أبرز الأخبارعلم وخبرميديا

النصّ الكامل لحكم الجنايات برئاسة القاضي المرتضى:”المؤبّد” لمرتكب جريمة عشقوت/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
أصدرت اليوم، محكمة الجنايات في جبل لبنان المؤلّفة من القاضي محمّد وسام المرتضى رئيساً مكلّفاً والقاضي شادي قردوحي مستشاراً والقاضي يامن الحجّار مستشاراً مكلّفاً، حكمها في الجريمة المروّعة التي وقعت في بلدة عشقوت الكسروانية في العام 2016 وأودت بحياة أربعة أشخاص، وتوجّته بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤبّدة وجاهياً بالمتهم الموقوف طاني سمير عبّود، وإلزامه بأن يدفع مبلغ سبعماية مليون ليرة لورثة الضحايا جان حبّ الله وجان بول حبّ الله وإيزابيل الشدياق حبّ الله وأنطوان الشدياق.
وجاء توقيع العقوبة سنداً للمادة 548 من قانون العقوبات التي تفرض حصول الجريمة قصداً على شخصين أو أكثر، ولو كان الادعاء قد جاء في الأصل سنداً للمادة 549 عقوبات التي تقضي بالإعدام، لما تردّدت محكمة الجنايات في إنزال هذه العقوبة به كما يتضح من متن حكمها وفظاعة الجريمة التي بدأت بنظرة تحدّي واستفزاز على خلفية إشكالات ومضايقات وتجاوزات سابقة بين جيران المبنى الواحد بسبب تربية كلاب وتحرّشات تتنافى مع آداب الجيرة، وتطوّر المشهد إلى تلاسن وتضارب وفقدان أعصاب وشهر مسدّس أميري حيث أخذ عبود المفتّش في المديرية العامة للأمن العام والمدرّب بحكم وظيفته يطلق النار على الضحايا الأربعة ويذخّر مسدّسه كلّما فرغ من الرصاص وعندما اطمأن إلى أنّ مهمته المجنونة انتهت بهذا الكمّ الكبير من الدماء والأرواح سلّم نفسه طواعية لمركز خاص بالجهاز الأمني التابع له.
ويحفل الحكم بكثير من الوقائع والإفادات والمعلومات والتفاصيل التي تشدّ القارئ وكأنّه يتابع فيلماً يبقيه على أعصابه لكثرة الصور وتتابع المشاهد وما فيها من حكايات وأكثرها لفتاً للنظر عدم اكتفاء الجاني بقتل الضحايا واحداً واحداً بل تقصّده الإقتراب من كلّ جثّة وإطلاق النار عليها من جديد للتحقّق من أنّ صاحبها لفظ أنفاسه الأخيرة بحسب شاهدة روت ما رأت بأمّ العين.
ولم تجد المحكمة في ما أتاه المتهم طاني عبود أنّه كان في حالة الدفاع المشروع عن النفس أو يمكنه الإستفادة من العذر المخفّف خلال مناقشتها مضمون الوقائع التي يتمظهر منها حصول عملية استفزاز لا يمكن أن ترقى مهما كانت درجتها إلى خطورة ما ولّد لديه وفي نفسه من ردّة فعل عنيفة، وبالتالي ينعدم “التوازن بين خطورة العمل الصادر عن المستفِزّ وبين ردّة فعل الفاعل المستفَزّ”.
ولم يتبيّن لهيئة المحكمة أنّ الضحيّة الرابعة أنطوان الشدياق قتل قصداً لانعدام مشاركته الفاعلة في العراك القائم، لكنّها اعتبرت”فعل المتّهم الذي أدّى إلى إزهاق روح أنطوان الشدياق فعلاً واحداً ومقصوداً مع جريمة قتل جان بول حب الله ووالديه فيستغرقه من ثّمَّ التجريم بجناية المادة 548 من قانون العقوبات”.
وفي محاولة يائسة منه للتملّص من جريمته ووقعها والتخفيف من العقوبة المنتظرة، حاول القاتل طاني عبود الزعم خلال المحاكمة العلنية أنّه اقترف جريمته عن قلّة وعي وإدراك، وهو ما يتناقض مع مجمل اعترافاته وأقواله، الأمر الذي لم تأخذ به هيئة المحكمة بل أهملته ليقينها بأنّه لا يتناسب مع الحقيقة، “ويتناقض مع ارتكابه جريمته بحرفية ومهارةٍ وسرعةِ بديهة تدلُّ جميعها على وعيٍّ كامل” بحسب قولها.
“محكمة” تنشر النصّ الكامل لهذا الحكم المؤلّف من 25 صفحة “فولسكاب”:
الجمهورية اللبنانية
السُلْطَةُ القضائيّة
محكمةُ الجنايات في جبلِ لبنان
المتَّهم: طاني سمير عبّود
رقم أساس القضيّة: 345/2020
تاريخ صدور هذا الحكم النهائي: 23/ 7 /2020
حكمٌ
باسم الشعب اللبناني
إنَّ محكمة الجنايات في جبل لبنان المؤلّفة من القاضي محمّد وسام المرتضى رئيساً مُكلَّفاً ومن القاضيين شادي قردوحي ويامن الحجّار(مكلّفاً) مستشاريْن،
لدى التدقيق والمداولة،
تبيّن ما يأتي: أنّه بموجب قرار الإتّهام رقم 2017/1765 تاريخ 2017/9/22، المشفوع بادّعاء النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان تاريخ 2017/10/17، أحيل أمام هذه المحكمة:
المتّهم طاني سمير عبّود، والدته سيّدة، مواليد 1972، لبناني، سجّل رقم 26/جبرايل-عكار،
أُحتُجز إدارياً في تاريخ 2016/10/13 وأُوقف وجاهياً في تاريخ 2016/10/19 ولا يزال موقوفاً،
ليُحاكم أمامها منسوباً إليه بأنّه أقدم قصداً على قتل كلٍّ من المغدورين جان حبّ الله وجان بول حبّ الله وإيزابيل الشدياق وأنطوان الشدياق، بإطلاق النار عليهم مرّاتٍ عدّة من مسدّسه الأميري، جناية المادة 548، فقرتها الخامسة، من قانون العقوبات.
وبنتيجة المحاكمة العلنية الوجاهية الجارية بحضور ممثّل النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان، تبيّن ما يلي:
أنّه في الجلسة المنعقدة في تاريخ 2020/2/27 أحضر المتّهم طاني عبود ومثل دون قيد وحضر عنه المحامي ميشال أبو فاضل، وحضر المحامي جورج الخوري عن المدعيين ورثة المغدورين جان حبّ الله وزوجته إيزابيل وابنه جان بول، وحضر المحامي علي حيدر عن المدعيين ورثة المغدور أنطوان الشدياق، ثمّ شُرع في المحاكمة علناً وللتبدّل الطارىء على رئاسة هيئة هذه المحكمة جرى تلاوة مضبطة الإتهام وسائر الأوراق مجدّداً وكرّرت ممثّلة النيابة العامة الإدعاء العام وأوضحت أسباب الإتهام، وأكّد المتّهم عبود على أقواله التي أدلى بها أمام هذه المحكمة-بهيئة سابقة-، ومن ثمَّ ترافع الأستاذ حيدر طالباً تجريم المتّهم وفقاً لقرار الإتهام وإلزامه بدفع تعويضٍ قدره مئتا مليون ليرة لبنانية إلى موكّليه لافتاً إلى أنَّ للمغدور أنطوان الشدياق إبنة بحاجة لرعاية مستمرّة، ومن بعده ترافع الأستاذ الخوري طالباً إلزام المتَّهم بأن يدفع إلى موكّليه مبلغ مليون دولار أميركي بمثابة عطل وضرر، وتقرّر صرف النظر عن دعوة شهود الحقّ العام بموافقة ممثّلة النيابة العامة التي ترافعت وطلبت تطبيق مواد الإتهام والإدعاء، ومن ثمّ ترافع وكيل المتَّهم الأستاذ باسكال أبو فاضل طالباً اعتبار الفعل المتمثّل بإزهاق روح المرحوم الشدياق من قبيل جنحة التسبّب بالموت وفي ما خصَّ سائر جوانب القضيّة طلب اعتبار فعل المتَّهم من قبيل التجاوز في استعمال حقّ الدفاع وترتيب سائر النتائج القانونية الواجب ترتيبها واستطراداً منح موكّله أوسع الأسباب المخففة، وأُعطي الكلام الأخير الى المتّهم الماثل فأدلى بأنَّ مسلكه يثبت بعده كلّ البعد عن الجريمة والإجرام وطلب الرحمة من روح المرحومين والبراءة وأوسع الأسباب المخفّفة، وجرى إعلان إختتام المحاكمة وأرجئت الجلسة لإصدار الحكم.
