أبحاث ودراسات

محكمة الاستئناف الناظرة بالدعاوى النقابية(الحلقة الثالثة)/ ناضر كسبار

ناضر كسبار( نقيب المحامين سابقًا):
– ويبقى السؤال مطروحاً. اذا حجب مجلس نقابة المحامين اذن الملاحقة بحق محامٍ. فبوجه من تستأنف النيابة؟
سؤال أجابت عليه محكمة الاستئناف المدنية في بيروت – الغرفة الحادية عشرة والمؤلفة من القضاة الرئيس ايمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري وعضوي مجلس النقالة الاستاذين بيار حنا وايلي بازرلي.
فاعتبرت ان الاستئناف المقدم من النيابة العامة بوجه نقابة المحامين مردود شكلاً لتقديمه بوجه من ليس له صفة لانه كان يجب ان يقدم بوجه المطلوب الاذن بوجهه.
ومما جاء في القرار الصادر بتاريخ 2020/1/16.
أوّلاً: في الشكل 
حيث ان الاستئناف الحاضر قدم من النيابة العامة المالية، وارفقت ربطاً به صورة طبق الاصل عن الحكم المطعون فيه، وورد ضمن المهلة القانونية بتاريخ 2019/7/11 بعدما ابلغ من الجهة المستأنفة بتاريخ 2019/7/10، وسددت عنه الرسوم والتأمينات المتوجبة قانوناً، فضلاً عن ايراد الاسباب الاستئنافية فيه وتحديد الطلبات في خاتمته اصولاً، مما يتعين معه قبوله شكلاً سيما لاستيفائه سائر شروطه الشكلية المنصوص عليها في المادة /655/ من قانون اصول المحاكمات المدنية.
ثانياً: في مداعاة نقابة المحامين في بيروت
وحيث ان المستأنفة النيابة العامة المالية تختصم نقابة المحامين في بيروت كمستأنف بوجهها في النزاع الراهن باستئناف قرار مجلس نقابة المحامين في بيروت المنتهي الى حجب الاذن بملاحقة المحامي ج.
وحيث ان نقابة المحامين في بيروت طلبت اعتبارها غير معنية بهذا الطعن.
وحيث انه يقتضي التمييز بين نوعين من القرارات الصادرة عن مجلس النقابة، الاول يتعلق بالمسائل التنظيمية المرتبطة بالتنظيم الداخلي للمهنة داخل صفوفها، والثاني يتعلق بالمسائل التي تخرج عن هذا الاطار ومنها طلبات الترخيص بالملاحقة الجزائية، وطلبات الاذن بالتوكل او اقامة الدعوى ضد محام، بحيث اعتبر ان الخصم بالملاحقة الجزائية،وطلبات المحامين حرصاً على افساح المجال امامها لتبرير ما اتخذته من قرارات تنعكس على وضعها الداخلي، اما في الحالة الثانية فيكون الخصم هو من استجيب لطلبه اي من كان فريقاً مواجهاً في المرحلة الابتدائية للخلاف اي امام مجلس النقابة، فتكون النقابة في هذه الحالة غريبة وغير معنية مباشرة في النزاع وهي بمثابة المرجع الابتدائي الفاصل فيه، الامر الذي يحول دون توجيه الاستئناف ضدها.
(استئناف بيروت الغرفة الثالثة عشرة – قرار رقم 4 تاريخ 29/3/2000 – المحامي نبيل طوبيا حصانة المحامي في الاجتهاد اللبناني – 2011 – ص 221 – 222)
وحيث ان القرار المستأنف يندرج في اطار النوع الثاني من القرارات الصادرة عن مجلس نقابة المحامين، اذ انه يتعلق بطلب اذن بالملاحقة، فيكون الخلاف حاصلاً بين طالب الاذن (المستانفة) والمطلوب الاذن لملاحقته (المحامي)
وحيث يستشف مما تقدم انتفاء صفة نقابة المحامين للمخاصمة في الاستئناف الراهن المحصور بين طالب الاذن والمطلوب الاذن بوجهه، الامر الذي يقتضي معه اعتبار النقابة المذكورة غير ذي صفة للاختصام وبالتالي اخراجها من النزاع الراهن، فيمسي الاستئناف مردوداً لتقديمه بوجه من ليس له صفة.
وحيث بنتيجة الحل المساق، تغدو سائر الاسباب او المطالب الزائدة او المخالفة مستوجبة الرد اما لكونها لاقت رداً ضمنياً او لعدم تأثيرها على النزاع.
