أبحاث ودراسات

واقع ترسيم حدود المياه البحريّة اللبنانيّة وإطار قانونيّته (النزاع اللبناني-الإسرائيلي نموذجًا)/ مصطفى المصري

مصطفى المصري:
منذ توقيع المجتمع الدولي على اتفاقيّة الأمم المتحدة لقانون البحار في منتيغو باي/ جامايكا سنة 1982 ودخولها حيّز النفاذ عام 1994، واستحداث المنطقة الاقتصاديّة الخالصة التي تُعدّ من أهمّ المواضيع التي أتت على ذكرها الاتفاقيّة، الأمر الذي جعل لكلّ دولة ساحليّة الحقّ بمنطقة اقتصاديّة بحريّة مميّزة. وبما أنّ لبنان دولة ساحليّة تقع على البحر الأبيض المتوسط، كان من الضروري المصادقة على هذه الاتفاقيّة وهذا ما تمّ بموجب القانون رقم 1994/295، وما إن كَثُرت التقديرات وتفاوتت الأرقام التي تشير إلى كمّيات كبيرة من البترول في قاع المياه البحريّة اللبنانيّة عام 2010 عَقب صدور تقرير شركة نوبل للطاقة عبر فحوص زلزاليّة ثلاثيّة الأبعاد تاريخ 2010/6/22، حتّى شكّلت حافزًا للبنان في تطوير قوانينه البحريّة واتخاذ الخطوات القانونيّة اللازمة والمناسبة وفق القانون الدولي لاستغلال ثرواته الطبيعيّة.
واجه لبنان العديد من المشاكل في ترسيم حدود مياهه البحريّة لمنطقته الاقتصادية الخالصة سيّما الجنوبيّة منها المحاذية للجزء الشمالي من المياه الاقليميّة الاسرائيليّة، فقد اتفقت الأخيرة مع قبرص لتحديد المنطقة الاقتصاديّة الخالصة باعتمادها النقطة (1)(1) أساسًا للتحديد (2010/12/17)، وقد أودعت إحداثياتها الجغرافيّة على هذا الأساس لدى الأمم المتحدة(2011/7/12) دون مراعاة الموقف اللبناني الذي اعتمد النقطة (23)(2) في إحداثياته الجغرافيّة بدلًا من النقطة (1) المؤقّتة(3) التي أودعها الأمم المتحدة بتاريخ 2010/10/19، علاوة على المعايير غير الدقيقة التي اعتمدتها إسرائيل في ترسيم حدودها البحريّة.
من أهمّ الخطوات التي اتخذها لبنان في هذا الاطار تحديد المناطق البحريّة والاعلان عنها بموجب القانون رقم 2011/163، لا سيّما المياه البحريّة التي تمارس عليها الدولة حقوقًا سياديّة بهدف استكشاف ثرواتها الطبيعيّة واستغلالها ألا وهي المنطقة الاقتصاديّة الخالصة بموجب المرسوم رقم 2011/6433، بالاضافة إلى المرسوم رقم 2017/42 الذي قسّم المياه البحرية اللبنانيّة إلى مناطق على شكل رقع (Blocks)، سيّما الرقعة 8 آخذًا النقطة (23) أساسًا في ترسيم حدوده البحريّة الجنوبيّة.
تكمن أهميّة هذه الدراسة في تحديد مفهوم المنطقة الاقتصاديّة الخالصة وترسيمها وفقًا للقانون الدولي، وذلك بتسليط الضوء على النقاط الأساسيّة المفصليّة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، هذا من جهة أولى. أمّا من جهة ثانية، فإنّنا سنقدّم تصوّرًا حول الأسس التي يمكن الإستناد إليها، والوسائل التي يمكن اللجوء إليها لتسوية المنازعات التي يواجهها لبنان بشكل عام والنزاع اللبناني-الاسرائيلي بشكلٍ خاص والمتعلّق بتحديد حدود المنطقة الاقتصاديّة الخالصة.
وعليه، تُثار الاشكاليّة الأساسيّة التالية: ما هي المنطقة الاقتصادية الخالصة والطرق القانونيّة التي تُرسّم بها هذه المنطقة؟ وهل أنّ الأسس والوسائل المُتاحة لتسوية المنازعات كفيلةٌ بتثبيت الحدود البحريّة ثباتًا قانونيًّا وفعليًّا؟
للإجابة على هذه الاشكاليّة، سنتطرّق في المدخل الأوّل إلى تحديد المنطقة الاقتصاديّة الخالصة في لبنان وفي المدخل الثاني إلى الوسائل التي يمكن اللجوء اليها لبنان لتسوية المنازعات المتعلّقة بمنطقته الاقتصادية الخالصة عامّةً وتلك الجنوبيّة منها خاصّة.
