أبرز الأخبارمقالات

خاص “محكمة”:تعليـق على القانون رقم 2018/81 المتأخّر والمتعلّق بالمعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي.. Droit en retard/ هادي خليفة

المحامي هـادي خليفـة:
Le droit est la science des Lois (M.P. Fabreguettes)
أقرّ مجلس النوّاب اللبناني تحت مفهوم تشريع الضرورة وهو مفهوم هجين، القانون المتعلّق بالمعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي والذي أصدره رئيس الجمهورية بعد أن وقّعه رئيس الحكومة ليس بصفته رئيساً لحكومة تصريف الأعمال، وتمّ نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 18/10/2018- العدد -45- والذي قضى بأنّ أحكامه تسري بعد مرور ثلاثة أشهر على نشره.
صدر هذا القانون … المتأخّر بصورة غير متناسبة مع عنوانه، إذ تضمّن في أبوابه وفصوله العديد من النصوص التي لها علاقة بقوانين أخرى ومنها قانون أصول المحاكمات المدنية وقانون التجارة وقانون العقوبات، كما تطرّق إلى البطاقات المصرفية في حال تزويرها أو تقليدها وسنأتي على تفصيلها في معرض هذا التعليق، وإنّ ما يستحضرنا في معرض هذا القانون المتأخّر القرار رقم 2017/5 الصادر عن المجلس الدستوري (منشور ج.ر.45)- الذي أرشد المشترع حول أصول التشريع، هذا فضلاً عن أنّ المشترع الفرنسي كان أصدر بتاريخ 1978/1/6 القانون رقم 78-17 المعروف بإسم: loi informatique et libertés (LIL) – الذي يرعى فيه الحماية القانونية للأفراد في عالم المعلوماتية والذي تمّ تعديل بعض أحكامه بتاريـخ 2016/4/27 إستناداً الى النظام الذي أصدره البرلمان الأوروبي المتعلّق بحماية البيانات ذات الطابع الشخصي – (RGPD) رقم: 2016/679 والذي ارتكز في تعديلاته على تعزيز المبادىء الجوهرية التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – Déclaration universelle des droits de l’homme – لاسيّما المادة 3 منه التي تناولت حرّية الأشخاص في حياتهم الخاصة بعد أن سبق للمشترع الفرنسي أن كرّس تلك المبادىء في القانون الصادر في العام 1978، واقتصر كلّ منهما على رعاية وتنظيم وحماية الحقوق العائدة لكلّ شخص طبيعي أو معنوي عند استعماله عالم المعلوماتية الذي تطوّر بشكلٍ مذهل، ولم يخرج أيّ منهما عن نطاق صيانة تلك الحقوق ولم يرد في أيّ منهما أيّة نصوص لها علاقة بقوانين أخرى ودمجها بهما حرصاً على مظهرهما المنسجم مع مضمونهما ومدلولهما- concept ، ومن باب التأكيد على دور دولة القانون Etat de Droit في الدول التي تتبع الديمقراطية كنظام سياسي لها.
لا شكّ بأنّ القانون رقم 2018/81 … المتأخّر كان أكثر من حاجة لإقراره في لبنان كون حفظ حقوق الأفراد في عالم المعلوماتية تجاذبتها الأفكار التي كانت في العديد منها أفكاراً متنافرة، وهو صدر في مرحلة معاكسة للمفاهيم التي ترعى القواعد القانونية، فالقاعدة القانونية كما يقول العلامة G.Ripert تصبح مع الوقت قاعدة من قواعد الحياة la règle de droit devient avec le temps règle de vie – بعد أن أصبحت حياة الأفراد ملتصقة وفي جميع الميادين بعالم المعلوماتية والذي أسهم بشكلٍ فعّال في توسيع عالم المعرفة بعد أن ضيّق الحدود بين الناس.
صدر القانون … المتأخّر ووردت في العديد من نصوصه مواد قانونية ليس لها علاقة بموضوعه الأساسي والجوهري المتعلّق بعدم المسّ بهوية وحقوق وحرّية أيّ شخص يستعمل تكنولوجيا المعلومات وعدم التعرّض لحياته الشخصية في معرض استعماله لها، وأدخل نصوصاً قانونية لها علاقة في تجارة العقود الإلكترونية ومدى القوّة الثبوتية التي يتمتّع بها السند الإلكتروني الخطّي وحماية الكتابة الإلكترونية والخدمات المصرفية والمالية الإلكترونية والبطاقات المصرفية والنقود الرقمية ومقدّمي الخدمات التقنية ومواقع وأسماء شبكة الإنترنت، وأورد في الفصل الخامس من الباب الخامس أحكاماً جزائية وتطرّق في الباب السادس منه إلى الجرائم المتعلّقة بالأنظمة والبيانات المعلوماتية وتعديلاً على قانون العقوبات (المادتين 535 و536) المتعلّق باستغلال القاصرين، كما أورد أصولاً وإجراءات في كيفية الملاحقة والتدابير التي للنيابة العامة حقّ اتخاذها بدون التفريق بين النيابة العامة المالية أوالإستئنافية، كما تناول التزوير الإلكتروني، وعدّل في الباب السابع منه القانون رقم 2005/659 المتعلّق بحماية المستهلك، وورد في أحكامه الختامية فرض ضرائب في الأعمال التجارية الإلكترونية.
وكان الأجدى بالمشترع ومن باب المحافظة على سلامة التشريع، وانسجاماً مع ما أورده المجلس الدستوري في قراره رقم 2017/5 لجهة عدم إفساح المجال للإستنسابية في تطبيق القانون التي تسيء إلى العدالة والمساواة بين المواطنين بعدم دمج هذا الكمّ من المواد في القانون موضوع التعليق ووضعها في الموقع المناسب لها في كلّ قانون له صلة بها كون القوانين يجب تطبيقها وتفسيرها بصورة تنسجم مع المبادىء القانونية التي تقوم عليها نظراً لاستقلالية تلك المبادىء عن بعضها البعض، ونشير على سبيل المثال، فإنّ المبادىء القانونية التي يرعاها قانون العقوبات تختلف بجوهرها عن تلك المتعلّقة بقانون التجارة أو بقانون النقد والتسليف، وهكذا يصبح بإمكان رجال القانون كلّ في نطاق عمله أو اختصاصه التمعّن في القانون الذي يريد الإستناد إليه عند مقاربته لأيّ موضوع قانوني عوضاً عن البحث في النصوص القانونية المبعثرة، ويكون بالتالي حُفظ للقانون … المتأخّر وهجه الذي لا يمكن عزله عن نطاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الملتزم به لبنان والمنصوص عنه صراحة في مقدّمة الدستور.
وأخيراً فإنّني أستشهد بما قاله Montaigne:
Ceci n’est pas ma doctrine, c’est mon étude.
(نشر في النسخة الورقية من مجلّة “محكمة” – العدد 35 – تشرين الثاني 2018)
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!