علم وخبر

لا تأثير لعدم تسجيل العقود في البلدية وإسقاط من التمديد لتغيير وجهة الإستعمال/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
بحثت محكمة الإستئناف المدنية في بيروت – الغرفة الحادية عشرة الناظرة في دعاوى الإيجارات والمؤلّفة من القضاة الرئيس أيمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري عدّة نقاط قانونية، فاعتبرت أنّ طلب الإسقاط من حقّ التمديد القانوي يخضع للقانون الذي في ظلّه حصلت الواقعة المؤدّية إلى الإسقاط من حقّ التمديد.
كما اعتبرت المحكمة أنّ صورتي عقدي الإيجار تصلحان للأخذ بمضمونهما لناحية تحديد وجهة الإسقاط بمعزل عن مدى تسجيلهما في البلدية ولثبوت تسديد الطابع المالي عن أحدهما، وأن المشترع قد تشدّد في الأماكن غير السكنية فأضاف سبباً خاصاً للإسقاط من حقّ التمديد، وهو إحداث تغيير في وجهة الإستعمال دون اشتراط حصول ضرر نتيجة لهذا التغيير، وكأنّه افترض وجود الضرر بمجرّد تغيير وجهة الإستعمال.
كما اعتبرت المحكمة أنّ النشاطات المستحدثة المذكورة أعلاه ليست مرتبطة بالنشاط الأساسي ولا داخلة ضمنها ذلك أنّ بيع اكسسوارات الكمبيوتر لا يندرج ضمن تجارة الأدوات الكهربائية ولا يعتبر تطويراً أو امتداداً للتجارة المحدّدة في العقد ولا يعتبر موجّهاً إلى عائلة واحدة من الزبائن، كذلك فإنّ بيع الساعات والمنبّهات وألعاب الأطفال يدخل ضمن نطاق تجارة الهدايا غير المذكورة في سند الإيجار.
وقضت بتصديق الحكم المستأنف.ومما جاء في القرار الصادر بتاريخ 2019/11/7
في الأساس:
حيث إنّ المستأنف يطلب فسخ الحكم المستأنف لبطلان المستندات المسندة إليها الدعوى لاسيّما عقدي الإيجار اللذين يتبيّن أنّه لم يتمّ تسجيلهما أصولاً في بلدية بيروت، ولم يتمّ تسديد رسم الطابع المالي عنهما، فيعتبران بحكم المنعدمين ولا قيمة قانونية لهما، إضافة إلى تقرير خبير منظّم بناء لتكليف قضاء الأمور المستعجلة والذي لا قيمة قانونية له في الدعوى الراهنة، ولمخالفته الواقع والقانون كونه لم يتبيّن أو يثبت قيام المستأنف بتغيير وجهة استعمال المأجور، وإنّما التطوّر الحاصل أدّى إلى ظهور أساليب جديدة لبيع وتسويق الأغاني والأفلام وتطوّرات الأدوات الكهربائية.
وحيث إنّ المستأنف بوجهه الأوّل يطلب تصديق الحكم المستأنف بكافة مندرجاته، مدلياً بأنّ عقد الإيجار مسجّل ومستوف كافة الشروط الشكلية اللازمة، كما أنّ قضاء العجلة مختص بتكليف الخبراء بحسب لزوم كلّ قضيّة سنداً للمادة /589/أ.م.م.، وبأنّ حقّ المستأجر الأساسي بالتمديد القانوني، وتبعاً لذلك المستأنف الشاغل للمحلّ التجاري، قد سقط لتغييره وجهة استعمال المأجور المحدّدة في سند الإيجار وإحداثه تغييرات فيه دون سؤال المؤجّر، وبأنّ حقّ المستأنف بالتمديد القانوني سقط كونه ليس المستأجر بحسب عقد الإيجار، فيكون إشغاله بنتيجة تنازل المستأجر السيّد س. ع. له عن الإيجار، وبأنّ حقّ المستأنف والمدعى عليه بالتمديد القانوني قد سقط أيضاً لعدم دفع البدلات رغم الإنذارات.
وحيث إنّه تقتضي الإشارة بدايةً إلى أنّ من يشير إليه المستأنف (المقرّر إدخاله بداية) والمستأنف عليه (المدعي بداية) تحت تسمية المدعى عليه، كان المدعى عليه الأساسي بدايةً بصفته المستأجر الأصلي، ممّا يتعيّن معه اعتباره مستأنفاً عليه في المحاكمة الراهنة وليس مدعياً عليه.
