أبرز الأخبارعلم وخبرميديا

“إتهامية بيروت”:مذكّرة توقيف المدعى عليه واجبة حتّى ولو قدّم دفوعاً شكلية/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
أكّدت الهيئة الاتهامية في بيروت أنّ مباشرة استجواب المدعى عليه وتمكينه من الدفاع عن نفسه تتيحان لقاضي التحقيق أن يصدر مذكّرة التوقيف الوجاهية بحقّه حتّى ولو بادر وكيله القانوني إلى تقديم مذكّرة دفوع شكلية، وذلك عملاً بنصّ المادة 107 من قانون أصول المحاكمات الجزائية حيث تكون شروطها متحقّقة وبالتالي لا مفرّ من إصدار هذه المذكّرة وتحقيق النتائج المترتّبة عليها.
قرار الهيئة الاتهامية المؤلّفة من القضاة ماهر شعيتو رئيساً وجوزف بو سليمان وبلال عدنان بدر مستشارين، جاء في معرض استئناف المحامي جورج الخوري قرار قاضي التحقيق في بيروت بالإنابة شربل بو سمرا والرامي إلى إصدار مذكّرة توقيف وجاهية بحقّ المدعى عليه مدير عام الجمارك السابق بدري ضاهر قبل استجوابه في ادعاء النيابة العامة المالية عليه بجرائم الرشوة واختلاس وهدر المال العام والإهمال الوظيفي في ملفّ طلب شطب اسم الأمير السعودي عبد المحسن آل سعود المعروف باسم “أمير الكبتاغون” عن لوائح الممنوع سفرهم على الرغم من وجود غرامة مالية متوجّبة عليه لمصلحة الجمارك تبلغ 97.966.044.000 ليرة لبنانية.
وفيما سعى وكيل الدفاع إلى انتزاع حقّ قاضي التحقيق بإصدار مذكّرة توقيف وجاهية قبل المباشرة باستجواب المدعى عليه وهو غير محقّ في هذا المطلب غير القانوني، أسهبت الهيئة الاتهامية في قرار ردّ طلب استئنافه وتصديق قرار قاضي التحقيق، وقدّمت إيضاحات صريحة لمفهوم المادة 107 أ.م.ج. ورأت أنّه بمجرّد بدء الاستجواب من خلال إفهام المدعى عليه مضمون الإسناد الموجّه إليه يتكرّس حقّ قاضي التحقيق في إصدار مذكّرة التوقيف إذا ما وجد ذلك لزاماً بناء على معطيات الملفّ والدعوى حتّى ولو سارع وكيل المدعى عليه الحاضر معه إلى اتخاذ خيار اللجوء إلى تقديم دفوع شكلية.
وشرحت الهيئة الاتهامية أنّ البدء بالإستجواب من خلال مثول المدعى عليه وتلاوة ادعاء النيابة العامة يمهّد الطريق أمامه لتبيان دفاعه بالشكل الذي يرتضيه ويراه مناسباً لنفسه ويتحمّل فيه كامل نتائج كلامه وتصرّفاته، وليس بالضرورة أن يكون قاضي التحقيق قد غاص في أساس الدعوى لكي يتمكّن لاحقاً من اتخاذ قرار إصدار مذكّرة التوقيف الوجاهية أو عدم ملامسة هذا الخيار.
وبمعنى آخر، فإنّ الإجابة على أسئلة قاضي التحقيق في عمق الملفّ المعروض عليه ليس الطريقة الوحيدة التي تخوّله إصدار مذكّرة التوقيف، بل يمكنه وبمجرّد إفهام المدعى عليه الجرائم المنسوبة إليه في محضر التحقيق الإستنطاقي أن يبادر إلى إصدار مذكّرة التوقيف وليس الإنتظار إلى حين الإنتهاء من كامل الإستجواب لكي يصدر مذكّرة التوقيف.
