مقالات

كيف ننجح باستعادة الأموال المنهوبة – دراسة مقارنة/سلام عبد الصمد

المحامي الدكتور سلام عبد الصمد:
إستكمالاً لمقالاتنا السّابقة، لا سيّما المقال المنشور في “محكمة” بتاريخ 2020/4/17 عن استرداد الأموال المكتسبة بصورةٍ غير شرعية – تجربة لبنان ومصر وتونس وغيرها.
وفي ظلّ غياب أيّ قانونٍ نافذٍ في هذا المضمار، تبقى هناك بارقة أمل في استرداد هذه الأموال من خلال تفعيل قانوني مكافحة تبييض الأموال وقانون الإثراء غير المشروع، واللذين من المفترض أن يكونا كافيين لإعمال آليات استعادة الأموال المنهوبة، بانتظار صدور القانون المأمول.
ولكن نعود مجدّداً لإعلاء الصوت اليوم عن مصير أموال الناس المهدورة ودائعهم المنهوبة والمهرّبة في الداخل أو الخارج، بعد مضي قرابة التسعة أشهر على طرحنا لهذا الموضوع الشائك والحسّاس، والذي يعني كلّ مواطن لبناني، متسائلين عمّا إذا كانت هناك محاولاتٍ جدّيةً في هذا الإطار؟
لقد تقدّم بالأمس القريب الزميل النائب إبراهيم كنعان بطرح مشروع قانون استرداد الأموال المنهوبة الذي أقرّته اللجنة الفرعية النيابية، وطلب عرضه على جدول أعمال أوّل جلسة للمجلس النيابي اللبناني. ومن باب الحرص على نجاح هذا الطرح، ولكي لا يكون كسابقاته من المشاريع الخجولة المتداولة حالياً، حيث يبدو ظاهرها مُغرياً وجدّياً، إنّما تُخفي في الجوهر عرقلةً ضمنيةً لاستعادة الأموال المنهوبة، كما حصل مع بعض الدول الأجنبية – كمصر وتونس -، والتي عانت ما نُعانيه – نحن الشعب اللبناني الثائر – من فسادٍ وسيطرةٍ على مقدّرات المال العام والخاص (الودائع في المصارف) من قبل المنظومة الحاكمة وذلك منذ عشرات السنين وحتّى تاريخه، وفشلتْ هذه الدول مع الأسف بإعادة الأموال المهرّبة إلى الخارج.
نقترحُ، وبناءً على دراساتٍ وأبحاثٍ سابقة (نشرنا بعضها في مجلّة “مَحكمة”)، أنْ يلحظ مشروع القانون أعلاه المبادئ والمعايير الأساسية التالية:
1- تعريف وتوصيف عبارة “الأموال غير المشروعة” التي تُذكَر عادةً في اقتراحات القوانين منعاً لأيّ لُبسٍ أو غموض، تكون حجّة للتّملُّص من تنفيذ القانون، لا سيّما وأنّ عملية الإسترداد وآليتها تتوقّف على هذه العبارة (كما رأينا في بعض مسودّات القوانين السابقة).
2- تحديد الجهة أو اللجنة التي ستنظر في تنفيذ ومراقبة تنفيذ قانون استرداد الأموال المنهوبة: محكمة مستحدثة أو قائمة، ومدى استقلالية كلٍّ منها. وإذا كانت لجنة، كما ورد في بعض مشاريع القوانين: ممن ستتألّف، هويّة أعضائها وكيفية تعيينهم؟ وصلاحياتها؟ (رأينا التدخّلات السياسية في تعيين أعضاء هذه اللجنة حسبما ورد في مشاريع قوانين سابقة).
3- منح الحقّ للنيابات العامة ومن دون أيّ استثناء بملاحقة ناهبي الأموال، وبناءً لطلب أيّة جهة صاحبة صفة.
4- تعزيز استقلالية هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان، على أن تُباشر عملها بطلب من القضاء من دون استثناءات.
5- عدم جدوى اشتراط وجود حكم قضائي مبرم، يُثبت أنَّ الأموال نتجتْ عن جرمٍ جزائيٍّ لإعمال آلية الإسترداد، والإكتفاء بالإخبار أو الشكوى (وهو ما كانت تُثيره سويسرا عند تقديم أيّ طلب لإعادة الأموال المودعة لديها والمهرّبة من دول إفريقية أو من تونس أو مصر).
6- عدم مرور الزمن على دعوى استرداد الأموال المنهوبة، وليس الدعوى الأساسية التي ينتج عنها حكم باسترداد الأموال المنهوبة.
7- حصر توزيع واستخدام الأموال المستردّة سواء من الداخل أو الخارج بجهاتٍ حكومية موثوقٍ بها أو منظّمات غير حكومية مستقلّة، وتمكين المجتمع المدني من الإشراف على آلية الإسترداد (كتجربة أوزباكستان).
إنَّ اعتماد هذه المعايير وغيرها، بطبيعة الحال، سيسمح بتفعيل آلية إعادة الأموال المكتسبة بصورة غير شرعية، مستفيدين من تجارب بعض الدول في هذا السياق (تونس، مصر، بريطانيا، إلخ)، إنطلاقاً من المثل القائل: وبالمقارنة تتبيّن الأشياء، مذكّرين في الوقت عينه، أصحاب الشأن والنفوذ، بأنَّ لبنان الرسمي قد وقّع على اتفاقية الأمم المتحدّة لمكافحة الفساد للعام 2004، وعوض أنْ تتراجع معدّلات الفساد، فقد زادت وبأضعاف!
حمى الله لبنان وشعبه، ومدّهم بالصّبر والعنفوان.
“محكمة” – الخميس في 2021/1/21

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!