وحيث إنّ طلب الإسقاط من حقّ التمديد يخضع للقانون الذي في ظلّه حصلت الواقعة المؤدّية إلى الإسقاط من حقّ التمديد.
وحيث إنّ الدعوى الراهنة المقدّمة في ظلّ قانون الإيجارات الأخير رقم 2017/2 أسندت إلى واقعتي تغيير وجهة الإستعمال والتنازل عن الإيجار التي لم يحدّد المدعي المستأنف عليه تاريخ حصولهما إنّما أرجعهما إلى تاريخ سابق لتنظيم تقرير الخبيرة ماري الحاج يوسف الذي يتمسك به، بحيث تعود الواقعتان المذكورتان إلى ما قبل العام 2013، فيكون طلب الإسقاط المسند إليهما خاضعاً للقانون رقم 92/160، وأمّا في ما يتعلّق بواقعة عدم تسديد البدلات المتوجّبة فهي مسندة إلى إنذار موجّه عام 2017 فيكون طلب الإسقاط بالنسبة إليها خاضعاً للقانون رقم 2017/2.
وحيث إنّه يستفاد من المادة /14/ معطوفة على المادة /10/ من القانون رقم 92/160 أنّه في الأماكن المؤجّرة لغايات تجارية أو صناعية، يسقط حقّ المستأجر في التمديد القانوني ويحكم عليه وعلى من يحلّ محلّه قانوناً بالإخلاء:
– إذا أحدث تغييراً في وجهة استعمال المأجور كما حدّدت في عقد الإيجار
– إذا تنازل عن المأجور أو أجّره كلّياً أو جزئياً دون موافقة المالك الخطّية أو خلافاً لعقد الإيجار الأساسي أو الممدّد.
وحيث إنّه بالعودة إلى سندي الإيجار المبرزة صورتهما في الملفّ، الموقّع الأوّل ما بين مورّثة المستأنف عليه السيّدة ح. ا. والمستأنف عليه السيّد س.ع. والآخر بين المستأنف عليه السيّد س. والسيّد س.ع.، يتبيّن أنّهما حدّدا وجهة استعمال المأجور، وهو عبارة عن دكّان أرضي، ب “ديسكوتيك ومبيع وتصليح أدوات كهربائية فقط”،
وحيث إنّه تقتضي الإشارة إلى أنّ صورتي العقدين المذكورين تصلحان للأخذ بهما وبمضمونهما لناحية البنود الواردة فيهما لاسيّما تلك المتعلّقة بوجهة الإستعمال، بصرف النظر عن مدى تسجيلهما لدى البلدية، ولثبوت تسديد الطابع المالي عن أحدهما، فيردّ إدلاء المستأنف ببطلانهما خاصة أنّه لم يتقدّم بما يثبت عكس ما ورد فيهما من معلومات تهمّ النزاع الراهن.
وحيث إنّه تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ تقرير الخبرة المسندة إليه الدعوى قد تمّ تنظيمه بناء لقرار قاضي الأمور المستعجلة الصادر بالإستناد إلى المادة /589/أ.م.م. التي تجيز له أن يتخذّ، بناء على طلب الخصوم، جميع التدابير المؤقّتة والإحتياطية التي من شأنها حفظ الحقوق ومنع الضرر مثل وصف الحالة، وهو بالتالي يؤلّف وسيلة إثبات جائزة ومقبولة قانوناً، فتردّ أقوال المستأنف لناحية انعدام قيمتها القانونية.
وحيث إنّه يتبيّن من تقرير الخبيرة م.ح. والكشف المجرى منها بتاريخ 2013/5/15، أنّ المستأنف صرّح بأنّه يشغل المأجور موضوع النزاع منذ 33 عاماً أيّ منذ أن استأجره والده المستأنف عليه الثاني، وأنّ والده وضع الاجارة باسمه خوفاً من أن يتصرّف ابنه (أيّ المستأنف) ن. بالمأجور بسبب طيش الشباب وعدم الجدّية، وأنّ شقيقه ع. قد شغل معه المأجور إلاّ أنّه تركه منذ 7 سنوات، وأوضح أنّه أضاف إلى المأجور مكنة تصوير فوتوكوبي ملون واكسوارات كمبيوتر وبعض الألعاب وغيره من أفلام وساعات رجّالية وساعات منبّه، وأضاف أنّه خفّض مستوى الأرض ووسّع الواجهة وكبّر باب المحلّ ووضع واجهة باب حديد بدل باب الجرّار الحديدي ووضع واجهة من الألمنيوم والزجاج ولبس الجدران الداخلية ووضع رفوفاً من الألمنيوم ومكيّفاً.
