أبرز الأخبارعلم وخبرميديا

لارا عبد الصمد تردّ الدفوع الشكلية لرياض سلامة: حصانتك ليست فوق القانون/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
لا تكمن أهمّية القرار الصادر عن القاضي المنفرد الجزائي في بيروت لارا عبد الصمد بردّ الدفوع الشكلية المقدّمة من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في هذا الردّ وحسب، وإنّما تتجاوزه بكثير، وذلك لما تضمّنته من أجوبة قانونية مفحمة لما أدلى به، ومن تعليل منطقي يؤكّد أنّ القضاء مهما تعرّض لاهتزازات ومساعٍ لقتل ثقة الرأي العام به من خلال التصويب على بعض الأخطاء والثغرات والإشكاليات، إلّا أنّه يبقى الداعم الرئيسي لقيام دولة القانون والمؤسّسات وللدولة القادرة والعادلة التي يتطلع الشعب إليها ويفتقدها راهنًا في ظلّ الوضع السياسي والإقتصادي والمعيشي الصعب.
ولم تكتف عبد الصمد بردّها، بالغوص في عمق الإدلاءات المقدّمة من سلامة بواسطة وكيله القانوني المحامي شوقي قازان في محاولة منه لإبعاد كأس الملاحقة المرّة عنه، بل قدّمت أجوبة مقنعة تستحقّ الإضاءة عليها وتعميمها لما لها من قيمة قانونية مهمّة في مسار ملاحقة من يعتقد أو يتوهّم أو يظنّ أنّه خارج إطار الملاحقة القضائية أو أنّه فوق القانون، أو أنّ الدعم السياسي قد ينجيه من حكم القانون. وطبعًا لتحقيق كلمة القضاء لا بدّ من قاض نزيه وصادق وليس غارقًا حتّى أذنيه في مستنقع السياسة اللبنانية الوسخة.
وليس مبالغًا القول إنّ بعض “القضاء الجالس” يبدو في أحيان عديدة أكثر حرصًا من بعض “القضاء الواقف” في وضع يده على القضيّة التي يشتمّ منها رائحة سياسية أو خروجًا على تقليد الملاحقة القضائية المطلوبة. وهذا ليس جديدًا، فثمّة قرارات في القضاء المتزن تحاكي عقل القانون وتطلعات الناس، والقانون في الأصل وضع لأجل الإنسان.
ماذا فعلت عبد الصمد حتّى استحقت هذه المقدّمة؟
لقد أكّدت هذه القاضية الشابة، بمنتهى البساطة والحزم، أنّ محاولة رياض سلامة تحصين نفسه بالسياسة من خلال القول إنّ من عيّنه في منصبه، وهو في الظاهر، مجلس الوزراء، وحده القادر على محاسبته وصولًا إلى إقالته إذا ما اقتضى الأمر هذا التصرّف وهذه العقوبة، لهو أمر يتعارض مع مبدأ فصل السلطات، فالمحاسبة تبقى حقًّا طبيعيًا للقضاء سواء اعترفت به السلطة التنفيذية أنّه سلطة أم لا، كما أنّ امتلاك الشخص حصانة معيّنة لا تعفيه من الملاحقة القضائية بغضّ النظر عمّا إذا كانت هذه الملاحقة في المطلق، صحيحة أم لا، فالكلمة الفاصلة في هذا المنحى تبقى رهن مجريات المحاكمة العلنية من استجواب وإدلاءات وأدلّة وإثباتات وتوافر أجواء العدالة الحقّة.
