مقالات

قرار القاضي مزهر لمصلحة المودع ضدّ المصرف جريء ولكن!/ريان ناصر

المحامي ريان ناصر:
صدر بتاريخ ٢٠١٩/١١/٢٥ قرار تحت رقم ٢٠١٩/١٩٩ عن حضرة قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أحمد مزهر، فاصلاً في نزاع قائم بين المستدعية شركة “كومرس إنترناسيونال” ش.م.ل. والمستدعى ضده “بنك بيبلوس” ش.م.ل. فرع النبطية.
ويتمحور هذا النزاع حول رفض المستدعى ضدّه دفع قيمة حساب جاري يعود للمستدعية نقداً رغم المطالبات المتكرّرة، متذرّعاً بالظروف التي تمرّ فيها البلاد وعارضاً إيفاءها قيمة المبلغ المودع بموجب شيك مصرفي مسحوب على مصرف لبنان.
ولقد خلص القرار إلى تبني مطالب المستدعية بإلزام المستدعى ضدّه “بنك بيبلوس” ش.م.ل. تنفيذ موجبه الذي التزم به ودفع قيمة الحساب العائد للدائنة المستدعية نقداً أو وفقاً للوسيلة التي ترتضيها.
يعتبر هذا القرار القضائي، بما لا يرقى إليه الشكّ، من القرارات الجريئة التي تأتي لتعيد التوازن العقدي بين المصرف وعميله، منتصراً لحقّ الزبون الدائن باستيفاء دينه من المصرف عند استحقاقه ودون منح الأخير أيّ أجل أو تعليق لالتزامه بردّ الوديعة.
وقد ارتأينا في هذا الصدد الإكتفاء بمناقشة مسألة صلاحية قاضي العجلة لاتخاذ هكذا تدبير، خاصة أنّ القرار موضوع التعليق ربط اختصاص قاضي العجلة استناداً إلى الفقرة الأولى من المادة ٥٧٩ من قانون أصول المحاكمات المدنية وهو ما نرى فيه خلطاً غير مبرّر ما بين الإختصاص العام لقاضي العجلة واختصاصه الخاص.
فالفقرة الأولى من المادة ٥٧٩ أصول محاكمات مدنية تولي قضاء العجلة صلاحية اتخاذ تدابير مستعجلة في القضايا المدنية والتجارية دون التعرّض لأصل الحقّ.
وعليه يرتبط الاختصاص العام لقاضي العجلة بشرطي العجلة وعدم التعرّض لأصل الحقّ وهو ما لا ينطبق على القضية الراهنة.
فالعجلة تتمثّل بالضرورة التي لا تحتمل التأخير وهي تنشأ عن طبيعة الحقّ المطلوب صيانته وعن الخطر الذي يتهدّده، وبالتالي هي غير ثابتة في القضيّة الراهنة التي تتعلّق بالتزام مالي مستحقّ وغير قابل لمنازعة جدّية، وهذا ما ينطبق على الاختصاص الخاص لقاضي العجلة.
وعليه كان الأصحّ لو أنّ القرار موضوع التعليق، وبعد أن تيقن من إقرار المستدعى ضدّه “بنك بيبلوس” بوجود أموال المستدعية لديه وبالقيمة التي حدّدتها بالضبط، أن يعقد اختصاص قاضي العجلة استناداً إلى الفقرة الثالثة من المادة ٥٧٩ أصول محاكمات مدنية والتي تعطيه صلاحية منح الدائن سلفة وقتية على حساب حقّه متى كان الدين غير قابل لنزاع جدّي.
فالنتيجة التي وصل إليها القرار لناحية إلزام المصرف بإعادة الوديعة المستحقّة فوراً تتوافق مع طبيعة موجبات الوديع كون الظروف الراهنة لا تشكّل بحدّ ذاتها قوّة قاهرة تعلّق التزام المصرف، غير أنّ الأساس القانون لعقد اختصاص قاضي العجلة أتى متناقضاً مع حيثيات القرار وهو ما كان بالإمكان تجنّبه لو قضى بمنح المستدعية السلفة الوقتية مع جواز بلوغ قيمتها مجموع قيمة الوديعة، على اعتبار أنّ صلاحيته الخاصة بمنحها تتشابه مع تلك التي يمارسها قاضي الأساس وتسمح له بالتالي التحقّق من مدى جدّية النزاع حول ترتّب الدين واستحقاقه.
على الرغم من كلّ ما تقدّم يبقى هذا القرار خطوة جريئة أتت لتحمي الزبون كطرف ضعيف في العقد المصرفي، وستفتح المجال أمام قرارات مشابهة تكرّس حقّ الدائن المقدّس باستيفاء دينه من المصرف عند استحقاقه.
“محكمة” – الثلاثاء في 2019/11/26
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!