وحيث إنّه يتبيّن كذلك أنّ المستأنف يشغل المأجور مع زوجته بغياب المستأجر الأصلي، وقد أكّد على هذا الأمر ثلاثة شهود مستمعين من قبل الخبيرة، وأنّ المستأنف يملك محلاًّ في المبنى المقابل للبناء موضوع النزاع.
وحيث إنّه في ما يتعلّق بمسألة تنازل المستأنف عليه السيّد س. عن الاجارة لمصلحة المستأنف السيّد ن.ع. فإنّ إدلاء المستأنف بأنّ الاجارة عقدت أساساً لمصلحته وليس لمصلحة والده، وأنّه هو بالذات المستأجر الحقيقي وليس والده الذي وضعت الاجارة على اسمه، مستوجب الردّ لعدم ثبوت ذلك بالوسائل المحدّدة قانوناً لاسيّما وأنّه مستأجر لمحلّ مختلف عن المحلّ موضوع النزاع.
وحيث إنّه على فرض أنّ التنازل المذكور لم يحصل وأنّ المستأنف يشغل المأجور كمستفيد من الحقّ بالتمديد القانوني بصفته وريثاً، تبعاً لترك المستأجر الأساسي للمأجور، وذلك استناداً للمادة /12/ من القانون رقم 92/160، (وهو الأمر غير الثابت) فإنّه يبقى على هذا الشاغل الإلتزام بوجهة الإستعمال المتفق عليها.
وحيث في ما يتعلّق بتغيير وجهة الإستعمال، فإنّه يتضح أنّ المشترع قد تشدّد بالنسبة للأماكن غير السكنية، فأضاف سبباً خاصاً للإسقاط من حقّ التمديد هو إحداث تغيير في وجهة الإستعمال دون اشتراط حصول ضرر نتيجة لهذا التغيير، وكأنّه افترض وجود الضرر بمجرّد تغيير وجهة الإستعمال.
وحيث إنّ المستأجر ملزم إذن باستعمال المأجور وفقاً للوجهة المحدّدة في العقد، وأيّ تغيير في وجهة الإستعمال يشكّل إساءة في الإستعمال يؤدّي إلى إسقاطه من حقّ التمديد إذا توفّرت الشروط التالية:
– تغيير وجهة الإستعمال
– أن يكون التغيير قد جرى دون موافقة المالك الخطّية
وحيث إنّه تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أنّ مؤسّسة التمديد القانوني تشكّل خروجاً عن مبدأ حرّية التعاقد لاسيّما لناحية المدّة المتفق عليها، وهي تؤدّي إلى استمرار الاجارة لآجال طويلة بالرغم من إرادة المالك، وإلى تجميد المأجور لقاء بدلات متدنّية نسبياً، الأمر الذي يقتضي معه تفسير أحكام قانون الإيجارات الإستثنائي بشكل حصري وتفسير بنود عقد الإيجار الممدّد بحكم القانون بصورة ضيّقة ودون توسّع لاسيّما لناحية وجهة الإستعمال.
وحيث إنّه لتحديد وجهة الإستعمال أهمّية كبيرة إذ من حقّ المالك أن يعيّن طريقة استخدام ملكه بالشكل الذي يراه مناسباً وبصورة تؤدّي إلى تحسينه وتمنع من إلقاء الأعباء عليه، ممّا يفترض معه التزام المستأجر بتلك الوجهة، ويحظّر عليه إجراء أيّ تعديل فيها ولو لم ينجم عن ذلك أيّ ضرر.
وحيث إن كان ذكر وجهة عامة وشاملة في العقد (تجارة عامة أو صناعة…) يدلّ على مرونة في التعامل بين الفريقين وعلى استعداد المالك في إيلاء المستأجر قدراً من الحرّية في اختيار نشاطه، فإنّ إيراد عدّة أوجه استعمال يفيد من ناحيته رغبة المالك الواضحة في حصر استخدام المأجور ضمن أطر معيّنة ونشاطات محدّدة دون سواها.
وحيث إنّ النشاطات المستحدثة المذكورة أعلاه ليست مرتبطة بالنشاط الأساسي ولا داخلة ضمنها ذلك انّ بيع اكسسوارات الكمبيوتر لا يندرج ضمن تجارة الأدوات الكهربائية ولا يعتبر تطويراً أو امتداداً للتجارة المحدّدة في العقد ولا يعتبر موجّهاً إلى عائلة واحدة من الزبائن، كذلك فإنّ بيع الساعات والمنبّهات وألعاب الأطفال يدخل ضمن نطاق تجارة الهدايا غير المذكورة في سند الإيجار.