بناءً عليه
أوّلاً- في الوقائع:تبيّن أنَّه عند الساعة الخامسة عشرة والدقيقة العاشرة من بعد ظهر يوم الخميس الواقع فيه 2016/10/13 ورد اتصال هاتفي من غرفة عمليات جبل لبنان الشمالي إلى فصيلة ريفون مفاده حصول إشكال تطوَّر إلى إطلاق نارٍ نتج عنه إصابات جسدية في محلّة عشقوت أمام بناية جاك أغاجيان- حيّ الشمس-، فتوجَّهت على الفور دورية من الفصيلة المذكورة إلى مكان حصول الإشكال حيث وجدت لدى وصولها للجهة الشرقية جثةً عائدةً للمغدور أنطوان الشدياق وهو مصاب بطلقيْن نارييْن الأوّل في الصدر والثاني في الساعد الأيمن، وعلى مسافة خمسة أمتار منها تقريباً وجدت جثةً ثانيةً وهي عائدة للمغدورة إيزابيل حبّ الله وهي في وضعية الجلوس ومتّكئةً على حافة من الحجر الطبيعي ومصابة في الحوض والساق اليسرى، وعلى بعد مترين منها وُجدت جثّة ثالثة وهي عائدة للمغدور جان بول حبّ الله وهي مصابة بطلقة نارية في البطن وثانية في الكتف وثالثة في العنق ورابعة في الوجه وخامسة في الخصر الأيمن، وعلى مدخل بيت درج المبنى شوهدت جثّة رابعة عائدة للمغدور جان حبّ الله مصابة بأربع طلقات نارية في الناحية اليمنى من أعلى الظهر ووسط الظهر وأسفله، كما شاهد عناصر الدورية 24 ظرفاً نحاسياً فارغاً وستّة مقاذيف نحاسية موزّعة في مختلف أنحاء مسرح الجريمة، إضافةً إلى عصا خشبية سوداء اللون مكسورة إلى أربع قطعٍ وموجودة قرب مدخل بيت درج البناء، كما وجدوا رتبة رتيب أمن عام وهاتف خلوي عائد للمغدور جان بول حبّ الله، وسيّارة لهذا الأخير من نوع ميني كوبر رقم لوحتها 159163/ج وسيارة للمتَّهم طاني عبّود من نوع شيروكي رقم لوحتها 488918/ب مركونة في المرآب الخلفي.
وتبيّن من مندرجات المحضر المنظَّم من قبل فصيلة درك ريفون عدد 302/930 تاريخ 2016/10/13، أنَّ دورية من مكتب حوادث جونية أجرت الكشف على مسرح الجريمة وقامت برفع الآثار بهدف إعداد تقرير مفصّل بذلك، وحضر الطبيب الشرعي نادر الحاج وعاين الجثث والمتَّهم طاني عبّود لوصف حالته بعد أنَّ تبيَّن أنَّ هذا الأخير قد سلَّم نفسه إلى مركز أمن عام ريفون.
وتبيّن أنَّ قاضي التحقيق في جبل لبنان انتقل إلى مسرح الجريمة، وباستماعه إلى الشاهدة ريتا ملحم أدلت بأنَّه حوالي الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم حصول الجريمة، كانت برفقة ابنتها في المكان قبل حصول الجريمة وقد شاهدت المتَّهم طاني عبود في وضعية عراكٍ مع شخصٍ آخر لا تعرفه وكان الأوّل يقبض عليه بزنده ويده، كما شاهدت إمرأة في العقد الخامس من العمر ممدَّدة على الأرض قرب حوض زهور، وأضافت أنَّها حاولت دون جدوى إبعاد المتَّهم عبود عن الشخص الآخر ولاحظت وجود مسدّس على وسط المتَّهم فحاولت نزعه تجنّباً لاستعماله إلّا أنَّها لم تتمكّن من ذلك، وأنّ أحد الجيران، وهو سوري الجنسية، تدخَّل ونجح في إبعادهما عن بعضهما، وفجأةً وبسرعة أقدَم المتَّهم عبود على سحب مسدّسه ولقَّمهُ وأطلق النار على الشخص الذي كان ممسكاً به بعد أن فشل هذا الأخير في الفرار بسبب تعثّره، ومن بعد ذلك أطلق النار على المرأة المسنّة التي كانت تقف الى جانب الحوض، ليدخل بعدها المتّهم عبود إلى البناء من مدخله ويطلق النار على رجلٍ مسنٍّ، وأشارت إلى أنَّها كانت طوال تلك الفترة مختبأةً مع ابنتها بجانب إحدى السيّارات في حين لاذ الشخص السوري بالفرار، ونفت مشاهدتها للمتّهم يطلق النار على شخصٍ رابع أو على الكلاب، إلّا أنَّها شاهدته “يصفّي” الجثث إذ كان يقترب من كلِّ جثّة ويطلق النار عليها ليتأكّد من إزهاق روح صاحبها.
كما استمع قاضي التحقيق الى المتَّهم طاني عبّود الذي أفاد بأنَّه في تاريخ وقوع الجريمة وعند حوالي الساعة الثالثة وعشر دقائق من بعد الظهر، كان عائداً إلى منزله برفقة والده على متن سيّارته من نوع شيروكي، وقد صودف وصول زوجته مع أولادهما بعد أنْ أحضرتهم من المدرسة على متن سيّارة غراند شيروكي، وأضاف أنَّه عندما كان يلقي التحيّة على أولاده وصل المغدور جان بول حبّ الله على متن سيّارته من نوع ميني كوبر وركنها في المرآب وترجَّل منها ورمقه بنظرة استفزاز وإلى جانبه والده يحمل بيده عصاً خشبية يتعكّز عليها، فسأله –أي المتَّهم- “ليه عم تجؤرني” فأجابه المغدور “سكوت ولي ما خصَّك جايي تكبّر راس هون روح نقبر فلّ عم تفتري علينا؟”، فقال له مجيباً “سكّر تمّك” واقترب منه فحصل تلاسن بينهما تطوَّر إلى تدافع قام– أي المتَّهم- على اثره بصفع جان بول ما أسقط نظّارة هذا الأخير أرضاً، ومن ثمَّ قفز جان وأمسك برقبة المتّهم كما أقدم والد جان بول على ضرب والد المتَّهم عدّة ضربات على رأسه بواسطة العصا الخشبية التي كانت بحوزته، وأضاف المتّهم أنَّ المغدور جان حبّ الله وضع إصبعه في فمه وآخر في عينه فقام –أي المتَّهم- بعضِّ الإصبع الموجود في فَمِهِ، وأنَّ والدة المغدور حضرت أيضاً وضربته، وأشار إلى أنَّه في وقتٍ كان يُمسك فيه برأس المغدور جان حبّ الله تحت إبطه حضر شخص طويل القامة يدعى فراس وضربه على رأسه-أي على رأس المتّهم-، وأنَّ المغدور جان بول حبّ الله حاول بعدها نزع مسدّسه الأميري عن وسطه ما جعله–أي المتَّهم- يضع يديه على المسدّس خوفاً من نزعه في وقتٍ كان يتعرَّض فيه للضرب المبرّح فخرج عن طوره وفقد أعصابه وقام بسحب مسدّسه بشكلٍ هستيري وأقدم على تلقيمه وعلى إطلاق النار مباشرةً وبنيّة القتل على كلِّ من كان يضربه، وأوضح أنَّه يعتبر نفسه في حالة الدفاع عن النفس، وأضاف أنَّه قبل الإشكال لم يكن في نيَّته قتل المغدورين علماً أنَّه كانت توجد خلافات بينه وبينهم نتيجة مضايقتهم له ولعائلته مثل إقدامهم على رمي موادٍ غريبة من زيوت وغيرها على سيّارته وباب منزله كما أنّ المغدور جان بول حبّ الله كان يُضايق زوجته من خلال إجبارها على ردّ التحيّة عليه، وأدلى بأنَّه لم يرَ المغدور طوني الشدياق أثناء الإشكال إذ إنَّه لم يكن بوَعيِهِ، مشيراً إلى أنَّه أطلق على المغدورين أكثر من عشرين طلقة ناريّة ومن ثمّ أطلق النار على الكلاب الموجودة في المرآب، ومن ثمَّ وبعد انتهاء الإشكال أحضر من منزله رصاصاً وعمد إلى تعبئة أحد المماشط الفارغة، وتوجَّه سيراً على الأقدام إلى مركز أمن عام ريفون حيث سلَّم نفسه، وأبدى الندامة على ما فعل؛ وبسماعه ثانيةً كرَّر المتَّهم طاني عبّود إفادته السابقة وأوضح أنَّه كان في إطار الدفاع عن نفسه مشيراً إلى أنَّه سبق له وأنَّ تقدَّم بشكوى لدى النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان في وجه آل حبّ الله، وكان يفترَض أنَّ يُعطي إفادته بشأنها في اليوم التالي كما سبق له أنْ تقدَّم في وجههم بتقارير وشكاوى عدّة لدى المديرية العامة للأمن العام موضوعها إقدامهم على ارتكاب عدّة تجاوزات في حقّه.