المدخل الأوّل: واقع ترسيم المنطقة الاقتصاديّة الخالصة للبنان
بادئ ذي بدئ، عرّفت المادة 55 من اتفاقيّة الأمم المتحدة لقانون البحار المنطقة الاقتصاديّة الخالصة بأنّها المنطقة الواقعة وراء البحر الإقليمي(4) وملاصقة له، يحكمها نظام قانوني مميّز يحدّد حقوق الدولة الساحلية والتزاماتها وولايتها وحقوق الدول الأخرى. وبالتالي، هذه المنطقة لا تُعتبر جزءًا من البحر الإقليمي وفي الوقت نفسه لا تُعتبر جزءًا من منطقة أعالي البحار(5)، فهي بمثابة منطقة تتوسّط منطقتيْ البحر الإقليمي التي تتمتّع الدولة الساحليّة بسيادة كاملة، وبين أعالي البحار حيث الحرّيات التقليديّة مفتوحة لكلّ الدول، ساحليّة كانت أم غير ساحليّة. بالتالي، يُثار التساؤل حول معايير إنشاء وتحديد هذه المنطقة؟
تمتد المنطقة الاقتصاديّة الخالصة بحسب المادة 57 من الاتفاقيّة إلى مسافة لا تتجاوز 200 ميل بحري من خطوط الأساس التي تستخدم لقياس البحر الإقليمي. يُقاس البحر الإقليمي من خط الأساس(6) الذي يوازي ساحل الدولة ويتبعه مختلف تعاريجه الطبيعيّة وأماكن بروزه وتجاويفه، وإذا كان الشاطئ كثير التعاريج أو وجدت سلسلة من الجزر على امتداد الشاطئ، تُعتمد خطوط الأساس المستقيمة التي تصل بين نقاط متقاربة ومتلاصقة(7). وبالتالي، فإنّ عرض المنطقة الاقتصاديّة الخالصة لا يتجاوز 176 ميلًا بحريًّا بعد اقتطاع 24 ميلًا تمثّل الحد الأقصى للبحر الإقليمي والمنطقة المتاخمة(8). بمعنى آخر، إنّ كلّ من البحر الإقليمي والمنطقة المتاخمة سيدخلان في حدود المئتي ميل بحريّ المخصّصة للمنطقة الاقتصاديّة الخالصة، أيّ أنّ الأخيرة لا تُحدّد ابتداءً من الخطّ الذي يحدّد المنطقة المتاخمة أو البحر الإقليمي وإنّما يبدأ تحديدها من الخطّ ذاته الذي يحدّد كلّ من المنطقتين المذكورتين.
أمّا بالنسبة لتعيين حدود المنطقة الاقتصاديّة الخالصة في حالة الدول المتقابلة أو المتلاصقة، فقد حدّدت المادة 74 من الاتفاقيّة كيفيّة رسم حدود بين المنطقتين الاقتصاديتين تتقابل أو تتلاصق سواحلها. فتعيين الحدّ الداخلي للمنطقة الاقتصاديّة الخالصة يكون من خطّ الأساس (أو خطّ القاعدة) الذي يُعتمد لتحديد جميع المناطق البحريّة ولا يمثّل أيّة مشكلة في الترسيم، بينما الحدّ الخارجي تُعيّنه الدولة الساحليّة على ألّا يمتدّ أكثر من 200 ميل بحري وهو أمرٌ قد يؤدّي إلى نزاعات حدوديّة بين الدول الساحلية المتقابلة أو المتلاصقة في البحار الضيّقة كالبحر الأبيض المتوسّط(9) ففي هذه الحالة لا تستطيع الدول المتقابلة الحصول على المدى الأقصى لمنطقتها الاقتصاديّة البحريّة. لذلك، أشارت المادة 74 من الاتفاقيّة إلى أنّه يتمّ تعيين المنطقة الاقتصاديّة الخالصة على أساس أحكام القانون الدولي كما أشير إليه وفق المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية(10) من أجل التوصّل لحلٍّ منصف، وإذا تعذّر الاتفاق يتمّ اللجوء إلى أساليب التسوية المنصوص عنها في الجزء الخامس عشر من الاتفاقيّة.
يُستخدم في ترسيم المنطقة الاقتصاديّة الخالصة طريقة خطّ الوسط أو البُعد المتساوي(11) وهو الاتجاه العام لدى محكمة العدل الدولية عبر العديد من قراراتها(12)، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف السائدة لكلّ منطقة. وهذا الخطّ يبدأ من نقطة الحدود البريّة باتجاه أعالي البحار بحيث تكون كافة نقاطه على مسافة متساوية في بعدها عن أقرب النقاط على خطّ الأساس الذي يُقاس منه خطّ عرض البحر الاقليمي لكلّ من الدولتين(13). علاوة على ذلك، لا يمكن ترسيم حدود المنطقة الاقتصاديّة البحريّة بالاعتماد على معايير هندسيّة وحسابيّة فقط، إنّما يجب الأخذ بعين الاعتبار الظروف والعوامل المحيطة بعملية الترسيم (كالعوامل الجغرافيّة والظروف السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة)، إذ تختلف بين حالة وأخرى. ومن هذه العوامل التي تؤثّر تأثيرًا واضحًا حالة الجزر والصخور. بالتالي ما هو تأثير هذه الجزر في تحديد الحدود البحريّة للدولة الساحليّة؟. عرّفت المادة 121 من الاتفاقيّة الجزر بأنّها رقعة من الأرض متكوّنة طبيعيًّا (لا دخل للإنسان بتكوينها كالجزر الاصطناعيّة)، ومحاطة بالماء وتعلو عليه في حالة المدّ. كما أنّ الامتدادات البحريّة للجزيرة هي ذاتها الامتدادات البحرية للأقاليم البريّة دون أيّ فرق. كما أنّه ليس للصخور التي لا تهيّئ استمرار السكنى البشريّة أو استمرار حياة اقتصاديّة خاصة بها، منطقة اقتصاديّة خالصة أو جرف قارّي. لكن على أرض الواقع، تعتمد الأحكام القضائيّة والتحكيميّة في ما يتعلّق بأثر التعيين على حالات ثلاث عند تعيينها للحدود البحريّة للدولة الساحليّة(14): الأولى، تجاهل الجزر وذلك عندما تكون الجزيرة غير مهيّئة للسكن البشري أو استمرار الحياة الاقتصاديّة بحسب الفقرة 1 من المادة 121. الثاني، الأثر النصفي للجزر وذلك يكون حلًّا وسطًا بين طريقة التجاهل التام لوجود الجزيرة وبين منح التأثير الكامل للجزيرة. تُطبّق هذه الطريقة من خلال رسم خَطّيْ بُعد متساوي لترسيم الحدود، يُعطي الخط الأوّل الجزيرة أثرًا كاملًا بينما الخط الثاني يتجاهلها تمامًا ليتمّ من بعدها رسم خطّ التعيين الفعلي للحدود بين هذين الخطّين بطريقة تقسّم إلى أجزاءٍ متساوية المساحة التي تفصلهما(15).الثالث، الأثر الكامل للجزر وذلك استنادًا للمادة 121 فقرتها 2 بإعطاء الجزيرة جميع الامتدادات البحريّة للأقاليم البريّة طالما لم ينطبق عليها الاستثناء في فقرتها 3.
