أبرز الأخبارمضبطة حوار

النقيب فادي غنطوس: “النسبية” هي الأمثل لتمثيل الأقليات .. ولمؤتمر تأسيسي يعيد بناء النظام اللبناني

حاورته المحامية فريال الأسمر:
جريء في قول الحقّ ولا يساير أحداً على حساب القانون، مثقّف ومفكّر ولا يتوانى عن صون الحرّيّة بما تمثّله من كرامة للإنسان. عرفته طرابلس التي يعشقها حتّى الرمق الأخير، نقيباً للمحامين بعد معركة “كسر عظم” خاضها ضدّ تحالفات سياسية وأمنية لمصادرة القرار متكلاً على ثقة الأحرار من المحامين، إنّه النقيب السياسي فادي غنطوس الذي يتطلّع دوماً إلى التغيير في سبيل وطن أفضل لكلّ اللبنانيين.
“محكمة” إلتقت النقيب غنطوس في مكتبه في طرابلس حيث كانت جولة صراحة في النظام السياسي اللبناني، وقانون الإنتخابات النيابية، وشؤون العدلية ومدينة طرابلس، وبعض الملفّات القضائية ذات النكهة السياسية، ولم يتردّد في إطلاق مواقف واضحة كتأكيده بأنّ قانون النسبية هو النظام الأمثل للإنتخابات النيابية، داعياً إلى مؤتمر تأسيسي لإعادة بناء النظام السياسي في لبنان على أسس حديثة ومعاصرة.
وهنا وقائع الحوار:
• لماذا وصفت معركة انتخابك نقيباً للمحامين في طرابلس آنذاك بأنّها معركة “كسر عظم”؟.
لقد كانت معركة نقابية قاسية، وكان التدخّل السياسي والأمني آنذاك ضدّي باعتبار أنّني رافض للوصاية السورية.
• ذكرت في إحدى مقابلاتك أنّ قانون الإنتخابات هو الباب الواسع للإصلاح السياسي في أيّ بلد في العالم، ولكنّ قانون 1960 يعزّز أمراض المجتمع اللبناني وعلى رأسها الطائفية والمذهبية، فكيف ذلك؟
لا شكّ أنّ قانون الإنتخاب هو القانون الأساسي، والأهمّ لتكوين السلطة وتداولها، لذا يفترض فيه أن يكون علمياً وحديثاً ومعاصراً ويواكب التطوّر المجتمعي، وما يوازيه أهمّية هي القوانين أيّ الأطر التي تنظّم العملية الإنتخابية لجهة تكافؤ الفرص بين المرشّحين ومنع استخدام المال السياسي الذي أخذ يلعب دوراً مفصلياً في الحياة العامة منذ بداية تسعينات القرن العشرين.
وبمعنى آخر، فبقدر أهميّة قانون الإنتخاب، فإنّ لجان الإشراف على الإنتخابات لجهة مراقبة الرشوة الإنتخابية والإعلامية ومراقبة المبالغ المالية التي يتمّ صرفها أثناء العملية الإنتخابية بشكل دقيق أسوة بما يحدث في بلاد العالم، تحصّن قانون الانتخابات وتسمح للنتائج بأن تكون حقيقية، وبالتالي، بتداول السلطة.
تعدّد القوانين منذ “الطائف”
والمؤسف أنّهم منذ اتفاق الطائف نظّموا لكلّ دورة إنتخابية قانوناً مختلفاً وبدوائر مختلفة، وبمعايير مختلفة، فشاهدنا الشمال محافظة، وبيروت واحدة، في حين أنّ جبل لبنان قسّم إلى ثلاث محافظات أو أكثر مراعاة لبعض القوى السياسية، كما أن كلّ تلك القوانين خالفت ما تمّ الاتفاق عليه في الطائف، بقدر ما خالفت المبادئ العلمية التي تنظّم القوانين الإنتخابية، وتجسّد ذلك بإجراء الانتخابات في دوائر موسّعة تصل إلى حدود 28 نائباً في محافظة الشمال، ولكن كانت وفقاً للنظام الأكثري، وهذا مخالف للمبادئ العلمية للقوانين الإنتخابية، إذ أجمع كلّ فقهاء القانون الدستوري وعلماء القوانين الإنتخابية على ألاّ يطبّق القانون الأكثري إلاّ في دوائر فردية ومصغّرة، وفي حال تمّ توسيع الدائرة، فيعطى لكلّ مواطن صوت واحد، لا 28 صوتاً، وكلّما توسّعت الدائرة الإنتخابية، يفترض أن يكون القانون الساري هو القانون النسبي، وأكبر مثال على ذلك، هو أنّه في القوانين الأكثرية(الدائرة الموسّعة) يتمّ شطب نتائج بعض المرشّحين الأقوياء الذين نالوا عشرات الآلاف من الأصوات، لأنّ لوائح الطبقة السياسية لم تشملها، وبما أنّ لبنان بلد أقليات طائفية وسياسية، فإنّ النظام الأمثل لتمثيل تلك الأقليات والحفاظ عليها وعلى خصوصيتها، هو القانون الذي يعتمد النسبية.