وتبيّن أنّ قاضي التحقيق استمع أيضاً إلى الشاهد فراس ديوب الذي أدلى في إفادته بأنَّه يسكن في البناء حيث حصلت الجريمة، وأنَّه في تاريخ حصولها وعند حوالي الساعة الثالثة وعشر دقائق من بعد الظهر وصل إلى منزله على متن سيارة “بيك آب” وشاهد المتَّهم طاني عبّود بمفرده داخل المرآب قرب سيّارته حين وصل المغدور جان بول حبّ الله على متن سيّارته ملقياً التحيّة عليه –أي على الشاهد- وأكمل طريقه نحو المرآب في حين دخل هو إلى منزله، وأضاف أنَّه بعد مرور حوالي الخمس دقائق، سمع صراخاً مصدره المرآب، فخرج ورأى المتَّهم عبود يتعارك والمغدور جان بول حبّ الله وكان الأوّل يمسك بعنق هذا الأخير والذي كان بدوره يلكم وجه الأوّل ويضع إصبعه في فمه، وبأنَّه شاهد المغدورة إيزابيل حبّ الله ممدَّدة ومستلقية فاقدة الوعي قرب حوض الزهور، فتقدَّم في اتجاه المتعاركين وحاول إبعادهما عن بعضهما البعض إلّا أنَّه فشل في ذلك وسمع إمرأة كانت موجودة بقربه تصرخ “انتبهوا على السلاح”، وعندها تفرّقا –أي المتَّهم والمغدور جان بول حبّ الله- عن بعضهما للحظة ليعودا ويتضاربا ومن ثمَّ شهر المتَّهم عبود مسدّسه ولقَّمه وأطلق النار على جان بول حبّ الله من أعلى إلى أسفل لمرّات عدّة متتالية فأرداه أرضاً وأفرغ المسدّس في جسده، ومن بعدها أطلق النار على المغدورة إيزابيل حبّ الله وهي ممدَّدة على الأرض وفاقدة الوعي، وأضاف الشاهد أنَّه بعد كلّ ما شاهده هرب برفقة زوجته إلى منزله، وقد شاهد في أثناء ذلك جان حبّ الله، وهو ضرير ويستعمل عصاً خشبية للمشي، على قيد الحياة إلّا أنَّه سمع لاحقاً صوت طلقات نارية، ونفى أنَّ يكون قد رأى المغدور طوني الشدياق قبل مقتله، كما نفى معرفته بوجود خلافات سابقة بين المتَّهم عبود وعائلة حبّ الله، إلّا أنَّه على علمٍ بوجود بعض المضايقات سببها تربية الكلاب.
وتبيّن أنّ قاضي التحقيق استمع إلى والد المتَّهم المدعو سمير لبيب عبّود الذي أدلى في إفادته بأنَّه في تاريخ وقوع الجريمة وعند حوالي الساعة الثالثة من بعد الظهر، حضر إلى المكان برفقة إبنه المتَّهم طاني، وأنَّه وبوصولهما إلى مرآب البناء وصل المغدور جان بول حبّ الله ونظر إلى المتَّهم طاني فسأله هذا الأخير “ليش عم تطلَّع فيّي هيك؟” فأجابه المغدور “بعدك هون بالحيّ”، وعندها تقدَّم نحوه المتَّهم طاني ودار شجارٌ بينهما وشاهد جان بول حبّ الله يقوم بضرب إبنه ومن ثمَّ حضر والد المغدور المدعو جان وضرب المتَّهم بعصا على ظهره، وأضاف أنَّه تعرَّض هو بدوره لضربة على رأسه فوقع أرضاً ولم يعد يعي أو يذكر ما حصل بعدها، وأكَّد على أنَّه لم يكن لدى المتَّهم طاني عبود النيّة بارتكاب الجريمة، وأضاف بأنّه كان على علمٍ بأنّ المغدور جان بول حبّ الله كان يتربَّص شرّاً بابنه المتَّهم طاني عبود كما كان يتحرَّش بزوجة هذا الأخير عندما يلتقي بها على مدخل البناء أو على الدرج.
وتبيّن أنّ قاضي التحقيق استمع إلى زوجة المتَّهم المدعوّة ريّان أبي خليل التي أفادت بأنَّه في تاريخ حصول الجريمة وعند حوالي الساعة الثالثة والربع من بعد الظهر، وعند وصولها إلى مرآب البناء مع أولادها قادمين من المدرسة، شاهدت زوجها المتَّهم طاني عبود ووالده هناك فألقت التحيّة عليهم، ومن ثمَّ شاهدت المغدور جان بول حبّ الله في المرآب ويكيل الشتائم لزوجها الذي على الأثر تقدَّم نحوه فحصل شجارٌ بينهما أقدم خلاله المغدور جان بول حبّ الله على لكم زوجها على وجهه، فأخذت أولادها إلى جانبٍ آخر من البناء الأمر الذي منعها من مشاهدة ما حصل لاحقاً، إلّا أنَّها أفادت عن سماعها طلقات نارية لم تعرف مصدرها، وأضافت أنَّهم ومنذ حوالي الخمسة أشهر وهم يتعرَّضون لمضايقات من المغدور جان بول حبّ الله والذي كان يحاول بأساليب مختلفة التقرُّب منها الأمر الذي أثار حفيظة زوجها المتَّهم طاني عبود، مشيرةً إلى أنَّها تعرَّضت أيضاً لمحاولات تحرّشٍ من قبل جان بول حبّ الله لدرجة أنَّه حاول تقبيلها في إحدى المرّات فصدَّته دون أنْ تُخبر زوجها بالأمر، وأوضحت أنَّه سبق أنْ حصل خلافٌ بينها وبين زوجها المتَّهم طاني عبود بسبب المغدور جان بول حبّ الله تركت على أثره منزلها لمدّة أربعة أيّام، كما أدلت بأنَّهم علموا منذ حوالي الشهر بأنَّ آل حبّ الله قد دخلوا إلى منزلهم حيث قاموا برمي الزيوت والأوساخ داخله وعلى السيّارة وعمدوا إلى الرسم على الجدران.
وتبيّن من التقارير الطبّية المنظّمة من الطبيب الشرعي نادر الحاج بناء لتكليفٍ من قاضي التحقيق المختص، أنَّ المتَّهم طاني عبّود مصابٌ بجرح صغير في زاوية العين اليمنى الداخلية ويوجد آثار نزيف من الأنف وجروح سطحية داخل الخدّ الأيمن وجرح آخر أفقي بين اللثّة والخد الأيمن بطول 4 سنتمترات استوجب التقطيب وخدوش في الساعد الأيسر والكوع الأيمن إضافةً إلى رضّة في مؤخّرة الرأس وأخرى تحت الركبة؛ وأنَّ في جثّة المغدور جان حبّ الله فوهة دخول في أعلى الظهر من الناحية اليمنى وطلقتيّْ دخول عند وسط الظهر من الناحية اليمنى وفوهتيْ خروج في الناحية الأمامية المقابلة لهما وطلقة دخول في أسفل الظهر من الناحية الخارجية اليسرى مع فوهة خروج مقابلة لها إضافةً إلى خدوش أظافر في الخد الأيمن؛ وأنَّ في جثّة المغدور أنطوان الشدياق طلقة وفوهة دخول من الناحية الداخلية للساعد الأيسر يقابلها فوهة خروج وفوهة دخول تحت الإبط الأيمن يقابلها فوهة خروج تحت الإبط الأيسر؛ وأنَّ في جثّة المغدورة إيزابيل الشدياق حبّ الله فوهة دخول في العنق من الناحية اليسرى وأخرى في أعلى منتصف الصدر واثنتين في الصدر الأيسر واثنتين تحت الصدر الأيسر وأخرى في الحوض من الناحية اليسرى وأخرى في منتصف الساق الأيسر، إضافةً إلى أربع فوهات خروج من الناحية الخلفية للجثّة؛ وأنَّ في جثّة المغدور جان بول جان حبّ الله فوهة دخول في البطن من الناحية الخارجية اليمنى مع وشم بارودي وفوهة دخول في الكتف الأيسر مع تسحّج ووشم بارودي وأخرى في العنق من الناحية اليمنى الخارجية وأخرى أعلى الخدّ الأيمن وأخرى في الخصر الأيمن وأخرى مع وشم بارودي تحت الأذن اليسرى إضافةً إلى جرح في أسفل الذقن وفوهة خروج في البطن بشكل نجمة وأخرى في الصدر وأخرى في أعلى الخد الأيسر على شكل نجمة وأخرى في أسفل المؤخّرة وأخرى تحت الأذن اليسرى إضافةً إلى جرح دائري في الإبهام الأيمن.