بعدَ أن عرضنا بشكلٍ موجز أهمّ مميّزات المنطقة الاقتصاديّة الخالصة وكيفيّة ترسيمها، تُطرح إشكاليّة تحديد المنطقة الاقتصاديّة البحريّة للبنان لا سيّما الحدود البحريّة الجنوبيّة-الغربيّة المحاذية لاسرائيل حيث قامت الأخيرة بتعيين حدودها مغفلةً الحدود التي أودعها لبنان الأمم المتحدة بتاريخ 2010/10/19. فكما أشرنا في المقدّمة، التقطت إسرائيل ثغرة في الاتفاق اللبناني-القبرصي، إذ اعتمدت اسرائيل أنّ النقطة (1) المذكورة في اتفاقها مع قبرص التي يعدُّها لبنان نقطة مؤقّتة وليست نهائيّة ولا يوافق على أن تُرسّم الحدود بناءً عليها، فبذلك تكون اسرائيل قد اقتطعت مساحة قدرها 860 كم2 من المنطقة الاقتصاديّة البحريّة للبنان(16). عمليًّا تقع النقطة (1) داخل الحدود اللبنانيّة البحريّة وتبعد مسافة 17 كم عن النقطة (23) التي حدّدها لبنان لحدوده البحريّة من الناحية الجنوبيّة الغربيّة. علاوة على ذلك، يوجد سبب آخر لإشكالية الترسيم ألا وهو جزيرة “تخيلت” “Tekhelet” (بالعبريّة “تينحليت”) التي تسعى إسرائيل إلى إعطائها تأثيراً كاملاً عند تحديد منطقتها الاقتصاديّة الخالصة، وبالتالي اعتبار جزيرة تخيلت جزيرةً بالمعنى المحدّد في المادة 121 فقرتها الأولى والثانية من اتفاقيّة الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 والمادة 10 من اتفاقيّة البحر الاقليمي والمنطقة المتاخمة (جنيف) لعام 1958(17)، وهذا ما يُثير النزاع حول الحدود البحريّة بإعطاء التأثير الكامل لهذه “الجزيرة” بحسب تعبير الاسرائيليين على اعتبار أنّ الجزر تتمتّع بالمناطق البحريّة ذاتها التي تُعطى للمناطق البريّة وهذا ما طرحته المفاوضات الأمريكيّة لخطّ “هوف” آنذاك، وبذلك في حال أُخذت بهذه المفاوضات تكون اسرائيل قد اقتطعت مساحة قدرها 350 كم2 تقريبًا من المنطقة الاقتصاديّة البحريّة للبنان.
فعليًّا، لا تعدو هذه “الجزيرة” مجرّد صخرة(18) تنطبق عليها الفقرة 3 من المادة 121 من الاتفاقيّة حيث لا تهيئ السكنى البشريّة أو استمرار الحياة الاقتصاديّة عليها. كما أنّ أحكام اتفاقيّة جنيف لعام 1958 المصادق عليها من قبل اسرائيل لا سيّما المادتان 10 و11 لم تأتي على ذكر أمر معيار الجزر التي تُعتبر مجرّد صخور لا تُعطى أيّ تأثير عند تحديد المنطقة الاقتصاديّة الخالصة للدول، الأمر الذي يُثير التساؤل حول التزام اسرائيل باتفاقيّة الأمم المتحدة لقانون البحار؟ برأينا تُعتبر المادة المُشار إليها من قواعد القانون الدولي العرفي، فهي ملزمة لاسرائيل وإن لم تكن هذه الأخيرة طرفًا في اتفاقيّة الأمم المتحدة لقانون البحار(19) لعام 1982.
أمّا في حال رست المفاوضات على اعطاء “تخيلت” الأثر النصفي، يكون للحدود البحريّة اللبنانيّة 500 كلم2 زيادةً عن الخطّ المُعلن من قبل الدولة اللبنانيّة، وهذا من جهة. من جهة الأخرى، في حال رست المفاوضات على التجاهل الكامل لأثر “تخيلت”، يكون للحدود البحريّة اللبنانيّة 1350 كم2 زيادةً عن خطّ الوسط المُعلن من قبل الدولة اللبنانيّة(20).
المدخل الثاني: سُبُل تسوية منازعات ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة
ترسيم حدود المنطقة الاقتصاديّة البحريّة عمليّة قانونيّة-سياسيّة تُثبّت الحيّز الجغرافي لسيادة الدولة فمن غير المنطقي وجود أكثر من سيادة على حيّز جغرافي واحد. فبحسب الأعراف الدوليّة في النزاعات بين الدول(21) حول الحدود البحريّة والثروات البحريّة، يتمّ غالبًا تسوية هذه النزاعات عبر سلوك طريقتين: الأولى عبر اللجوء إلى السُبُل الوديّة والدبلوماسيّة، والثانية عبر اللجوء إلى السُبُل القانونيّة.
