مقالات

مفهوم جرم الاحتيال/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
ادان القاضي المنفرد الجزائي في المتن الرئيس منصور القاعي المدعى عليهم في الشكوى المعروضة امامه بجرم الاحتيال وقضى بحبسهم وتغريمهم والزامهم بقيمة الردود والعطل والضرر.
واورد الحكم الوقائع المتعلقة بحيازة المدعي بوكالته عن زبائنه اربعة واربعين شكاً محررة من قبل مدعى عليهما وبعض الزبائن. وان والدة احدى المدعى عليهم تدخلت عارضة حل الخلاف وانها تسلمت الشكات متعهدة بتأمين شكاً مصرفياً لصالح المدعي في صباح اليوم التالي الا انها غادرت الاراضي اللبنانية.
وقد استند الحكم الى عدة معطيات والى ما افادت به الوالدة امام المحكمة ليصل الى النتيجة التي توصل اليها.
ومما جاء في الحكم الصادر بتاريخ 2018/12/10
ثالثاً: في القانون
حيث ان المدعى عليهما م. غ. وا. ن. يطلبان في سياق دفوع شكلية اخراج المدعي الشخصي من الدعوى لثبوت عدم صفته كونه ليس بمالكٍ للشيكات موضوع النزاع.
وحيث ان حق المدعى عليه في المنازعة في صفة المدعي الشخصي منصوص عنه في المادة (70) من قانون اصول المحاكمات الجزائية الجديد الداخلة ضمن الفصل الثالث من الباب الثالث من القسم الثالث والذي يحمل بدوره عنوان “ادعاء المتضرر مباشرة من الجريمة امام قاضي التحقيق”.
وحيث ان المقصود بذلك إنما هو الحالة حيث تقام الدعوى مباشرة امام قاضي التحقيق وليس امام القاضي المنفرد الجزائي، الذي ترعى اجراءات الدفوع الشكلية امامه المادة (157) من القانون عينه اعلاه والتي تحيل بدورها على المادة (73) منه دون المادة (70) المشار اليها.
وحيث اضافة الى ما تقدم، فإن هذا الحق يعود الى المدعى عليه في الحالات التي لا تتحرك فيها دعوى الحق العام الا بإدعاء شخصي من المتضرر بخلاف الدعوى الحاضرة المسندة الى نص المادة (655) من قانون العقوبات التي لا تستوجب لتتحرك بشأنها الدعوى العامة ادعاءً شخصياً من المتضرر.
وحيث فضلاً عن كل ما تقدم، فإن الدفع بعدم صفة المدعي يختلف عن الدفع المنصوص عنه في الفقرة الثالثة من المادة (73) أ.م.ج.، اذ ان الدفع بعدم قبول الدعوى لسبب يحول دون سماعها او السير بها قبل البحث في موضوعها إنما هو وسيلة قانونية يتوسلها المدعى عليه بهدف رد الدعوى عنه لعلة عدم توافر شرطٍ او اكثر من الشروط القانونية اللازمة لسماعها دون ان يحصل اي تعرض لاساس القضية، كحالة الحصانة او الاذن المسبق قبل الملاحقة.
وحيث انه في مطلق الاحوال فإن صفة المدعي الراهن من اجل المداعاة مستمدة من واقعة كونه هو من كان حائزاً للشيكات موضوع الدعوى وهو المتضرر من فقدانها او تلفها سواء بصفة شخصية او تجاه من تعود اليه وسلمه اياها.
وحيث انه يقتضي تبعاً لما تقدم رد ما ورد في مذكرة الدفوع الشكلية المقدمة من المدعى عليهما م. غ. وا. ن. لعدم قانونيته.
وحيث ان المدعى عليهم قد احيلوا امام هذه المحكمة بموجب ادعاء جانب النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان من اجل محاكمتهم بمقتضى المادة (655) من قانون العقوبات.
وحيث من ناحية اولى فإنه من الثابت اقرار المدعى عليه و.ن.ا. لدى استجوابه من قبل هذه المحكمة بما اسند اليه بموجب مواد الادعاء، بحيث ادلى في سياق الاستجواب المذكور بصراحة ووضوح بإقدامه على اخذ الشيكات موضوع النزاع من الخزنة الكائنة في منزل المدعى عليها م.غ. بناءً على طلب هذه الاخيرة ومن ثم قام بتمزيقها وتسليمها الى وكيله (تراجع الصفحات 111 الى 118 من محضر ضبط المحاكمة).
وحيث ان المدعى عليه نفسه ادلى امام هذه المحكمة بأنه قام بفتح الخزنة حيث كانت الشيكات بواسطة المفتاح العائد لها والذي سبق وتركته المدعى عليها م.غ. في القفل الخاص به (صفحة 114 من محضر ضبط المحاكمة).
