الأخبار

ميشال عون ومعركة رياض سلامة: حان موعد التغيير

التحقيق السويسري هو الضربة الأقسى التي تعرّض لها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. لم يعد الرجل الذي لا يُمسّ. بعد تحطّم صورته منذ بدء الانهيار النقدي والمالي، أتى فتح الإدعاء العام السويسري تحقيقاً قضائيًا بشأن تحويلاته ليمنح رئيس الجمهورية ورقة يمكنه استخدامها في معركته لتغيير سلامة، كما في مفاوضات تأليف الحكومة*.
ما إن بات حاكم مصرف لبنان خبرًا عاجلًا نتيجة فتح القضاء السويسري تحقيقًا حول العمليات المصرفية التي قام بها، حتّى كرّت سبحة المعلومات التي تنكشف يوميًا حوله. فالرجل الذي كان “الأقوى” والحاكم بأمره قبل أشهر قليلة، بات اليوم في معركة “وجودية” يسعى للخروج منها بأقلّ الخسائر المعنوية المُمكنة. يُصرّ على أن يودع ملفّه لدى مكتب المدعي العام السويسري، من دون أن يستمع حتّى الساعة إلى “نصيحة” من طلب منه العدول عن الفكرة، لأنّ السلطات هناك “تملك معطيات وأدّلة كافية لتوريطه”، ولا سيّما بعد ورود معطيات تشي بأنّ الغطاء الأميركي الذي كان ممنوحًا له، لم يعد ثابتًا كما في السابق.
وفي هذا الإطار، كشفت معلومات عن أنّ مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب، مارشال بيلينغسلي، سأل قبل أشهر أحد المسؤولين المصرفيين السابقين (تربطه علاقة قوية بالدولة الأميركية) عن علاقة سلامة بمساعدته ماريان الحويك، وطبيعة العمل بينهما، وإن كان يوجد مصالح مشتركة.
من جهة أخرى، علمت “الأخبار” أنّ سلامة، وفي جلسة الإستماع أمام النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات الأسبوع الفائت، كرّر اقتناعه بأنّه لم يرتكب أيّ مخالفة قانونية، وأنّه في حال كانت هناك أيّ مسؤولية عليه، فهي مسؤولية “أخلاقية وليست قانونية”. وحين سُئل عن تحويله أموالاً من حسابه في مصرف لبنان، وتوظيفها في شركة مالية في بريطانيا، قال سلامة إنّه حصل على “موافقة المجلس المركزي السابق ليتمكّن من توظيف المبالغ في الخارج”. إلاّ أنّ أكثر من عضو في المجلس المركزي السابق نفى لـ”الأخبار” أن تكون قد تمّت مناقشة تحويلات سلامة وتوظيفه أمواله الخاصة في أيّ من الجلسات التي عُقدت.
النقطة الثانية التي شملها التحقيق هي وضع شركة “Optimum invest المالية. تقول مصادر من المجلس المركزي السابق إنّه “وافقنا على عقد العمل معها بعد طلب سلامة ذلك. ولكن حين ورد من هيئة الرقابة على الأسواق المالية أنّ هذه الشركة تُخالف القوانين، طلبنا إجراء تحقيق شمل 12 مصرفًا لبنانيًا”.
تبيّن نتيجة التحقيق الذي أجرته “وحدة الرقابة” في هيئة الأسواق المالية أنّ عددًا من المديرين داخل المصارف كانوا يُتمّون صفقات بيع سندات الدين بالعملات الأجنبية لمصارفهم بأسعار تفوق السعر الحقيقي، “ويتقاسمون العمولة مع الشركة المالية. أدّى التحقيق إلى طرد عدد من هؤلاء المديرين، لكن عند عرض التقرير أمام الحاكم في إحدى جلسات المجلس المركزي، رفض إنهاء عقد العمل معها”. وبحسب المعلومات، فإنّ علاقة عمل تربط مُديرًا تنفيذيًا في “المركزي” وشقيق الحاكم، رجا سلامة.