ورأت الهيئة الاتهامية أنّ المدعى عليه الذي يختار بعد مثوله أمام قاضي التحقيق والبدء باستجوابه سلوك طريق الدفوع الشكلية يكون في موقع أفضل ممن يخوض غمار الدفاع عن نفسه في أساس الدعوى منذ اللحظة الأولى للبدء بالإستجواب دون أيّ رهان على تقديم دفوع شكلية قد تكون غايتها ما لم تتوافر فيها الشروط القانونية، التسويف والمماطلة وهدر الوقت القضائي.
كما أنّه ليس من المنطقي بشكل عام، أن يأتي دور مذكّرة التوقيف الوجاهية لمدعى عليه بجناية كبيرة بعد تركه أيّاماً معدودات من دونها تلي البتّ بدفوع شكلية ارتأى تقديمها، فمذكّرة التوقيف ليست ترفاً، بل لها وظائف رئيسية تتمثّل في السعي إلى الحفاظ على الأدلّة ومسرح الجريمة والمدعى عليه نفسه أو الحؤول دون فراره، وبالتالي لا يمكن الركون إلى ترك الأمور على غواربها
“محكمة” تنشر قرار الهيئة الاتهامية كاملاً على الشكل التالي:
إنّ الهيئة الاتهامية في بيروت المؤلّفة من القضاة، الرئيس ماهر شعيتو والمستشارين جوزف بو سليمان وبلال عدنان بدر،
لدى التدقيق والمذاكرة،
وبعد الإطلاع على الإستئناف المقدّم بتاريخ 2020/11/3، من المدعى عليه بدري ضاهر وكيله المحامي جورج الخوري، طعناً في القرار الصادر بالتاريخ عينه عن قاضي التحقيق في بيروت والذي انتهى إلى إصدار مذكّرة توقيف وجاهية بحقّه، والذي يطلب بموجبه قبول استئنافه شكلاً وفي الأساس فسخ القرار المستأنف، وتركه لعدم جواز توقيفه قبل حصول الإستجواب،
بناءعليـه
أوّلاً: في الشكل:
حيث إنّ المشرّع أجاز بموجب المادة /107/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية، للمدعى عليه أن يستأنف خلال مهلة /24/ ساعة القرار القاضي بإصدار مذكّرة توقيف وجاهية بحقّه،
وحيث إنّ المدعى عليه المسـتأنفة قدّم استئنافه في نفس يوم صدور قرار قاضي التحقيق، فيكون استئنافه وارداً ضمن المهلة القانونية ومستوفياً لسائر شروطه الشكلية المفروضة قانوناً، الأمر الذي يفضي إلى قبوله شكلاً،
ثانياً: في الأساس:
حيث إنّ المدعى عليه يطالب بفسخ القرار المستأنف، لأنّه لا يجوز لقاضي التحقيق إصدار مذكّرة توقيف بحقّه قبل استجوابه، وهو الإجراء الذي لم يحصل برأيه،
وحيث إنّه يتبيّن من العودة إلى الوقائع المثبتة في محضر التحقيق،
– أنّه في الجلسة المنعقدة بتاريخ 2020/11/3 أحضر المدعى عليه من مكان توقيفه ومثل أمام قاضي التحقيق الأوّل بالإنابة،
– أنّ قاضي التحقيق الأوّل بالإنابة باشر بإجراءات استجواب المدعى عليه التي تنصّ عليها المادة /74/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فتحقّق من شخصيته وأثبت اسمه ولقبه وعمره ومكان ولادته واسمي والديه ومحلّ إقامته ووضعه الاجتماعي والعائلي وسوابقه القضائية، في محضر الإستجواب،
– وأحاطه، كما تفرض المادة /76/ من القانون المذكور، علماً بالجريمة المسندة إليه لكي يتمكّن من تفنيدها والدفاع عن نفسه، علماً أنّ وكيل المدعى عليه القانوني المحامي جورج الخوري، مقدّم الطعن الراهن، كان إلى جانبه في الجلسة،
وحيث إنّ المادة /107/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية قد نصّت على ما يلي:
“يستجوب قاضي التحقيق في الحال المدعى عليه المطلوب بورقة دعوة. أما المدعى عليه الذي أحضر بمذكّرة إحضار فيستجوبه خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تنفيذ مذكّرة الإحضار في حقّه.
