مقالات

سياسيون يمطرون هواتف بعض القضاة باتصالات للتأثير على مجريات تحقيق/جان فهد

القاضي جان فهد*:
فخامة الرئيس، يمثل مجلس القضاء الأعلى اليوم أمامكم، ليقسم أعضاؤه غير الحكميين يمين القيام بمهامهم بكلّ أمانة وإخلاص، يمين السهر على حسن سير القضاء وكرامته واستقلاله، بعد أن سبق لأعضائه الحكميين أن أقسموا تلك اليمين يوم تولّيهم مهامهم.
إنّ هذا القسم ليس مجرّد إجراء رسمي وليس حتماً معاملة شكلية، بل يجسّد فلسفة ممارسة السلطة القضائية لأعمالها باستقلال ومسؤولية. فهو من جهة، يظهر استقلال القضاء في اختيار القضاة وتحديد القواعد الأخلاقية الواجب عليهم اتباعها وتأديب كلّ فعل يشكّل خروجاً عن سلوك القاضي الشريف؛ ومن جهة ثانية يبرز وجوب قيام القضاة بمهامهم بكلّ مسؤولية، ويشكّل مناسبة لتجديد الوكالة التي يحوزها مجلس القضاء الأعلى من فخامتكم بموجب نصّ المادة 5 من قانون القضاء العدلي، ذلك أنّ استقلال القاضي لا يعني قيامه بممارسة سلطة غير محدودة، بل تتمّ هذه الممارسة ضمن الأطر القانونية المرسومة لها.
فخامة الرئيس، لقد عبّرتم في مناسبات عدّة عن قلقكم من أن يصير جمهور الفساد في لبنان أكثر من جمهور الإصلاح؛ وإنّ بداية الحكمة، بحسب الفيلسوف كونفوشيوس هي في تسمية الأشياء باسمائها الصحيحة؛ ولقد آن الأوان لكي ينزع المواطن عن الفساد تسميات الشطارة والهدر والخدمة وتدبّر أمر الذات؛ لقد آن الأوان لكي نستبدل عبارة “ترشيد الإدارة” بعبارة “مكافحة الفساد” فيها بعزم وتصميم ومن دون كلل أو ملل، وللقضاء دور أساسي في هذا المجال.
لقد استقبل مؤخّراً أحد الموظفين المتهمين بالفساد استقبال الفاتحين في قريته بعد إخلاء سبيله، وهذا يعطي فكرة عن الجهود التي يجب بذلها لبناء ثقافة الإصلاح لدى اللبنانيين.
من أولى واجبات القاضي أن يكون مستقلاً في ممارسة عمله القضائي، إلاّ أنّه يقتضي توفير خطّ دفاع عن هذه الاستقلالية كي لا يكون مجبراً على القتال يومياً دفاعاً عنها. ولا أخفي سرّاً إن قلت أنّ الكثير من السياسيين والعاملين بالشأن العام يمطرون هواتف بعض القضاة باتصالات للتأثير على مجريات تحقيق أو محاكمة، فلا بدّ من العمل على معالجة هذه الظاهرة التي تثقل كاهل القاضي وتضعه يومياً في امتحان تجربة السقوط في لحظة ضعف.
إنّ مجلس القضاء الأعلى مستمرّ في السهر على التزام القضاة بموجب الاستقلال المفروض عليهم، وهو لا يستهين في معالجة حالات السقوط بحزم وفق ما يوجبه القانون. ونحن اليوم نمثل أمامكم للتأكيد مجدّداً على أنّنا لن نوفّر جهداً لإتمام مهامنا؛ ويزيدنا ثقة واطمئناناً باستقلالية القضاء وصواب أحكامه ما نلقاه من فخامتكم من دعم وتشجيع ورعاية، آملين أن نحقق للبنانيين ما يصبون إليه من عدل وحقّ ونزاهة”.
(ألقى رئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد هذه الكلمة خلال حفل قسم أعضاء مجلس القضاء الجدد اليمين أمام الرئيس ميشال عون)
“محكمة” – الاثنين في 2018/05/28

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!