والحصانة ليست جواز مرور يخوّل صاحبه تجاوز القوانين، بل يحضّه على الإلتزام بها والتقيّد بمضمونها، وهي لا تعني أنّ الحائز عليها بحكم مهنته أو وظيفته لا يخضع للمحاسبة أو الملاحقة القضائية، بل على العكس من ذلك تمامًا، فهي تفرض تنفيذ القانون حتّى إذا ما تمّ تجاوزه عن قلّة انتباه أو عن سابق إصرار وترصّد، وجب الإنقياد لحكم القانون وعدم الإفلات من العقاب والمحاسبة، وإلاّ فإنّ العكس يعني تطبيق شريعة الغاب التي تختلف بمدلولاتها عن وجود الدولة بمفهومها المحافظ على كيانها الإنساني.
لذلك وجب من عبد الصمد أن تذكّر رياض سلامة بـ”أنّ أيّ حصانة مطلقة لا تشير إلى باب من أبواب المحاسبة تكون خارقة للدستور وللمواثيق الدولية المصادق عليها”، وذكّرته بأنّ القاضي والمحامي وهما المؤتمنان على إرساء القانون، يلاحقان عند اقتراف خطأ ما سواء أكان جزائيًا أو مسلكيًا وترفع الحصانة عنهما وفق آلية معيّنة لكلّ واحد منهما.
كما أنّ حصر سلامة أمر ملاحقته بالنيابة العامة المالية يعتبر خرقًا واضحًا وفاضحًا لحقّ كلّ إنسان متضرّر من اللجوء إلى القضاء وتقديم شكوى مباشرة، ويسلب الآخر حقّه في مداعاته إذا ما وجد ضرورة لذلك في معرض وقوع ضرر ما على مصالحه وأمواله.
وأعادت القاضي عبد الصمد التذكير بأنّ رياض سلامة بصفته حاكمًا لمصرف لبنان”لا يتمتّع بأيّة حصانة وفقًا لأحكام قانون النقد والتسليف والقوانين المرعية الإجراء بهذا الصدد التي لا تتضمّن أيّ نصّ يمنحه إيّاها كحاكم للمصرف”.
على أنّ المحطّة الأهمّ في ردّ عبد الصمد تتمثّل في فصلها بين النيابة العامة التمييزية وقضاء الحكم، فأيّ تعميم يصدر عن الأولى لا يكون ملزمًا للثاني الذي يمتثل لما يوجبه القانون من أحكام ونصوص تتقدّم بطبيعة الحال على التعاميم، فضلًا عن أنّه ليس من حقّ النيابة العامة التمييزية التي هي طرف في أيّ دعوى، أن توجّه تعميمًا لقضاء الحكم الذي لا يخضع لسلطتها المحصورة بالنيابات العامة التابعة لها من استئنافية ومالية وعسكرية، بل هو ينطق باسم الشعب ويصدر أحكامه باسمه فقط، وقالت عبد الصمد:”لا يجوز أن يعمّم الخصم في الدعوى على الحَكَم فيها ما يجب فعله، وإلاّ زالت استقلالية السلطة القضائية من جذورها”.
وقرّرت القاضي عبد الصمد بتّ الدفع الأوّل المثار من سلامة في الدعوى المقامة من “مجموعة الشعب يريد إصلاح النظام”، مع الأساس لناحية الوصف الجرمي، كونه يحتاج إلى استجواب في معرض المحاكمة لتبيان ما إذا كان الفعل المدعى به وهو الإختلاس قد ترافق مع أفعال قد ترمي إلى منع اكتشافه والمنصوص عليه في المادة 360 من قانون العقوبات التي تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة المؤقّتة، بينما بقيّة المواد المدعى بها جنحية، ولا يمكن تحديد حقيقة أيّ جرم إلاّ في ضوء المحاكمة.
كما قرّرت عبد الصمد ردّ سائر الدفوع الشكلية ومتابعة الدعوى من النقطة التي وصلت إليها، وحدّدت يوم الأربعاء الواقع فيه 13 تشرين الأول 2021، موعدًا لاستجواب سلامة.