لذلك
تقرر بالاجماع:
1- قبول الاستئناف شكلاً
2- رد الاستئناف لانتفاء صفة المستأنفة بوجهها
3- رد سائر الاسباب او المطالب الزائدة او المخالفة
4- تعليق الرسوم والنفقات
قراراً صدر وافهم علناً في بيروت بتاريخ 2020/1/16.
– كما يطرح سؤال آخر: من يحق له استئناف قرارات مجلس نقابة المحامين المتعلقة بإعطاء الاذن او بعدم إعطائه بملاحقة محامٍ جزائياً وبوجه من؟
تنص المادة 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة على عدم جواز ملاحقة محام. لفعل نشأ عن ممارسة المهنة او بمعرضها الا بقرار من مجلس النقابة يأذن بالملاحقة. وان مجلس النقابة يقدر ما اذا كان الفعل ناشئاً عن المهنة او بمعرضها. واما مهلة اصدار القرار فهي شهر. وتقبل قرارات المجلس الطعن امام محكمة الاستئناف بمهلة عشرة ايام من تاريخ التبليغ.
يتبين من نص المادة المذكورة اعلاه انه يجوز للنيابة العامة من تلقاء نفسها او لصاحب العلاقة المدعي او وكيله المحامي بعد ان يستحصل على اذن بالتوكل عنه ،التقدم بشكوى جزائية ضد محامٍ. هذه الشكوى تحال حكماً امام نقابة المحامين حيث يستمع مفوض قصر العدل الى المحامي ثم يعرض الملف امام مجلس نقابة المحامين الذي يقرر بالتصويت ما يأتي:
1- اما حجب الاذن عن المحامي اي عدم اعطاء الاذن ضده.
2- او اعطاء الاذن بالملاحقة.
ويبقى السؤال: من يحق له استئناف قرارات مجلس النقابة بهذا الخصوص، وبوجه من؟
أوّلاً: في حالة عدم اعطاء الاذن بالملاحقة ضد محامٍ، من يحق له الطعن قي قرار مجلس النقابة؟
ان من يحق له الطعن في قرارات مجلس النقابة الآيلة الى رد طلب اعطاء الاذن بملاحقة المحامي، هي النيابة العامة فقط. ولا صفة للمدعي الشخصي للطعن، وان كانت له المصلحة في ذلك. اذ ان الطعن في هكذا حالة محصور بالنيابة العامة المولجة متابعة الاجراءات بعد تحريك دعوى الحق العام امامها بناء لشكوى المدعي. وفي هذه الحالة لا يمكن اعتبار المدعي، من خلال عدم طعنه بقرار مجلس النقابة بأنه اسقط حقوقه الشخصية.
وبالتالي، فإذا رد مجلس النقابة طلب اعطاء الاذن بالملاحقة بحق محامٍ ونظرته النيابة العامة، اي وافقت عليه، فلا يعود من مجال للطعن المذكور من قبل المدعي الذي لا صفة له بالطعن. وتقف القضية عند هذا الحد. لهذا السبب فإن امنية المحامي المدعى عليه الذي يكون قد حجب عنه اذن الملاحقة من قبل مجلس النقابة هي في عدم الطعن بالقرار من قبل النيابة العامة. اما امنية المدعي فتكون في الطعن به من قبل النيابة العامة.
وقد اكدت محكمة استئناف بيروت الناظرة في الدعاوى النقابية والمؤلفة من القضاة الرئيس ايمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري والعضوين المنضمين هذا المنحى في عدة قرارات صادرة عنها. ومنها القرار تاريخ 2016/6/16.
ثانياً: اما في حالة إعطاء الاذن بملاحقة المحامي جزائياً فإن حق الطعن يعود للمحامي المدعى عليه الذي عليه ان يوجه طعنه ضد النيابة العامة وليس ضد نقابة المحامين او المدعي الشخصي. وهذه نقطة بالغة الدقة اذ ان عشرات القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف ردت الاستئناف شكلا لتقديمه بوجه نقابة المحامين او بوجه المدعي الشخصي.
وقد فصلت محكمة استئناف بيروت برئاسة القاضي ايمن عويدات هذه النقطة بدقة في قرار صادر عنها بتاريخ 2015/5/7 حيث جاء فيه:
حيث ان المستأنف تقدم بإستئنافه الحاضر بوجه النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب ونقابة المحامين في بيروت، وذلك طعناً في القرار الصادر عن مجلس النقابة والقاضي باعتبار الأفعال المنسوبة اليه غير ناشئة عن ممارسة مهنة المحاماة وليست في معرضها.