وحيث، من ناحية ثانية وبالنسبة الى المدعى عليها م.ي.غ.، فإنه من الثابت ان هذه الاخيرة قد اجرت محادثة مع المدعي من خلال الرسائل النصية بحيث جاء في المحادثة المؤرخة في 2013/9/17 “انها على يقين من ان المدعي يريد الغرض وهي اتصلت بإبنها المدعى عليه ا.ن. وسلمته الظرف كما هو” لتعود وتضيف بأنها سوف تأتي وتعطيه اياهم” وهي تقصد بذلك المدعي في سياق حديثهما عن الشيكات موضوع النزاع.
وحيث ان المدعى عليها نفسها، وفي سياق محادثة على النحو عينه المبين اعلاه بينها وبين المدعي بتاريخ 2013/8/22 ادلت بما معناه ان الشيكات موضوع النزاع موجودة في الخزنة عندها وهي تريد فرصة من اجل التأكد من ان المفتاح في لبنان ومن ثم تبين لها انه بحوزتها في الخارج ويتوجب على المدعي انتظار عودتها كونه لا يمكنها تسليم مفتاح الخزنة لاحد.
وحيث ان المدعى عليها اقرت في الرسالة عينها بأنها قالت للمدعي بأنها ستحتفظ بالشيكات في الخزنة وهو لم يمانع في ذلك، وهي “عليها الملف وتكرم عينك” كون زوجها منعها من التدخل بالموضوع عندما علم بشأنه، مؤكدة ان الملف كما هو محفوظ (تراجع المحادثات المرفقة بشكوى المدعي).
وحيث ان المدعى عليها م.غ. ادلت في سياق مراسلة اخرى مع المدعي بأنها على وعدها تجاهه بتسليمه الظرف وانها متأكدة بالتوصل الى حل غير انها لا تستطيع الاستعجال في الموضوع بسبب معارضة زوجها، مضيفة طالبة من المدعي التعاون معها من اجل الوصول الى تسوية خلاصتها ان يقبل معها بمبلغ قدره مئة وخمسة وعشرين الف دولار اميركي من اصل كل ما هو متوجب بذمة ابنتها وصهرها المدعى عليه و.ا. (تراجع المحادثات المرفقة بمحضر التحقيق الاولي المجرى بشأن الشكوى الراهنة).
وحيث ان جميع المحادثات المذكورة اعلاه، إنما حصلت بين المدعي والمدعى عليها م.غ. بعد تاريخ اصدار الشيك المصرفي بقيمة (178,800)د.أ. والموافق في 3/7/2013، الامر الذي من شأنه ان يعني بالتأكيد بأن هذا الشيك الاخير لا يمثل مخالصة نهائية بشأن جميع المبالغ المنازع عليها بين الفرقاء.
وحيث ان المدعى عليها م.غ. ادلت لدى استجوابها من قبل هذه المحكمة بأن المدعي لم يعدها بتسليمها شيكاً من المدعى عليه و. لدى قبضه للشيك بقيمة (178,800)د.ا. واضافت بأنها اودعت الشيكات في الخزنة واخبرت و. بالامر (خلافا لما سبق وصرحت به اعلاه) ولم تعد تتواصل بعدها مع المدعي مدلية تارة بتواصلها معه و. وتارة اخرى بإنقطاع التواصل بينهما، خاتمة اقوالها بإقرارها بصحة عرضها لمبلغ (125)الف دولار اميركي على المدعي من اجل حل الموضوع العالق مؤكدة ان هذا العرض جاء على سبيل المساعدة (صفحة 28 الى 32 من محضر ضبط المحاكمة).
وحيث ان المدعى عليها نفسها ادلت بأنها طلبت من ابنها المدعى عليه ا. تسليم الشيكات الى المدعي بعد علمها بالشكوى الراهنة مشيرة الى ان مفتاح الخزنة موجود في منزلها والجميع يعرف بمكانه وهو بالتالي ما دفع بالمدعى عليه و. الى اخذ الشيكات من المكان حيث كانت محفوظة، وهو ما يخالف اقوالها الواردة اعلاه (صفحة 33 من محضر ضبط المحاكمة).
وحيث ان المدعى عليها ذكرت للمرة الاولى امام هذه المحكمة واقعة وجود مفتاح ثانٍ للخزنة موجود في اسبانيان عازية افعالها واقوالها المتناقضة الى رغبتها في كسب بعض الوقت والتهرب من الحاح المدعي (صفحة 34 من المحضر عينه المذكور اعلاه).