“محكمة” تنشر النصّ الحرفي لقرار القاضي عبد الصمد لأهمّيته القانونية، وذلك على الشكل التالي:
باسم الشّعب اللّبناني
إنّ القاضي المنفرد الجزائي في بيروت،
لدى التدقيق،
حيث إنّ المدعى عليه يدفع بعدم الإختصاص النوعي للمحكمة كون إحدى المواد التي استندت إليها الجهة المدعية في الشكوى هي المادة 360 عقوبات وتتعلّق بالإختلاس الجنائي، وبعدم قبول الدعوى لسبب يحول دون سماعها، مدليًا بأنّه يتمتّع بالحصانة بصفته رئيس هيئة التحقيق الخاصة سندًا للمادة 12 من القانون رقم 44 تاريخ 2015/11/24، وبمخالفة أحكام المادة 61 من المرسوم الإشتراعي رقم 112 تاريخ 1959/6/12 التي توجب الاستحصال على إذن مسبق للملاحقة من قبل المرجع المختص، هذا إن اعتبر موظّفاً، وكذلك بمخالفة تعميم جانب النائب العام التمييزي رقم 117/ص/2020 الصادر في تاريخ 2020/8/4 ما يجعل بحسب أقواله الإجراءات التي تمّت منعدمة الوجود، وبانتفاء صفة ومصلحة وأهلية المدعين، مدليًا بأنّ تحريك الدعوى العامة منوط بالنيابة العامة المالية وبأنّه يخضع لأصول خاصة ومنصوص عليها لجهة تعيينه وإقالته وبالتالي محاسبته، وبعدم تحقّق أيّ ضرر شخصي ناتج عن الأفعال المشكو منها، ويدفع كذلك بكون الفعل الدعى به لا يشكّل جرمًا معاقبًا عليه قانونًا إذ إنّه مكلّف سندًا لأحكام قانون النقد والتسليف بإنفاذ وتطبيق قرارات المجلس المركزي ما يضفي الشرعية على أفعاله عملًا بأحكام المادة 185 عقوبات،
وحيث إنّ المدعين تقدّموا بمذكّرة ردًّا على مذكّرة دفوع المدعى عليه طالبين ردّها،
1- في الاختصاص النوعي:
حيث إنّ المادة 176 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تنصّ على أنّ القاضي المنفرد ينظر في الوقائع الواردة في ادعاء النيابة العامة أو الشكوى المباشرة… وهو لا يتقيّد بالوصف القانوني المعطى للفعل الجرمي المدعى به. وإذا اعتبر أنّ الجرم المدعى به يشكّل جناية فيعلن عدم اختصاصه للنظر في الدعوى.
وحيث إنّ الشكوى تضمّنت وقائع شتّى نسبها المدعون إلى المدعى عليه، وأسندوها إلى مواد عدّة، كلّها جنح باستثناء المادة 360 من قانون العقوبات التي تنصّ على تغيير الوصف إلى الجنائي إذا ما رافق الإختلاس أفعالٌ حدّدتها،
وحيث إنّ الأفعال المدعى بها تحتاج إلى استثباتها أوّلًا، للتأكّد من مدى وقوعها وصحّة إسنادها، ليتمّ الإنتقال إلى وصف الثابت منها، في حال اجتازت مرحلة الإستثبات. فلا يكون ممكنًا، منذ ما قبل انطلاق التحقيقات، وفي المرحلة الشكلية هذه، مباشرة الوصف القانوني الذي تعتبره المحكمة صحيحًا، ذلك أنّ الإسناد وما يستتبعه من وصف لاحق، يشكّلان معًا، أساس النزاع، ما يحتّم بحث هذا الدفع مع الأساس.
