مقالات

إنفجار بيروت.. المسؤولية القانونية والسياسية/ضياء الدين زيباره

المحامي الدكتور ضياء الدين محمّد زيباره:
أصيبت بيروت بنكبة غروب الثلاثاء في 2020/8/4 عبارة عن انفجار هو الثالث عالمياً من حيث الضخامة بعد انفجاري هيروشيما وناكازاكي عام 1945.
ماهية الإنفجار
الإنفجار وفقاً لما نقلته وكالات الأنباء العالمية ومنها وكالة الصحافة الفرنسية، تسبّبت به مادة نيترات الأمونيوم، وهي عبارة عن ملح أبيض عديم الرائحة يستخدم كأساس للعديد من الأسمدة النيتروجينية على شكل حبيبات، ويمكن أيضًا استخدامه في تصنيع الأدوات المتفجّرة.
ففي 19 نيسان/أبريل 1995، فجّر تيموثي ماكفي عبوة وزنها طنين من السماد أمام مبنى فدرالي اتحادي في مدينة أوكلاهوما، ممّا أسفر عن مقتل 168 شخصًا.
تمّ تخزين حوالي 2750 طناً من نيترات الأمونيوم في مستودع في مرفأ بيروت، حيث انفجر البارحة ما أسفر عن استشهاد مئات الأشخاص وجرح الآلاف وأضرار كبرى في العاصمة اللبنانية قدّر قيمتها محافظ بيروت بين ثلاثة وخمسة مليارات دولار.
جيمي أوكسلي، وهي أستاذة الكيمياء في جامعة رود آيلاند التي أجرت دراسات عن إشتعال مادة نيترات الأمونيوم، أكّدت أنّه من الصعب جدّاً إشعالها كما أنّه ليس من السهل تفجيرها.
وشكّلت نيترات الأمونيوم مصدراً للعديد من المآسي، عرضية أو جرمية، في العالم.
في المسؤولية القانونية
لدى استعراض مواد قانون الجمارك (المرسوم رقم 4461 الصادر في 2000/12/15) يتبيّن عدم قانونية وضع المواد القابلة للإلتهاب في المستودعات، ووجوب مصادرتها، وإلحاقاً بذلك تلفها أو تصديرها، وأنّه تترتّب المسؤولية المدنية في معرض تطبيق هذا القانون، وأنّ الأصل هو سوء النيّة.
فنصّت المادة 205 منه:”لا تقبل في وضع المستودع العمومي المنتوجات الحاملة علامات كاذبة أو علامات مشبوهة، وأنواع البارود والمتفجّرات والمواد الشبيهة بها، والمواد القابلة للإلتهاب، والبضائع التي تظهر فيها علامات الفساد أو العطل، والبضائع التي يعرّض وجودها في المستودع لأخطار أو التي قد تضرّ بجودة المنتوجات الأخرى، والبضائع التي يتطلّب حفظها إنشاءات خاصة غير متوفّرة في المستودع العمومي، والبضائع المنفرطة”.
ونصّت المادة 421:
” أ- تستهدف لحجز البضائع المهرّبة ومصادرتها، بشرط مراعاة أحكام المادة 422 وتطبيق الجزاء المحدّد في المادة 423، المخالفات التالية:
1- أحكام مشتركة بين جميع البضائع:
رقم 1- استيراد أو محاولة استيراد البضائع الممنوعة أو المحتكرة أو المقيّدة أو الخاضعة للرسوم الجمركية بطريقة التهريب أو دون مانيفست أو دون بيان جمركي.”
ونصّت المادة 416:”تترتّب المسؤولية المدنية في معرض تطبيق هذا القانون بتوافر العناصر المادية للمخالفة ولا يجوز الدفع بحسن النيّة”.
ومن مراجعة القرار رقم 45 تاريخ 1998/9/3 الصادر عن مجلس الوزراء (نظام استثمار المنطقة الحرّة في مرفأ بيروت)، يتبيّن أنّ المادة 49 منه نصّت على:”تسأل الإدارة (إدارة واستثمار مرفأ بيروت) عن البضائع المخزّنة في مستودعاتها العمومية وفقاً للأنظمة النافذة، وعلى الإدارة إبلاغ الجمارك عن كلّ مخالفة لهذه الأنظمة عند علمها بها سواء ارتكبت هذه المخالفة في المستودعات العمومية أم في المستودعات الخاصة.”
وبما أنّ الإدارة ارتكبت مخالفة فاضحة وفادحة تتمثّل بعلمها بالمواد الموجودة داخل العنبر رقم 12.
وبما أنّ الجمارك تعلم بهذه المخالفة. فأصبحت إدارة الجمارك وإدارة المرفأ مسؤولتين بالتكافل مادياً في أموالهما الخاصة، وجزائياً عن هذا التفجير.
في المسؤولية السياسية
نصّت المادة 64 من الدستور اللبناني:”رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة يمثّلها ويتكلّم باسمها ويعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء، وهو يمارس الصلاحيات الآتية:…
7- يتابع أعمال الإدارات والمؤسّسات العامة وينسّق بين الوزراء ويعطي التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل.”
إذا إنّ رؤساء مجلس الوزراء المتعاقبين منذ العام 2014 هم المسؤولون سياسياً عن عدم معالجة مسألة تخزين هذه المواد وبالتالي عن هذه النكبة.
وأخيراً تبقى الإشارة إلى أنّه من الناحية القضائية كان لزاماً على النيابة العامة التمييزية التحرّك فوراً وتوقيف من يجب توقيفه من كبار المسؤولين في إدارة المرفأ والجمارك ريثما يصار إلى الإنتهاء من التحقيق وتوزيع المسؤوليات.
ومن الناحية السياسية كان لزاماً على الحكومة – إنْ لم يستقل رئيسها – أن تجتمع في لحظة الإنفجار وتتخذ تدابير عقابية وإدارية استثنائية، ولجهة اللبنانيين- ومع تسجيل ملاحظة إيجابية لجهة التضامن بين مختلف أطياف الوطن- كان عليهم التظاهر والإعتصام حتّى التخلّص من هذا النظام الطائفي الفاسد الذي هو سبب كلّ البلاءات والسبب في تغطية المرتكبين.
“محكمة” – الأربعاء في 2020/8/5

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!