أبحاث ودراسات

جرائم صدرت فيها أحكام.. وأخرى تنتظر ملامح متهم.. إمتيازات للمحقّقين العدليين على ملفّات “فارغة” بمعظمها/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
خلافاً للمعيار الموضوع من مجلس القضاء الأعلى منذ سنوات خلت، ودرجت عليه كلّ المجالس المتعاقبة بأن يكون المحقّق العدلي من الدرجة الثامنة وما فوق، نظراً لأهمّية امتلاك حاملها ثقافةً وتجربةً وحكمةً وحنكةً في إرساء العدالة الحقيقية، عيّن وزير العدل السابق اللواء المتقاعد أشرف ريفي، مستشاره القانوني القاضي محمّد صعب محقّقاً عدلياً في جريمة اغتيال رفيقه في “تيّار المستقبل” الوزير الأسبق محمّد شطح، فيما درجته، وهي السادسة، لا تسمح له بذلك على الإطلاق.
وأثار قرار ريفي استغراب القضاة بمختلف طوائفهم وآرائهم، خصوصاً وأنّه لم يسبق لأيّ من وزراء العدل المتتاليين، ومعظمهم محامون وقضاة وحَمَلَةُ شهادات في الحقوق، أيّ من أهل الاختصاص، أن قام بهذا الفعل الذي يمكن أن يؤثّر سلباً على مسار التحقيق في هذه القضيّة المرتبطة بأمن الوطن والمواطن.
ثغرة تشريعية
ولا يوجد نصّ قانوني في قانون تنظيم القضاء العدلي، يمكن الاستناد إليه، أو التعويل عليه في تحديد درجة المحقّق العدلي، كما هو معمول في توزيع القضاة على المراكز بين عضو بداية، وقاض منفرد، وقاضي تحقيق، ومستشار في الاستئناف، ورئيس محكمة استئناف، ورئيس محكمة تمييز بحسب درجاتهم، وذلك في ثغرة تشريعية واضحة تحتاج إلى إقفالها بالتي هي أحسن، للحؤول دون النفاذ منها.
وقد ارتأى أهل”البيت القضائي”، وهم بالمناسبة، من كبار قضاة لبنان، في ظلّ انتفاء النصّ، اعتماد الدرجة الثامنة وما فوق، لتسليم القاضي ملفّات متعلّقة بأمن الدولة ومحالة على المجلس العدلي، لكي يكون مُلمّاً بشؤون التحقيق إلى حدّ الاختصاص والابتكار، وعلى دراية كاملة بأصول التحقيق الجزائي وحيثياته وتفاصيله، ومكتسباً لخبرات طويلة في معرفة التحقيق الجنائي، وسبق له أن خَبِرَ التحقيق في الدعاوى الجنائية الأخرى التي هي على تماس مباشر مع حياة الناس ومصالحهم وأرزاقهم ومنها على سبيل المثال لا الحصر، القتل، والارهاب، والسطو المسلّح.
وأكثر من ذلك، يرى قضاة أنّ أيّ قاض سواء تخرّج في معهد الدروس القضائية، أو أُوتي به من صفوف المحامين والضبّاط العسكريين والموظّفين الحائزين على شهادة إجازة في الحقوق، يحتاج إلى خمس سنوات على الأقلّ بعد تعيينه في أيّ مركز في العدلية كعضو في محاكم البداية، أو قاض منفرد، لكي ينخرط تماماً في أجواء العمل والملفّات، ولكي يُتْقن طريقة مواجهة المحامين ومرافعاتهم ولوائحهم، ويفهم لغات المماطلة والتأجيل والعراقيل التي قد يصادفها في دربه ويسترسل المحامون في اتباعها، ويكتسب قدرة فائقة على قيادة الدعاوى إلى برّ الأمان والفصل فيها، إنفاذاً لمبدأ إحقاق الحقّ المقدّس.
مجلس القضاء والاقتراح الصعب
ويبدو أنّ مجلس القضاء نزل عند تمنّي ريفي بالموافقة على اقتراحه بتعيين صعب من دون وجود مسوّغات منطقية، ومن دون تقديم أسباب وجيهة لهذا التراجع عن معيار الخبرة المعتمد، ولذلك يَسْأَلُ قضاة لماذا خالف مجلس القضاء المعيار الأفضل لتحقيق العدالة، وهو الساهر إدارياً على مواظبة القضاة على إيصال الحقّ إلى أصحابه وتبيان العدالة في أرقى تجلّياتها القانونية؟، وكيف يقبل مجلس القضاء بأن يفرض عليه وزير العدل العسكريُّ المتقاعد، قاضياً من خارج دائرة المختصين جنائياً والذين لديهم باع طويل في هذا المجال، وفي هذا الفنّ القائم بذاته؟ ومن يتحمّل مسؤولية أيّ تقصير في المستقبل في حال حصوله؟ ولماذا أراد المجلس أن يكسر قراره ليجعل منه أسبقية؟ وهل نرى في الغد، محقّقاً عدلياً مُخْتاراً من بين صفوف قضاة المعهد؟!.
وجرت العادة أن يتفق وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى مسبقاً على اسم القاضي المطروح ليكون محقّقاً عدلياً، تمهيداً للتبشير به بموجب قرار رسمي يحمل توقيع وزير العدل، على أنّ الآلية تقتضي في البدء إعداد كتاب وزاري بهذا الخصوص يرسل إلى المجلس ليس لأخذ العلم كما يعتقد البعض، بل للوقوف على رأيه ونيل موافقته و”بركته” حتّى ولو كان هناك اتفاق ضمني بين هذين الطرفين في مرحلة سابقة على مسألة التعيين.