وتبيّن أنَّ التقارير الطبّية المنظّمة من الطبيب الشرعي أحمد المقداد بناء لتكليف من قاضي التحقيق المختص جاءت مطابقة للتقارير المُساقة أعلاه لناحية الجروح المُصاب بها المتَّهم وحالة الجثث والاصابات التي تعرّضت لها كلّ منها، وأشار الطبيب المقداد إلى أنَّه كشف على والد المتَّهم المدعو سمير عبّود ولم يتبيَّن له آثار عنف على كامل أنحاء جسمه وكذلك الأمر بالنسبة للمغدورين جان حبّ الله وإيزابيل الشدياق حبّ الله، وإلى أنَّ الجروح التي تعرَّض لها المتَّهم طاني عبود ناتجة عن خربشة أظافر وضربٍ بجسم صلب أو نتيجة ارتطامٍ بأجسام صلبة، أمّا في ما خصَّ المغدور جان بول جان حبّ الله فإضافةً إلى الاصابات الناتجة عن الطلقات النارية، أفاد الطبيب المقداد في تقريره بأنَّ المغدور المذكور تعرَّض لجروح في الإبهام الأيمن ناتجة عن عضّة وأخرى ناتجة عن ارتطام بأجسامٍ صلبة إضافة إلى رضّة على الجبهة ناتجة عن الضرب بجسم صلب.
وتبيَّن من صورة المحضر عدد 302/916 تاريخ 2016/10/8 المنظَّم من قبل فصيلة درك ريفون، في سياق التحقيق في الشكوى المقدّمة من المتَّهم طاني عبّود ضدّ مجهول بجرم سرقة ورشّ مبيدات سامة في أنحاء منزله، أفاد المتَّهم طاني عبّود عن وجود بقع على غطاء المحرّك وهيكل السيّارة طالباً الإستماع إلى المغدورين جان بول حبّ الله ووالدته إيزابيل.
وتبيَّن أنّه في سياق التحقيق الإبتدائي:
-كرَّر المتَّهم طاني عبّود مضمون إفادته الأوّلية وأقرَّ بإقدامه على قتل المغدورين بعد إشكال وقع بينه وبين المغدور جان بول حبّ الله قام على اثره بإطلاق النار عليهم، وأوضح بأنَّه كان تحت تأثير فورة غضب شديد نتيجة تعرّضه لضربٍ مبرّح أثناء الإشكال وأنّه لا يذكر عدد الطلقات التي أطلقها، وأضاف أنَّه ومنذ حوالي الخمسة أشهر بدأت تحصل مضايقات من قِبل آل حبّ الله ومنها على سبيل المثال كان يقدم المغدور جان بول حب الله على إفلات الكلاب في وجه أطفاله وأهله، إضافةً إلى بعض الحركات الصبيانية في المرآب وعلى الدرج، كما حاول التحرّش بزوجته مرّات عدّة مضايقاً إيّاها ومحاولاً إلقاء التحيّة عليها رغماً عنها، ونفى علمه بمحاولة المغدور جان بول حبّ الله التحرّش بزوجته، وأشار إلى أنَّ خلافاً وقع في شهر آب بينه وبين زوجته التي غادرت على أثر ذلك المنزل لمدّة أربعة أيّام والسبب كان طلبه منها عدم التكلّم مع المغدور جان بول حبّ الله، وأنَّه قبل يومين من حصول الجريمة، حصل إشكال وتلاسن بينه وبين آل حبّ الله على خلفية تهجَّم كلب المغدور جان بول حبّ الله على زوجته وأولاده، وقد عمد بعدها إلى الإتصال بالدائرة الأمنية لدى المديرية العامة للأمن العام وأفادهم بما حصل، وأكَّد على أنَّه لم يستعمل السلاح في وجه أحد، وفي سياق آخر أضاف أنَّه في تاريخ وقوع الجريمة كان من المفترض أن يحضر إلى فصيلة ريفون للإستماع إليه بخصوص الشكوى المقدَّمة منه، مشيراً إلى أنَّه حاول أكثر من مرّة معرفة من كان يضع مواد سامة وزيوت على سيّارته وباب منزله، ونفى تردّده إلى أيّ مكان مخصّص للسلاح إلّا أنَّه كان يعمل في فرع المواكبة والحماية والمداهمة في الأمن العام وأنَّه كلما كان يرتدي بزَّته العسكرية كان يعمد إلى حمل مسدّسه إضافةً إلى ممشطيْن ممتلئيْن وبقي على هذه الحال حتّى بعد نقله إلى المرفأ، وأشار إلى أنَّه ليس لديه تفسير حول كيفية إقدام المغدور جان حبّ الله على ضربه بواسطة عصا خشبية في حين أنَّ المغدور المذكور لا يرى جيّداً، مشيراً إلى أنَّه وبحسب علمه ومشاهدته للمغدور جان حبّ الله، كان هذا الأخير يخرج من منزله وحده ويستطيع الرؤية جيّداً.
وتبيّن أنّه وأيضاً في سياق التحقيق الإبتدائي أيَّدت زوجة المتَّهم المدعوة ريّان أبي خليل الشاهدة ريتا ملحم مضمون إفادتيهما الأوّلية، أفادت إبنة المغدور جان حبّ الله المدعوة إلسي جان حبّ الله بأنَّها تسكن في البناء عينه حيث يسكن المتَّهم وأهلها المغدورين، وأضافت أنَّها على علاقة عادية وطبيعية بزوجة المتَّهم وبأنَّ أطفال هذا الأخير يحضرون إلى منزلها بشكلٍ شبه دائم للَّعب مع أطفالها، وبأنَّهم جيران منذ حوالي الخمسة عشر عاماً إلّا أنَّه قبل حوالي شهرين من حصول الجريمة، لاحظت تغيّراً في سلوك المتَّهم وأفراد عائلته لا سيّما مع أهلها المغدورين كما سمعت من شقيقها المغدور جان بول بأنَّه كان يتشاجر ويتلاسن مع المتَّهم في الأسبوعين الأخيرين حول موضوع تربية الكلاب علماً أنَّ الكلاب موجودة لدى شقيقها منذ حوالي الخمس سنوات وقد تخلّص منهم قبل الجريمة ولم يُبقِ لديه إلّا كلبين، وأشارت إلى أنَّ شقيقها كان متوجّساً من حصول إشكال كبير مع المتَّهم بالنظر لتصرّفات هذا الأخير، وأنَّه في تاريخ وقوع الحادثة كانت إبنتها سارا ماريا البالغة من العمر أحد عشر عاماً متواجدة وأخبرتها بأنّه في بداية الإشكال شاهدت وسمعت المتَّهم يقول لشقيقها المغدور “ليش عم تتمسخرني”، فأجابه الأخير “مش عم بتمسخرك” ليتهجَّم بعدها المتَّهم على المغدور جان بول ويصفعه ويستمرّ العراك فصعدت ابنتها إلى منزلها، وأشارت إلى أنَّها تعلم بوجود مشاكل بين المتَّهم وزوجته بسبب طباعه الحادة وأنَّ هذه الأخيرة تركت المنزل في إحدى المرّات لهذه الأسباب إذ أرسلت إليها زوجة المتَّهم بعض الرسائل على هاتفها عن طريق الخطأ تعبّر فيها عن امتعاضها من سلوك زوجها، ونفت إقدام أهلها على مضايقة المتَّهم وأدلت بأنَّ والدها المغدور لا يرى جيّداً جرّاء إصابته بداء السكّري، وأضافت بأنَّها تعتقد بأنَّ المتَّهم قد حضَّر نفسه مسبقاً لارتكاب جريمة قتل أهلها.
وتبيَّن من مندرجات التقرير عدد 206/6437 تاريخ 2017/1/16 المنظَّم من قِبل مكتب المختبرات الجنائية وجود آثار البصمة الوراثية للمغدور جان حبّ الله على العصا الخشبية المرفوعة من مسرح الجريمة في حين لم يتبيَّن وجود آثار للبصمات الوراثية العائدة لسائر الضحايا أو للمتَّهم، في حين أنَّ آثار البصمة الوراثية لهذا الأخير وُجدت على قبضة وزند المسّدس المُستعمل في الجريمة موضوع الملاحقة دون غيرها من بصمات عائدة للضحايا؛ من نحوٍ آخر تبيَّن وجود آثار للبصمة الوراثية العائدة للمتَّهم تحت أظافر يديّْ المغدور جان بول حبّ الله دون غيره من الضحايا.
