مقالات

محاسبة الفساد أم الفاسد!/جهاد اسماعيل

جهاد اسماعيل:
… وإنْ كان يشكّل فساد الوزير السابق أو السياسي السابق وكل ما يدخل في هذا الاطار جريمة تستوجب المحاكمة أمام القضاء العادي، لكنه ليس كذلك في ما خص رئيس مجلس الوزراء والوزراء لجهة أعمالهم المخالفة للقانون والدستور، اذ ثمّة “قضاء سياسي”، سنداً للمادة 70 من الدستور، يحاكم هؤلاء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتّبة عليهم، من خلال مجلس النوّاب، على أن لا يجوز أن يصدر قرار الاتهام إلاّ بغالبية الثلثين من مجموع اعضاء المجلس، في حين أن المحاكمة تتم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، الذي يتألف من سبعة نواب ينتخبهم مجلس النواب وثمانية من اعلى القضاة درجة او رتبة.
ويكفّ رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المتهم بالفساد عن العمل فور صدور قرار الاتهام بحقه، وبموجب ذلك تسير الإجراءات القضائية والجزائية تطبيقاً للقواعد العامة، بموازاة أحكام المادة 72 و 80 من الدستور، والقانون رقم 13 المتعلق بأصول المحاكمات امام المجلس الاعلى، وما يتمخص عنها من جلسات ولجان تحقيق وقرارات، علاوة على اسلحة السؤال والاستجواب، التي يملكها النواب تجاه كل وزير متهم بالفساد.
لكن، في بلد كلبنان، تعطيل المجلس المذكور، يندرج في سياق تقويض مكافحة الفساد، وابقاء الفساد في كنف وسائل الاعلام والجلسات النيابية العمومية، لا سيما وأن تأمين الاغلبية الموصوفة المطلوبة للاتهام يكاد من المحرمات سندا للمنطق السياسي الراهن، بسبب التوأمة بين المجلس النيابي والوزراء تبعا لإنبثاق كل المؤسسات عن القوى السياسية الحاكمة، حينها لا يبقى النائب الا امام الاستجواب، الذي من المفترض أن تتحدد بجلسة مساءلة او ثقة، يحددها رئيس المجلس النيابي.
لذلك، فإنّ طرح القضايا المشوبة بعمليات اختلاس وسرقة وما شابه على الاعلام بعد تقديمها للقضاء لهو عمل جريء يستحق الوقوف عنده، لكنه لا يسقط واجبات بعض القوى السياسية لجهة سعيها نحو تفعيل المجلس الاعلى والاستجواب، كمدخل نحو الرقابة البرلمانية المسؤولة، التي تستدعي ايلائها الشرعية الشعبية، واسقاط حالة ” النق ” أو ” الفيتو الشعبي”!
ومن هنا يبدأ الإمتحان الحقيقي .. محاسبة الفاسد لا الفساد!
“محكمة” – الثلاثاء في 2019/2/26

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!