وإذا رفض المجلس الاسم المقترح، طلب تغييره واستبداله باسم آخر، وهو لم يحدث في الماضي، بحكم الاتفاق المسبق، ولكنْ إذا أصرّ وزير العدل على الاسم المرفوع منه، فإنّ كلمته تنفّذ على الفور وبلا مواربة، وهو لم يحصل في الماضي أيضاً، وهذا يعني أنّ تعيين القاضي صعب تداول به ريفي مع رئيس مجلس القضاء جان فهد على أقلّ تقدير، ممهّداً الطريق للسير به وتعيينه وهو ما حصل بالفعل، على الرغم من معرفة مجلس القضاء بكامل أعضائه بأنّ تعيينه هو خرق للمعيار الذي صار عُرْفاً متبعاً، وإلاّ لكانت مجالس القضاء السابقة قد سحبت إلزامية وجود الدرجة الثامنة وما فوق، لدى القاضي المطروح كمحقّق عدلي.
سجّل صعب القضائي
والقاضي محمّد مرعي صعب( مواليد شبعا في 20 شباط 1979) دخل إلى الجسم القضائي في 23 أيلول 2004، وأصبح قاضياً أصيلاً في 13 أيلول 2007، وهو في الدرجة السابعة التي نالها في 13 كانون الأوّل 2015، بينها درجة نالها فور تخرّجه من معهد الدروس القضائية، وانتظر سنتين مع رفاق دورته القضاة، متنقلّين بين محكمة ودائرة تحقيق، من دون أن يحقّ لهم توقيع أيّ قرار يكتبونه، أو توقيع أيّ محضر تحقيق، أو محاكمة، لعدم إجراء تشكيلات قضائية شاملة أو مناقلات جزئية بين المرسومين الصادرين في العامين 2004 و2009، وتحديداً في عهد الوزير شارل رزق الذي استمرّ بين العامين 2005 و2008.
واستلم صعب مركزاً واحداً بمحاكم مختلفة ومسؤوليات متنوّعة، فهو قاض منفرد بالوكالة في طرابلس بموجب مرسوم التشكيلات الرقم 1465 الصادر في 6 آذار 2009، وعبارة “بالوكالة” تعني أنّ درجة صعب آنذاك لم تكن تمكّنه من استلام منصبه بالأصالة، غير أنّ العناية السياسية التي طاولت زملاء له في الجسم القضائي لم تكن درجاتهم تُعينهم في أن يكونوا في مراكزهم بالأصالة وإنّما بالوكالة، شملته بحنانها أيضاً.
ونظر صعب في دعاوى جنحية بسيطة، ودعاوى السير والتنفيذ، وأُبْقي في المركز نفسه، ولكن من دون”بالوكالة” هذه المرّة، في مرسوم التشكيلات الرقم 5079 الصادر في الأوّل من تشرين الأوّل 2010.
وعندما سهّلت السياسة وصول ريفي إلى سدّة وزارة العدل في حكومة الرئيس تمام سلام في العام 2014، وهو البعيد عن الممارسة الحقوقية الفعلية مثل القضاة والمحامين وحاملي شهادات الحقوق، وضع القاضي صعب مستشاراً له بناء لنصيحة قانونيين مقرّبين من فريقه السياسي، وهكذا كان فصار صعب لسان ريفي لدى القضاة يتصل بهم ويكلّمهم باسمه ويوصي بهذا وذاك نزولاً عند طلب ريفي كما صرّح جهاراً بذلك القضاة أنفسهم في غير مجلس ومناسبة.
ويسأل قضاة أين هي الخبرة الطويلة الأمد التي يمتلكها صعب لكي يكون محقّقاً عدلياً؟ وأين هو المراس الذي يؤهّله لكي يضع يده على جريمة اغتيال في بلد ذاق الويلات من الاغتيالات السياسية وردّات الفعل عليها في الطرقات وعلى شاشات التلفزيونات؟، وما هي الدعاوى المهمّة التي نظر فيها منذ أن بدأ وظيفته، واكتسب منها حنكة تؤهّله لاستلام هكذا نوع من الملفّات؟ فهل دعاوى السير والتنفيذ تجعل الشخص محقّقاً عدلياً ناجحاً؟ وهل دعاوى التضارب والتدافع والتشطيب بسكّين ترفع من قيمته القانونية وتصقل خبرته بحيث يصبح قادراً على الفصل بسرعة قياسية في دعاوى جنائية تدخل في نطاق الإرهاب؟!.
وأكثر من ذلك، فجريمة اغتيال شطح لا يوجد فيها مدعى عليه ولا موقوف واحد، بعكس بقيّة الملفّات التي عَيَّن فيها ريفي محقّقين عدليين مثل تفجير مسجدي “التقوى والسلام” في طرابلس في 19 تشرين الثاني 2013، حيث سبق لقاضي التحقيق العسكري الأوّل رياض أبو غيدا أن أصدر قراره الاتهامي بحقّ المدعى عليهم الموقوفين والمتوارين عن الأنظار، فهذا يعني أنّ المهمّة الملقاة على عاتق قاض صغير في السنّ ولم تنضج خبرته كفاية، صعبة وشائكة، حتّى ولو كان ذكياً ومجتهداً، وهو حال صعب كما يصفه عارفوه من القضاة. وعلى الرغم من هذا كلّه، صار صعب الأصغر درجةً وسنّاً بين سائر المحقّقين العدليين في تاريخ القضاء اللبناني، وكان باستطاعة ريفي أن يراسل المسؤولين عن موسوعة “غينيس”(Guinness) للأرقام القياسية لكي ينشروا اسم مرشّحه صعب في أيّة نسخة منقّحة ومَزيدَة في المستقبل.
إمتيازات
على أنّ كلّ هذه الأسئلة المشروعة والمتداولة في الغرف المغلقة في العدلية، وفي جلسات القضاة الأكبر سنّاً والأعلى درجة والأكثر تجربة، تذوب بمجرّد أن يدرك المرء أنّ هناك جملة إمتيازات موضوعة بتصرّف المحقّق العدلي ويظفر بها بعكس القضاة الآخرين بمن فيهم المستشارون في محاكم الجنايات، وفي محاكم التمييز الجزائية، على الرغم من أنّهم معرّضون لذات المخاطر، نتيجة النظر في جرائم حسّاسة مماثلة، ولا تقلّ خطورة عن الاغتيال السياسي، أو الاعتداء على أمن الدولة الداخلي.
