاغر الذليل، لكن هيهات… فنحن أبناء “الرجاء”، وأبناء “وبشّر الصابرين”… نحن أهل الصمود، وأصحاب الصولات والجولات في مضمارَي المواجهة والنهوض… أمّا العدوّ فنبشّره بأنّه لن ينوبه منا إلّا الأضعاف المضاعفة من الهزائم والخيبات.
وكلّنا، إنْ عَقِلنا، أدركنا أنّ خلاصنا مرهونٌ بأن ننهض جميعًا- سلطةً وشعبًا- نهضة شخصٍ واحد، فنوحّد الجهود، مترفّعين عن الخلافات والاختلافات، ثمّ ننبري إلى عملٍ دؤوب على نيّة أن يثمر تغييرًا في واقعنا المرير ونجاةً ممّا يحدق بنا من شرور.
أمّا المدخل الأساس للشروع في ذلك كلّه فيتمثّل في انوجاد حكومة قادرة وأمينة، تأتي فتستلم الدفّة، وتنهض بالسفينة من القعر، وتنطلق بها متجاوزةً الأمواج التي تتلاطمنا إقتصاديًا ونقديًا واجتماعيًا وسياسيًا وأمنيًا وضغطًا دوليًّا، وتوصلها، إنْ لم يكن إلى برّ أمان، فأقلّه إلى مياهٍ أقلّ جنونًا. ولهذه السفينة راعٍ هو فخامة رئيس الجمهورية، كما أنّ لها ربّانًا هو دولة رئيس الحكومة، وطاقمًا هم الوزراء فيها، ورقيبًا هو البرلمان الذي يوجّه ويصوّب ويرفد بالتشريعات اللازمة.
أمّا الآليّة الدستورية الواجبة الاتّباع فلا يعتقدنّ أحد أنّها ما برحت مقتصرة على استشاراتٍ يليها تكليفٌ ومن بعده تأليفٌ يُتوّج بمنح ثقة المجلس النيابي، إذ ثمّة ثقةٌ أخرى مصدرها “الوجدان الشعبي” لا محيد عن اكتسابها لما لها من بالغ الأثر على مستوى تشديد العزم وتفعيل الزخم.
أمّا منح هذه الثقة فدونه تحديّات ينبغي السعي إلى مواجهتها وتذليلها وهي تتمثّل في الآتي:
– التحدّي المتمثّل في زرْعِ انطباعٍ- بالفعل لا بالشعار- لدى اللبنانيين جميعًا بأنّ هذه الحكومة خشبة خلاصهم وأنّها مصمّمة على النجاح وعلى تحقيق شيءٍ جديد يرتقي إلى خطورة المرحلة التي تمرٌّ فيها البلاد، وأنّها قوية ومصرّة على خدمة وطنها وأبنائه، وأنّها تضمُّ طاقمًا وزاريًا متأهّبًا للعمل كفريق واحد يتمتّع كلٌّ فردٍ من أفراده بالوطنية وبالنزاهة وبالقدرة العلمية وبالخبرة العملية وبالدينامية والرؤيوية، فلا فاسد بينهم أو “هزيل” أو معرقل… وجميعهم ملتزمٌ تنفيذ برنامج عملٍ وحيد هو البرنامج الإنقاذي الذي ستعمل الحكومة على إنجازه.
– التحدّي المتمثّل في إقناع من يلزم بأنّه لا تعارض بين أن تسمّي القوى السياسية ممثّلين لها في الحكومة، تفرّدًا أو توافقًا، وبين تشكيل حكومة تُرضي طموح الشعب اللبناني وتطلّعاته، طالما أنّ من أسمته تلك القوى يستوفي جميع تلك الشروط (أيّ النزاهة والقدرة والخبرة والدينامية والإستعداد للعمل بنَفَس الفريق الواحد والإستعداد للإلتزام بذلك البرنامج الإنقاذي دون غيره، وهو البرنامج الذي يقتضي أن يكون مرحليًا مشروع جميع تلك القوى السياسية والقاسم المشترك بينها بغضّ النظر عن خلافاتها واختلافاتها). فلا بدّ إذن من إشعار الناس بأنّ هواجسهم مأخوذة بعين الإعتبار لأنّهم “كفروا” بجميع التجارب السابقة (على قاعدة المثل الشعبي “من يُكوى بالحليب يَنْفُخُ على اللبن”…) فلا غرو إن توجّسوا من أن يكون أداء الحكومة العتيدة على مثال أداء حكومات سابقة يحمّلونها- عن حقّ وكليًّا أو جزئيًا- المسؤولية السياسية وغير السياسية عمّا آلت إليه الأوضاع في البلد.
– التحدّي المتمثّل في اقناع الرأي العام بأنّ الحكومة تضمّ وزراء يمثلّون بتطلّعاتهم تطلّعات “الحراك” خير تمثيل ولكنّهم وفي الآن عينه لا يعملون من أجل تنفيذ “أجندات” مشبوهة؛ ولا يخفى أنّ ثمّة “متسلّلين” كثر و”متسلّقين” عدّة ركبوا موجة الحراك الشريفة تحقيقًا لمكاسب شخصية رخيصة أو تنفيذًا لمخطّطات خارجية خطيرة تستهدف إحداث البلبلة والفتنة والتخريب وهذا برمّته يتعارض مع مصالح الشعب اللبناني ويتهدّد أمنه ومصيره.