وتبيّن أنّه في جلسة المحاكمة العلنية أمام هذه المحكمة:
– اعترف المتَّهم طاني عبّود بإقدامه على قتل المغدورين الأربعة موضحاً أنَّه كان في حالة اللاوعي أثناء إطلاقه النار إذ تعرَّض للضرب على رأسه بشكّلٍ أفقده القدرة على التركيز والتمييز فأمسك المسدّس بشكّلٍ لا يمكن إفلاته إذ تقلَّصت عضلاته ولم يعد يعلم ما حصل بعد ذلك، حتّى أنَّه لم يعد يذكر كيفية حصول واقعة إطلاق النار، وبسؤاله عن الإصابات التي تعرَّض لها المغدورين، أشار إلى أنَّ عمله في الأمن العام كان في المواكبة وحماية الشخصيّات وبالتالي فهو مدرّب على استعمال السلاح والتصويب بدقّة، واضاف أنَّه حتّى اليوم لا يعرف السبب الذي كان وراء تعرّض ومهاجمة آل حبّ الله له، وأكَّد على أنَّه كان تحت تأثير الصدمة حين أدلى بإفادتيْه الأوّلية والإستنطاقية إلّا أنّه أدلى بحقيقة ما حصل وما يذكره عن الحادثة، وأفاد بعدم وجود خلافات بينه وبين آل حبّ الله إلّا أنَّهم غيَّروا سلوكهم تجاهه وتجاه عائلته وأكَّد على أنَّ زوجته لم تخبره بأنَّ المغدور جان بول تحرَّش بها محاولاً تقبيلها على مدخل البناء، وفي ما خصَّ المغدور أنطوان الشدياق أشار إلى أنَّ علاقته به جيّدة جدّاً ولم يُشاهده أثناء الإشكال إذ ليس لديه أيّ سبب يدفعه إلى التعرُّض إليه، وأضاف أنَّه وفي لحظةٍ جنونية وبعد أنْ أطلق النار على المغدورين، قام بالفعل ذاته وقتل الكلاب الموجودة في المرآب والعائدة للمغدور جان بول، وأفاد بأنَّه بعد إطلاق النار صعد إلى منزله وأحضر منه رصاصاً وذخرّ ببعضها مسدّسه وتوجَّه إلى مركز الأمن العام في ريفون حيث سلَّم نفسه، وأشار إلى أنَّه قبل حصول الإشكال كان بحوزته ثلاثة مماشط تحتوي على ثلاثين طلقة تقريباً صالحة للإستعمال، إلّا أنَّه لم يعد يذكر ما إذا كان قد استهلك كلّ الرصاصات بمعرض إطلاق النار، واعتبر أنّ إطلاق النار بهذه الطريقة والنتيجة التي ترتَّبت عليه تدلُّ على عدم وعي الفاعل وفقدانه السيطرة على نفسه مشيراً إلى أنَّه لم يشاهد المغدور أنطوان الشدياق لا واقفاً ولا ملقى على الأرض ولا يعرف حتّى تاريخه كيف ومن أصابه، وأوضح أنَّه لم يكن يضايقه موضوع قيام المغدور جان بول بتربية الكلاب إلّا أنَّه كان معترضاً على ربطها في مرآب السيّارات خوفاً على أولاده كونها شرسة، مشيراً إلى أنَّه سبق له أن اشتكى من الموضوع لدى بلدية عشقوت والتي راجعت المغدور بهذا الخصوص ممّا اضطرَّه إلى التخلّص من قسم من الكلاب وأبقى القسم الآخر بعد مداخلاتٍ عدّة، كما وتقدَّم بعدّة شكاوى أمام فصيلة ريفون، وأوضح أنَّه خلال الإشكال حاول المغدور جان بول لثلاث مرّات نزع مسدّسه عن وسطه إلّا أنَّه –أي المتَّهم- كان يعيده إلى جعبته وفي المرّة الثالثة نجح المغدور بنزع المسدّس والإمساك به إلّا أنَّه –أي المتَّهم- استرجعه منه وأعاده إلى الجعبة وأنَّ هذا الأمر أدّى إلى تطوّر الإشكال لأنّه عندما أعاد المسدّس قام المغدور بضربه على رأسه لأكثر من مرَّة ما أفقده وعيه.
-أيّد الشاهد فراس ديوب مضمون إفادته السابقة، وأدلى بأنَّه شاهد العراك وإطلاق النار الذي تبعه إلّا أنَّه لم يعلم ما هو سببه، وأضاف أنَّه يسكن في الطابق الأوّل الموازي لمرآب البناء حيث حصل الإشكال وأنَّه لدى خروجه من منزله شاهد المتَّهم يمسك المغدور جان بول حبّ الله والذي كان يدافع عن نفسه بضرب المتَّهم على وجهه، فحاول هو –أيّ الشاهد- إبعادهما عن بعضهما البعض فلم يتمكّن إلى أنْ وصلت سيّدة تدعى ريتا وصرخت محذِّرةً من وجود مسدّس قد أُشهر فشاهد المتَّهم في تلك اللحظة يلقّم مسدّسه بالرصاص ويصوّبه باتجاه المغدور جان بول حب الله حيث أصبح هو –أيّ الشاهد- واقفاً بينهما فحاول ردع المتَّهم الذي غيَّر موقعه وأطلق النار فأصابت الطلقة الأولى الأرض ليعود ويردي جان بول أرضاً عن مسافة أربعة إلى خمسة أمتار ومن ثمَّ أطلق النار على والدة هذا الأخير والتي كانت فاقدة الوعي وممدَّدة أرضاً، وأوضح أنَّه صُدم بما شاهد فدخل وزوجته إلى منزلهما، وأنَّه منذ حوالي الشهر قبل الحادثة، كان المتَّهم برفقة ابنته في المرآب فشاهَدَت هذه الأخيرة كلباً مستلقياً تحت السيّارة الأمر الذي أخافها وأغضب المتَّهم الذي بدأ بالصراخ إذ كان يعتبر أنَّ الكلاب العائدة للمغدور تجتذب كلاباً شاردة ومنها ذلك الذي كان في المرآب، وأشار إلى أنَّه بعد تلك الحادثة توسَّط صهر آل حبّ الله بين الطرفين وتوصّلوا إلى اتفاق يقضي بإبعاد الكلاب كلّياً عن البناء، وأفاد بأنَّه لم يرَ المغدورين جان حبّ الله وأنطوان الشدياق في مسرح الجريمة، مشيراً إلى أنَّ المدعوة ريتا كانت قريبة منه وحاولت معه إبعاد المتَّهم والمغدور جان بول، ونفى أنَّ يكون هذا الأخير قد نزع المسدّس من المتَّهم كما أنه لم يُشاهد المدعوة ريتا تحاول نزعه أيضاً.
-أيَّدت الشاهدة ريتا ملحم مضمون إفادتيْها الأوّلية والإستنطاقية، وأوضحت بأنَّها تقطن في البناء المقابل للبناء حيث حصل الإشكال وما إنْ شاهدت جمهرة الموجودين حاولت التدخّل لفصل الناس عن بعضهم البعض ثمّ فوجئت بالمتَّهم طاني عبّود يحمل مسدّسه ويطلق النار على المغدور جان بول حبّ الله ومن بعده على إمرأة عجوز ممدَّدة أرضاً ومن ثمَّ على رجل طاعن في السن، إلّا أنها لم تشاهده وهو يطلق النار على الكلاب، فسارعت الى الهرب واختبأت في منزلها وقد استمرّ إطلاق النار، ونفت معرفتها بالضحايا أو بالمتَّهم أو بسبب الإشكال أو بما إذا كان يوجد خلافات سابقة بين هؤلاء، وأشارت إلى أنَّها لم تشاهد المتَّهم يبدّل أيّة مماشط خلال عملية إطلاق النار، كما نفت محاولتها نزع المسدّس عن وسط المتَّهم رغم أنَّها فكَّرت بالموضوع تجنّباً لأيّ تطوّر، وأنَّها شاهدت هذا الأخير يتشاجر مع المغدور جان بول والذي كان على الأرض وكان الأوّل ممسكاً به ويضربه، وأضافت أنَّ المغدور جان حبّ الله لم يكن موجوداً عند بداية الإشكال إنَّما وصل بعدها إلى ساحة الإشكال كما وصل بعدها المدعو فراس ديوب الذي نجح في الفصل بين المتعاركّيْن ما سمح للمغدور جان بول بالهرب حيث قام المتَّهم بإطلاق النار عليه.