نفقات الهاتف على حساب المواطن
ففور حصوله على صفة محقّق عدلي، يُلْحق بالقاضي المحظي، مرافق شخصي عسكري من جهاز أمن الدولة، وقد يرفع العدد إلى إثنين أو ثلاثة ويتوزّعون عندئذٍ على قوى الأمن الداخلي والشرطة العسكرية، ويُقدّم له هاتف رباعي يستطيع أن يُجري عبره 16 ساعة تخابر خليوية مجانية، على حساب الدولة، وبالتالي تُدْفع نفقاته من جيب المواطن، ويتلقّى أجراً شهرياً مقداره ثلاثماية ألف ليرة بعدما كان هذا العمل يعتبر من ضمن مهامه ووظيفته الأساسية ولا يتقاضى عليه شيئاً، إضافة إلى راتبه الشهري الأساسي المُحقّ له، حتّى ولو لم يخطّ حرفاً واحداً في القضيّة المكلّف بها، وهو أمر حصل مع محقّقين عدليين إكتفوا بتأسيس الملفّ، أيّ بإنشاء محضر تأسيسي يُدوّن فيه الجرم ورقم الدعوى، والادعاء الشخصي وأسماء المدعى عليهم في حال وجودهم، أمّا إذا كان المدعى عليه مجهولاً، وهو في أغلبية الملفّات على هذه الشاكلة، فيغطّ الملفّ في نوم عميق بانتظار إلقاء الأجهزة الأمنية الرسمية، القبض على الفاعل، أو على أحد الجناة الفعليين لا الوهميين. وقد تنام الملفّات بناء على رغبات سياسية مع تقلّب العهود والحكومات والمصالح، وهو ما تنمّ عنه أدراج بعض المحقّقين العدليين.
“تنفيعات” و”جمهرة ملفّات”
وبناءً عليه، يُستشفُّ من مسلسل تعيينات المحقّقين العدليين وجود “تنفيعات” على ما يصف قضاة لم تسعفهم حظوظهم في نيل هذه النعمة والمكرمة. وإذا كان صعب يملك ملفّاً واحداً، وهو بعدُ في أوّل الطريق، فهنالك قضاة لديهم أكثر من ملفّ، أو بالأحرى “جمهرة ملفّات”، وبالتالي إستفادة مالية أكبر، من دون أن تحرز معظم الملفّات، أيّ تقدّم ملحوظ على طريق معرفة الحقيقة، مع الإشارة إلى أنّ المبلغ المعطى للمحقّق العدلي “حديث الولادة” منذ عهد الوزير إبراهيم نجّار الذي استمرّ بين العامين 2008 و2011، ولم يتمكّن أيّ وزير قبله من إدراجه على مفكّرة الوجود ليبصر النور، وليكون حافزاً على زيادة العطاء بدرجة أكبر.
وإذا كان مقبولاً وجود هواتف رباعية مع قضاة التحقيق والنيابات العامة التمييزية، والاستئنافية، والمالية، والعسكرية، بحكم ضرورات العمل اليومي ومتابعة عمليات المخافر والمفارز والفصائل والشرطة العسكرية والضابطة العدلية، والجرائم المشهودة في حال وقوعها خلال المناوبات اليومية بين القضاة، إلاّ أنّه كيف يفسّر إعطاء هواتف رباعية لمحقّقين عدليين لا يذكرون أنّ لديهم ملفّات تحقيق عدلي إلاّ عند استلام الأجر المحدّد لهم، وذلك بسبب خلّوها من موقوفين، وعدم وجود رغبة سياسية في المُضي في بعضها، حتّى النهاية؟.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الهواتف الخليوية الثابتة الخاصة برئيس مجلس القضاء الأعلى الذي لم يكن في السابق ضمن لائحة القضاة الممنوحين هاتفاً رباعياً، والمدعين والمحامين العامين التمييزيين والاستئنافيين والماليين والعسكريين، وقضاة التحقيق الأُوَل في كلّ المحافظات، هي على نفقة الدولة أيضاً.
“طفرة” في التعيينات
ولم يسبق للبنان أن شهد “طفرة” في تعيين محقّقين عدليين كما حصل منذ العام 2005، في ظلّ الزحمة الشديدة الاختناق على خطّ الاغتيالات والتفجيرات والعمليات الإرهابية التي وقعت، واتضح بأنّ قسماً منها يقف وراءه تنظيم” فتح الإسلام” كما دلّ التحقيق في قضايا تفجير عين علق، والاشتباكات في مخيّم نهر البارد، واستهداف الجيش اللبناني في شارعي المصارف والبحصاص في طرابلس.
وباستثناء توقيف أشخاص من هذا التنظيم التابع لتنظيم “القاعدة”، فإنّ أيّاً من الملفّات الإرهابية الأخرى لم يتمّ توقيف أحد فيها، أو يتمكّن المحقّقون من التوصّل إلى معرفة هوّيات الفاعلين، أو الإمساك بخيوط قد تقود إليهم، أو تدلّ عليهم، بينما جرى العكس تقريباً في الدعاوى المتصلة بأمن الدولة الداخلي والتي تشتمّ منها رائحة طائفية أو مذهبية، أو خلاف سياسي محلّي على غرار جريمة مقتل الفتى زيّاد غندور والشاب زيّاد قبلان في نيسان 2007، ومقتل المسؤولين الكتائبيَيْن في زحلة نصري ماروني وسليم عاصي في 20 نيسان 2008، وجريمة بتدعي في قضاء بعلبك في شهر تشرين الثاني 2014، والتي ذهب ضحيتها الزوجان صبحي ونديمة فخري، فتمّت توقيفات جزئية.
وهذا الأمر لا يحصل للمرّة الأولى في مسيرة المجلس العدلي كما سعى بعضهم إلى الترويج خطأ، ذلك أنّ هناك دعاوى كثيرة موضّبة في أدراج المجلس العدلي ولم يصدر أيّ حكم فيها، على الرغم من توالي حشد من القضاة الكبار على ترؤس هذا المجلس، فضلاً عن مستشارين برمّتهم هم رؤساء لغرف في محكمة التمييز، أو مستشارين فيها.
