مقالات

4 آب وباقي الأيّام/محسن نور الدين

القاضي محسن نور الدين:
يوم 4 آب 2021 .
لا أعلم الغيب، ولكن أوحى لي شيطان الشعر ما سيحصل في هذا اليوم وقال:
لا لن يُعيدَ الحقَّ لا صوتٌ ولا
طبلُ الأغاني أو طواحينُ الهوا
بل بالعواصفِ من عيون الثأرِ مِن
حُكمٍ طَغى فالشعبُ من دمِهِ ارتوى
ثمّ تابَعَ … سيكونُ اليومَ يومًا كباقي الأيّام باستثناء مواكبِ الزهور ومواكبِ التضامن ودقيقة الصمت (مش معروف شو المغزى منها) وتصريحات التأييد والدعم لأهل الضحايا في انفجار المرفأ. وستتعالى المزايدات الإعلامية في تأييد ودعم هؤلاء، وستتعالى عباراتُ التأبينِ وقراءاتُ الفاتحة والصلواتُ من كلّ حدبٍ وصوب على أرواح الضحايا.
سنسمعُ قصصَ ورواياتِ الضحايا الأحياء وأهلِ الضحايا الأمواتِ ما قبلَ الفاجعة ووقتها وما بعدها. كلام وكلام وكلام .
سنسمع كثيرًا من المزايدات في طلب العدالة وتطبيق القانون واستقلالية القضاء.
وستتسابق الأحزاب الحاكمة في تقديم واجب العزاء والترحّم على الضحايا وطلب العدالة لهم.
سنسمع صراخًا وقدحًا وذمًّا وتحقيرًا كثيرًا … كلام وكلام وكلام .
وستصدح الأغاني في كلِّ اتجاه. أصوات عالية مزعجة وموسيقى صاخبة مؤذية.
وسيرتدي كثيرون ملابس مزيّنة باسم بيروت والمرفأ ورقم 4، مجرّد استعراض أزياء لا طائل منه.
إنّه يوم تأبين بامتياز، بفارقِ عدد الضحايا، وعددِ المشاركين في التأبين. حتّى أنّ الدولة برموزها وقوّاتها العسكرية ستشارك في التأبين.
وحتّى أنّ رئيس الجمهورية سيشارك أيضًا من خلال عدم استقباله لرئيس الحكومة المكلّف اليوم للبحث في تشكيل الحكومة إحترامًا للذكرى. مش مشكلة بتتأجّل الحكومة إكرامًا للتأبين.
يومُ عطلة رسمية، في جوّ صيفي حار، يخرج فيه الناس للتأبين وللكزدرة، عصفورين بحجر.
وسيأتي الليل وتسهر الناس في الساحات ثمّ يعودون إلى بيوتهم، بلا تغيير بلا تبديل بلا أيّة نتيجة ترتجى على أيّ مستوى، وينام الحكّام في بيوتهم بعد يوم طويل من مشاهدة الجماهير على التلفاز.
سيعود الناس إلى بيوتهم كما خرجوا منها دون أيّ تغيير في وضعهم ولا في وضع البلد. سيعودون إلى فاجعة أكبر تقتل فيهم كلَّ حياتهم الباقية. لا كهرباء ولا ماء ولا محروقات ولا أدوية ولا مستشفيات ولا أعمال ولا سقف للدولار المبارك ولا … ولا … ولا دولة… إلى آخر نفس.
ثمّ قالَ لي هذا الشيطان الجميل: لن يتغيّرَ شيء … سمعتُ الحكّامَ يتناجون ويتسامرون ويقولون لبعضهم: لا تخافوا لن يحصلَ شيء يمنعنا من الحكم طالما أنّ أغلبية الشعب الساحقة معنا ولا يتذمّرون من شيء… سنكتفي بالترحّم على الضحايا .
وغدًا يومٌ آخر …. كباقي الأيّام.
“محكمة” – الخميس في 2021/8/5

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!