تُعتبر السُبُل الوديّة والدبلوماسيّة لحلّ النزاعات المتعلّقة بالحدود البحريّة من أجدى الوسائل إن لناحية النتيجة أو لناحية الوقت والمصاريف الماديّة، إذ تستند في أغلب الأحيان إلى قرار سياسي أو إلى تسوية سياسيّة أو مفاوضات بين الأطراف، وضمن هذا الإطار يمكن اللجوء إلى إحدى الوسائل التالية: المفاوضات، الوساطة، فضلًا عن إمكانية اللجوء للمنظّمات الدوليّة والإقليميّة.
أوّلًا، يعتمد نجاح المفاوضات(22)بشكلٍ أساسي على حسن نيّة الأطراف واستعدادهم الكامل للوصول بالنزاع إلى تسوية مقبولة من جميع الأطراف. فالمفاوضات تُعدّ الخيار الأوّل للمتنازعين قبل أيّ حلول أخرى وذلك لأسباب عدّة، منها: حسن الجوار، المحافظة على العلاقات التجارية والاقتصاديّة بين الأطراف والحؤول دون دخول طرف ثالث قد لا يراعي هذه الظروف ويسعى للوصول إلى حلٍّ بغضّ النظر عن النتائج المترتّبة عليه. ولكن يُثار التساؤل حول امكانيّة المفاوضات بين لبنان واسرائيل، خاصًة أنّ لبنان في حالة عداء مع اسرائيل كما أنّ لبنان لا يعترف أصلًا بوجود دولة تُسمّى بـ “اسرائيل” ؟. إنّ أساس التفاوض هو المشاورة وتبادل الآراء بحسن نيّة وهذا شبه مستحيل بين طرفين في حالة عداء، لذلك كان لا بدّ من تدخّل طرفٍ ثالث للمساعدة بتسوية هذا النزاع فكان هذا الطرف هو الأمم المتحدة بناءً على طلب وزير الخارجيّة اللبناني للمساعدة في ترسيم الحدود. غير أنّ الأمين العام للأمم المتحدة أبدى رفضه بالدخول في اشكاليّة الترسيم مُعلنًا بأنّ ترسيم الحدود يخرج عن صلاحيات الأمم المتحدة وهذا الأمر يجب أن يتمّ بالاتفاق بين دول الاطراف، فالأخيرة لا تُبدي رأيها بشأن الموارد الطبيعيّة للمنطقة البحريّة إلّا في حال كلّفتها هيئة مختصّة تابعة لها أو أن يُطلب إليها ذلك جميع الأطراف المتخاصمة، وهذا أمر غير وارد عمليًّا.
ثانيًا، تُعتبر الوساطة بأنّها عمليّة منظّمة، تتمّ من خلال اجتماعات خاصّة بين أطراف النزاع وقد يحصر ممثّليهم القانونيين، تحت توجيه شخصٍ محايد مؤهّل، من أجل الوصول إلى اتفاق مقبول في ما بينهم، من خلال شرحه للمكاسب التي يمكن أن تتحقّق بالوصول إلى حلّ ودّي. فالوسيط لا يبحث مع الأطراف الأدلّة الموجودة لديهم بالتفاصيل، ولا يبحث في قانونيّة هذه الأدلّة، ولا يتقيّد بآجال أو وسائل إثبات خاصّة، وإنّما يقوم بدفع الأطراف لصنع القرار بأنفسهم، وهذا من جهة. أمّا من جهة أخرى، إنّ أمر الوساطة برمّته اختياريًا، أيّ لا تتوافر له صفة الإلزام باتباعه، فعمليّة الوساطة تعتمد بشكل أساسي على كفاءة ونفوذ الوسيط في توظيف مهاراته في إدارة المفاوضات لمساعدة أطراف النزاع على تقريب وجهات نظرهم(23) .
في سياق النزاع اللبناني-الاسرائيلي، تقدّمت الولايات المتحدة الأمريكيّة بوساطتها لحلّ هذا النزاع سنة 2012، عندها قام الوسيط الأمريكي بطرح أفكار حول ترسيم مفادها رسم خطّ أزرق بحري غير نهائي على أن تبقى المساحة المتنازع عليها خارج عمليات التنقيب إلى حين استكمال الترسيم النهائي، ورسى هذا الاقتراح باعتماد خطّ فصل يُعطي لبنان ثلثي (3/2) المساحة المتنازع عليها مع اسرائيل (ما يُعادل 500 كلم2) والثُلث المتبقي (3/1) لاسرائيل (360 كلم2). واعتبر أنّ هذا الحلّ مؤقّت يضمن عدم حصول نزاع عسكري بينهما، إلّا أنّ لبنان رفض هذا الطرح بشقّه المتعلّق بالمساحة المتروكة لاسرائيل. وبعد استئناف الوساطة الأمريكيّة اليوم، لا بدّ لهذا الوسيط أن يعتمد حلولًا أكثر انصافًا للبنان كي يستطيع تقريب وجهات النظر والاعتماد على رأي يرضي أطراف النزاع، خاصّة الطرف اللبناني المتضرّر الأكبر من الحلول المجحفة بحقّه والمقترحة على بساط الوساطة الأمريكيّة.
ثالثًا، عَلَت الأصوات المُطالبة باللجوء إلى مجلس الأمن(24) لترسيم الحدود البحريّة بين لبنان واسرائيل، وتحديدًا إلى قوّات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان “اليونيفيل”. إنّ أحد الحلول المطروحة لتسوية نزاع الحدود البحريّة هو تعديل مهمّة انتداب “اليونيفيل” في شكلٍ يتناسب والعمليات التي يُمكن أن تُطلب منها على مستوى الترسيم البحري، كما إحداث خطّ أزرق بحري وتكليف الأخيرة تظهير حدود منطقة عملياتها البحريّة التي تشرف عليها من خلال قرار مجلس الأمن رقم 2006/1701.
