مقالات

ماري دنيز المعوشي.. جان دارك لبنان/ وليد أبو دية

المحامي وليد أبو دية:
ماري دنيز المعوشي
جان دارك لبنان… الثائرة في زمن الصمت.
“ماريز”، كما كان يحلو لك أن نناديك، أتعبت الخلفاء من بعدك.
“لقد أتعبت كلّ الخلفاء من بعدك يا أبا بكر”، مقولة قالها سيّدنا عمر الذي كان في أحد الأيّام يراقب أبا بكر الصدّيق في وقت الفجر، ولفت انتباهه أنّ أبا بكر يخرج كعادته إلى أطراف المدينة بعد صلاة الفجر ويمرّ بكوخ صغير يدخله لساعات، ثمّ ينصرف لبيته وهو لا يعلم ما بداخله ولا يدري ما يفعله أبو بكر.
مرّت الأيّام وما برح خليفة المؤمنين يزور هذا البيت، وما زال عمر لا يعرف ماذا يفعل الصدّيق داخله، إلى أن قرّر دخول البيت بعد خروج أبي بكر منه ليشاهد بأمّ عينه ما بداخله. وحين دخل الكوخ المتواضع، فإذا بسيّدة عجوز عمياء لا تقوى على الحراك ولم يجد شيئاً آخر في هذا البيت، فاستغرب ممّا شاهد وأبى إلاّ أن يعرف ما سرّ علاقة الصديق بهذه العجوز العمياء… سأل عمر العجوز: ماذا يفعل هذا الرجل عندك؟ وهو يقصد أبا بكر الصديق، فأجابت العجوز: والله لا أعلم يا بني، فهذا الرجل يأتي كلّ صباح وينظّف لي البيت ويكنّسه، ومن ثمّ يعدّ لي الطعام وينصرف دون أن يكلّمني…
جثى عمر على ركبتيه واغرورقت عيناه بالدموع وقال عبارته الشهيرة:” لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر”!.
ماري دنيز المعوشي كنت المثل والمثال ومدرسة في العدل والعدالة. مدرسة في الشجاعة والثقافة العالية. خضت معركة كرامة القضاء. فالقضاء سلطة دستورية مستقلّة، وهذه المعركة هي معركتنا نحن معشر المحامين.
قطعتي المسافة مطمئنة، تحدوك رغبة واحدة وهدف واحد..”كرامة القضاء”، وتكفيك تلك المأثرة.
لقد عرفتك عن كثب، ولسنوات معدودات، يوم حظيت بشرف ملازمة معالي النقيب شكيب قرطباوي يوم كان وزيرا” للعدل. عرفتك ثائرة طيّبة أنيقة مؤمنة قدّيسة ومتواضعة حتّى الثمالة. فالإستعلاء ما فتح للقاضي قلوب الناس.
لقد أبى عليك العدل إلاّ العدول. فلا الرئاسة استطاعت أن تستميلك، ولا المناصب أن تغويك، فأصبحت على كلّ شفة ولسان إمرأة المهمّات الصعبة “موكب في امرأة”.
أمّا وقد اتخذ الباري قراره ولبّيته إلى دار الخلود، وعدت إلى القصر الذي ينتظرك بعد أن أدّيت قسطك للعلى، عدلت فأمنت فنمت.
والله والله أنت من صنف الملائكة يا “ماريز”. وعلى ما استبدّ بنا وبعائلتك الكريمة وبالأسرة القضائية من حزن عميق على فقدك، نؤكّد على أن “لا شيء يشبه أن تتذكّر شخصاً قد رحل وتغلق عينيك وكأنّك لا زلت ترفض تصديق ذلك”.
صدق من قال: ما زلت أؤمن أنّ الانسان لا يموت دفعة واحدة، وإنّما يموت بطريقة الأجزاء، كلّما رحل صديق مات جزء، وكلّما غادرنا حبيب مات جزء، وكلّما قتل حلم من أحلامنا مات جزء، فيأتي الموت الأكبر ليجد كلّ الأجزاء ميتة فيحملها ويرحل.
فإلى والدتك الفاضلة منى بركة العائلة وزوجك الأكرم الدكتور عصام طربيه، وأولادك ليا، ميشال وأنطوان… إلى كلّ عائلتك ورفاق دربك ومحبّيك، لهم جميعاً ولنا كلّ العزاء حيث لا وداع، بل إلى اللقاء…
“محكمة” – السبت في 2018/07/28

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!