مقالات

جريمة المثلية الجنسية في القانون اللبناني والأديان السماوية/سلمان بركات

المحامي سلمان بركات*:
حضرة النقيب،
حضرة الرئيس الدكتور ماجد مزيحم،
حضرة الزميل الأستاذ أحمد صفي الدين.
أصحاب السعادة والفضيلة والسيادة،
أصحاب المقامات، وكلكم أصحاب مقامات
الحضور الكريم ،
بداية أوجه جزيل الشكر والإمتنان إلى سعادة النقيب الأستاذ ناضر كسبار على رعايته هذا الحفل وعلى كلمته، وعلى تطريزه كتابي بتقديم من جميل بيانه وحُسن بديعه ، وسعة علمه ومعرفته . والشكر موصول إلى الرئيس الدكتور ماجد مزيحم على مشاركته في هذا الحفل أيضاً وعلى كلمته البالغة الأهمية وللأستاذ أحمد صفي الدين على تقديمه.
السيدات والسادة.
كلّما أدخل نقابة المحامين من بابها العريض العامر، أرى بيارق الحرية ترتفع منها لتحلّق خفّاقة في سماء الوطن ، وأرى الحق متربعاً على كرسيها مطمئناً إلى رجالاتها وسيّداتها، فرسان العدالة الذي لا يخشون في الحقّ لومة لائم، وكلّما تفكّرت بتاريخها برهة من الزمن وجدتها أقدم في الميلاد من لبنان الكبير، تصهر وتصنع الرجال وتقدّمهم إلى الوطن رجالات دولة في الحكم والسياسة والإدارة، وعلماء أعلام في القانون والسياسة والأدب والثقافة.
هذه نقابتنا، أم النقابات، حامية الحريات والحقوق، ولا تتهم بخلاف ذلك ولا ترشق، فليبعد البعض عنها المآرب والغايات.


أمّا بعد….
وبالعودة إلى موضوع هذا الحفل، من نافل القول إنّ الغريزة الجنسية طاقة كامنة في جميع البشر لتؤدّي وظائف هامة عديدة في مقدّمها التكاثر، ولأجل تحقيق هذه الغاية أحاطها الله بأحاسيس مفعمة باللذة ليحقق البشر الهدف وعمران المسكونة.
لكن لأسباب وظروف معينة تتجه الطاقة الجنسية لدى بعض الأشخاص إتجاهات غير مألوفة، مخالفة تيار الحياة الطبيعية بممارسات شاذة يُعبر عنها بالشذوذ الجنسي، والمثلية الجنسية واحدة منها.
وتعتبر المثلية الجنسية من المواضيع الشائكة المطروحة في العقود الأخيرة بشكل كبير، وتجد حراكاً ودعماً لها في مناطق مختلفة من العالم، لاسيما الغرب، وبوسائل عديدة، سياسية وطبية وتشريعية وفنية وحقوقية.
ويشكل هذا الموضوع أحد التحديات المهمة في مجتمعنا حيث يُعمل على نشر أفكاره بين الحين والآخر بالوسائل المذكورة وغيرها، ما يؤثر سلباً في أفكار الأفراد، وينعكس على المجتمع بشكل عام، وعلى القيم الأخلاقية والأدبية والدينية والفكرية.
لذا رأينا من المفيد، بل من الضروري معالجته وكيفية التعاطي معه، وبحث ما إذا كانت المثلية الجنسية حالة طبيعية أم مرضية ؟ وهل تعتبر جريمة معاقب عليها أم فعل مشروع ومُباح وفقاً للقانون اللبناني ، الأمر الذي دفعني إلى إصدار الكتاب بعد دراسة عكفت عليها باحثاً في العديد من المراجع والمصادر اللغوية والفقهية والعلمية والقانونية. أطلقت عليه إسم “جريمة المثلية الجنسية في القانون اللبناني والأديان السماوية”، وقدّم له سعادة النقيب الأستاذ ناضر كسبار مشكوراً.