رقم قياسي للوزير رزق
وبات وزير العدل الأسبق شارل رزق يحمل الرقم القياسي بين وزراء العدل في إصدار قرارات تعيين قضاة كمحقّقين عدليين، ويأمل اللبنانيون ألاّ يحطّم أحد هذا الرقم خوفاً منهم على وطنهم من الضياع في مهبّ الجرائم المجهولة الفاعل، وطبعاً لئلاّ تتكرّر التفجيرات والاغتيالات.
وكان الوزير رزق الأسرع بين أقرانه في اللجوء إلى التحقيق العدلي إنسجاماً مع رغبات مجلس الوزراء، وذلك في محاولة للتصدّي للجرائم المقترفة قدر المستطاع والتخفيف من وقعها على الشارع اللبناني، مع العلم أنّ المحاكمات أمام المجلس العدلي تكون بطيئة وتأخذ وقتاً طويلاً نسبياً، لأنّها تقام على درجة واحدة، ويُخشى من وقوع ظلم أو تجنّ بحقّ أحد المتهمّين، فيحاكم بما لم تقترفه يداه، كما حدث مع الفلسطيني يوسف محمود شعبان الذي سُجن زوراً في قضيّة اغتيال الدبلوماسي الأردني نائب عمران المعايطة في بيروت في العام 1994، على يد التنظيم الثوري الفلسطيني( جماعة أبو نضال) وبعقوبة الأشغال الشاقة المؤبّدة بعد تخفيفها من الإعدام، ليتضح لاحقاً أنّه ليس الشخص المعني بهذه الجريمة، وأنّ السلطات الأردنية اعتقلت الفاعلين وحاكمتهم، وأصدر قضاؤها ممثّلاً بمحكمة أمن الدولة في العاصمة عمّان، الأحكام المناسبة بحقّهم.
ولم تنفع المراجعات أمام المجلس العدلي لكي يتراجع عن حكمه الذي لا يقبل الطعن، وذلك عن طريق إعادة المحاكمة لانتفاء الأسباب الموجبة قانوناً برأي قضاة شاركوا في توقيع الحكم على شعبان، والذين وصل الأمر بهم إلى التشكيك بصحّة الحكم الصادر عن القضاء الأردني، وصولاً إلى ما اعتبرته لجنة العفو الخاص برئاسة القاضي عفيف شمس الدين وعضوية القاضيين بشارة متّى وسامي منصور في قرارها الصادر في العام 2006، أنّ” ما صدر عن القضاء الأردني، وعلى فرض أرجحيته، لا يلزم القضاء اللبناني”.
وكانت النتيجة أن تكاثرت التدخّلات السياسية بفعل ضغوطات جمعيات المجتمع المدني، مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي وقّع في العام 2009، عفواً خاصاً عن شعبان ليستعيد حرّيته.
الاختيار للسياسة
وتبدو علامات الاستنسابية في الاختيار بين المجلس العدلي والقضاء العادي، أو القضاء العسكري واضحة للعيان، وتلعب السياسة دورها المحوري في تحديد الجهة القضائية المولجة بالنظر في هذا الملفّ أو ذاك.
فعلى سبيل المثال، ملفّات العملاء والمتعاملين وشبكات التجسّس الإسرائيلية على فظاعتها وبشاعتها، تحال على المحكمة العسكرية الدائمة، مع أنّها تمسّ أمن الدولة الداخلي والخارجي ولا تقلّ شأناً عن الجرائم الإرهابية الأخرى، ولو أحيلت على المجلس العدلي لما انتهت المحاكمات منها بالوتيرة السريعة التي خطّتها المحكمة العسكرية، وخصوصاً بعد تحرير الجزء الأكبر من الجنوب والبقاع الغربي في شهر أيّار من العام 2000، حيث وصلت أعداد الموقوفين إلى المئات.
بينما لم يتمكّن المجلس العدلي من الانتهاء من المحاكمات في تفجير حافلتين لنقل الركّاب في محلّة عين علق في 13 شباط 2007، والتي حوكم فيها ثلاثة أشخاص فقط بصورة وجاهية هم: مصطفى سيو، وكمال النعسان، وياسر الشقيري، إلاّ بعد مرور ستّ سنوات على صدور القرار الاتهامي عن المحقّق العدلي القاضي رشيد مزهر، وصدر الحكم النهائي في 20 شباط 2015 حاملاً توقيع رئيس المجلس بالإنابة القاضي أنطوني عيسى الخوري والأعضاء القضاة جوزف سماحة وتيريز علاوي وناهدة خدّاج وجان مارك عويس، وقضى بعقوبة الإعدام غيابياً لرئيس تنظيم “فتح الإسلام” شاكر العبسي، والاعدام وجاهياً للموقوف سيو، والأشغال الشاقة مدّة عشرين عاماً وجاهياً للموقوف الشقيري، والأشغال الشاقة مدّة أحد عشر عاماً وجاهياً للموقوف نعسان.
الطائفية
ويتمّ اختيار القاضي لمهمّة محقّق عدلي بعد مفاتحته بالموضوع والوقوف على رأيه، ولم تكن الطائفة ضرورية في مسألة التعيين في السابق، غير أنّ الأمر تغيّر بطريقة مفاجئة، فصار المذهب والطائفية واجبين ومتلازمين مع طائفة الشخصية المستهدفة، أو الجريمة الواقعة، وهذا ما ترشح به معظم الدعاوى والملفّات التي جرى تعيين محقّقين عدليين فيها، بدءاً من العام 2006، فهل الركون إلى هذا الفعل المتعارض مع أسس العدالة، يحقّق الغاية المرجوة منه ويعطي انطباعاً بأنّ الملفّ بيد أمينة ويدفع القاضي المعني إلى الإسراع فيه، خشية إغضاب العائلة الروحية والطائفة، وحتماً الزعيم السياسي؟!.