2- في السبب الذي يحول دون سماع الدعوى:
أ‌- في توازي الصيغ وحصر تحريك الدعوى:
وحيث إنّ المدعى عليه يسند دفعه الثاني إلى أنّه لا يعيّن ولا يقال إلاّ وفق آلية معيّنة، ما يعني أنّ المرجع الذي يقيله، وهو عينه من يعيّنه، سندًا لمبدأ توازي الصيغ وفق ما أورد في مذكّرته، هو من يحاسبه، فضلًا على أنّ ملاحقته لا تكون إلّا من النيابة العامة المالية وفق ما أوردت المادة 19 من قانون أصول المحاكمات الجزائية،
وحيث إنّ ربط التعيين والإقالة بمفهوم المحاسبة لا يستقيم البتّة، في دولة قانون قائمة على مبدأ الفصل بين السلطات مع تعاونها وتكاملها، إذ إنّ التعيين والإقالة للسلطة التنفيذية بطبيعة الحال، أمّا المحاسبة فهي حتمًا للسلطة القضائية،
وحيث إنّ تحديد صلاحية النيابة العامة المالية بموجب المادة 19 المومأ إليها، لا يعني بأيّ شكل من الأشكال تعطيل الشكوى المباشرة المنصوص عليها في القانون ذاته كحقّ لكلّ من يعتبر نفسه متضرّرًا من جرم، مطلق جرم،
ب‌- في الحصانة:
وحيث يدفع المدعى عليه أيضًا تحت البند ذاته بأنّه يتمتّع بالحصانة لأنّه رئيس هيئة التحقيق الخاصة، وذلك وفقًا للمادة 12 من القانون رقم 2015/44،
وحيث إنّ الحصانة، بمفهومها القانوني، لا تعني انعدام المحاسبة أو استحالة التقاضي. إذ إنّ مبدأ التقاضي هو مبدأ دستوري، وتنصّ عليه كلّ الشرع والمواثيق الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان، إذ إنّه معيار تمييز دولة القانون عن شرعة الغاب. وبالتالي فإنّ الحصانة تعني عدم الخضوع للطريق العادي العام للمحاسبة، وإنّما لطريق خاص يستوجب إجراءات إضافية أو يحصل أمام مرجع غير اعتيادي، فحصانة الرؤساء والوزراء تعني أنّهم يحاكمون أمام المجلس الأعلى إن كان الإرتكاب مرتبطًا بالوظيفة، وحصانة القاضي تعني أصول خاصة لمحاكمته ولا تعني عدم محاكمته، وحصانة المحامي تعني تعليق الملاحقة على إذن من النقابة خارج حالة الجرم والمشهود وهكذا… وبالتالي فإنّ أيّ حصانة مطلقة لا تشير إلى باب من أبواب المحاسبة تكون خارقة للدستور وللمواثيق الدولية المصادق عليها،
وحيث، وبغضّ النظر عن مدى دستورية النصّ وإمكانية هذه المحكمة استبعاده من عدمها، يبقى أنّ المدعين لم يشتكوا من المدعى عليه بصفته رئيسًا لهيئة التحقيق الخاصة، التي تتمحور مهامها وفقًا لأحكام القانون المومأ إليه أعلاه حول تلقّي البلاغات وطلبات المساعدة وإجراء التحقيقات في العمليات التي يشتبه بأنّها تشكّل جرائم تبييض أموال أو تمويل إرهاب، بل بصفته حاكمًا للمصرف المركزي، وهو بصفته هذه لا يتمتّع بأيّة حصانة وفقًا لأحكام قانون النقد والتسليف والقوانين المرعية الإجراء بهذا الصدد التي لا تتضمّن أيّ نصّ يمنحه إيّاها كحاكم للمصرف،