وحيث ان شركة، وهي المدعية التي تقدمت بالشكوى الجزائية ضد المستأنف امام النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب بجرم شك دون مؤونة المحالة الى مجلس النقابة، تقدمت بطلب تدخل في المحاكمة الراهنة.
وحيث انه تجدر الاشارة من جهة الى ان نقابة المحامين تصدر نوعين من القرارات:
الاول يتعلق بالمسائل التنظيمية المرتبطة بالتنظيم الداخلي للمهنة داخل صفوفها، والثاني يتعلق بالمسائل التي تخرج عن هذا الاطار ومنها طلبات الترخيص بالملاحقة الجزائية وطلبات الاذن بالتوكل او اقامة الدعوى ضد محام، بحيث اعتبر ان الخصم في الحالة الاولى هو نقابة المحامين حرصاً على افساح المجال امامها لتبرير ما اتخذته من قرارات تنعكس على وضعها الداخلي، اما في الحالة الثانية فيكون الخصم هو من استجيب لطلبه او من رفض طلبه اي من كان فريقاً مواجهاً في المرحلة الابتدائية للخلاف امام مجلس النقابة فتكون النقابة في الحالة الاخيرة غريبة وغير معينة مباشرة في النزاع، الامر الذي يحول دون توجيه الاستئناف ضدها بصفة مدعى عليها او طلب ادخالها في المحاكمة.
وحيث انه تبعاً لذلك، يقتضي اخراج النقابة من المحاكمة لانتفاء صفتها للمداعاة.
وحيث يقتضي التنويه من جهة اخرى الى ان تحريك الدعوى العامة عندما يكون المدعى عليه جزائياً محامٍ، يتوقف على منح الاذن بملاحقة هذا الاخير من مجلس النقابة، ومن المعروف ان الدعوى العامة مناطة بالنيابة العامة للمادتين 5 و6 أ.م.ج. وبالتالي تكون هي المرجع المختص وصاحبة الصفة للتقدم بطلب الحصول على الاذن بملاحقة محام او تقديم استئناف يتناول قرار مجلس النقابة في حال رفض اعطاء الاذن بالملاحقة كما تكون صاحبة الصفة لتقديم الاستئناف بوجهها في حال اعطي الاذن بالملاحقة.
وحيث انه تبعاً لذلك تنحصر الخصومة الراهنة بين النيابة الاستئنافية طالبة الاذن والمحامي المطلوب الاذن بملاحقته دون المدعي الشخصي الامر الذي يقتضي معه رد طلب تدخل شركة.
يبقى ان نشير الى ان النقاط المتعلقة بإذن التوكل وإذن الملاحقة والشكوى المسلكية والشكوى الجزائية لا تزال غامضة لدى العديد من رجال القانون مما يستوجب اجراء محاضرات وندوات عديدة لشرحها تجنباً لرد الطعون شكلاً او لملاحقة المحامي الذي لا خبرة لديه في هذا الخصوص.
* * *
يبقى ان نشير الى ان مسألة ارتداء رداء المحامين لا تزال تثير الجدل امام محكمة الاستئناف برئاسة القاضي أيمن عويدات. إذ تنص المادة 95 من قانون تنظيم المهنة على ما يأتي:”على المحامي ان يرتدي رداء المحامين الخاص عند مثوله امام المحاكم”.
أما المادة 95 من النظام الداخلي فتنص على ما يأتي:”لا يحق للمحامي ان يرتدي ثوب المحاماة عندما يمثل في قضاياه الشخصية”.
وهذا الامر خلق اشكالية امام المحكمة اذ ان رئيسها القاضي أيمن عويدات كان ولا يزال يطلب من المحامي الذي يمثل امامه في الدعاوى النقابية سواء أكان مطلوباً ضده الاذن المدني او الجزائي، ارتداء ثوب المحاماة (الروب)، لأنّ نص القانون واضح ولا يميز بين المحامي الوكيل والمحامي الذي يحضر بصفته الشخصية، ونحن نؤيّده بهذا المنحى.
– عندما تصدر محكمة الاستئناف قرارها، فهو مبرم ولا يقبل اي طريق من طرق المراجعة.
“محكمة” – الأربعاء في 2024/3/20

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!