تجريد القاضي من الحماية
وإنْ كان تعيين القاضي محقّقاً عدلياً يزيد من رصيده وخبرته وكفاءته ويلقي عليه مسؤولية أكبر بالتوازي مع هول الجريمة وضغط الرأي العام القابل لنسيانها تدريجياً، إلاّ أنّه يكسب منه مبلغاً مالياً يوازي ثلاثمائة ألف ليرة لبنانية، علماً أنّه قد يرتّب عليه مخاطر جسيمة وتهديدات أمنية، بفعل ضخامة الملفّ وخطورته وتعلّقه بالإرهاب وما يتفرّع عن ذلك من قلق وخوف وإرباك، خصوصاً بعد انتهائه من التحقيق وإصداره القرار الاتهامي وتسليم الملفّ إلى المجلس العدلي بواسطة النيابة العامة التمييزية، لأنّه يجري سحب المرافق الأمني منه.
وهذا ما حدث مع القاضي نبيل صاري الذي تلقّى سيلاً من التهديدات أبلغ بها مجلس القضاء الأعلى فلم يحرّك ساكناً، بل على العكس تماماً، أصرّ مدعي عام التمييز المتقاعد سعيد ميرزا على سحب المرافق الشخصي بعد شهر من انتهاء التحقيق في أحد الملفّين المرتبطين بتفجيري البحصاص وشارع المصارف في طرابلس، إلاّ أنّ مجلس الأمن المركزي تنبّه لقلّة مسؤولية ميرزا، وهو المعتلي سدّة المسؤولية، وأبقى على العنصر الأمني المفصول للقاضي صاري الذي كان قد أنهى تحقيقاته في مهلة ستّة شهور، وأحال الملفّ على ميرزا ليضع مطالعته في الأساس عبر أحد معاونيه من المحامين العامين التمييزيين كما هو دأبه في كلّ الملفّات التي تحتاج إلى جهد شخصي، وبدلاً من أن يعمل على تسريع مطالعته، أبقى ميرزا الملفّ نائماً لديه خمسة شهور دفعة واحدة، وهذا يدلّ على نيّته في تأخير البتّ فيه، وإطالة أمد التوقيف الاحتياطي، والأغرب من ذلك كلّه، أنّ هذين الملّفين بقيا ثلاث سنوات من دون محاكمة لدى المجلس العدلي إلى أن فُصِلَ فيهما في عهد القاضي جان فهد، وصدر الحكمان المبرمان في 5 آب من العام 2013.
طبّارة
وعيّن وزير العدل بهيج طبّارة القاضي حاتم ماضي محقّقاً عدلياً في قضيّتي محاولة اغتيال رئيس الجمهورية الأسبق كميل شمعون في العام 1987، والحوادث التي حصلت في محلّة عين بورضاي في بعلبك في 30 كانون الثاني 1998. وما لبث القاضي ماضي في 3 كانون الثاني 2005، أن اعتذر في كتاب رفعه إلى وزير العدل القاضي عدنان عضوم، عن متابعة عمله محقّقاً عدلياً بسبب التعارض الواضح بين عمله محامياً عاماً تمييزياً ومحقّقاً عدلياً، بعدما جرى تعيينه في المنصب الأوّل في مرسوم التشكيلات القضائية الرقم 13653 الصادر في 26 تشرين الثاني من العام 2004. وتجدر الإشارة إلى أنّ القاضي جورج غنطوس كان قد عيّن أوّل محقّق عدلي في حادثة عين بورضاي.
ملاحقة الضابط عون
وعيّن الوزير طبّارة، القاضي جهاد الوادي محقّقاً عدلياً لمتابعة النظر في قضيّة الاعتداء على أمن الدولة الداخلي الناجمة عن اغتصاب سلطة سياسية وقيادة عسكرية من قبل “الضابط ميشال عون وأعوانه” وما رافقها وتفرّع عنها بحسب المرسوم الرقم 656 الصادر في 19 تشرين الأوّل 1990. وقد أصدر الوادي قراراً في هذه القضيّة في 4 أيّار من العام 2005 قبل ثلاثة أيّام من عودة عون من فرنسا إلى لبنان، قضى بإسقاط دعوى الحقّ العام عنه بداعي أنّه” لم يخالف الشروط الواردة في المرسوم رقم 1637 تاريخ 13/8/1991 والرامي إلى العفو عنه، طيلة مدّة نفيه المحدّدة بخمس سنوات، ولم يتعاط أيّ نشاط سياسي، ولم يُقدم على أيّ فعل يمسّ النظام، أو أمن الدولة، أو ينال من الوحدة الوطنية”.
كما عيّن طبارة، القاضي صقر صقر محقّقاً عدلياً في قضيّة محاولة اغتيال النائب مصطفى سعد، ومحاولة قتل رئيس الجمهورية الأسبق كميل شمعون في العام 1980.
عضوم والحريري
ويوم الاثنين الواقع فيه 21 شباط من العام 2005، أصدر وزير العدل القاضي عدنان عضوم القرار رقم 128 ، والذي قضى بتعيين القاضي ميشال أبو عرّاج محقّقاً عدلياً في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما لبث أبو عرّاج أن قدّم كتاب اعتزاله عن متابعة مهامه وذلك في 23 آذار من العام “بسبب كثرة أعماله” في محكمة الجنايات التي كانت غرفة وحيدة في بيروت وورثت أعمال ثلاث غرف دفعة واحدة بعدما جرى إلغاء غرفتين آنذاك!.
عيد واللواءان السيّد والحاج
وفي 24 آذار 2005 أصدر الوزير عضوم القرار الرقم 281 والرامي إلى تعيين القاضي إلياس عيد محقّقاً عدلياً خلفاً لأبي عرّاج. وبعدما كان عيد في طريقه إلى اتخاذ قرار بإخلاء سبيل ضابطين على الأقلّ هما اللواءان جميل السيّد وعلي الحاج الموقوفان تعسفياً في جريمة اغتيال الحريري، جرى كفّ يده بتدخّل وإيعاز من المدعي العام التمييزي سعيد ميرزا لغايات محض سياسية، وقام وزير العدل شارل رزق يوم الخميس في 13 أيلول من العام 2007، بتعيين القاضي صقر صقر محقّقاً عدلياً في جريمة اغتيال الحريري.