وحيث إنّ الإجتهاد يتجّه إلى التشدّد في إطار تقدير مدى وجهة الإستعمال إذ قضى مثلاً بالإسقاط عند استعمال المأجور المخصّص لبيع النوفوتيه لبيع النظارات الشمسية والطبّية (بيروت رقم 5 تاريخ 98/1/22 محكمة التمييز المدنية) كما قضى بالإسقاط عند استعمال المأجور المخصّص لبيع الأدوات الكهربائية من أجل بيع أجهزة الكومبيوتر واكسسواراتها (استئناف بيروت الغرفة الحادية عشرة، رقم 1044، تاريخ 2003/7/2 صادر بين التشريع والاجتهاد)
وحيث إنّه تبعاً لما تقدّم، فإنّ التغيير الحاصل في المأجور على الوجه المبيّن أعلاه، إنّما يشكّل تغييراً في وجهة الإستعمال يؤدّي إلى الإسقاط من حقّ التمديد دونما حاجة للتطرّق أو التوسّع في السبب المسند إلى التنازل عن الاجارة والمشار إليه أعلاه.
وحيث، من جهة ثانية وفي مطلق الأحوال، بالنسبة لطلب الإسقاط من حقّ التمديد لعدم دفع البدلات، فإنّه يتبيّن أنّ المستأنف عليه قد وجّه إلى المستأنف عليه الثاني السيّد س. ب. إنذاراً بتاريخ 2017/1/4، تبلّغه الأخير بتاريخ 2017/1/18، طالبه بموجبه بتسديد فارق بدلات سابقة بالإضافة إلى بدلات إيجار الأشهر الأربعة الأخيرة من العام 2013 والبالغة /438,000/ل.ل. إضافة إلى بدلات إيجار السنوات 2014 و 2015 و 2016 والبالغة /3,942,000/ل.ل.
وحيث إنّ المستأنف عليه الثاني لم يتقدّم بأيّ جواب لا بدايةً ولا استئنافاً، في حين أنّ المستأنف اكتفى بموجب استئنافه الراهن بالإدلاء بأنّه ابتداء من العام 2008 امتنع المستأنف عليه الأوّل فجأة عن استلام بدلات الإيجار ممّا اضطرّه لإرسالها عبر العرض والإيداع الفعلي لدى الكاتب العدل وأنّه جرى إبلاغ المستأنف عليه الأوّل دورياً فقبض بعضها وامتنع عن قبض بعضها الآخر، إلاّ أنّه ولئن ثبت من أقوال المستأنف عليه الأوّل نفسه قيام الجهة المستأجرة بإيداع بعض البدلات لدى الكاتب العدل، غير أنّ المستأنف لم يثبت مبادرته هو بالذات أو والده، إلى تسديد المبالغ المطالب بها بموجب الإنذار المذكور أعلاه العائد للعام 2017 ضمن المهلة القانونية أو على الأقلّ ما يعتبره متوجّباً، ممّا يؤدّي أيضاً إلى سقوط الاجارة موضوع الدعوى لهذه العلّة.
وحيث إنّ الحكم المستأنف، الذي قضى بإلزام المستأنف عليه الثاني والمستأنف بإخلاء المأجور وتسليمه شاغراً من أيّ شاغل إلى المستأنف عليه الأوّل، يكون بالتالي واقعاً في موقعه القانوني الصحيح ومستوجباً التصديق للأسباب الواردة فيه وتلك المعتمدة من قبل هذه المحكمة.
وحيث بنتيجة الحلّ المساق، تغدو سائر الأسباب أو المطالب الزائدة أو المخالفة مستوجبة الردّ إمّا لكونها لاقت ردّاً ضمنياً أو لعدم تأثيرها على النزاع.
لذلك
تقرّر بالإجماع:
1- قبول الإستئناف شكلاً
2- ردّ الإستئناف أساساً، وتصديق الحكم المستأنف الوارد في متن القرار الراهن
3- ردّ سائر الأسباب أو المطالب الزائدة أو المخالفة
4- مصادرة التأمين الإستئنافي، وتضمين المستأنف الرسوم والنفقات القانونية.
قراراً صدر وأفهم علناً في بيروت بتاريخ 2019/11/7.
“محكمة” – الإثنين في 2020/11/30

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!