-أيَّد المؤهل نديم طنّوس مضمون المحضر المنظَّم من قِبله، وأفاد بأنَّهم وجدوا العصا الخشبية في مسرح الجريمة محطَّمة إلى أربعة أجزاءٍ أحدُها منحني بحيث يُعتقد أنّها كانت تُستخدم من قبل شخصٍ طاعنٍ في السنّ لمساعدته على السير وبأنَّه يعتقد أنَّها عائدة للمغدور جان حبّ الله.
-أيَّد الرقيب أوّل فرنسوا سعاده مضمون التقرير المنظَّم منه.
-أيَّد الطبيب الشرعي نادر الحاج مضمون التقارير المعدَّة منه كافة والتي تُظهر نتيجة كشفه على الضحايا والمتَّهم، وأشار إلى انَّه يعتقد بأنَّ الجروح التي أُصيب بها هذا الأخير ناجمة عن عراك.
-أيَّد الطبيب الشرعي أحمد المقداد مضمون التقارير المعدَّة منه كافة والتي تُظهر نتيجة كشفه على الضحايا والمتَّهم، وأشار إلى أنَّ عدم وجود وشم بارودي على جثّة المغدورين إيزابيل وجان يعني بأنَّ المسافة التي كانت تفصلهما عن المتَّهم بعيدة، وأنَّ الجروح والإصابات الموجودة على جسد المتَّهم وجثّة المغدور جان بول كانت عبارة عن خربشة أظافر وارتطام بجسمٍ صلب إلّا أنَّه لا يمكنه تحديد أسبابها.
-كرَّرت زوجة المتَّهم المدعوة ريّان أبي خليل مضمون إفادتيْها الأوّلية والإستنطاقية، وأضافت أنَّها كانت عرضة لعنفٍ أسريٍ، كلامي وجسدي، مارسه زوجها المتَّهم في حقّها خلال حياتهما الزوجية وذلك بسبب شكوك غير مبرَّرة كانت تراوده وصلت إلى حدِّ التدقيق في هاتفها وأخذه معه إلى عمله بهدف رصد إتصالاتها، وأوضحت بأنَّه على خلاف ذلك كان أباً صالحاً لأولاده، وأشارت إلى أنَّ المتَّهم كان يشكّ بها بشكلٍ يتخطّى المنطق منذ أولى أيّام خطوبتهما وزواجهما، وأنَّه منذ حوالي الأربعة أشهر التي سبقت الجريمة، تطوَّرت شكوكه تجاه المغدور جان بول حبّ الله لدرجة اتهامها بوجود علاقة تربطها بهذا الأخير كما طلب منها عدم التعاطي معه، وأدلت بأن ليس هناك ما يبرّر حصول الجريمة وأنَّها لا تستطيع تحديد سببها إلاّ أنَّ شكوكه حول وجود علاقة بينها وبين المغدور جان بول يمكن أنْ تكون أحد أسبابها، وأضافت أنّها لا تعتقد بأنَّ وجود الكلاب كان وراء ارتكاب الجريمة علماً أنَّها صادفت كلباً بالقرب من السيّارة مرةً واحدة فقط، وبأنَّ إشكالاً وقع بين المتَّهم وجان بول على خلفية تقديم الأوّل شكوى يعترض بموجبها على وجود الكلاب، ونفت أن يكون هذا الأخير قد تعرَّض لها يوماً بشكلٍ غير لائق أو مستفزّ، وأوضحت أنَّهم لم يتعرّضوا إلى أيّ إساءات من الجيران إلّا أنَّه كان يتهيَّأ لزوجها المتَّهم أشياء وأشخاص تستهدفه، وأشارت إلى أنَّ زوجها المتَّهم كان يخبرها بوجود، كما كانت تشاهد بنفسها، أشياء كنقاط مياه على السيّارة وبأنَّ المتَّهم كان يفسّرها بغير معناها على أنَّها مقصودة وبنيَّة أذيّته.
ثانياً – في الأدلّة
تأيَّدت هذه الوقائع:
– بالإدعائين العام والشخصي.
– بمضمون التحقيقات الأوّلية والإبتدائية وبالإستجواب والإستماع إلى الشهود الحاصلين أمام هذه المحكمة.
– بإعترافات المتّهم الواضحة والصريحة والمفصّلة في مراحل التحقيق كافة وأمام هذه المحكمة.
– بمدلول سائر أقوال المتَّهم.
– بمدلول أقوال الشهود والمستمع اليهم.
– بتقارير الطبيبين الشرعيين.
– بالكشف الحاصل على مسرح الجريمة.
– بتقريري مكتب الحوادث في بعبدا ومكتب المختبرات الجنائية.
– بالمحاكمة العلنية وبمجمل أوراق ملف القضيّة الحاضرة.
ثالثاً – في القانون
أ) في دعوى الحق العام
حيثُ إنَّ المتّهم طاني عبّود قد أُحيلَ أمام هذه المحكمة ليحاكم مُسنداً إليه أنّه قد أقدم على قتل كلٍّ من المغدورين جان حبّ الله وجان بول حبّ الله وإيزابيل الشدياق حبّ الله وأنطوان الشدياق، عن طريق إطلاق النار عليهم مرّاتٍ عدّة من مسدسه الأميري، وقد اعتبر الإسناد أنّ فعل المتّهم ينطبق على جناية المادة 548، فقرتها الخامسة، من قانون العقوبات؛
وحيثُ إنَّ هذه المحكمة مُستقرةٌ على أنَّ لها أنْ تستخلص من مجمل العناصر القائمة في ملفّ القضيّة المطروحة أمامها الصورة الصحيحة للواقعة الجرمية حسبما يؤدّى إليه إقتناعها ما دام استخلاصها متطابقاً مع الأدلّةِ المتوفّرةِ في المِلف المقبولةِ قانوناً وعقلاً وعلماً؛
وحيثُ إنّ هذه المحكمة ومن تمحيصها مجمل الأدلّة الواردة في الملف ومن أخْذِها بما تقاطعت عليه إفادات المستجوب والشهود، ثبت لها ما يلي:
– أنَّ العلاقة بين المتّهم من جهةٍ وبين المغدور جان بول حب الله ووالدي هذا الأخير من جهةٍ أخرى كانت معكّرةً بخلافات أقلّه خلال الأشهر الأخيرة السابقة للحادثة، وذلك لأسباب عدَّة أهمّها: (1) تربية المغدور جان بول حبّ الله للكلاب في مرآب البناء، وقد تبيَّن أنَّ هذه المسألة كانت موضوعاً لشكاوى عدّة ؛ (2) وضع مواد وزيوت على سيّارة المتَّهم وباب منزله والتي تبيَّن أنَّها كانت بدورها موضوع شكوى جزائية علماً أنَّ زوجة المتَّهم اعتبرت أنَّ هذا الأخير كان يبالغ بشأن هذه الأمور ويتّهم بها جيرانه آل حب الله ويتفاعل معها كاستهدافٍ مباشرٍ له ما يُناقض إفادتها الأوّلية التي أكّدت فيها على صحّة وقوع هذه الأفعال؛ (3) شكوك المتَّهم حول وجود علاقة بين المغدور جان بول وزوجته لدرجة طلبِه من هذه الأخيرة عدم التعاطي مع جان بول، كما أنَّها تركت منزلها لأربعة أيّام لهذا السبب؛
– في تاريخ حصول الجريمة، وصل المتَّهم، مرتدياً بزَّته العسكرية ومسدّسه الأميري على وسطه، وذلك برفقة والده على متن سيّارة الأوّل الذي ركنها في مرآب البناء حيث وقعت الجريمة، ووصلت بعده زوجته برفقة أولادهما ومن ثمَّ وصل المغدور جان بول حبّ الله بسيّارته أيضاً؛
– على أثر تبادل نظرات بين المتَّهم والمغدور جان بول، سأل الأوّل الأخير عن سبب نظراته معتبراً أنّ فيها استفزازاً له، فردّ عليه هذا الأخير ردّاً لم يتسم بالإستيعابية بطريقة أثارت حفيظة المتَّهم الذي اقترب من المغدور جان بول وبادر إلى صفعه على وجهه لينشب على اثر ذلك عراكٌ بينهما وهنا ثبُت:
• وصول المغدور جان حبّ الله بعد بدء العراك ومشاركته فيه عن طريق ضربه للمتَّهم بالعصا الخشبية التي يستعملها لمساعدته على السير،
• لم يتوضَّح شكل تدخّل المغدورة إيزابيل حبّ الله في ذلك الإشكال وما إذا كان قد أتى مشاركةً منها في العراك أم كمحاولة للفصل بين المتعاركين، لكنّ الثابت أنّه قد تمَّ دفعها وإسقاطها أرضاً وأنّه أغميَ عليها، بدليل وجود رتبة بزّة المتَّهم مرمية إلى جانب جثّتها، وإفادة المدعوة ريتا ملحم بأنَّها عند وصولها إلى موقع الإشكال شاهدت المغدورة ممدَّدة أرضاً قبل إطلاق النار عليها، كما أفادت والمدعو فراس ديوب بأنّ َالأخيرة كانت ما زالت ممدَّدة أرضاً ومغميّاً عليها عندما أطلق المتَّهم النار عليها،
• محاولة المدعوة ريتا ملحم إبعاد المتعاركَيْن عن بعضهما البعض إلاّ أنَّها لم تنجح، لينضمّ المدعو فراس ديوب إليها محاولاً إبعادهما أيضاً وقد نجح في ذلك مبعداً إيَّاهما للحظات عاودا بعدها اشتباكهما،
• أنَّ المتَّهم كان ممسكاً برأس المغدور جان بول حبّ الله تحت إبطه ويضربه، في حين كان هذا الأخير يوجّه له الضربات على وجهه وقد أدخل أحد أصابع يده اليمنى في عين المتَّهم والإبهام في فمه ما دفع هذا الأخير إلى عضّه الأمر الذي يفسّر من جهة الجرح الدائري على إبهام جثّة المغدور جان بول والجرح الذي استلزم التقطيب في لثّة المتَّهم،