ويوم الاثنين في 21 شباط من العام 2005، أصدر الوزير عضوم القرار الرقم 138 والذي قضى بتعيين القاضي صقر صقر محقّقاً عدلياً في محاولة اغتيال الوزير والنائب مروان حمادة في الأوّل من شهر تشرين الأوّل من العام 2004 في محلّة عين المريسة في بيروت، ورفع صقر يده عن القضيّة في العام 2011، بناء لقرار المحكمة الخاصة بلبنان كون الجريمة تدخل ضمن صلاحياتها عملاً بما تنصّ عليه الفقرة ألف من المادة 11 من قواعد الإجراءات والإثبات الخاصة بها والتي تفرض وجوب إعلان تلازم أيّ اعتداء من الاعتداءات التي شهدها لبنان بين الأوّل من تشرين الأوّل 2004( محاولة اغتيال حمادة) و12 كانون الأوّل 2005( إغتيال جبران تويني) مع اغتيال الحريري.
إغتيال حبيقة
ويوم الاثنين في 21 شباط من العام 2005، أصدر الوزير عضوم القرار الرقم 139، والذي قضى بتعيين القاضي عبد الرحيم حمود محقّقاً عدلياً في اغتيال الوزير السابق إيلي حبيقة وثلاثة من مرافقيه في 24 كانون الثاني من العام 2002 في محلّة الحازمية في جبل لبنان.
رزق
ويوم الخميس في 22 أيلول من العام 2005، عيّن وزير العدل رزق، القاضي نديم عبد الملك محقّقاً عدلياً في جريمة اغتيال رئيس الجمهورية الأسبق رينيه معوّض، وتقاعد عبد الملك في الأوّل من شهر تموز 2010، من دون أن يتطوّر الملفّ لديه بالاتجاه الصحيح طوال خمس سنوات.
كما عيّن رزق في التاريخ المذكور، القاضي طنوس مشلب محقّقاً عدلياً في قضيّة محاولة اغتيال الرئيس سليم الحصّ، والقاضي عبد الرحيم حمود محقّقاً عدلياً في قضيّة اغتيال الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي، وعاد حمود ورفع يده عن متابعة التحقيق في العام 2011، بناء لقرار المحكمة الخاصة بلبنان كون الجريمة، برأيها، تدخل ضمن اختصاصها.
وفي 18تشرين الأوّل من العام 2005، عيّن الوزير رزق القاضي عدنان بلبل محقّقاً عدلياً في قضيّة محاولة اغتيال الإعلامية مي شدياق، ولم يحقّق الملفّ أيّ تقدّم قبل أن يستقيل بلبل في شهر حزيران 2009.
ويوم الجمعة في 16 حزيران من العام 2006، عيّن الوزير رزق، القاضي جهاد الوادي محقّقاً عدلياً في جريمة اغتيال النائب والصحفي جبران تويني، وتقاعد الوادي في الأوّل من شهر تموز 2008، من دون أن يخطو التحقيق خطوة واحدة نحو الحقيقة، على الرغم من محاولة النائب مروان حمادة توجيه أصابع الاتهام نحو سوريا، وهو ما فعله لدى سماع قاضي التحقيق العسكري الأوّل رشيد مزهر الواضع يده على الجريمة المشهودة، لإفادة الصحافي غسّان تويني(1926-2012) بحضور حمادة الذي حاول فرض وجهة نظره الاتهامية على تويني الأب من دون أن يفلح على ما تردّد في “كواليس” العدلية.
وخلف الوادي القاضي جورج كرم من دون أن يفعل شيئاً، ثمّ عيّن وزير العدل شكيب قرطباوي القاضي هيلانة اسكندر محقّقاً عدلياً في شهر تشرين الثاني 2012، ولم يتقدّم الملفّ خطوة واحدة نحو معرفة الجناة.
عين العقل
وعيّن رزق القاضي مالك عبلا محقّقاً عدلياً في جريمة مقتل زيّاد غندور وزيّاد قبلان في 26 نيسان 2007، فأصدر قراراً إتهامياً أحال بموجبه المتهمّين على المحاكمة أمام المجلس العدلي الذي أصدر في 9 كانون الثاني 2015 حكماً إنتهى إلى إنزال عقوبة الإعدام غيابياً بالأشقاء المتهمّين محمّد وشحادة المعروف بعمران، وعبدالله، وعبّاس وعلي إبراهيم شمص، وحبس المتهم وسام غازي عرابي عشر سنوات وجاهياً، والمتهمّين أيمن فؤاد صفوان ومصطفى عمر الصعيدي سنتين وجاهياً، وإبطال التعقّبات عن جميع الأظنّاء.
على أنّ اللافت للنظر في هذا الحكم الموقّع من القضاة أنطوني عيسى الخوري رئيساً بالإنابة، وجوزف سماحة وبركان سعد وغسان فوّاز، وناهدة خدّاج أعضاء مستشارين، ما ورد في متنه من أنّ هذه الجريمة، على بشاعتها، لم تكن تستهدف أمن الدولة بالمعنى القانوني الدقيق لهذه العبارة، ولا إيجاد حال من الرعب في البلد، وإنّما تمّت بدافع الثأر إنطلاقاً من مفهوم شخصي عشائري بغيض لا يزال سائداً في العديد من المناطق في لبنان.
وهذا الأمر يؤكّد أنّ هناك جرائم لا تستدعي الإحالة على المجلس العدلي إذا نُظر إليها بعين العقل، لا بمنظار طائفي ومذهبي تخويفي هشّ سرعان ما يزول.