– عند انقضاء الأربع والعشرين ساعة يحضر رئيس النظارة، من تلقاء نفسه، المدعى عليه إلى النائب العام الذي يطلب من قاضي التحقيق استجوابه. إن أبى أو كان غائباً أو حال دون استجوابه مانع شرعي فيطلب النائب العام من قاضي التحقيق الأوّل أن يستجوبه أو يعهد إلى أحد قضاة التحقيق بذلك. إن تعذّر استجوابه فيأمر النائب العام بإطلاق سراحه في الحال. إذا استمرّ احتجازه أكثر من أربع وعشرين ساعة دون أن يحضر إلى النائب العام فيعدّ هذا التوقيف عملاً تعسفياً ويلاحق الموظّف المسؤول عنه بجريمة حرمان الحرّية الشخصية.
– بعد أن يستجوب قاضي التحقيق المدعى عليه، ويستطلع رأي النيابة العامة، يمكنه أن يصدر قراراً بتوقيفه شرط أن يكون الجرم المسند إليه معاقباً عليه بالحبس أكثر من سنة أو أن يكون قد حكم عليه قبلاً بعقوبة جنائية أو بالحبس أكثر من ثلاثة أشهر دون وقف التنفيذ.
وحيث إنّ إسقاط أحكام المادة /107/، لا سيّما ما اشترطته لناحية، إصدار مذكّرة التوقيف بعد استجواب المدعى عليه، بشكل أوّلي وسريع على ما تمّ من إجراءات التحقيق في الدعوى الراهنة، قد تدفع إلى القول بأنّ إجراءات الإستجواب لم تكتمل، وبالتالي فإنّه لا يجوز لقاضي التحقيق أن يصدر مذكّرة توقيف وجاهية بحقّ المدعى عليه، إلاّ أنّ هذا الاستنتاج تنقضه القراءة المتأنّية المتعمّقة للمادة المذكورة، على النحو التالي،
حيث إنّ المشرّع وبموجب المادة /107/ المذكورة سعى إلى تكريس وضمان أمرين، الأوّل هو مثول المدعى عليه أمام قاضي التحقيق خلال مهلة قصيرة جدّاً، فوراً في حالة مذكّرة الدعوة و24ساعة في حالة مذكّرة الإحضار، والثاني هو تمكينه من الدفاع عن نفسه قبل اتخاذ أيّ إجراء في حقّه، على أن يعود لقاضي التحقيق بعد حصول الأمرين المذكورين إمّا إصدار مذكّرة توقيف بحقّ المدعى عليه أو عدم إصدارها تبعاً لمعطيات الملفّ، طالما أنّ إجراءات استجواب المدعى عليه بوشر بها بتلاوة الإسناد عليه، دون حاجة لاكتمال الإستجواب الذي حال خيار الأخير دونه من خلال تقديم مذكّرة دفوع شكلية،
وحيث إنّ ما سلف يعني، أنّ المشرّع شاء من خلال المادة /107/ تمكين المدعى عليه من ممارسة حقوق دفاعه، قبل مفاجأته بأيّ إجراء قد يتخذّ في حقّه، واعتبر أنّ الاستجواب كإجراء، يضمن ذلك، فخلاله يحيط قاضي التحقيق المدعى عليه علماً بالجريمة المسندة إليه ويلخّص له وقائعها ويطلعه على الأدلّة المتوافرة لديه أو على الشبهات القائمة ضدّه فيكون بمقدوره، أيّ المدعى عليه، الدفاع عن نفسه بالطريقة التي يراها مناسبة وأكثر فائدة له،
وحيث إنّه من لزوم ما لا يلزم الإشارة إلى أنّ بإمكان المدعى عليه، وبعد مباشرة الإستجواب، الدفاع عن نفسه بإحدى هذه الوسائل، الأولى، إلتزام الصمت، الثانية، المناقشة في أساس الدعوى وتفنيد الأدلّة المساقة بحقّه من خلال الإجابة على أسئلة قاضي التحقيق، والثالثة اللجوء إلى الدفوع الشكلية دون الغوص في الأساس،