أمّا النقطة الثالثة، فهي سؤال الحاكم عن تعيين شقيقه رجا عضو مجلس إدارة في الشركة المالية التي أسّسها مصرف “HSBC”، وكان بحُكم وظيفته يقوم بتحويل أموال من الخارج إلى الداخل ثمّ يُعيد تحويلها إلى الخارج. وهو ما تنطبق عليه المادة الأولى، البند 9، من القانون الرقم 44، أيّ قانون “مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب”، وفقًا لمسؤول في هيئة رقابية، وأنّ ذلك يندرج تحت خانة الأموال غير المشروعة و”الفساد بما في ذلك الرشوة وصرف النفوذ والاختلاس واستثمار الوظيفة وإساءة استعمال السلطة والإثراء غير المشروع”، فضلاً عن أنّ استغلال سلامة لمنصبه، والحسابات في مصرف لبنان للقيام بتوظيفات استثمارية ومراكمة ثروته وإجراء تحويلات لحساب أحد الموظّفين في “المركزي”، يُعتبر خرقًا للقانون الرقم 160: “حظر الاستغلال الشخصي للمعلومات المميّزة في التعامل بالأسواق المالية.”
ثمّة محاولات اليوم لتوسيع إطار التحقيقات التي انطلقت من مصرفي “يوليوس باير” و”LGT” في سويسرا، لتشمل حسابات في بريطانيا وفرنسا.
وبحسب المعلومات، لم تجد باريس حتّى الساعة “حسابات مشبوهة في مصارفها”، لكنّ ذلك لم يمنع استكمال التحقيقات في سويسرا، رغم إصرار مصادر مُطلعة على الموقف الفرنسي على التمسّك بـ”الحذر” من مسار القضية، و”حصول ما قد يؤدّي إلى كبحها سياسيًا.”
لبنانيًا، يُصرّ الرئيس ميشال عون على متابعة التحقيقات بالتفاصيل، وعلى أن تكون بداية لفرض التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان من دون استثناء أيّ حسابات؛ فهو يعتبرها الفرصة الأمثل لتغيير حاكم المصرف المركزي. وقد أصبحت القصّة، بالنسبة إلى بعبدا، جزءًا من صراع تأليف الحكومة الجديدة. وينتظر عون، إمّا “اعتذار الرئيس سعد الحريري أو أن يتقدّم بمسودّة حكومة جديدة”، على ما تقول المصادر.
فقد باتت المسألة بمثابة لعبة “عضّ أصابع” بين عون من جهة، والحريري من جهة أخرى، ولا سيّما أنّ مُقرّبين من عون يقرأون “موقف السعودية تجاه الحريري بكثير من الاهتمام؛ اذ تشير المعلومات إلى أنّ لقاء رئيس الحكومة المكلّف عائلته في الإمارات جاء بعد فشل محاولات أبو ظبي ترتيب العلاقة بينه وبين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.”
من ناحية أخرى، أصدر سلامة بياناً أمس قال فيه إنّ “كلّ الأخبار والأرقام المتداولة في بعض الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي مضخّمة جدًّا ولا تمتّ إلى الواقع بصلة، وتهدف بشكل ممنهج إلى ضرب صورة المصرف المركزي وحاكمه”. وإذ “يمتنع عن الخوض علنًا في الأرقام والحقائق لدحض كلّ الأكاذيب في ملفّ بات في عهدة القضاء اللبناني والسويسري، يؤكّد أنّ منطق إكذب إكذب فلا بدّ أن يعلق شيئ في ذهن الناس لا يمكن أن ينجح في هذه القضيّة وفي كلّ الملفّات المالية، لأنّ كلّ الحقائق موثّقة”.
*المصدر:جريدة الأخبار
“محكمة” – الثلاثاء في 2021/1/26

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!