بدايةً، ترجع المهام الأساسيّة لقوّات اليونيفيل في لبنان إلى القرار رقم 1978/425 الفقرة الثالثة التي أشارت إلى هذه المهام وهي تأكيد انساحب القوّات الاسرائيلية لكي تكون وحدة الأرض اللبنانيّة وسيادة لبنان واستقلاله محترمة، ومساعدة الحكومة اللبنانيّة عودة سلطتها الفعليّة فضلًا عن إعادة السلام والأمن الدوليين(25). وبعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 1701 وسّع الأخير مهام قوات اليونيفيل في الفقرة 11 لتشمل رصد وقف الأعمال القتاليّة، مرافقة ودعم القوّات المسلّحة اللبنانيّة في أثناء انتشارها في جميع أرجاء الجنوب بما في ذلك على طول الخطّ الأزرق وغيرها من المهام. وبالتالي، حُدّدت مهام قوّات اليونيفيل بحسب الفقرة 11 من قرار رقم 1701 والفقرة 3 من قرار رقم 425 بتأمين الحدود وليس ترسيمها أو تحديدها. إلّا أنّ الفقرة 10 من القرار رقم 1701 أشارت بدورها إلى “الطلب من الأمين العام أن يضع مقترحات لتنفيذ الأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف ]…[ بما في ذلك، … تحديد الحدود الدولية للبنان، لا سيّما الحدود المتنازع عليها أو غير المؤكّدة …” الأمر الذي يُثير التساؤل حول إمكانيّة الاستناد لهذه الفقرة على ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان واسرائيل من قبل قوّات اليونيفيل؟ برأينا (بالإضافة إلى رأي البعض(26) إلى أنّ الحدود المقصودة في هذه الفقرة هي الحدود البريّة دون البحريّة منها، فالمناطق المتنازع عليها تابعة للاقليم البرّي فضلًا عن أنّ مسألة ترسيم الحدود المطروحة على بساط البحث وقت صدور القرار (2006) هي مسألة ترسيم الحدود البريّة. كما أنّ مهمّة اليونيفيل تقديم مقترحات لترسيم الحدود دون أن يكون لها الصلاحيّة للبت نهائيًّا في هذا الموضوع، فترسيم الحدود بحسب الأمين العام للأمم المتحدة لا يتم إلّا بالاتفاق بين الأطراف.
أمّا ما يُميّز السُبُل القانونيّة عن السبل المُشار إليها سابقًا بأنّها تنتهي بصدور قرارٍ مُلزم للأطراف، حيث يتولّى شخص من غير أطراف النزاع سلطة الفصل فيه على أساس القواعد القانونيّة وإصدار قرارٍ مُلزم بشأنه من الناحية القانونيّة. فالتسوية القانونيّة في مجملها تعني القضاء الدولي والتحكيم الدولي، إلّا أننا سنتطرّق إلى القضاء الدولي دون التحكيم الدولي في هذه الدراسة إيمانًا منّا بأنّه على الرغم من إلزاميّة القرار التحكيمي بصيغته النهائيّة ولكن ليست له الصفة أو القوّة التنفيذيّة بين دولتين متحاربتين تقنيًّا ولا تعترف بالأصل إحداهما بالأخرى.
يُعدّ القضاء الدولي ذات فاعليّة حاسمة، إذ يلعب دورًا رئيسيًّا في تسوية منازعات الحدود الدوليّة، فضلًا عن أنّه يشكّل عنصرًا هامًا في الكشف عن القواعد القانونيّة المتعلّقة بتعيين الحدود البحريّة. ومن أجهزة القضاء الدولي محكمة العدل الدوليّة التي تُعتبر الأداة القضائيّة الرئيسيّة للأمم المتحدة وتقوم بعملها وفق نظامها الأساسي والذي يُعتبر جزءًا لا يتجزأ من الميثاق. تتولّى محكمة العدل الدولية النزاعات القانونيّة المختلفة ذات الاختصاص القضائي وفق المادة 36 من نظامها الأساسي، حيث تختص في الدعاوى التي تُرفع من دولة أو عدّة دول على دول أخرى (م. 34 من نظامها الأساسي)، كما أنّه لا يجوز إجبار أيّة دولة على المثول أمام محكمة العدل الدوليّة إلّا برضاها. فيجب أن تقبل كلّ الدول المتقاضية مدعية كانت أم مُدّعياً عليها رفع القضيّة إلى المحكمة، ولهذا القبول صور متعدّدة(27):
1- فإمّا أن يتمّ من خلال إبرام إتفاق مكتوب بين أطراف نزاع معيّن ينصّ فيه صراحة على عرض هذا النزاع على محكمة العدل الدوليّة، في هذه الحالة تُعرض على المحكمة بمجرّد الإخطار.
2- إمّا أن يتمّ الاتفاق في معاهدة ثنائيّة أو جماعيّة على عرض ما قد ينشأ بين أطرافها في المستقبل من منازعات أو تتعهّد بالمثول أمام المحكمة إذا ما نشب نزاع حول تطبيق أو تفسير المعاهدة، في هذه الحالة تُعرض المسألة عن طريق طلب من جانب الدولة ضدّ أخرى وتكون هذه الأخيرة مُلزمة بالمثول أمام المحكمة.
