مقالات

تعديل مهام قوات الطوارئ الدولية في لبنان: حقٌ أم خرق لميثاق الأمم المتحدة؟/جهاد اسماعيل

الدكتور جهاد اسماعيل:
مما لا شكّ فيه أن القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي، رقم ١٧٠١ بتاريخ 2006/11/8، كان قد أُدرج ضمن الفصل السادس في ميثاق الأمم المتحدة، وهو فصلٌ تحتوي القرارات الصادرة وفقاً له على حل النزاعات الدولية بصورة سلمية، عندما يتعرّض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر(المادة ٣٣) أو عندما يحدث احتكاكاً دوليا قد يثير نزاعاً(المادة ٣٤) حيث يستطيع مجلس الأمن، في لحاظ المادتين ٣٣ و ٣٨، أن يدعو الأطراف إلى تسوية النزاع بينهم بالمفاوضة والتحكيم والوساطة أو اللجوء إلى الوكالة والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية أو التوصية بما يراه ملائماً من إجراءات لتحقيق الهدف المنشود وهو حفظ السلام، أمّا الاحتكام إلى الفصل السابع في الميثاق فيكون عند حصول تهديد للسلم أو إخلال به أو وقوع عمل من أعمال العدوان، ويتمتع المجلس، عندئذٍ، بسلطة اتخاذ القرارات التي يراها مناسبة أو اتخاذ تدابير عسكرية أو اقتصادية وسواها من الإجراءات الزجرية بهدف فرض السلام.
ومن ضمن الفقرات التي جاء بها القرار، رقم ١٧٠١، الهادف إلى وقف الأعمال العدائية على لبنان، هي مراقبة التزام الأطراف المتنازعة(لبنان والعدو الاسرائيلي) في وقف الأعمال الحربيّة عبر إرسال قوات طوارئ دولية إلى جنوب لبنان، وحصر مهامها في منطقة جغرافية معيّنة والتنسيق مع وحدات الجيش اللبناني.
وهذا القرار، في مجمل ما احتواه، كان تحت عنوان “الفصل السادس” الذي يلحظ ، في منطوق مواده، إلى دور وموافقة الأطراف المتنازعة على أيّ عمل يتخذه مجلس الأمن ضمن الوسائل السلمية المتعارف عليها سواء في التحكيم والوساطة والمفاوضة، أو في أيّ إجراء سلمي بطبيعته، ما يعني أن إرسال قوات طوارئ دولية محايدة إلى جنوب لبنان ومن أجل وظيفة حصرية وفق ما يُستشف من فحوى القرار ١٧٠١، يجد أساسه القانوني في المواد ٣٣، ٣٦، ٣٧ من ميثاق الأمم المتحدة، بغية تحقيق السلام الذي ينبثق عن إرادة الأطراف المتنازعة، لا سيما لبنان، إزاء موضوع معيّن، وبهدف محدّد.
وبالتاليK إن تعديل مقتضيات الموضوع والهدف يتوقّف، بالضرورة، وعلى وجه التلازم، على إرادة الطرف الذي استقر الحل في شأنه، في حين أن لبنان، وعبر قنواته الديبلوماسية، لم يُجرٍ تعديلاً في إرادته، ورغم ذلك أصدر مجلس الأمن الدولي، عصر اليوم، في ٣١ اب ٢٠٢٣ قراراً يقضي في تعديل مهام القوات الدولية، ليصل مداها إلى حريّة الحركة، أيّ التنقل من خارج المنطقة الحصريّة المحددة في القرار ١٧٠١، ومن دون التنسيق مع الجيش اللبناني، ما يغيّر من الماهية القانونيّة للقرار، ويُفرغ مواد الفصل السادس من مضمونها، باعتبار أنها تهيّئ الظروف للحفاظ على السلام عطفاً على أدوات سلمية وقائية بحتة، بينما مواد الفصل السابع تبدّد الظروف التي تهدّد السلام عملاً بآليات زجرية ردعية، حينها تصبح مهام اليونيفيل ، بعد التعديل الجديد، عنصراً من عناصر الأزمة أو المواجهة، وذلك لسببين:
الأوّل: إتخاذ قرار من دون الرجوع إلى موقف لبنان وحكومته، خلافاً للمرتكزات القانونية للفصل السادس من الميثاق أو للنظريّة العامة لسيادة الدول ، في المجال الداخلي والخارجي، التي تعني أن سلطة الدولة لا تخضع لأيّ سلطة من الداخل والخارج، بل تخضع لها سائر السلطات.
الثاني: تغيير طبيعة ومهمة “القوات الدولية” التي تُدرج، بعد التعديل المستجد، من ضمن الإجراءات الزجرية لا السلمية خلافاً لأحكام المواد ٣٣، ٣٥، ٣٦ من ميثاق الأمم المتحدة، وهو طارئٌ يتعارض مع الاسنادات القانونية للقرار الأساسي(١٧٠١).
وما يعزّز هذا المنحى من التحليل، هو أنّ قرارات الفصل السابع، أساساً، أيّ القرارات التي ترتكز على مواد ميثاق الأمم المتحدة(39 حتّى ٥١) وتتضمن، في الوقت نفسه، آليات ملزمة وزجرية، تُبقي هامشاً من الإرادة للأطراف المتنازعة وذلك حينما نصّت المادة ٤٠ من الميثاق على إمكانية مجلس الأمن، قبل اتخاذ توصياته أو التدابير المنصوص عليها في المادة ٣٩، دعوة المتنازعين للأخذ بما يراه ضرورياً أو مستحسناً من تدابير مؤقتة، على ألا تخلّ هذه التدابير بحقوق المتنازعين ومطالبهم وبمركزهم، وهذا النصّ، في رأينا، يقودنا إلى تفسيرين:
الأول: حثّ مجلس الأمن الدولي على اتخاذ إجراءاته بالتدرّج أو التتالي قبل عملية فرض السلام.
الثاني: إشراك الأطراف المتنازعة بقدرٍ من الرأي، حفاظاً على حقوقها ومركزها ومطالبها، وتفادياً لأكبر حدٍ من النتائج المترتبة عن قرارات الفصل السابع.
لذلك، يتضح مما تقدّم أن قرارات مجلس الأمن الدولي، سواء ارتكزت على مواد الفصل السادس أو الفصل السابع، لا تُلغي دور إرادة لبنان كدولة مضيفة للقوات الدولية، إذ إنّ المجلس، تحت عنوان “الفصل السادس”، السلمي بطبيعته ونتائجه من الناحية النظرية، أصدر قراراً زجرياً من دون العودة إلى موقف لبنان الرسمي، وأدخل “اليونيفيل”، استطراداً، في آتون العمل الحربي لا الاستطلاعي، فيكون قد ارتكب خطأً قانونياً فادحاً في اتخاذ قرار لا تنشده أحكام ميثاق الأمم المتحدة، كونه خرقاً لا حقّاً يملكه مجلس الأمن، حين جرى إغفال تحفظّات لبنان بشأن مهام “اليونيفيل” في جنوب لبنان من أجل مراعاة المصالح الأميركية – الإسرائيلية.
“محكمة” – الخميس في 2023/8/31

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!