• هل قانون القضاء الذي تمّ الإتفاق عليه في الدوحة هو أسوأ القوانين؟
إنّ قانون الستين الذي تمّ الاتفاق عليه في الدوحة، أفضل من قانون 2000 الذي يسمّى قانون غازي كنعان والذي جرت الإنتخابات في العام 2005 على أساسه، لأنّ المجتمع الدولي آنذاك وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فرض على الطبقة السياسية إجراء الانتخابات في موعدها، وبغضّ النظر عن صيغة القانون الإنتخابي، فكانت العودة إلى قانون الألفين الذي هو أسوأ القوانين، ثمّ جاء قانون الستّين ليجمّل قانون الألفين، ولكنّه ليس المنشود لتجديد الطبقة السياسية في لبنان والسماح بتداول السلطة، إنّه أهون الشرّين، والمؤلم أنّه عند إجراء كلّ انتخابات، يقال إنّ هذا القانون ليس جيّداً، ويجب تأمين قانون جديد.
طرابلس الجميلة
• ما هو الفارق بين طرابلس الأمس، وطرابلس اليوم؟
طرابلس الأمس ذكرى جميلة، وطرابلس اليوم هي وجع نتمنّى أن يكون مؤقّتاً. طرابلس التي في البال كانت مدينة متوسّطية مختلطة، فيها جاليات أجنبية، وقنصليات لدول أوروبية، وحضور مسيحي من كافة أنحاء الشمال يتجاوز 40% من سكّانها. كان فيها دور السينما، ومراكز ثقافية، وحياة إجتماعية، وتنوعّ. كانت تشبه الإسكندرية، وكانت تستوعب الريف الذي يأتي إلى المدينة، وتطبع هذا الريف بقيم المدينة لجهة الإنفتاح والديمقراطية وقبول الآخر.
اليوم طرابلس، وللأسف، وخصوصاً بعد حرب السنتين(1975-1977)، والدور السوري فيها، ضرب كلّ هذا التنوّع والتعدّد وأفقدها مناعتها في ظلّ استمرار نزوح الريف وهجرة التنوّع فيها، ممّا أفقدها المناعة الحقيقية الموجودة في المدن، وتطبّعت المدينة بقيم الريف فتريّفت، وتحوّلت إلى ضيعة كبرى، وليس العاصمة الثانية.
• ما هي أسباب أحداث جبل محسن وباب التبّانة، وماذا خلّفت لطرابلس وأهلها؟
بالمبدأ يعود الصراع في المدينة بين منطقتي التبّانة وجبل محسن إلى الحرب الأهلية اللبنانية، وما عرف بـ”حرب السنتين”، إذ كانت طرابلس والمدينة آنذاك، مؤيّدة للحركة الوطنية اللبنانية، والمقاومة الفلسطينية، في حين أنّ أهل جبل محسن كانوا أقرب إلى منطق النظام السوري آنذاك الذي اصطدام بالحركة الوطنية اللبنانية، والمؤسف أنّ الصراع السوري الفلسطيني آنذاك ولّد حركة “التوحيد الإسلامي” التي وضعت يدها على المدينة، ممّا اقتضى تدخّل القوّات السورية في العام 1985 لاسترداد المدينة من هذه الحركة، ووقع ضحايا كثر لاسيّما في باب التبّانة، ممّا زاد شرخ الإنقسام بين المنطقتين.
المؤسف أنّه برغم اتفاق الطائف، وعودة السلم الأهلي، فإنّ جبل محسن وباب التبّانة لم تشملهما مشاريع إعادة الإعمار والإنماء، بل ظلّت تُسْتَخْدم كصندوق بريد في الصراع الإقليمي، أو الصراع السياسي داخل المدينة، وكانت الأجهزة السورية وفي ما بعد الأجهزة اللبنانية، آنذاك تحرص على إبقاء جرح هذه المنطقة نازفاً، وكان يتمّ تبادل الرسائل السياسية عبر جولات عنف لم يذهب ضحيتها إلاّ الفقراء، سواء أكانوا من جبل محسن، أو من باب التبّانة.