وحيث إنّه بمثول المدعى عليه ومباشرة إجراءات استجوابه، وإفهامه ما هو منسوب إليه، وتمكينه من الدفاع عن نفسه، تكون حقوقه قد روعيت، وتحقّق هدف المشرّع من نصّ المادة /107/ المذكور، ويكون بمقدور قاضي التحقيق بعد ذلك، بصرف النظر عن الطريقة التي اختارها المدعى عليه للدفاع عن نفسه، أيّ سواء قرّر الإجابة عن الأسئلة أو التزم الصمت أو تقدّم بدفوع شكلية، أن يصدر أو أن لا يصدّر مذكّرة توقيف بحقّ المدعى عليه تبعاً لتقديره في ضوء ما توافر من أدلّة في الملفّ،
وحيث إنّ الذهاب بعكس ذلك كما فعل المدعى عليه في استئنافه، واعتبار أنّ دفاع المدعى عليه، بعد مباشرة استجوابه، في أساس الدعوى من خلال الردّ على أسئلة قاضي التحقيق هو فقط الذي يسمح للقاضي بإصدار مذكّرة توقيف بحقّه يوصل إلى نتيجتين غير عادلتين، لوضعية قانونية واحدة، حيث يكون المدعى عليه الذي مثل أمام قاضي التحقيق وبوشرت إجراءات استجوابه وأحيط علماً بما هو منسوب إليه، واختار الدفاع عن نفسه من الناحية الشكلية، في موقع أفضل من مدعى عليه في مثل ظرفه اختار الدفاع عن نفسه أساساً من خلال الإجابة عن الأسئلة وتفنيد الأدلّة المساقة بحقّه،
وحيث بالإضافة إلى ما سلف، فإنّ تبنّي وجهة نظر المستأنف، والذهاب بعكس ما سلف، يعني تمكين المدعى عليه بجناية تصل عقوبتها إلى الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبّدة أو سواها من العقوبات الجنائية، والذي يُباشر باستجوابه ويمَّكن من الدفاع عن نفسه ويكون توقيفه واجباً، أن يتجنّب التوقيف من خلال تقديم دفوع شكلية، الأمر الذي لا ينسجم مع روحية النصّ ونيّة المشرّع في الحفاظ على حقوق المدعى عليه والحقّ العام في آن معاً،
وحيث بناء على كلّ ما سلف، وتبعاً لمثول المدعى عليه أمام قاضي التحقيق ومباشرة إجراءات استجوابه وتمكينه من الدفاع عن نفسه من خلال إحاطته بما هو منسوب إليه، تكون شروط المادة /107/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية، لناحية إمكانية إصدار مذكّرة توقيف بحقّ المدعى عليه، متوافرة، الأمر الذي يفضي إلى ردّ ما أثاره المدعى عليه المستأنف لهذه الناحية،
وحيث إنّ الهيئة وبما لها من سلطة في التقدير، وتبعاً لمعطيات الملفّ والأدلّة المتوافرة، ترى أنّ القرار المستأنف واقع في موقعه القانوني السليم ويقتضي تصديقه،
لذلك
تقرّر بالإتفاق:
1. قبول الإستئناف شكلاً وردّه أساساً وتصديق القرار المستأنف المنتهي إلى إصدار مذكّرة توقيف وجاهية بحقّ المدعى عليه بدري ضاهر،
2. تدريك المستأنف رسوم ونفقات استئنافه كافة،
3. إعادة الملفّ إلى مرجعه.
قراراً صدر في غرفة المذاكرة في بيروت بتاريخ 2020/11/5.
“محكمة” – الخميس في 2020/11/5
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!