3- يمكن أن يكون القبول ضمنيًّا من جانب الدولة المدعى عليها لاختصاص المحكمة، كأن يلجأ أحد أطراف النزاع الى المحكمة دون أن يكون هناك اتفاق مسبق على المثول أمامها، فيمثل الطرف الآخر أمامها دون أن يعترض على هذا الاختصاص فَيُفهم من هذا قبوله الضمني لاختصاص المحكمة.
بالاضافة إلى ذلك، يتمّ تحريك الدعوى أمام المحكمة إمّا عن طريق الإخطار بصكّ الإتفاق والذي بمقتضاه وافق أطراف النزاع على إحالة النزاع إلى المحكمة أو بطلب مقدّم من أحد الأطراف. كما تفصل المحكمة في النزاع وفق القانون الدولي حسب ما ذُكر في المادة 38 من نظامها الأساسي. وبعد انتهاء المحكمة من تحليل الوقائع المعروضة عليها ووضعها في سياق القانون الدولي، تصدر المحكمة حكمًا ملزمًا ولا يكون لهذا الحكم قوّة الإلزام إلّا بالنسبة لمن صدر بينهم وفي خصوص النزاع الذي فُصل فيه (م. 59 من النظام الأساسي للمحكمة). علاوة على ذلك، يكون الحكم نهائيًّا غير قابل للإستئناف وعند النزاع في معناه أو في مدى مدلوله تقوم المحكمة بتفسيره، بناءً على طلب أيّ طرف من أطرافه (م. 60 من النظام الأساسي للمحكمة). فبعد أن يكون الحكم نهائياً واجب التنفيذ، فالأخير إمّا أن يُنفّذ اختياريًّا بدون أيّ ضغط أو إكراه أو اجباريًّا (حيث يكون للطرف الآخر اللجوء لمجلس الأمن) في حالة رفض الدولة في تنفيذ حكم المحكمة (م. 94 من ميثاق الأمم المتحدة).
ففي سياق النزاع اللبناني-الاسرائيلي، إنّ عدم الإعتراف باسرائيل من قبل الجانب اللبناني يزيد من الأمر صعوبة، فضلًا عن الآراء التي ترى بأنّه عند قبول مقاضاة لبنان لاسرائيل أمام المحكمة ينتج عن هذا الأمر اعتراف لبنان بالدولة الاسرائيليّة. إنّ تقدّم لبنان بشكوى أمام محكمة العدل الدوليّة ضدّ اسرائيل دون اتفاق مسبق على صلاحيّة المحكمة بين الطرفين يجلب نفعًا للبنان، هنا ستضطرّ اسرائيل لاتخاذ موقف بشأن القضيّة المرفوعة ضدّها: فإمّا أن ترفض القبول بصلاحيّة المحكمة، في هذه الحالة تكون امتنعت عن اللجوء إلى الاحتكام الدولي وبالتالي إقرارها الضمني بمسؤوليتها عن خرق حدود المنطقة الاقتصاديّة الخالصة للبنان، وإمّا موافقتها على هذا الاختصاص الأمر الذي الذي يُعتبر من نقاط القوّة للبنان ويصبّ في مصلحته قانونيًّا من خلال إصدار قرارٍ قضائي مُلزم. علاوة على ذلك، إذا لم تعترض اسرائيل على هذا الاختصاص، يُعدّ ذلك موافقة ضمنيّة على اختصاص المحكمة، عندها تفصل الأخيرة في النزاع. أمّا بالنسبة لموضوع الاعتراف بـ”دولة اسرائيل”، فإنّ الرأي الراجح قانونًا أنّه مجرّد واقعة ترسيم الحدود البحريّة الذي يُعتبر أمراً واقعاً مفروضاً على لبنان لضمان حقوقه في الثروات الطبيعيّة، لا يُعدّ اعترافًا صريحًا أو ضمنيًّا من قبل الدولة اللبنانيّة، وذلك بسبب أنّ الاعتراف قرار سياسي تتخذه الدولة بشكلٍ استنسابي تترتّب عليه آثار قانونيّة معيّنة كإقامة العلاقات الدبلوماسيّة وعقد المعاهدات الثنائية بين البلدين. فنيّة لبنان ليس الاعتراف بـ”دولة اسرائيل” إنّما فقط ان يُعهد لهذه المحكمة ترسيم الحدود البحريّة بينهما كوسيلة قضائيّة شرعيّة.
الخاتمة
بعد ظهور استئناف الوساطة الأمريكيّة لحلّ نزاع الترسيم الحدودي اللبناني-الاسرائيلي إلى حيّز الوجود مجدّدًا، واستكشاف الحقول البتروليّة البحريّة لاسرائيل على مقربة من الحدود البحريّة اللبنانيّة الذي أعلن عنها الأخير، وحساسيّة قضيّة فلسطين المحتلة من قبل اسرائيل، كان لا بدّ من اعتماد الوساطة كوسيلة سلمية بين الطرفين المتنازعين حول هذه الحدود. ولكن في حالة فشل الوساطة، لا بدّ للبنان اتخاذ خطوة جريئة بهذا الخصوص وهي عبر لجوئه إلى محكمة العدل الدولية لحسم هذا النزاع بقرارٍ مُلزم للطرفين نظرًا لهشاشة الهدنة بين الطرفين وعدم ضمان الوساطة الأمريكيّة في عدم الاعتداء من قبل اسرائيل على الحدود البحريّة اللبنانيّة.