وحيث ان المدعى عليها عادت واكدت بأنه لم يكن لديها مانع في ان يفتح اي من ولديها او صهرها الخزنة وهم يعرفون مكان مفاتيحها مضيفة بأنها هي من اعتبر ان المبلغ النهائي للمخالصة يتمثل بالشيك البالغة قيمته (178,800)د.ا. واردفت قائلة بأنها بعد مغادرتها للبنان لم تعد تجيب على اتصالات المدعي (صفحة 41 الى 47 من محضر ضبط المحاكمة).
وحيث ان المدعى عليها م.غ. عادت وادلت في مرحلة لاحقة بأنه بعد دفعها لمبلغ (178,800)د.ا. لم يعد لديها اي اتصال بالمدعى عليه و.ا. خلافاً لما ادلت به سابقاً، لا بل ان و. لم يكن يجيب على اتصالاتها مؤكدة مجدداً تفاوضها مع المدعي بشأن مبلغ (125) الف دولار اميركي عازية ذلك الى رغبتها في راحة البال (صفحة 71و72 من محضر ضبط المحاكمة).
وحيث ان المدعى عليها ادلت امام هذه المحكمة بأنها لا تذكر ما اذا كان المدعي قد طالبها بالشيكات مناقضة بذلك اقوالها السابقة امام هذه المحكمة، خاتمة اقوالها بأنها هي من قدرت ان و.ا. هو من اخذ الشيكات من الخزنة خاصتها (صفحة 73و74 من محضر ضبط المحاكمة).
وحيث ان المدعى عليها ادلت خلال استجوابها الاخير من قبل هذه المحكمة بأنها وصلت الى مرحلة اعتقدت خلالها بأن و.ا. لا يخبرها الحقائق بشأن مشاكله مصرة في النهاية على انها سددت كل ما يتوجب بذمة و. لصالح المدعي (صفحة 128و130 من محضر ضبط المحاكمة).
وحيث انه يتضح من مقارنة مجمل الاقوال والافادات العائدة للمدعى عليها م.غ.، ان تناقضاً فاضحاً وكبيراً يعتريها سواء لناحية الظروف التي رافقت واقعة تسلمها للشيكات موضوع النزاع من المدعي او لناحية علمها بسبب وجود هذه الشيكات كما وبالسبب الكامن وراء تنظيمها لشيك بقيمة (178,800)د.ا. وما يشمله او لجهة الوقائع والاحداث التي تلت تسلمها للشيكات المنازع عليها ان لجهة التفاوض الذي جرى بشأنها او لجهة العروض التي تبعت هذا التفاوض.
وحيث وبالنسبة الى المدعى عليه ا.ا.ن.، فإنه من الثابت ادلائه خلال التحقيق الاولي بأنه اخبر المدعي بأن الشيكات موضوع النزاع اصبحت بحوزة الوكيل القانوني ليعود ويدلي في السياق عينه بأنها مع والدته المدعى عليها م.غ. مبدياً استعداده بتسليمها الى المدعي في حال وافقت المدعى عليها المذكورة (صفحة 9 من محضر التحقيق الاولي).
وحيث ان المدعى عليه نفسه انكر لدى استجوابه من قبل هذه المحكمة معرفته اي شيء عن موضوع الشيكات المنازع عليها، نافيا ما ورد على لسانه سابقا لدى تحدثه مع المدعي بأنه على فرض حيازته للشيكات لا يعقل ان يسلمه اياها ليزج بشقيقه ن.ن. في السجن (صفحة 24 من ضبط المحاكمة).
وحيث ان المعطيات المتوافرة في الملف لاسيما منها تصرفات المدعى عليهم الثلاثة معاً وما رافقها من تناقضات جمة في اقوال كل منهم بشأن الوقائع والظروف التي رافقت عملية تسليم الشيكات للمدعى عليها م.غ. ومن ثم وما تبع ذلك من مماطلة ومفاوضات وتهرب وان لم يكن مستمراً انتهاء بتسليم هذه الشيكات ممزقة، تؤكد جميعها ارتكاب اشتراك المدعى عليهم الثلاثة بالمناورات الاحتيالية بحق المدعي علماً انه لا يمكن الاعتدا بواقعة حصول تسديد جزئي للمبلغ لاجل القول بعدم وقوع الجرم الذي اكتملت اركانه في مراحل متعددة اخرى.
وحيث ان سائر الاقوال الواردة في الملف لم تأت بالقوة الثبوتية عينها لتلك المبينة اعلاه بحيث انها لا تتمتع بالتأثير الكافي على النتيجة التي سبق وتوصلت اليها هذه المحكمة وبالتالي ليس من شأنها ان تغير او تعدل فيها.
وحيث، تأسيساً على ما تقدم، فإن افعال المدعى عليهم الموصوفة تفصيلاً في باب الوقائع اعلاه تشكل بما لا يرقى اليه الشك المناورات الاحتيالية المنطبقة على وصف الجنحة المنصوص والمعاقب عليها بمقتضى المادة (655) عقوبات.