وحيث غنيٌ عن البيان بأنّه لا يمكن بأيّ شكل من الأشكال توسيع نطاق تلك الحصانة المقرّرة للمدعى عليه كرئيس هيئة التحقيق الخاصة لتشمل مهامه التي يمارسها كحاكم للمصرف، ذلك أنّ الحصانات تشكّل استثناء على القاعدة العامة ولا يجوز التوسّع في تفسيرها، ما يوجب استبعاد تطبيق نصّ المادة 12 موضوع البحث،
ج- في إذن الملاحقة:
وحيث يدلي المدعى عليه أيضًا بعدم أخذ الإذن إن اعتبر موظّفًا،
وحيث إنّ الأصل المحاسبة والتقاضي وفق الشروط العامة، والإستثناء اشتراط الإذن، ولا يقاس على الإستثناء أبدًا،
وحيث لا نصّ في قانون النقد والتسليف ولا في سواه يطلب الإذن لملاحقة حاكم المصرف المركزي، ولا إحالة إلى المادة 61 من قانون الموظّفين كي ما يجوز تطبيقه،
وحيث إنّ المدعى عليه يعيب أيضًا على المحكمة، ضمن هذا السياق، عدم تقيّدها بتعميم صادر عن جانب النائب العام التمييزي يحمل الرقم 117/ص/2020 تاريخ 2020/8/4، يحرّم عليها تعيين الجلسة قبل إحالة الأوراق إلى جانبه،
وحيث إنّ التدقيق في القانون لا يظهر أيّ صلاحية لجانب المرجع مصدر التعميم في التعميم على قضاء الحكم، الذي ينطق أحكامه وقراراته باسم الشعب اللبناني، لا بل إنّ القانون ينصّ على خلاف ذلك، مكرّسًا أنّ جانب النيابة العامة خصم في الدعوى العامة، وبالتالي فلا يجوز أن يعمّم الخصم في الدعوى على الحَكَم فيها ما يجب فعله، وإلاّ زالت استقلالية السلطة القضائية من جذورها،
وحيث، يقتضي ردّ الدفع بالسبب الذي يحول دون سماع الدعوى لكلّ ما سبق،
3- في انتفاء الصفة:
وحيث يدفع المدعى عليه بانتفاء الصفة والمصلحة وقد أشار أيضًا إلى الأهلية،
وحيث إنّ الأهلية متوافرة في المدعين ولم يثبت انعدامها لدى أيّ منهم،
وحيث إنّ المصلحة ليست من الدفوع الشكلية. وكذلك الصفة، ما لم تكن الشكوى مباشرة وفق ما هي الحال في هذه الدعوى،
وحيث إنّ المدعين لا يسندون ادعاءهم على تلاشي ودائعهم المصرفية فقط، لا بل ينسبون إلى المدعى عليه، أنّه ارتكب ما أدّى إلى انهيار قوّة مداخيلهم واضمحلال القوّة الشرائية لها، وهو ضرر يعتبرون أنّه أصابهم بشكل شخصي، إلى جانب كونه ضررًا مجتمعيًا عامًا،
وحيث إنّه لا يجوز للمدعين أن ينوبوا عن المجتمع للمطالبة بتعويض عمّا أضرّه، إذ إنّ ذلك منوط بالنيابة العامة، استئنافية كانت أو مالية، إلّا أنّه يجوز لهم أن يطالبوا بتعويضات لأنفسهم عمّا يعتبرون أنّه أضرّهم،
وحيث من الواضح من الشكوى أنّهم طالبوا بتعويضات لأنفسهم عن الأضرار التي ذكرتها المحكمة أعلاه والتي يعتبرون أنّ المدعى عليه سبّبها بأفعاله الخاطئة من وجهة نظرهم،
وحيث إنّ انعدام الصفة كدفع شكلي، يعني أنّه لا يجوز أن يطلب تعويضًا عن ضرر أصاب سوى المتضرّر بشكل بيّن، ولم يصبه هو، أو أن يكون القانون قد حصر المطالبة بالتعويض عن ضرر أصابه بشخص سواه (كوكيل التفليسة مثلًا أو مدير الشركة وإن يكن الشريك متضرّرًا وهكذا…)، ولا يعني أنّ للمحكمة أن تتأكّد، في المرحلة الشكلية، من صحّة الإدعاء وصحّة ارتكاب الأفعال أو وقوع الأضرار أو ارتباط الثانية بالأولى سببيًا، لأنّ ذلك يعني فصل الدعوى في أساسها،