وقد آن الآوان لختم هذا الجرح، وإعادة التعامل مع أهل جبل محسن كأنّهم جزء لا يتجزأ من نسيج المدينة، وعلى الأقلّ السماح لهم بتسمية من يريدون لتمثيلهم إنْ في البلدية، أو المخترة، أو النيابة، والمؤسف أنّه يتمّ مصادرة الإرادة السياسية والإنتخابية والإجتماعية لأهل جبل محسن بمنطق أكثرية في مواجهة أقليّة، وهذا لن يولّد إلاّ مزيداً من التوتّر والإنفجارات، كأنّ المبدأ الأساسي للديمقراطية، هو عدم أخذ مصالح الأقليّة بعين الإعتبار.
• متى تستعيد طرابلس بريقها ووهجها؟
في المبدأ، المدن لا يعود بريقها إلاّ بالتنوّع والتعدّد وتطوّرها الإقتصادي والفكري والسياسي والإجتماعي، وعندما نرى أنّ أغلب المؤسّسات الصناعية في المدينة أقفلت، وأنّ المدارس الخاصة فيها قد انتقلت إلى جوارها، وأنّ الاستثمار فيها ضئيل، والمرفأ والمعرض لا يعملان، ومصفاة طرابلس أقفلت، والتنوّع الطائفي فيها قد قلّ لمصلحة الطائفية، كلّ تلك العوامل أدّت إلى تصحّر المدينة، وأنا لا أعتقد أنّ طرابلس ستستعيد دورها في المدى المنظور لأسباب موضوعية وذاتية ومنها أنّ النظام اللبناني يعيش أزمة سياسية ومالية واقتصادية كبرى، فينعكس هذا الأمر على طرابلس المدينة، إضافة إلى أزمتها الخاصة.
الإحترام بين القضاء والمحاماة
• لقد قلت مرّة إنّ العمل القضائي المكتمل والناجح، محكومٌ بقيام تعاون واضح وصريح وشفّاف ومخلص ووثيق بين القضاء والمحاماة، فكيف يتجلّى هذا الأمر؟
أوّلاً، أثناء ولايتي حدث أمران مهمّان أوّلهما اغتيال الشهيد رفيق الحريري، ثمّ “حرب تموز”(الإعتداء الإسرائيلي على لبنان في العام 2006)، وقد أثّرا على الوضع العام، فولايتي كانت مرحلة صعبة ومفصلية، ورغم ذلك حرصت على أن تكون نقابة المحامين ليست نقابة مطلبية، فالهمّ الأساسي للنقابة أن أؤمّن للمحامين أداء مهمّتهم في ظلّ ظروف سليمة وخارج التدخّل السياسي والأمني وخاصة لدى القضاء الجزائي، وأزعم بأنّني استطعت أثناء ولايتي إضفاء نوع من الهيبة والاحترام المتبادل في قصر العدل بين القضاء وسلك المحاماة، والوقائع تثبت أنّني لم أضمّ أيّ محام مخالف، بغضّ النظر إذا كان مقرّباً مني أم لا، وقد أحلت البعض إلى المجالس التأديبية، ولم أرفض أيّ طلب إذن بالملاحقة لأيّ محام إقترف جرم المخالفة في حال كان الطلب جدّياً، ولم أطبّق منطق الحماية أو الزبائنية.
وأزعم أيضاً، أنّه خلال مدّة ولايتي لم يجرؤ أيّ مرجع سياسي أو أمني على أن يطلب مني أيّ خدمة، أو طلب خارج القانون، كما أنّني كنت صوتاً صارخاً ضدّ مخالفات بعض القضاة وارتهانهم، وتعاونت في هذا الخصوص، مع التفتيش القضائي لا سيّما مع القاضيين محمّد علي عويضة، وأنطوني عيسى الخوري، كما كان لي الشرف مع زميلي النقيب بطرس ضومط في الضغط وإعلان الإضراب في وجه وزير العدل آنذاك شارل رزق، من أجل إكمال تعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى الذي بقي شاغراً مدّة سبعة أشهر تقريباً.
أؤيّد العفو
• هل تؤيّد صدور قانون عفو عام؟ ولماذا وهل هو يصدر عادةً، لغايات سياسية وانتخابية؟
حتماً هذه الطبقة السياسية ستصدر قانون العفو العام لغايات سياسية وطائفية، وموقفي الخاص هو أنّني مع قانون العفو، لأنّه في كلّ دول العالم الحضارية يصدر قانون عفو عن الجنح، وإذا لحق بعض الجنايات، فإنّه يستوجب دراسات، أمّا قضايا القتل والإرهاب فأنا ضدّ العفو عن المرتكبين، أمّا المخدّرات فأميل إلى العفو.
