مقالات

أقفلوا البلد بشكل تام فالتاريخ لن يرحمكم/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
في شهر شباط 2020، بدأت جائحة كورونا تنتشر شيئاً فشيئاً، وببطء في بادئ الأمر، إلى أن انتشرت بشكل واسع في الدول، وتغلغلت بين الشعوب التي ذاقت الأمرّين منها، أو رحلت بسببها وخصوصاً في إيطاليا.
في لبنان، قد يكون مسموحاً في الأيّام الأولى للجائحة القول بأنّ المسؤولين فيه كغيرهم من المسؤولين في الخارج لا خبرة لديهم في كيفية معالجتها ومجابهتها، مع أنّهم أخطأوا عندما سمحوا للطائرات بالهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي وهي تحمل مصابين بهذا الوباء.
ومرّت الأيّام وكتبنا كمواطنين عشرات المقالات نحذّر فيها من التراخي في مجابهة هذا الوباء، وأنّ الأمر لا يكون بإقفال عشرات البلدات، والمفرد والمزدوج، والإقفال الجزئي، والزيارات التي لا فائدة منها. وبرّرنا مطالبنا بشكل منطقي:
1- أنّ الإقفال الجزئي لا يفيد بشيء، لا بل هو مُضِرّ، لأنّ الجميع يقابل الجميع، والجميع يختلط مع الجميع. ولا يمكن إلزام بعض الناس بالبقاء في بيوتها طالما أنّ الدوائر تعمل، والضرائب والغرامات والمهل غير متوقّفة. فكيف نطلب من العامل والسكرتيرة والموظّف…البقاء في المنزل، والدوائر تعمل، والمكاتب تعمل والمحلاّت التجارية كالسوبرماركت وغيرها تعمل والصيدليات تعمل؟..هذا بالإضافة إلى محطّات الوقود. وبالنتيجة تكون الخسارة واقعة على أصحاب المحلات التجارية من ملبوسات وغيرها. والباقي يعمل بصورة طبيعية.
ويأتي من يرمي المسؤولية على الشعب، وكأنّ المسؤولين غير مسؤولين. فالشعب الذي يرقص ويختلط من دون اتخاذ الإجراءات الصحيّة هو مسؤول. هذا لا خلاف عليه. ولكن في الدوائر والمحلات والمكاتب والنقابات والمؤسّسات حيث من الواجب الإختلاط، ومهما اتخذ المواطن من إجراءات واحتياطات، فهو معرّض للإصابة بكورونا. فما العمل؟ قلناها عشرات المرّات يجب الإقفال التام الكامل والشامل من دون أيّ استثناءات على الإطلاق. كما قلنا: فلتتخذّ السلطة مثل هذا القرار والباقي على القوى الأمنية في اتخاذ الإجراءات الصارمة كحجز السيّارات التي تتنقل خلافاً للقرار في “بورة” أو “ملعب” أو “موقف”. ويعمّم هذا القرار على الجميع بجميع الوسائل.
وبالتالي، وباختصار كلّي. لا يمكن إلقاء اللوم والمسؤولية على الشعب طالما أنّ قرار المسؤولين غير صحيح وغير منطقي وغير مفيد، لا بل إنّ أكثر من ذلك، طالما أنّ هذا القرار هو الذي يستدرج المواطنين إلى الإختلاط خصوصاً في المعاينة الميكانيكية والداوئر المالية والنافعة ومراكز البريد (خصوصاً وأنّه علينا تقديم طلبات ضريبة الدخل ودفع الرسم عنها لأنّ هناك من سيأتي ويقول إنّه يمكننا تقديمها اونلاين. إلاّ أنّ الرسم يجب أن يدفع مباشرة). والحلّ الوحيد هو الإقفال التام. ففي هذه الحالة يعلم المواطن أن لا استحقاقات ولا مهل ولا دوائر تعمل ولا مطاعم ولا مقاهي تعمل، ولا مكاتب ومؤسّسات وشركات تعمل. بل إنّ الإقفال تام. فيبقى عندئذٍ في البيت. ومن يخرج منه يعاقب.
2- عندما نتكلّم عن الإقفال التام لمدّة أسبوعين أو ثلاثة تقوم القيامة وكأنّنا نقفل الدنيا حتّى الآخرة. هذا الإقفال ليس “للفنكرة” وليس من باب الكسل. بل للحدّ من انتشار الوباء. هذا الأمر يشبه حالة الموكّلين الذين يصرّون على إنهاء القضيّة قبل العطلة القضائية. والعطلة القضائية تكون شهراً ونصف الشهر فقط، يعود العمل بعده بشكل طبيعي في المحاكم، في حين أنّه بين الجلسة والجلسة هناك عدّة أشهر. فما هو الأفضل أن ينتشر الوباء بالسرعة القصوى أم بالإقفال التام لمدّة أسبوعين. هذا بالإضافة إلى أنّه، ولكثرة الإقفال الجزئي الخاطئ والمفرد والمزدوج، وعدم الوصول إلى نتيجة مفيدة، لم يعد المواطن يثق بهذه الإجراءات. ولعلّ من يقول طالما أنّه لا يثق فلماذا لا يبقى في المنزل وكأنّهم يتوجّهون بهذا الكلام إلى أناس عاطلين عن العمل. فالعاطل عن العمل لا حجّة لديه للتنقّل. أمّا العامل فعليه التنقّل إلاّ إذا صدر قرار بالإقفال التام. ففي هذه الحالة على المسؤولين إقفال كلّ شيء، فلا يعود المواطن مسؤولاً أو مقصّراً في عمله ويبقى في البيت.
كتبنا ونكتب هذا الكلام منذ أشهر ولكن لا حياة لمن تنادي.
ألم يكن الشاعر على حقّ حين قال:
لقد أسمعت لو ناديت حيّاً
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في رماد
وبالتالي، فإنّ حالة القيّمين على مصالح الشعب وصحّته هم على الشكل الآتي:
1- إمّا أنّهم لا يقرأون، ولا يضعهم مستشاروهم المعيّنون كتنفيعة في جوّ ما نكتب.
2- أو أنّهم يقرأون ولكن لا كفاءة ولا خبرة ولا منطق ولا بُعْد نظر.
3- أو أنّهم يقرأون ويعلمون ماذا يفعلون. وهنا الخطورة.
أقفلوا البلد بشكل تام وكامل وشامل ومُحْكم، ومن دون أي استثناءات على الإطلاق وإلاّ فإنّ التاريخ لن يرحمكم.
“محكمة” – الإثنين في 2021/1/11

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!