وبالتالي، فإنّ ما يشرحه المدعي لناحية عدم تسبّبه بالأضرار التي يدعيها المدعون، وانحصار المسؤولية عنها بالمصارف التي تعاقدوا معها أو سواها… لا يعتبر دفعًا بعدم الصفة وفق ما هو مسوق أعلاه، ما يوجب ردّ الدفع،
4- في كون الفعل لا يشكّل جرمًا معاقبًا عليه قانونًا:
وحيث يدفع المدعى عليه أخيرًا بكون الفعل لا يشكّل جرمًا معاقبًا عليه في القانون، لأنّه كان ينفّذ مقرّرات المجلس المركزي الذي يضمّه إلى سواه، مدليًا بالمادة 185 من قانون العقوبات،
وحيث إنّ تفسير البند 4 من المادة 73 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لا يستقيم إلّا بردّها إلى موقعها من القانون الذي وردت فيه، وقد وردت بوضوح في الفصل الأوّل من الباب الرابع من القسم الثالث، وهذا الفصل بعنوان “الدفوع الشكلية”، وهي المادة الوحيدة في الفصل، وقد عدّدت في متنها سبع فئات من الدفوع الشكلية. ووصف الدفع بالشكلي يعني بالضرورة أنّ هدفه ردّ الادعاء قبل البحث في أساسه. وممّا لا خلاف عليه أنّ البحث في الوصف القانوني للأفعال المدعى بها أو في إسنادها إلى المدعى عليه بها أو في مسؤوليته عنها لا يدخل في أساس الدعوى فحسب وإنّما يشكّل كُنهَهُ والصُلبَ منه. وعليه فلا يمكن أن يُقصد بالفعل المذكور في الدفع الشكلي “بكون الفعل المدعى به لا يشكّل جرمًا معاقبًا عليه في القانون” سوى الفعل كما يحدّده الإدعاء ويسنده ويطلب ترتيب المسؤولية عنه، وذلك بغضّ النظر عن صحّة الوجود أو الوصف أو الإسناد أو الترتيب في المرحلة الشكلية، لسبب بسيط هو أنّ البحث في صحّة أيّ ممّا ذكر يجتاز بالمحكمة إلى البحث في الأساس، الأمر غير الممكن لدفع شكليّ أن يحقّقه ويبقى مع ذلك شكليًّا. وبالتالي فإنّ البحث في انضواء الفعل تحت نصّ قانوني يجرّمه، أيّ البحث عن العنصر القانوني للفعل بحسب ما قصدته الفقرة الرابعة المذكورة، ينبغي أن يتمّ إنطلاقًا من الفعل المدعى به وليس من الفعل الذي يتمسك المدعى عليه بصوابيته وبكونه شرعيًا،
وحيث إنّ الادعاء يعتبر ما ارتكبه المدعى عليه غير شرعي، ولا يعتبر أنّه مسند إلى قرارات شرعية، لا بل يعتبره في غير مكان مسؤولًا ومسيّرًا للقرارات التي يعتبرها الادعاء خاطئة وغير شرعية، ومن الطبيعي أنّ شرعية أفعال المدعى عليه أو ما استندت إليه من مسوّغات، سيكون مدار بحث أساس النزاع ومحور التحقيقات والإستجواب عند انطلاقاتها، ولا ينضوي تحت مظلّة الدفوع الشكلية.
لذلك
يقرّر:
بتّ الدفع الأوّل مع الأساس لناحية الوصف الجرمي وردّ سائر الدفوع الشكلية ومتابعة الدعوى من النقطة التي وصلت إليها، ودعوة المدعى عليه لاستجوابه في تاريخ 2021/10/13.
قرارًا صدر في بيروت في تاريخ 2021/4/14.
“محكمة” – الأربعاء في 2021/4/14
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!