المراجع:
(1) ذات الاحداثيات التالية: Longitude; 33.894384/Latitude; 33.644476
(2)ذات الاحداثيات التالية: Longitude; 33.769106/Latitude; 33.530881
(3)تجدر الاشارة في هذا الصدد إلى أنّه عند توقيع الاتفاقية بين لبنان وقبرص عام 2007 حدّد الجانب اللبناني الحدود بنقطتين مؤقتتين، النقطة (1) جنوبًا، والنقطة (6) شمالًا، وبذلك يكون لبنان قد تراجع عند حدوده شمالًا وجنوبًا، الى حين الانتهاء من النزاع الحدودي مع اسرائيل، حيث يعود حقيقة الأمر إلى أنّ ما ظهر في اتفاقيّة ترسيم الحدود البحرية هو أنّ الوفد اللبناني وافق بناءً على طلب من قبرص على التراجع 10 أميال بحريّة من ناحية شمال اسرائيل بحرًا على أساس أنّ الأخيرة حينما ترسّم حدودها مع قبرص سوف تتراجع المسافة نفسها جنوبًا لضرورات ايجاد ممر مائي للسفن، لكن ما حصل هو أنّ اسرائيل عندما وقعت اتفاقها مع قبرص اعتبرت خط التراجع هذا هو خط البداية لحدودها البحريّة واستولت على هذه المسافة. بالتالي، إنّ سبب التراجع يعود الى استمرار الصراع مع اسرائيل، ولهذا سُميت النقطتان بالمؤقتتين وليست بالنهائيتين، فيما النقطة النهائة النهائية التي تشكل الحدود اللبنانية القبرصيّة الصحيحة تحمل رقم (23). لذلك، النقطة النهائية هي نقطة التلاقي الثلاثية المتوازية المسافة بين لبنان وقبرص وفلسطين المحتلة هي النقطة (23)، والنقطة رقم (1) مؤقتة. فيكون لبنان قد أخطأ في تسمية النقطة، فالنقطة المؤقتة هي التي وضعت في الاتفاقيّة حيث كان من المفترض وضع النقطة (23). كنده جمال عبدالساتر، رسالة دبلوم في الدراسات الاستراتيجيّة بعنوان طرق تسوية المنازعات الدولية المتعلقة بتحديد المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة (لبنان نموذجًا)، مركز البحوث والدراسات الاستراتيجيّة في كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية والاقتصادية، الجامعة اللبنانية، 2018، ص. 62-63.
(4) أشارت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في مادتها 3 إلى أنّه لكلّ دولة الحقّ في أن تحدّد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز 12 ميلًا بحريًّا مقيسة من خطوط الأساس المقرّرة وفقًا لهذه الاتفاقيّة. أنظر أيضًا المادة 4 من قانون رقم 163 المتعلّق بتحديد وإعلان المناطق البحريّة للجمهوريّة اللبنانيّة.
(5) يُعد هذا الجزء من البحر جزءًا حرًّا، بمعنى أنّ كافة أجزاء البحر غير خاضعة كليًّا أو جزئيًّا وبأيّ صورة من الصور للإختصاص الإقليمي لأيّ دولة من الدول. فبحسب المادة 86 من الاتفاقيّة فإنّه تنطبق منطقة أعالي البحار على جميع أجزاء البحر التي لا تشملها المنطقة الاقتصاديّة الخالصة أو البحر الاقليمي أو المياه الداخلية لدولة ما.
(6)أشارت المادة 5 خط الأساس العادي من الاتفاقيّة إلى أنّه باستثناء الحالات التي تنصّ فيها الاتفاقيّة على غير ذلك، خط الأساس العادي لقياس البحر الاقليمي هو حد أدنى الجزر على امتداد الساحل كما هو مبيّن على الخرائط المعترف بها رسيمًّا من قبل الدولة الساحليّة. أنظر أيضًا المادة 2 من قانون رقم 163 المتعلّق بتحديد وإعلان المناطق البحريّة للجمهوريّة اللبنانيّة.
(7)للمزيد حول تفاصيل رسم خطّ الأساس للدولة الساحلية عند وجود شعاب مرجانية أو العديد من التعاريج أو سلسلة من الجزر أنظر المادة 6 و7 من الاتفاقيّة.
(8) أشارت المادة 33 من الاتفاقيّة إلى أنّ الدولة تمارس سيادتها الكاملة في المنطقة المتاخمة ولا يجوز أن تمتدّ المنطقة المتاخمة إلى أبعد من 24 ميلًا بحريًّا من خطوط الأساس التي يُقاس منها عرض البحر الإقليمي. أنظر أيضًا المادة 5 من قانون رقم 163 المتعلّق بتحديد وإعلان المناطق البحريّة للجمهوريّة اللبنانيّة.
(9)كنده جمال عبدالساتر، مرجع سابق، ص. 17-18.
(10) أشارت المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية بأنّ وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي تُرفع إليها وفقًا لأحكام القانون الدولي، وهي تطبّق في هذا الشأن: 1- (أ) الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفًا بها صراحة من جانب الدول المتنازعة؛ (ب) العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دلَّ عليه تواتر الاستعمال؛ (ج) مبادئ القانون العامة التي أقرّتها الأمم المتمدّنة؛ (د) أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم. 2- لا يترتّب على النص المتقدّم ذكره أي إخلال بما للمحكمة من سلطة الفصل في القضيّة لمبادئ العدل والانصاف متى وافق أطراف الدعوى على ذلك.
(11)إنّ التسمية المتبعة في حال الدول المتقابلة هي خطّ الوسط، أما في حالة الدول المتقابلة فخط البُعد التساوي. كما تجدر الاشارة إلى أنّ الخطين يُرسمان بالطريقة ذاتها والتفرقة هي بالتسمية فقط.
(12) أنظر الهامش رقم 37 من كنده جمال عبدالساتر، مرجع سابق، ص. 19.