البازار السياسي
كما عيّن رزق في 2 آب 2007، القاضي شوقي الحجّار محقّقاً عدلياً في جريمة اغتيال النائب وليد عيدو في محلّة المنارة في بيروت في 13 حزيران من العام 2007، ، وعلى الرغم من أنّ هناك مسؤولين وعناصر في تنظيم “فتح الإسلام” الإرهابي اعترفوا باغتيال عيدو، وهو أمر وارد بصراحة متناهية، في متن قرارات قضائية تتسم بطابع المصداقية، إلاّ أنّ التحقيق العدلي بهذا الاغتيال لم يحقّق مع هؤلاء ولم يتوصّل إلى نتيجة، ليظلّ الملفّ مستخدماً ضمن “البازار السياسي” القائم في لبنان على حدّ توصيف متابعين من الطقم السياسي المتوافر على الساحة الداخلية.
وتقاعد القاضي الحجّار في 11 تشرين الثاني 2015 من دون أن يحقّق الملفّ لديه أيّ تقدّم يذكر على صعيد معرفة الحقيقة المرجوة.
الصدر
وفي 3 تموز من العام 2006، أصدر رزق القرار الرقم 625، والرامي إلى تعيين القاضي سميح الحاج محقّقاً عدلياً في جريمة إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمّد يعقوب والصحفي عبّاس بدر الدين. وأصدر الحاج قراره الاتهامي بحقّ الرئيس الليبي معمّر القذّافي وعدد من كبار معاونيه وأحالهم على المحاكمة أمام المجلس العدلي. وحصلت معطيات إضافية في القضيّة دفعت المجلس العدلي في العام 2013 إلى إعادة الملفّ إلى القاضي الحاج للتوسّع في التحقيق، وما لبث الأخير أن طلب إعفاءه عن إكمال مهمّته لأسباب مرضية ثمّ توفّاه الله في 31 تموز من العام 2014، فعيّن الوزير أشرف ريفي في 20 أيّار 2014، القاضي زاهر حمادة محقّقاً عدلياً في قضيّة الصدر ورفيقيه، ولا يزال المجلس العدلي ينظر في هذا الملفّ.
وفي شهر كانون الثاني من العام 2007، عيّن الوزير شارل رزق، القاضي عدنان بلبل محقّقاً عدلياً في جريمة اغتيال الوزير والنائب بيار الجميل ومرافقه سمير الشرتوني، ولم يفعل بلبل شيئاً قبل استقالته لناحية معرفة الحقيقة.
ويوم الأربعاء في 13 حزيران من العام 2007، عيّن رزق القاضي رشيد مزهر محقّقاً عدلياً في جريمة تفجير عين علق، وأصدر مزهر قراره الاتهامي، وأحال مسؤولين وعناصر من تنظيم “فتح الإسلام” على المحاكمة أمام المجلس العدلي الذي أصدر حكمه كما أسلفنا الحديث آنفاً.
أسماء القضاة الأربعة دون الجناة
وعيّن رزق القاضي مزهر محقّقاً عدلياً في قضيّة اغتيال القضاة الأربعة حسن عثمان، وعاصم أبو ضاهر، ووليد هرموش وعماد شهاب، على قوس محكمة الجنايات في صيدا في 8 حزيران من العام 1999، خلفاً للقاضي ريمون عويدات الذي توفّي في 11 حزيران من العام 2006. وعلى الرغم من أنّ هذه الجريمة المروّعة تمسّ العدالة في صميمها وتتعلّق بالقضاة الأحياء قبل الأموات الشهداء، إلاّ أنّه لم يجر توقيف أحد فيها، وما الملفّ سوى عبارة عن بضع وريقات تتضمّن بحكم المؤكّد، أسماء القضاة الشهداء دون الجناة.
وبعد تقاعد القاضي مزهر، عيّن الوزير إبراهيم نجّار القاضي بيار فرنسيس محقّقاً عدلياً في هذه الجريمة في العام 2010، ولم يتمكّن من تحقيق أيّ تقدّم ملموس في معرفة الجناة الفعليين، وإصدار القرار الاتهامي تمهيداً لمحاكمتهم ولو بصورة غيابية صوناً للدم المراق على قوس المحكمة وما تمثّله من هيبة للعدالة وتصون مكانة القضاء والقضاة في وجدان الرأي العام.
ويوم الأربعاء في 13 حزيران من العام 2007، عيّن الوزير رزق، القاضي داني شرابيه محقّقاً عدلياً في قضيّة محاولة اغتيال الوزير الياس المرّ، وعاد شرابيه ورفع يده في العام 2011، بعدما اعتبرت المحكمة الخاصة بلبنان نفسها مختصة للنظر في هذه الجريمة بحكم التلازم مع قضيّة اغتيال الحريري!.
أحداث “نهر البارد”
وأعطيت دفّة التحقيق في جريمة أحداث “نهر البارد” إلى القاضي غسّان عويدات بموجب قرار صادر عن الوزير رزق في 2 آب 2007، فاجتهد فيها حتّى أنهاها على الرغم من كثرة المدعى عليهم والمتهمّين والأظناء الموقوفين والمخلى سبيلهم والمتوارين عن الأنظار، وأصدر قراره الاتهامي في 19 تموز 2012 وهو أكبر قرار اتهامي في تاريخ التحقيق العدلي، إذ بلغ عدد صفحاته 465 صفحة “فولسكاب” ما ينمّ عن أعداد المتهمّين وجسامة الاعترافات وضخامة التحقيقات.
واستطاع المجلس العدلي بعد جلسات عديدة من الاستجوابات والمحاكمات العلنية والسرّيّة عند وجود قاصرين، أن يصدر أحكامه في هذا الملفّ في ختام العام 2015.