• لاحظت المدعوة ريتا ملحم وجود مسدّس على وسط المتَّهم، فصرخت محذّرةً من وجود سلاح وحاولت نزعه، وإنْ نفت ذلك في إفادتها الإبتدائية وأمام هذه المحكمة، إلّا أنَّها أفادت بذلك أوّلياً بُعيد انتهاء الجريمة، ما يُضفي مصداقية على هذه الإفادة الأخيرة لا سيّما وأنَّ المتَّهم أكَّد على أنّه أحسّ بمحاولة سحب المسدّس عن وسطه وظنَّ أنَّ من يفعل ذلك هو المغدور جان بول إلّا أنَّه لم يتبيَّن وجود أثار بصمات هذا الأخير على المسدّس،
• إستلّ بعدها المتّهم مسدسه ولقّمه وأطلق النار منه في اتّجاه المغدور جان بول الذي كان الأقرب إليه بدليل وجود الوشم البارودي على فوهات دخول الرصاصات في جسده فأرداه، ثمّ أطلق النار على والدة هذا الأخير وأرداها، ومن بعد ذلك لحق بالمغدور جان حبّ الله وأطلق النار عليه وأرداه على درج البناء أثناء محاولته الهرب بدليل اصابته بالرصاصات من الخلف،
• لم يثبت وجود أيّ دور للمغدور أنطوان الشدياق في الإشكال كما لم يثبت إقدام المتَّهم على إطلاق النار عليه قصداً، لا سيّما وأنَّ أحداً من الموجودين لم يلاحظ وجوده في مسرح الجريمة قبل قتله،
• بعد أنْ أردى الضحايا، أطلق المتَّهم النار على الكلاب الموجودة في المرآب ومن ثمَّ صعد إلى منزله وأحضر عدداً من الرصاصات وتوجّه بعدها إلى مركز أمن عام ريفون حيثُ سلَّم نفسه،
وحيثُ إنّه وبعد تظهير الصورة الصحيحة للأفعال موضوع هذه القضيّة على النحو الآنف بيانه يقتضي التصدّي الى الإسناد موضوع القرار الإتّهامي لجهة مدى صحّته وثبوته والوصف الجرمي الذي يستتبعه والنتائج المترتّبة عليه؛
وحيثُ إنه ثابتٌ على نحوٍ غير معتورٍ بأيّ شكّ وباعتراف المتَّهم طاني عبّود الصريح والمباشر، أنَّ هذا الأخير قد أقدم قصداً على إطلاق النار على المغدورين جان بول ووالدَيه جان وإيزابيل حبّ الله منتوياً قتلهم ما أدّى إلى إزهاق روحهم؛
وحيثُ إنّ المتَّهم أدلى بأنّ ما أقدم به إنَّما يدخل ضمن إطار الدفاع المشروع عن النفس معتبراً بأنّ النتيجة الجسيمة لا تعدو إفراطاً منه في ممارسة دفاعه نتيجة حالة الغضب التي تملّكته من جرّاء ضربه على رأسه ومحاولة المغدور جان بول سحب مسدّسه عن وسطه وهو الأمر الذي جعله يستشعر خطراً محدقاً على حياته فبادر إلى إطلاق النار على غريمه ثّم دخل في حالةٍ من الإنفعال جعلته يطلق النار على والدي هذا الأخير؛
وحيثُ إنّ ما يدلي به المتّهم يفرض البحث في الظروف التي رافقت وقوع الجريمة وما إذا كان لها من أثرٍ يحول دون التجريم وإلاّ ينعكس إنقاصاً للعقوبة الواجب الحكم بها؛
وحيثُ إنَّه للبحث في ما إذا كان هناك إفراطٌ في ممارسة المتَّهم لحقّه في الدفاع عن نفسه، لا بدَّ أوّلاً من توافر شروط سبب التبرير المنوَّه عنه وفق أحكام المادة 184 من قانون العقوبات وقوامها حصول اعتداء غير محقّ وغير مثار يهدّد النفس أو المال على نحوٍ مداهمٍ وحالْ لا يسمح باللجوء إلى الوسائل المشروعة لمواجهته وصدّه، وأن يكون فعل الدفاع موجّهاً نحو المعتدي بهدف وقف اعتدائه وموازياً في جسامته لخطورة التعدّي، فإذا كان بالإمكان اللجوء إلى فعلٍ آخر مشروع أو فعلٍ جرمي أقلّ خطورة، لا يعود من مجالٍ للتذرّع بالدفاع المشروع؛
وحيثُ إنّه ومن العودة إلى الوقائع يتبيَّن أنَّ شرارة الإشكال كانت نظرة من المغدور جان بول حبّ الله استتبعها كلام قاسٍ منه وجّهه الى المتَّهم عبّود، في حين عزى هذا الأخير إطلاقه النار وقتله للمغدورين إلى تزامن تلقّيه الضرب المبرّح على رأسه ووجهه مع محاولة المغدور جان بول سحب مسدسه عن وسطه؛
وحيثُ ومن نحوٍ أوّل فإنْ كان الكلام الذي صدر عن المغدور جان بول لم يَرُق للمتَّهم عبود إلّا أنَّ هذا لا يحقّق على الإطلاق حالة التعرّض غير المحقّ المقررة قانوناً، إذ من المسلَّم به أن لا دفاع مشروع ضدَّ من اقتصر عمله على مجرّد مضايقات غير مادية وكلام قاسٍ لانتفاء عنصر الجدّية عن هكذا خطر؛
وحيثُ ومن نحوٍ آخر، فإنَّ كان من المقبول منطقاً أن لا يكون بمقدور المتَّهم في خِضمّ الإشكال معرفة أنَّ المدعوة ريتا ملحم هي من حاولت سحب المسدّس عن وسطه وليس المغدور جان بول، وإنْ كان من المقبول اأضاً أن يشعر أن من أقدم على ذلك هو غريمه جان بول، يبقى أنّ ردّ فعله المتمثّلة بسحب المسدّس وتلقيمه وإطلاق النار منه على المغدورين وقتلهم يبقى غير متوازنٍ مع ما استشعره وظنّه أو مع سائر ما صدر عن هؤلاء في حقّه، لا سيّما وأنَّ أحداً منهم لم يكن حاملاً سلاحاً حربياً وأنَّ المتَّهم أقرَّ إفاداته بأنّه استطاع لثلاث مرَّات متتالية إعادة المسدّس إلى جعبته وبالتالي كان بإمكانه صدّ محاولة نزع مسدّسه عنه دون الركون إلى إطلاق النار منه كما كان بمستطاعه ردّ الضرب الذي كان يتعرَّض له بما يماثله وإلّا بإطلاق النار في الهواء أو على الأرض تهديداً، وفي أقصى الأحوال عبر إصابة غريمه بطلقة نارية في مكان لا يزهق الروح وكان بمستطاعه كلّ هذا لحرفيّته بحكم تدريبه ووظيفته؛
وحيثُ ينبني على ذلك أنّه لا يستقيم قانوناً وواقعاً الإدلاء بكون إقدام المتّهم على قتل المغدورين الأربعة وبطلقات عدّة أسكنها في جثث ثلاثةٍ منهم واللحاق بأحدهم لإردائه قد أتى من قبيل الدفاع عن النفس؛
وحيثُ إنّه وفي ضوء ما تقدَّم يقتضي الخلوص إلى انتفاء الشروط المحقّقة لحالة الدفاع المشروع المبرّرة لما أقدم عليه المتَّهم، وتبعاً لذلك تنتفي إمكانية تطبيق أحكام المادة 228 من قانون العقوبات التي تتناول حالة الإفراط في ممارسة ذلك الحقّ؛
وحيثُ إنّه في سياقٍ متصل، فإنَّ المادة 252 من قانون العقوبات تُفيد من العذر المخفّف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بثورة غضبٍ شديدٍ ناتجٍ عن عملٍ غير محقٍّ وعلى جانبٍ من الخطورة أتاه المجنى عليه؛
وحيثُ إنّه وعلى فرض التسليم بثبوت قيام المغدورين من آل حبّ الله، وبالأخصّ جان بول، بعملٍ أو أعمالٍ غير محقّة تجاه المتّهم، إلّا أنَّ المادة المذكورة تشترط أن يكون ذلك العمل أو تلك الأعمال على درجةٍ من الخطورة تبرّر ردّ فعل الفاعل، ما يفترض نوعاً من التوازن بين خطورة العمل الصادر عن المستفِزّ وبين ردّة فعل الفاعل المستفَزّ، الأمر غير المتوافر في القضيّة الراهنة وفقاً لما هو مبيّن أعلاه بمعرض البحث في مدى توافر الشروط المحقّقة لحالة الدفاع المشروع، وعليه لا يستفيد المتَّهم من العذر المخفّف المنَّوه عنه؛
وحيثُ إنّ فعل المتّهم الثابت في جانبه والمتمثّل بقتله قصداً كلّاً من جان بول حب الله ووالديّ هذا الأخير، ينطبق في وصفه على جناية المادة 548 فقرتها الخامسة من قانون العقوبات فيقتضي تجريمه بها؛
وحيثُ إنّه لم ينهض في الملفّ ما يثبت إقدام المتَّهم عبّود على قتل المغدور أنطوان الشدياق قصداً لا سيّما وأنّه لم يثبت مشاركة هذا الأخير في ذلك الإشكال أو لعبه أيّ دورٍ فيه بدليل أنّ أحداً من المستمعين الذين كانوا موجودين على مسرح ذلك العراك لم يلاحظ وجوده قبل قتله؛
وحيثُ إنَّ المادة 206 من قانون العقوبات تنصُّ على أنّه إذا وقعت الجريمة على غير الشخص المقصود بها عوقب الفاعل كما لو كان اقترف الفعل في حقّ من كان يقصد.