(13) إنّ اللجوء للترسيم وفقا لهذا الخط يصطدم بثلاثة استثناءات: الأوّل، أن تكون هناك اتفاقات خاصة بين الدول حول تعيين هذه الحدود. الثاني، أن تكون هناك حقوق تاريخيّة لأيّ من الدولتين على مناطق معيّنة مصائد أو غيرها. ثالثًا، أن يكون الواقع الجغرافي للشواطئ معقّدًا ممّا يصعب معه تصوّر هذا الخطّ (المادة 15 من الاتفاقيّة).
(14) للمزيد من التفاصيل حول تأثير الجزر أنظر يوسف العيسى، رسالة ماستر بعنوان إشكالية ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة، كلية الحقوق والعلوم السياسيّة في الجامعة اللبنانيّة، 2018، ص.ص. 52-55.
(15)كنده جمال عبدالساتر، مرجع سابق، ص. 21-22.
(16)ما يزيد الأمر خطورة وتعقيدًا أنّ أكبر حقول الغاز الطبيعي قد تمّ اكتشافها من جانب العدوّ الاسرائيلي تقع بالقرب من الحدود البحريّة اللبنانيّة وأبرزها حقلا ليفيثان (الذي يقع على مسافة تُقدّر بنحو 75 ميل بحري غرب رأس الناقورة وتُقدّر كميّة الغاز بـ 17 تريليون قدم مكعّب) وتمار (الذي يقع على مسافة تُقدّر بنحو 55 ميل بحري غرب رأس الناقورة كما تُقدّر كميّة الغاز بداخله بنحو 10 تريليون قدم مكعّب). أنيس ديوب، غاز الشرق التوسّط: صراع اقليمي وعالمي، Arabian Business، 2016/9/20. منشور على موقع: arabic.arabianbusiness.com، تاريخ الدخول: 2020/10/14.
(17)صادقت إسرائيل على اتفاقيّة البحر الاقليمي والمنطقة المتاخمة بتاريخ 1964/9/10 ، بينما قدّمت اعتراضها على اتفاقيّة الأمم المتحدة لقانون البحار (1982) بتاريخ 1984/12/11 ولم توقّع أو تُصادق عليها.
(18) لا تتعدّى مساحة “تخيلت” 80 مترًا مربعًا وتقع على مسافة 1800 متر جنوب رأس الناقورة وتبعد حوالي كيلومتر واحد عن خطّ الأساس للساحل الفلسطيني. يوسف العيسى، مرجع سابق، ص. 64، 115.
(19) الأصل في المعاهدات أنّها تُنشئ حقوقًا وواجبات إلّا بين الدول الأطراف التي أبرمتها. غير أنّ نسبية أثر المعاهدات ليس مطلقًا فقد تمتد آثار المعاهدات إلى دولٍ لم تسهم في ابرامها ولم تكن طرفًا فيها في حالات محددة ومنها اتفاقيات التقنين أو التدوين التي تحوّل القاعدة العرفيّة الى قواعد مكتوبة ومجمّعة ومبوّبة في شكلٍ منظّم والتي تتحوّل لقاعدة ملزمة لجميع دول العالم، لا سيّما بعد تبنيها من قبل المنظمات الدوليّة. وهذا ما نصّت عليه المادة 38 من اتفاقيّة فيينا لقانون المعاهدات عام 1969 (قدّمت اسرائيل اعتراضًا بشأنها بتاريخ 1970/3/16) التي أشارت إلى أنّه يمكن أن تصبح القاعدة الواردة في اتفاقيّة دوليّة ملزمة للدول الغير باعتبارها قاعدة عرفيّة من قواعد القانون الدولي. للمزيد من التفاصيل أنظر كنده جمال عبدالساتر، مرجع سابق، ص. 34 وما يليها.
(20) للمزيد من الإيضاح، أنظر خريطة الخطوط المتنازع عليها في الترسيم مع اسرائيل على موقع: konmowaten.com/45654، تاريخ الدخول: 2020/10/15.
(21) عُرّف النزاع الدولي بأنّه الخلاف على نقطةٍ قانونيّة أو واقعيّة أو تعارض أو تناقض الادعاءات القانونيّة بين دولتين. خالد سلمان جواد، الآليات القانونيّة المستخدمة في فض النزاعات الدولية، مجلة جامعة تكريت للحقوق، الجزء 1 من العدد 4، المجلّد 1، حزيران 2017، ص. 269.
(22) أنظر في هذا الموضوع: كنده جمال عبدالساتر، مرجع سابق، ص.ص. 73-75.
(23) للمزيد من التفاصيل حول الوساطة أنظر: سامي محمد فريج، تسوية النزاعات، دار النشر للجامعات، الكتاب الخامس، الطبعة الثانية، 2011، ص. 110 وما يليها.
(24)أنظر صلاحيات مجلس الأمن بخصوص التدخل ضمن حلّ النزاعات في المواد 33، 34، 35 و99 من ميثاق الأمم المتحدة.
(25) أنظر الموقع الالكتروني الرسمي التابع للأمم المتحدة: undocs.org/en/S/RES/425(1978)، تاريخ الدخول: 2020/10/20.
(26)كنده جمال عبدالساتر، مرجع سابق، ص. 82.
(27) للمزيد من التفاصيل أنظر: شهرزاد دلفي، مذكرة ماستر بعنوان محكمة العدل الدولية كآلية لتسوية النزاعات الدولية، كلّية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة العربي بن مهيدي-أم البواقي-، 2015-2016، ص. 17 وما يليها.
“محكمة” – الجمعة في 2020/10/23
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!