وفي ظلّ وضع السجون، ووضع القضاء، أنا مع قانون العفو، فهناك موقوفون إسلاميون مضى على توقيفهم سنوات، وفي ظلّ بطء القضاء في البتّ في الملفّات، فلا شكّ أنّ هناك ضرورة إجتماعية وأخلاقية وسياسية تقضي بحصول عفو عام.
العدلية ليست في أفضل أيّامها
• تأخّرت التشكيلات القضائية أكثر من المتوقّع، في وقت غرقت فيه العدليات والمحاكم بالإنتدابات، كيف ترى هذا الواقع؟
العدلية ليست في أفضل أيّامها. هذا تراكم. وأعتقد أنّ البدء بالإصلاح يبدأ بتعيين وانتخاب مجلس قضاء أعلى جدير بهذه التسمية، وأنا أتمنّى أن يقوم مجلس القضاء الأعلى الجديد بهذه التشكيلات، وأن يذكّرنا بالزمن الماضي وبشخصيات قضائية كان مشهوداً لها بالتجرّد والنزاهة والقيمة العلمية والفكرية وعدم حبّ الظهور والإختلاط بالسياسيين، وأصحاب المصالح كما يجري الآن.
إنّ عملية الإصلاح القضائي ليست عملية سهلة وبسيطة، إذ غالباً ما يتدخّل، كما في كلّ الإدارات، العامل الطائفي لحماية بعض القضاة الذين تشوبهم شائبة، نأمل في هذا العهد الذي تكلّم سيّده أكثر من مرّة عن استقلالية القضاء وتجرّده ونزاهته، أن يضع الأمور موضع التنفيذ، رغم علمي المسبق أنّ هذه الطبقة السياسية ستضع الكثير من العراقيل أمام هذا العهد لإنجاز أيّ إصلاح أو تغيير.
الإنتخابات النيابية
• هل ستخوض الإنتخابات النيابية المقبلة؟
بالمبدأ كلا، لأنّني أعتقد بأنّ قانون الانتخابات لا يزال غامضاً، ولأنّني أزعم أنّ الإصلاح ضمن المؤسّسات الدستورية الحالية، وفي ظلّ ازدياد قبضة هذه الطبقة السياسية المرتبطة بالمال السياسي وبنفوذ المصارف، هو أمر يصل إلى حدود الإستحالة، إذ إنّ هذا النظام ببُنْيته الحالية الطائفية تحول دون أيّ أمل في التغيير، لذا أنا من الذين يعتقدون بأنّ الوطن بحاجة إلى مؤتمر تأسيسي لإعادة بناء النظام السياسي في لبنان على أسس حديثة ومعاصرة.
• وأخيراً أخلي سبيل بهيج أبو حمزة بعد ثلاث سنوات قضاها موقوفاً بعدّة دعاوى، فما هو تعليقك على هذه القضيّة؟
أنا غير مطلع على تفاصيل الدعاوى التي تقدّم بها وليد بك جنبلاط على بهيج أبو حمزة لكي أبدي رأيي القانوني، ولكن لا يمكنني من موقعي كمحام، إلاّ أن أدين وأستغرب ولا أوافق على سير الدعاوى التي أقيمت بوجهه، والتي كان يتمّ توقيتها كلّ أربعة أشهر، عندما كانت تنتهي مهلة التوقيف الإحتياطي سنداً لقانون أصول المحاكمات الجزائية. والمؤسف أنّ بعض القضاء قد تواطأ في قبول تلك الشكاوى بحيث تمّ قبولها وتعيين موعد جلسة لها في نفس النهار، والإستماع إليه لإصدار مذكّرة توقيف جديدة، بحيث أصبح الموضوع مهزلة، لذلك قد لا يكون بهيج أبو حمزة بريئاً من التهم المنسوبة إليه، ولكنّه حكماً تحوّل إلى ضحية للتسلّط السياسي على بعض القضاء.
إعادة القذّافي
• برأيك هل هنيبعل القذافي قضيّة سياسية، أم تطبيق للمثل القائل الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون؟ ولماذا لا يزال موقوفاً حتّى تاريخه؟
هنيبعل القذافي خطف خارج الأراضي اللبنانية، ويجب على الدولة اللبنانية الإفراج عنه فوراً، وإعادته إلى المكان الذي خطف منه.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 16 – نيسان 2017).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!