وإذا أصيب كلاهما أمكن زيادة النصف على العقوبة المذكورة في الفقرة السابقة؛
وحيثُ إنّه وعملاً بأحكام هذه المادة يعتبر فعل المتّهم الذي أدّى إلى إزهاق روح أنطوان الشدياق فعلاً واحداً –ومقصوداً- مع جريمة قتل جان بول حب الله ووالديه فيستغرقه من ثّمَّ التجريم بجناية المادة 548 من قانون العقوبات؛
وحيثُ إنّه يقتضي البحث في العقوبة الواجب إنزالها في المتّهم طاني عبّود تبعاً لتجريمه بهذه الجناية؛
وحيثُ إنَّ المتّهم عبود وعلى الرغم من اعترافه الصريح في مراحل التحقيق كافة، جاء أمام هذه المحكمة ليدلي مستدركاً بأنّه أقدم على ارتكاب جريمته دون وعي أو إدراك؛
وحيثُ إنّ هذا الأمر الأخير المدلى به استدراكاً، مستوجبٌ الإهمال لوضوح أنّه لا يعدو أن يكون محاولةً للتملّص من التبعة أو لحمل المحكمة إلى الخلوص إلى عقوبةٍ مخفّفةٍ، لا سيّما وأنّه يتناقض مع أقوال المتّهم الصريحة الواردة في مراحل التحقيق كافة، ويتناقض مع ارتكابه جريمته بحرفية ومهارةٍ وسرعةِ بديهة تدلُّ جميعها على وعيٍّ كامل، ممّا ينفي تأثّر وعيه حين اتيانه لما اقترفه، ويثبت حالة تمام الوعي لديه عند تنفيذه لفعله الجرمي؛
وحيثُ إنّه يقتضي والحال ما تقدّم ردّ الطلب الرامي الى منح المتّهم الأسباب المخفّفة لإنتفاء مقتضيات قبوله وإنزال العقوبة المحدّدة في المادة 548 من قانون العقوبات وهي عقوبة الأشغال الشاقّة المؤبّدة.
ب) في دعوى الحق الشخصي
حيثُ إنَّ المدعوتَيْن جسي وإلسي جان حبّ الله، ابنتيّْ المغدورين جان وإيزابيل حبّ الله وشقيقتي المغدور جان بول حبّ الله، إتّخذتا صفة الإدعاء الشخصي في هذه القضيّة بواسطة وكيلهما القانوني وطلبتا إلزام المتّهم بدفع مبلغ مليون دولار أميركي تعويضاً عن العطل والضرر اللاحق فيهما من جرّاء إقدام هذا الأخير على ارتكاب جناية القتل قصداً في حقّ والديهما وشقيقهما المغدورين؛
وحيثُ إنَّ المدعوين يوسف وجوزيان وإلياس أنطوان الشدياق، أولاد المغدور أنطوان الشدياق، إتّخذوا صفة الإدعاء الشخصي في هذه القضيّة بواسطة وكيلهم القانوني وطلبوا إلزام المتّهم بدفع مبلغ مئتي مليون ليرة لبنانية تعويضاً عن العطل والضرر اللاحق فيهم من جرّاء إقدام هذا الأخير على ارتكاب جناية القتل في حقّ والدهم؛
وحيث إنَّه عملاً بأحكام المادة 129 من قانون العقوبات، يعود للمرجع الجزائي أن يقضي بالتعويض عن العطل والضرر، وتُوجِبُ المادة 132 من القانون المذكور تطبيق أحكام المواد 134 إلى 136 ضمناً من قانون الموجبات والعقود، التي تفرض التعادُل بين التعويض عن الجرم والضرر الناتج عنه وتُدخل ضمن إطار التعويض أشكال الضرر كافة، مادياً كان أم أدبياً، مباشراً أم غير مباشرٍ؛
وحيثُ إنَّ هذه المحكمة، إنطلاقاً من هذا الأساس القانوني وبما لها من سلطةٍ في التقدير، وإذْ تأخذ بعين الإعتبار مجمل معطيات هذه القضيّة وأنّه ليس ثمّة تعويضٌ ماديٌّ من شأنّه أن يعوّض هاتين الإبنتين عن فقدانهما والدهما وشقيقهما، وأولئك الأبناء عن فقدانهم والدهم، أو أن يبدّد ذلك الحزن والألم اللذين استوطنا في قلوبهم على نحوٍ مستديم بفعل ما تعرّض له المغدورون، تخلُص إلى الحكم بإلزام المتّهم عبّود بأن يدفع الى المدّعيتَيْن جسي وإلسي جان حبّ الله تعويضاً مقداره خمسمئة مليون ليرة لبنانية، وإلى المدعين يوسف وجوزيان وإلياس انطوان الشدياق تعويضاً مقداره مئتا مليون ليرة لبنانية؛
وحيثُ إنَّه في ضوء التعليل السابق والنتيجة المنتهى إليها لم يعد من داعٍ للبحث في سائر ما زاد أو خالف من مطالب وإدلاءات إمّا لكونها لقيت ردّاً ضمنياً أو لعدم الجدوى؛
لـذلك،
وبعد سماع ممثّل النيابة العامة،
فإنّها تحكم بالإجماع:
أوّلاً- بتجريم المتّهم طاني سمير عبود، المبيّن كامل هويّته في مستهلّ هذا الحكم، بجناية المادة 548/فقرتها الخامسة من قانون العقوبات وبإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤبّدة في حقّه.
ثانياً- بإلزام المتّهم طاني عبّود بأن يدفع مبلغ خمسمئة مليون ليرة لبنانية إلى المدعيتَيْن جسي وإلسي حبّ الله، ومبلغ مئتي مليون ليرة لبنانية إلى المدعين يوسف وجوزيان وإلياس الشدياق.
ثالثاً- بتضمين المتّهم عبود الرسوم والنفقات كافة، وبإعلان صيْرورته في حالة الحجر وفقاً للمادة 50 من قانون العقوبات.
رابعاً- بردّ كلّ ما زاد أو خالف من أسباب ومطالب.
صدر هذا الحكم بالصورة الوجاهية في بعبدا في 2020/7/20، وتُلي وفقاً للأصول وفقاً لما هو واردٌ في المحضر المدرج أدناه
“محكمة” – الإثنين في 2020/7/20
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!