وفي شهر كانون الثاني من العام 2008، عيّن رزق القاضي كلود كرم محقّقاً عدلياً في جريمة اغتيال اللواء فرانسوا الحاج في محلّة بعبدا في12 كانون الأوّل من العام 2007. كما عيّن في التاريخ نفسه القاضي روكز رزق محقّقاً عدلياً في جريمة اغتيال النائب أنطوان غانم في محلّة حرج ثابت في سنّ الفيل في19 أيلول من العام 2007، ولا توجد معطيات واضحة في الملفّ الأخير، بينما هنالك مؤشّرات على أنّ لتنظيم “فتح الإسلام” والخلايا المتفرّعة عنه، ضلعاً في جريمة اغتيال الحاج على خلفية قيادته العمليات في الجيش اللبناني في أحداث “نهر البارد”.
نجّار
وفي العام 2008، عيّن وزير العدل إبراهيم نجّار، القاضي نبيل صاري محقّقاً عدلياً في التفجيرين الارهابيين اللذين استهدفا عسكريين من الجيش اللبناني في شارع المصارف ومحلّة البحصاص في طرابلس. وأصدر صاري قراره الاتهامي، كما أصدر المجلس العدلي في العام 2013 حكمه المبرم بحقّ المتهمّين الموقوفين والفارين.
كما عيّن نجّار القاضي عبد الرحيم حمود محقّقاً عدلياً في جريمة اغتيال القيادي في الحزب الديموقراطي اللبناني صالح العريضي في مسقط رأسه بلدة بيصور في قضاء عاليه في 10 أيلول 2008.
جريمة زحلة
وعيّن نجّار القاضي رفول البستاني محقّقاً عدلياً في جريمة قتل المسؤوليْن في حزب الكتائب في زحلة نصري ماروني وسليم عاصي في 20 نيسان 2008، وما لبث أنّ حلّ القاضي فادي العنيسي محقّقاً عدلياً في هذه القضيّة مكان البستاني، وأصدر في 30 حزيران 2011، قراراً إتهامياً أحال بموجبه المتهمّين الفارين الشقيقين جوزيف وطعمة إبراهيم الزوقي على المحاكمة أمام المجلس العدلي.
وعيّن الوزير نجّار، القاضي رياض أبو غيدا في شهر شباط 2009، محقّقاً عدلياً في جريمة اغتيال المونسنيور إلبير خريش في 23 نيسان من العام 1988، والقاضي علي إبراهيم محقّقاً عدلياً في دعوى متفرّعة من ملفّ اغتيال رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية ” الأحباش” الشيخ نزار الحلبي في 31 آب 1995.
وبعد أيّام قليلة من اغتيال رئيس “فرع المعلومات” في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن في محلّة الأشرفية في 19 تشرين الأوّل 2012، عيّن وزير العدل النقيب شكيب قرطباوي القاضي نبيل وهبة محقّقاً عدلياً في هذه الجريمة.
ريفي
وعيّن وزير العدل اللواء المتقاعد أشرف ريفي في 19 أيّار 2014 القاضي عماد الزين محقّقاً عدلياً في التفجيرات الأربعة التي وقعت في منطقة بئر العبد في 9 تموز 2013، ومنطقة الرويس في 15 آب 2013، ومنطقة حارة حريك في 2 كانون الثاني 2014، و21 كانون الثاني 2014 على التوالي. ولا يخفى على أحد أنّ تنظيمي “داعش” و”النصرة” التكفيريين يقفان وراء هذه الأعمال الإرهابية.
وفي التاريخ نفسه، عيّن ريفي، القاضي آلاء الخطيب محقّقاً عدلياً في التفجير الذي استهدف مسجدي “التقوى والسلام” في طرابلس في 19 تشرين الثاني 2013، وأصدر قراره الاتهامي كما أراد ريفي من حيث النتيجة باتهام سوريا ومقرّبين منها، في 2 أيلول 2016.
كما عيّن ريفي في 19 أيّار 2014، القاضي محمّد وسام المرتضى محقّقاً عدلياً في التفجيرين اللذين طاولا السفارة الإيرانية والمستشارية الثقافية الإيرانية في محلّة بئر حسن بتاريخي 19 تشرين الثاني 2013، و19 شباط 2014، والقاضي محمّد صعب محقّقاً عدلياً في جريمة اغتيال الوزير الأسبق محمّد شطح ورفاقه في منطقة “ستاركو” في العاصمة بيروت في 27 كانون الأوّل من العام 2013.
سليمان والتضارب القانوني
كما عيّن ريفي، القاضي صبوح سليمان محقّقاً عدلياً في التفجيرات الثلاثة التي وقعت في مدينة الهرمل في 16 كانون الثاني 2014، والأوّل من شباط 2014، و22 شباط 2014، علماً أنّ القاضي سليمان محام عام تمييزي ولا يحقّ له أن يكون محقّقاً عدلياً بسبب التضارب القانوني بين هاتين المسؤوليتين، فالمحامي العام التمييزي يمثّل الحقّ العام، والمحقّق العدلي هو قاضي تحقيق، ويفترض نقل الملفّ إلى قاض آخر.
وعيّن ريفي في 19 أيّار 2015، القاضي غسّان باسيل محقّقاً عدلياً في جريمة التفجير المزدوجة التي وقعت في محلّة جبل محسن في طرابلس في 10 كانون الثاني 2015، والقاضي سامي صادر محقّقاً عدلياً في جريمة بتدعي التي حدثت في 15 تشرين الثاني 2014.
القاضي والأجهزة الأمنية
تبقى إشارة أخيرة إلى أنّ القاضي ليس مسؤولاً عن ملاحقة المتهمّين ودهمهم في أماكن وجودهم واختبائهم وإلقاء القبض عليهم، فهذه المهمّة ملقاة على عاتق الأجهزة الأمنية التي تتحرّك بدافع من السلطة التنفيذية في بعض الملفّات الأمنية، وهي تبذل جهوداً جبّارة وكبيرة في بعض القضايا، وتحقّق إنجازات تستحقّ التنويه بها، وتفشل أيضاً في اصطياد المطلوبين لغايات غير واضحة، على الرغم من ظهورهم الصريح على شاشات التلفزيونات، وفي مناسبات مختلفة العناوين والاتجاهات.
(نشر في “محكمة”- العدد 13- كانون الثاني 2017) *حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!