قسّمت الكتاب إلى قسمين، خصصت القسم الأول منه لدراسة المثلية الجنسية، وهل هي حالة طبيعية أم مرضية، وموقف القانون والأديان منها، وتناولت في المطلب الأول معنى المثلية وتعريفها في اللغة وفي الإصطلاح الفقهي، وتاريخها، والفرق بينها وبين غيرها مما يشابهها، كالتحول الجنسي واضطراب الهوية الجنسية، وناقشت السؤال الذي يطرح دائما ًهل الشذوذ الجنسي حالة طبيعية أم أنه حالة مرضية؟ فخلصنا إلى أنه لا يمكن الجزم بوجود “جين الشذوذ” وهذا ما أكده عالم الوراثة الأمريكي المؤيد للمثلية الجنسية، الشهير “دين هامر”.
ثم تناولت أضرار المثلية الجنسية، الأضرار الشخصية “الخلقية والنفسية والصحية” والأضرار الإجتماعية. كما عرّجت في المطلب الثاني من القسم الأوّل على موقف الأديان السماوية منها. عارضاً مواقف الإسلام والمسيحية واليهودية، مستشهداً بالعديد من الآيات والنصوص الدينية التي تحرّمها.
وفي المطلب الثالث، تناولت موقف القانون فعرضت موقف القوانين الغربية، الأوروبية والأمريكية والروسية، وأيضاً مواقف القوانين العربية، وتوقفت ملياً عند موقف القانون اللبناني بشكل خاص.
لم أجد في قانون العقوبات اللبناني نصاً خاصاً يجرم المثلية الجنسية ويعاقب عليها. لكن وجدت أن ممارسة المثلية الجنسية تندرج ضمن جريمة المادة 534/ من قانون العقوبات اللبناني التي تنص على “كل مجامعة خلاف الطبيعة يُعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة”.
وهذا يعني أن القانون اللبناني لم يجرم المثلية الجنسية وحسب، بل وسع من دائرة التجريم بحيث جعلها تشمل “كل مجامعة خلاف الطبيعة”.
لم يَحِد القضاء اللبناني عن هذا المفهوم، بل استقر على تطبيقه لكن في السنوات الأخيرة صدرت بعض الأحكام المثيرة للجدل ، لم تجرم المثلية الجنسية، ولا تعتبرها مجامعة على خلاف الطبيعة، وهي أحكام لم يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.
وهكذا يتضح لنا أن القانون اللبناني يجرم المثلية الجنسية، ما حملنا على بحث أركان هذه الجريمة بحيث أن ركنها المادي يتحقق بالممارسة الجنسية الشاذة (اللواط والسحاق).
أما الركن المعنوي هو النية الجرمية التي تتحقق في كل حالة يعلم فيها الفاعل بما يرتكبه من فعل وأنه فعل مخالف للفطرة الطبيعية، ومعاقب عليه قانوناً . بعد ذلك عرضت الوسائل المتبعة في لبنان لنشر المثلية الجنسية.
أما القسم الثاني من الكتاب فرعت منه مطلبين، مطلب أول تناولت فيه مواقف المؤسسات الدينية الخارجية واللبنانية من المثلية الجنسية.مواقف الأزهر الشريف والفاتيكان والكنيسة الأرثوذوكسية الروسية . وفي الداخل مواقف دار الفتوى والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذوكسية.
إنتقلت بعد ذلك إلى المطلب الثاني من القسم الثاني عارضاً مجموعة من الإجتهادات القضائية التي تجرم المثلية الجنسية والأحكام التي لا تجرمها مع تعليقي عليها.


كما أشرت في الكتاب إلى بعض التوصيات للحد من إنتشار المثلية في لبنان.
من هذه التوصيات:
1 ــ وجوب تعديل نص المادة 534/ من قانون العقوبات اللبناني بشكل يتضمن تجريم المثلية الجنسية والشذوذ الجنسي بشكل واضح وصريح، بحيث يسدّ كلّ ثغرة يُتذرّع بها لعدم تجريم هذا الفعل.
2 ــ حظر التجمعات واللقاءات التي تشجّع على المثلية الجنسية وكذلك الأمر بالنسبة للجمعيات الداعية إليها.
3 ــ القيام بحملة توعية إعلامية (رسمية وأهلية) لنشر مخاطر المثلية الجنسية على الأفراد والمجتمع.
4 ــ عقد الندوات واللقاءات والمحاضرات التي تشرح تلك المخاطر، بوسائل مختلفة في المدارس والأندية الثقافية والرياضية والإجتماعية وغيرها.
5 ــ قيام السلطات بدور فاعل لعدم انتشار هذه الظاهرة.
خلاصة القول، وجدت أن المبررات والذرائع التي يستند إليها أصحاب الرأي المؤيد للمثلية الجنسية ليست مبررات علمية موضوعبة مجردة، كما أنها ليست محسومة النتائج على الصعيد العلمي.
إنما يتم الترويج لها بحملة دعائية عالمية، تعتمد أساليب الضغط على الدول لإباحة هذه الظاهرة في تشريعاتها الداخلية بذريعة وجوب توافقها مع المواثيق والإتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة.
وتستخدم في سبيل ذلك وسائل الإعلام ووسائط الإتصال والتواصل على اختلافها وتنوعها.
وفي الختام ، أُكرّر شكري لحضرة النقيب الأستاذ ناضر كسبار ، ولأنّه النقيب الإستثنائي في الزمن الإستثنائي، العامرة قلوب المحامين حباً واحتراماً له ،المدافع عن قضايا الوطن والمواطن، عن الحريات وحقوق الإنسان، وأموال المودعين، ولكونه قيمة علمية ونقابية ووطنية، أُقدّم كتابي هدية للحضور الكريم عربون محبة وتقدير للنقيب ولعطاءاته.
عشتم، عاشت نقابة المحامين، عاش لبنان.
* ألقيت هذه الكلمة في الندوة التي أقيمت في “بيت المحامي” حول كتاب المحامي سلمان بركات:” جريمة المثلية الجنسية في القانون اللبناني والأديان السماوية”، وقدّم له سعادة النقيب ناضر كسبار، وذلك بحضور حشد من القضاة والمحامين. ووقّع بركات كتابه هذا للحاضرين.
“محكمة” – الأربعاء في 2023/4/26

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!