وحيث انه يقتضي بفعل ما تقدم ادانة المدعى عليهم ا.ا.ن. م.ي.غ. و و.ن.ا. بمقتضى احكام المادة (655) عقوبات.
وحيث عن الالزامات المدنية فإنه من الثابت بموجب المراسلات الحاصلة بين المدعي والمدعى عليها بأن الاول قد سلم الثانية اربعة واربعين شيكاً شكلت موضوع النزاع الراهن جرى ابراز اصل اربعين شيكاً منها ممزقاً.
وحيث ان مجموع قيمة الشيكات المشار اليها اعلاه بلغ (694,875)د.ا. (ستماية واربعة وتسعين الفاً وخمسة وسبعين دولاراً اميركياً).
وحيث ان المدعي يدلي بأن ما سبق وتم دفعه بموجب شيك قيمته (178,800)د.ا. انما يعود الى مخالصة مستقلة عن الشيكات موضوع النزاع، بقي غير مقترن بدليل جدي ومقبول قانوناً وفقاً لما تفرضه الاصول المقررة بشأن البينة الخطية في حين لم يتوافر في الملف في مقابل ذلك ما من شأنه اثبات صحة اقوال المدعي لهذه الناحية على وجه يوازي الدليل المشار اليه.
وحيث انه في مقابل ذلك لم يثبت ايضاً بطريقة مماثلة ان هذا الشيك يمثل مخالصة بشأن كامل قيمة الدين العالق، بل ان ما يمكن استخلاصه من معطيات النزاع لاسيما في ضوء المفاوضات التي تلت تحرير هذا الشيك والعروض المقدمة من المدعى عليها م.غ.، انه يمثل فقط جزءاً من قيمة الدين العائد لتسعة عشر شيكاً توزاي بقيمتها المبلغ موضوعه.
وحيث ان المستند المنسوب توقيعه الى شقيق المدعي المدعو ش.ف. وعلى فرض صحته طالما لم يتم الادعاء بتزويره اصولاً إنما يثبت ايضاً توجب مبلغ قدره (173) الف دولار اميركي له بذمة و.ا.، الامر الذي يجعل من الارقام تبعاً لذلك شبه متطابقة.
وحيث انه يقتضي حسم مبلغ (178,800)د.ا. من اصل مجموع قيمة الشيكات البالغة (694,875)د.ا. بحيث يصبح الرصيد المتوجب هو (516,75)د.ا.
وحيث انه يقتضي الزام المدعى عليهم بالتكافل والتضامن فيما بينهم بأن يدفعوا المبلغ المشار اليه اعلاه الى المدعي بالاضافة الى بدل عطل وضرر ترى المحكمة تحديده بمبلغ قدره (210,000)د.ا. بعد الاخذ بعين الاعتبار تاريخ تقديم الشكوى والفائدة القانونية من ذلك التاريخ.
وحيث ان مجموع المبلغ الواجب الزام المدعى عليهم بأنه يدفعوه الى المدعي يصبح (726,075)د.ا. (سبعماية وستة وعشرين الفاً وخسمة وسبعين دولاراً اميركياً).
وحيث انه يقتضي رد سائر ما زاد او خالف من مطالب والرجوع عما سبق صدوره من قرارات في سياق المحاكمة لعدم الجدوى منه في ضوء هذه النتيجة.
لذلك
نحكم:
1- برد ما ورد في مذكرة الدفوع الشكلية المقدمة من المدعى عليهما م.غ. و ا.ن. لعدم قانونيته استنادً للتعليل اعلاه.
2- بإدانة المدعى عليهم ا.ا.ن.، م.ي.غ. و و.ن.ا. المبينة كامل هوية كل منهم اعلاه سنداً لاحكام المادة (655) عقوبات وحبس كل واحد منهم مدة سنة ونصف السنة وتغريمه مبلغ اربعماية الف ليرة لبنانية، على ان يحبس يوماً واحداً عن كل عشرة آلاف ليرة لبنانية في حال تخلفه عن دفع الغرامة سنداً للمادة (45) من قانون العقوبات.
3- بإلزام المدعى عليهم نفسهم اعلاه بان يدفعوا الى المدعي المحامي ه.ف. بالتكافل والتضامن فيما بينهم مبلغاً قدره سبعماية وستة عشرين الفاً وخمسة وسبعين دولاراً اميركياً يمثل قيمة الردود بالاضافة الى بدل العطل والضرر.
4- بتدريك المدعى عليهم النفقات كافة.
حكم بمثابة الوجاهي بحق كل من المدعي والمدعى عليهم
صدر وافهم علناً في جديدة المتن بتاريخ 2018/12/10
“محكمة” – الأربعاء في 2019/1/2

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!