– التحدّي المتمثّل في أن يعزّز رئيس الحكومة الإنطباع بأنّه لا يحمل أجندة خفيّة ضدّ أحد، وبأنّه- بما ينسجم مع الميثاقية- خير ممثّلٍ لطائفته ولآمالها على مستوى السعي إلى خدمة الشعب كلّ الشعب وإنقاذ الوطن وحِفْظ اتفاق الطائف… هذا مع الإستعداد للمضيّ في مشروع إدخال تعديلات على هذا الإتفاق إذا ما استدعت ذلك المصلحة الوطنية العليا، وبأنّه يتطلّع إلى أحسن العلاقات مع أشقّاء لبنان وأصدقاءه سعيًا إلى تأمين عونهم ودعمهم إلاّ أنّه لن يتردّد مع الحكومة في البحث عن خيارات أخرى إذا ما بقيت آذان البعض صمّاء وقلوبهم موصدة والسبل بفعلهم مسدودة ونوايا التطويع والتركيع معقودة.
– التحدّي المتمثّل في أن يعمد كلّ وزير من وزراء هذه الحكومة إلى إحاطة نفسه بفريق عمل من الأكفّاء النزيهين المخلصين للوطن يرفدوه باقتراحات ومشاريع تتوخّى المصلحة العامة.
– التحدّي المتمثّل في أن يتصرّف عديد هذه الحكومة على أساس أنّهم لا يسعون إلاّ للإشتراك في عملية إنقاذ بالتعاون مع مختلف القوى والأطياف، وألّا يتوجّسوا من جهات ارتأت أن تبقى خارج الحكومة لأنّه بقدر ما هو مطلوبٌ أن نكون أمام حكومة متجانسة ومدعومة من القوى السياسية ومن الوجدان الشعبي، فإنّه مطلوبٌ أيضًا أن يكون ثمّة معارضة موجودة لكي تراقب وتوجّه النقد الموضوعي وتُسهم من ثمّ في إبقاء الأمور في نصابها السليم.
– التحدّي المتمثّل في أن يكون للحكومة برنامج عمل إنقاذي يكون واضحًا لجهة ترتيب الأولويّات، وحازمًا لجهة مكافحة الفساد واسترداد المال العام المنهوب ومنع الإحتكار واستعادة الثقة بمنطق دولة المؤسّسات ومنطق حكم القانون والقضاء الفعّال والمنتج والعادل، ورؤيويًّا لجهة الخطط الواجبة التطبيق فورًا وعلى المدى المتوسّط تحقيقًا للتعامل مع العجز في المالية العامّة، ولإيجاد حلول فورية ثمّ جذرية أيْ مستديمة لأزمات المحروقات والكهرباء ومقوّمات الإستشفاء والدواء ولحماية البيئة والغذاء، ولحماية الثروة النفطية والشروع في الإستفادة منها، ولتمكين المودعين من استعادة أموالهم، ولتشجيع المستثمرين، ولرعاية شؤون المغتربين، ولإجراء ما يلزم لمنع انهيار القطاعين الطبّي والتربوي وبثّ الروح من جديد في القطاعات المصرفية والصناعية والسياحية وسائر مرافق الدولة ومنها مرفأ بيروت، ولإنعاش القطاع الزراعي وتسويق الإنتاج خارجيًا وحمايته داخليًا والإلتفات الفعلي إلى الجانبين الإجتماعي والمعيشي والتعامل مع تحديّاتهما لجهة الفقر والبطالة والتفلّت الأخلاقي والأمني وآفّة المخدّرات التي تنهش نهشًا في جسد الجيل الصاعد وروحه وتتهدّد فعليًا حياته ومستقبله ومستقبل البلد، وتعزيز ثقافة الوحدة بين اللبنانيين على مستوى الآلام والمعاناة والآمال والتطلّعات، وأخيرًا وليس آخرًا ضمان إجراء الإنتخابات على نحوٍ يخدم المصلحة الوطنية العليا ويضمن صحّة التمثيل.
– التحدّي المتمثّل في الحرص على “عدم تضييع البوصلة” وفي أن تبقى العين على العدوّ وخطره وأطماعه وعلى مشاريع التوطين التي تقضُّ مضاجع جميع اللبنانيين مقيمين ومغتربين، وهذا كلّه يستدعي التسليم بأنّ “قوّة لبنان هي في قوّته”، كما يستتبع رفد المؤسّسة العسكرية بكلّ ما يلزم تثبيتًا لرفعتها وزيادةً لفعاليتها، وحفظ المقاومة التي أثبتت التجارب مع العدّوين الصهيوني والتكفيري أنّها الدرع الحصينة والضامنة مع الجيش اللبناني لأمن الوطن والحامية وإيّاه لشعبه وأرضه وثرواته.
هذه التحديّات تمثّل القسم الأكبر من تطلعّات كلّ لبناني مخلص يرنو إلى زوال المحن وحماية الوطن… وهي للحكومة العتيدة موادٌ في امتحان… وعند الإمتحان يُكرم المرء بفضل جهوده وتيسّر الظروف وحُسْنُ النوايا… أو يُهان.
“محكمة” – السبت في 2021/9/11

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!